الأحد, 29-أكتوبر-2006
المؤتمر نت - . د. عبدالعزيز المقالح - نقلاً عن صحيفة الخليج -
التعصب وفقدان الطمأنينة
العالم كله وليس العرب وحدهم هم الذين يعيشون حالة استثنائية من فقدان الطمأنينة والشعور بالاستقرار الروحي والنفسي. والسبب يكاد يكون واحداً ووحيداً وهو التعصب، هذا الفيروس المنتشر في الآفاق والذي يضرب في كيان البشرية ويكاد يمنعها من التعايش في أمن وسلام. وقراءة فصول من التاريخ البعيد والقريب تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك انه اذا ما استشرى التعصب في زاوية من زوايا العالم الذي لم يعد واسعاً ولا متباعد الأطراف ولم يسارع العقلاء بإطفاء حرائقه الصغيرة فإنه لن يلبث ان ينتشر ويتسع نطاق ضحاياه، وما أخبار الحرب العالمية الثانية ومآسيها ببعيدة ولا تزال آثارها عالقة على وجه الأرض وعلى وجوه بعض معاصريها الأحياء.

وعندما نمعن النظر بإخلاص سوف نجد أن الأديان لم تكن مصدر التعصب كما يقول البعض ولا مصدراً للاختلافات المؤدية إلى الحروب المعلنة وغير المعلنة، ولم تكن المذاهب المتفرعة من هذه الأديان هي السبب القريب أو البعيد للحروب والمغامرات الطائشة التي عانت وتعاني منها البشرية في ماضيها وحاضرها. وما يبعث الرعب في النفوس ويضاعف من انحسار الشعور بالطمأنينة سبباً وأسباباً للتعصب خدمة لأغراضهم وأهدافهم السياسية والاقتصادية، وبغض النظر عما يلحق البشر من آثام هذه الأغراض وهذه الأهداف. والواضح أن السياسية التي كانت اختياراً حراً وانتماء شخصياً تحولت في الوقت الراهن الى مصدر من مصادر التعصب والاقتتال اليومي. كما أن الاقتصاد وهو عصب الحياة كما يقولون صار واحداً من أهم مسببات التعصب النظري والتطبيقي الذي يفتك بالوقت ويفترس كل إحساس بالطمأنينة.

ولو أننا وضعنا السياسة والاقتصاد جانباً، فإننا سوف نكتشف مصادر اخرى لا تنتهي للتعصب وافتعال الخلافات داخل البلد الواحد والثقافة الواحدة، فهناك تعصب لبعض الفنون ولأشكال من الموسيقا يصل بالمتعصبين إلى درجة يستعد معها كل فريق لإعلان حرب لا هوادة فيها ضد الفريق الآخر. ولا ننسى في هذا الصدد الحروب والمنازعات حول اشكال الكتابة والشعرية منها بخاصة والذين يظنون ان التعصب لهذه الأشياء الصغيرة غير مهم ولا يشكل مخاطر على الانسانية واهمون، فكل شكل من أشكال التعصب ينمي في الواقع حالة من العداء ويجعل التعايش مستحيلاً. كما ان التعصب في كل حالاته وفي جميع صوره وأشكاله دليل الفشل وعلامة من علامات غياب الإيمان الحقيقي بضرورة أن يتقبل بعضنا بعضاً وأن يكون هناك قاسم مشترك يوحد بين المختلفين في وجهات النظر تجاه بعض القضايا والأمور والأشياء والتسامح وحده هو العلاج الناجع والأكيد.

لقد استطاع العصر الحديث بمخترعاته وبما نشرته وتنشره وسائل التوصيل الحديثة من أفكار وسياسات أن يخلق حالة من التشوش والاضطراب في جميع أنحاء العالم، وأن يضاعف من حساسيات الاختلاف غير الواعي وغير المنطقي وما يترتب على ذلك من تعصب مبالغ فيه ترافقه حالة من عدم الايمان بالقيم الروحية التي تضع حدوداً للخلافات وحدوداً للنعرات، والأدهى والأمرُّ بالنسبة لنا نحن العرب أننا ابتعدنا ونبتعد كل يوم عن الأخذ بأسباب التقدم والنهوض العلمي والصناعي وأن التعصب للأمور الصغيرة والثانوية أوشك على أن يأكل أوقاتنا وجعلنا نموذجاً للعجز عن حل أبسط المشكلات. ومع التراكم المخزي للخلافات وغياب أي إنجاز حقيقي في الحياة تدهور مستوى العقل وغابت الحكمة وافتقدنا القاسم المشترك، وأصبح كل فرد منا بتعصبه جزيرة منفردة تدور في فلك الإحباط والتخبط ولا تدري إلى أين المصير.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 06:37 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/36162.htm