الثلاثاء, 19-سبتمبر-2006
عبد المجيد التركي -
اعترافات دهشة قاتلة
ها قد أتيتِ كناقلةٍ مفخَّخةٍ بالغاز.. يقودكِ مارجٌ من الحنين..
وها أنذ ا أحاول عبور الشارع كمعاقٍ لم تسعفه يداه في الوصول إلى أمان الرصيف، ولم يشفع له عدم قراءته للتحذير الأحمر بالابتعاد 100 قدم.. لأنه لا أقدام له.
كانت الدهشة تتوسطنا كتنورٍ أسطوري فجَّر كريات دمي- بشتى ألوانها وأحجامها- حتى امتلأ دمي بالفقاقيع.. وأصبحتُ ملطَّخاً بالرغوة كطفلٍ يتيمٍ يغتسل لأول مرة..
كم تمنيت أن تخضِّيني كزجاجة الكوكاكولا لإخراج تلك الفقاقيع كي أتمكن من الحفاظ على ما تبقى مني.
عندما كنتُ أرى ضوءك الأخضر- باستمرار- اعتقدتُ أنكِ إشارة مرور مطوَّرة.. تماديتُ في سيري فوصلتُ إلى طريقٍ مُطلٍّ على هاوية سحيقة.. تمنيتُ حينها لو أنكِ كنتِ إشارة تقليدية لتريني العين الحمراء.
أقف أمامكِ كطفلٍ يمسكُ بالقلم لأول مرة يحاول كتابة حروف الهجاء.. كرجلٍ أعمى يشاهد فيلماً سينمائياً مرعباً ويغطي عينيه بيدي كلما سمع صوتاً مخيفاً..
كمحاربٍ أعزل صُوِّبت نحوه آلاف البنادق وطوَّقته أفواه المدافع الجائعة.. كصبيٍّ يربطه والده بحبلٍ ويرمي به في الماء ليعلِّمه السباحة، فيفتح عينيه ولا يرى غير خوف غامض ومياه متوحشة تشرب كل ما فيه من شجاعة كان يتظاهر بها أمام أقرانه.
تعلمين أني أكره الانقلابات العنيفة.. فما عساي أن أفعل- بعد أن كشفت لي عن كل أسلحتكِ دفعة واحدة- سوى لملمة أجزائي التي بعثرتها الشهقة.
حرريني لأعود إلى ممارسة موتي الذي اعتدتُ عليه أكثر من اعتيادي على حياتكِ التي كادت تلغي كينونتي.
أفضِّل حزني الآمن على فرحتك الموحشة..
سأعود إلى ظلامي المؤنس.. فلئن أكون خفاشاً طليقاً خير لي من أن أكون زهرة تقضي ليلها في انتظار الشمس لتعبدها يوماً كاملاً.
سأعود إلى الظلام.. فالأضواء المبهرة تجلب العمى.. فحسبي من كل هذه الأضواء ما يضيء لي الطريق فقط.
(عناوين ثقافية)
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 12-مايو-2024 الساعة: 02:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/35124.htm