الخميس, 16-نوفمبر-2006
المؤتمر نت - محمد حسين العيدروس المؤتمرنت -
مؤتمر لندن .. توطيد لثقة دولية
سابقة تاريخية أن يجتمع الشرق والغرب ، وتحتشد قيادات حكومية من شتى أرجاء الأرض من أجل مستقبل بلد واحد كان حتى أعوام قليلة خلت- لا يكاد يعرف اسمه بعض من سكان الأرض ، وكانت الأقلام لا تأتي على ذكره إلا ورسمت له في الأذهان صورة لحياة من القرون الوسطى والبدائية المقيتة .
لكنها سابقة تاريخية أيضاً أن يتجاوز بلد تلك الظروف والأوصاف في غضون أعوام قليلة- بقياس زمن التطور الحضاري للأمم – فيشيع صيته ، وينقلب حديث الحياة البدائية إلى لغة عصرية تتمنطق بمفردات حداثية كالتي يتم تداولها في دول متقدمة مثل الديمقراطية ، والحريات الصحفية ، وحقوق الإنسان ، ومجتمع مدني مترامي الأطراف ، وإصلاحات سياسية واقتصادية ، وأدوار في ترسيخ ثقافة سلمية على صعيد إقليمي ودولي ، وأخرى لمكافحة الإرهاب الذي يهدد أمن المجتمعات البشرية .
لا شك أن الصورتين رسمتهما نفس الأقلام ، لكن صنعتهما إرادات سياسية مختلفة في أسلوب حكمها ، وبعد نظرتها للمستقبل ، وآفاق طموحاتها ، وزوايا فهمها لعلاقة السلطة بالجماهير؛ أي بين من يرى شعبه رعية تابعة لا حق لها في رأي أو مُلُك ، وبين من يرى شعبه شريكاً معه في كل شيء – حتى في حق تداول السلطة – مثلما فعل الأخ الرئيس علي عبد الله صالح الذي أرسى مفاهيم جديدة للحكم ، ولأسلوب بناء الدولة الحديثة ، ولأولويات ذلك البناء تبعاً للخصوصية اليمنية وما تقتضيها من تدرج مرحلي في بلوغ الغايات الوطنية والتحولات المنشودة .
ومن هنا نجد أن التفسير لوجود هذه الحشود الدولية -التي تجتمع في لندن تحت مظلة مؤتمر المانحين -ينبغي أن يستحضر للذاكرة تكلما الصورتين من تاريخ الدولة اليمنية ، لكون المقارنة بينهما تترجم حجم الإرادة الوطنية اليمنية التي استطاعت نقل اليمن وشعبها إلى نمط جديد من الحياة الإنسانية الكريمة التي باتت موضع إعجاب المجتمع الدولي ، ومصدر حماسه للوقوف إلى جانب الحكومة اليمنية ومساعدتها في التغلب على كل المعوقات التي تكبح جماح إرادتها السياسية في المضي قدماً في ركب الحضارة العالمية ، والتطور الهائل في أساليب الحياة التي تعيشها الشعوب المتقدمة .
فالتئام جمع الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوروبي ، والولايات المتحدة ، والمانحين الآسيويين ، و ريادة أولى لدول مجلس تعاون الخليج العربي ، وبمشاركة فخامة الأخ رئيس الجمهورية كلها تؤكد الغاية التي يجتمع لها كل هذا الحشد ، هي ليست بالأمر الهين بقدر ما هي غاية عظيمة يراد بها تأهيل الاقتصاد اليمني والدفع بعجلة التنمية اليمنية بخطى سريعة إلى الأمام ، لكونها لم تعد بلداً مهمشاً في أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة العربية ، بل أن حضورها الدولي القوي الذي اكتسبته بالسياسات التي أكدت قدرتها على تعزيز السلام الدولي هو من خلق الضرورة التاريخية لدعم اليمن .
ولعل ما نراه اليوم من وقفه خليجية جادة ، وصادقة من جميع الأشقاء في مجلس التعاون لهو دليل ثقة بأمور عديدة منها : الحكمة السياسية للقيادة اليمنية والوضوح التي تتعامل به على مختلف المستويات ، والقدرة على التغيير والتحول ، وبأهمية اليمن في الحسابات الخليجية الاقتصادية التكاملية ، والأمنية والقومية ، والقدرات البشرية ، وفي التأثير في المحيط السياسي الدولي ، وكذلك الثقة التي تنامت من خلال العضوية الجزئية التي منحها مجلس التعاون لبعض القطاعات اليمنية فأثبتت اليمن جدارتها بهذه الشراكة ، وقابلية التفاعل مع معطياتها في المجال التطبيقي .
وبالتأكيد فإن اليمن تضع في اعتباراتها رهانات كثيرة معلقة على مخرجات المانحين في لندن وهي – في الحقيقة – رهانات تواجه بها تحديات عديدة تعترض مسيرة نهوضها ، ابتداءً بمعدلات النمو السكاني المرتفعة التي تصل إلى (3%) والتي تنعكس على حياة المواطن اليمني من خلال عدم كفاية الموارد الطبيعية في تلبيه الاحتياجات الأساسية من الخدمات ، وفرص العمل ، والتعليم ، والرعاية الصحية ، والمياه ، وغيرها من الأمور التي تسببت بها الزيادة السكانية الهائلة التي تبتلع كل مخرجات التنمية الوطنية .
ونظراً لضعف الموارد الطبيعية لدى اليمن ، ومحدودية الإنتاج النفطي ، ووقوف أزمة المياه حائلاً أمام التوسع في القطاع الزراعي ظلت هناك فجوة كبيرة بين إمكانيات الدولة وحجم متطلبات الزيادة السكانية ، وبالتالي فإنه مالم يتم تقليص هذه الفجوة بدعومات خارجية من الأشقاء في مجلس التعاون والدول المانحة فإن المشكلة ستبقى قائمة ، بل وتتفاقم .
ومن هنا تأتي رهانات اليمن على مؤتمر المانحين ، ليكون ذلك بمثابة فاصل تاريخي تختزل به اليمن أعوام المعاناة ، وتنتعش به الحياة المعيشية للمواطن بفضل ما ستجنيه الاستثمارات من موارد جديدة ، ومن فرص عمل للشباب الذين يشكلون أغلبية في المجتمع، وهي بالنتيجة مرتكزات أساسية لترسيخ الاستقرار والأمن في اليمن والمنطقة كاملة .
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 01-مايو-2024 الساعة: 04:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/36878.htm