د. عبد العزيز المقالح -
عن اليمانيين الذين سفحوا دماءهم علي تراب فلسطين
تقتضي الضرورة والواجب علي عرب اليوم العودة دائماً أو بين حين وآخر إلي تاريخهم البعيد والقريب لقراءته قراءة واعية مستوعبة وتقليب صفحاته لا للتسلية وإزجاء الفراغ وإنما لإيقاظ وعينا وإدراك ما يحيط بواقعنا من مخاطر، مع استنطاق أحداثه التي ما تزال لها تأثيرها المباشر علي الحياة العربية الراهنة. وكثيرة هي الأحداث التي شهدها العرب في ماضيهم البعيد والقريب لكن ليس من المبالغة القول بأن أكثر تلك الأحداث أهمية وتأثيراً هي تلك التي ارتبطت بفلسطين قديماً وحديثاً التصاقاً بواقع اليوم هي الأحداث هذه التي رافقت حرب 1948م، وما تلاها من حروب كان آخرها الحرب العدوانية في يوليو 2006م التي شنها الكيان الصهيوني علي لبنان. ولأن حرب 1948م كانت الأولي علي هذا الصعيد الدامي فإننا سنتوقف قليلاً عند شهدائها وأغلبهم من أصحاب الأرض المقاومة نفسها كما أن فيهم الكثير أيضاً من أبناء مصر والأردن والعراق وسوريا والسعودية ولبنان وليبيا واليمن. وهؤلاء الشهداء الذين ينتمون إلي معظم الأقطار العربية هم من الذين رفضوا أن يقفوا - كما هي الحال اليوم - موقف المتفرج. وإذا كانت بعض حكومات ذلك الزمن - زمن أواخر الأربعينيات - قد حاولت تجاهل ما يحدث في فلسطين فإن مواطنيها ويعمل حافز ديني وقومي قد استشعروا واجبهم واستجابوا لنداء الجهاد المقدس وانضموا متطوعين، وهذا ما يكشف عنه كتاب (سجل الخلود.. اسماء شهداء الأمة العربية في حرب فلسطين عام 1948م قراءة جديدة).
والكتاب جمع وتأليف الأستاذ عارف المقدسي وقد ظهرت طبعته الأولي في عام 1958م ثم قام بتحقيقه ومراجعته الأستاذ (أبو حسان) خالد أبا زيد الأذرعي وتولي نشره في هذا العام 2006م. يقع الكتاب في 475 صفحة من القطع الكبير. ويضم قوائم بأسماء كل الشهداء ومواقع استشهادهم.
ويعد هذا الكتاب - بحق - واحداً من الكتب النادرة التي تأتي في أوانها لكي تذكر الأبناء والأحفاد بالشهداء العرب الذين قضوا نحبهم دفاعاً عن فلسطين والمقدسات الغالية في هذا البلد العربي العزيز الذي يتعرض منذ ستين عاماً ويزيد لعدوان مستمر ولاحتلال استيطاني هو الأقسي والأفحش في التاريخ. وأهمية الكتاب لا تأتي من توثيقه فحسب وإنما تأتي أيضاً من تأكيده علي وحدة المقاومة العربية وكونها الأساس الذي ينبغي الاعتماد عليه في إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني الذي يتطلع إلي مزيد من المغانم والمستوطنات.
يضاف إلي ذلك انه - أي هذا الكتاب - يذكّر الشعب العربي وأنظمته بشهداء الواجب الذين ستظل دماؤهم تصرخ صباح مساء مطالبة بالثأر واسترجاع الأمانة.
وبما أن الحديث في هذه الزاوية يحاول أن يكون مقتصراً علي شهداء اليمن الذين دخلوا سجل الخلود بمشاركتهم في الدفاع عن أرض فلسطين العربية وعن المقدسات التي هي أمانة في أعناق كل عربي ومسلم فإن الإشارة إليهم لا تأتي بقصد التباهي أو بغرض التفاخر وإنما لتثبت أن اليمن - الذي كان قادراً في أسوأ الظروف (أربعينيات القرن الماضي) علي المشاركة بالعشرات ممن تطوع من ابنائه - قادر اليوم وغداً وتحت كل الظروف علي المشاركة في منازلة العدو التاريخي للأمة مهما كلفه الأمر من التضحيات.
وأن شعار اليمنيين المرفوع دائماً يتجسد في هذين البيتين من الشعر اللذين يتقدمان صفحات كتاب (سجل الخلود) وهما لشاعر فلسطين الراحل عبد الكريم الكرمي (أبو سلمي):
سنثأر ما عشنا ويثأر بعدنا
بنونا بثورات تُشيبُ النواصيا
فيا دهرُ لا تقلقْ علي المجد وانتظر
ألوف الضحايا تقرع الباب ثانياً
تأملات شعرية:
أنتَ
من دون الدم المسفوح
فوق الأرض
لا شيءَ،
ولا شيءَ عليها
سوف يُدعّْي بالوطنْ.
يا شهيداً
عبرت أحلامهُ الأرضَ
ونامتْ روحه هانئة
يتملاها الزمنْ.
* نقلاً عن الرايةالقطرية