السبت, 07-يوليو-2007
المؤتمر نت -   الاستاذ/ عبده بورجي -
في وداع مناضل شريف
أعترف بأنني لا أجيد كتابة المراثي وتفر الكلمات مني كلما حاولت أن أودع عزيزاً يغيبه الموت عني فجأة وترحل روحه في رحلتها القدرية إلى بارئها وحيث لا راد لقضاء الله ولا مناص من مواجهة المصير الحتمي الذي ينتظر كل إنسان منا في هذه الحياة في أي لحظة وأي مكان "كل نفس ذائقة الموت ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"
"وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت" .. صدق الله العظيم
لقد تكرر هذا الحال معي عندما غيب الموت أخي وتوأم روحي الدكتور/ عبدالله رحمه الله وهو في ريعان شبابه وعندما شاءت إرادة الله التي لا ترد وفي لحظة خاطفة من الزمن قبل أكثر من شهر من ألان أن تحتار أبي تغشاه الله برحمته واسكنه فسيح جناته وكثيرون كثيرون من الأحبة والأعزاء انتقلوا إلى حياتهم الأبدية مشيعين بدموعنا واحزاتنا على رحيلهم وفراقهم ولم يبقي لنا منهم غير الذكرى الطيبة
والذكر الحسن .. ولكنني اليوم أجد نفسي . مدفوع برغبة الكتابة عن عزيز ودعناه قبل أيام في رحلة الموت المستمرة ..

انه عزيز عرفته عن قرب وربطتني به صلة من الصداقة والمعرفة الشخصية الوثيقة والمودة الطيبة المتبادلة والتواصل الإنساني الحميم منذ ما يزيد على 15 عاماً عندما زرته لأول مرة في شقته المتواضعة في حي البلقة بصنعاء وتكررت لقاءاتنا المتباعدة في صنعاء أوعدن أو القاهرة وعقب كل زيارة أو لقاء معه يستوطن نفسي أعجاب واحترام بالغة ومتزايد لشخصته وتاريخه ودوره الوطني وصفاته وسجاياه الإنسانية والتي كان أهمها التواضع الجم والزهد في مطامع الدنيا ودماثة الخلق الرفيع ونكران الذات في سبيل أهداف وغايات وطنية وإنسانية نبيلة.. انه المناضل الثائر والإنسان العظيم اللواء محمد قائد سيف عضو مجلس قيادة الثورة السابق وصاحب التاريخ الوطني الناصع الذي يحكي سفر حياته وتاريخه الكثير من المواقف والأدوار الوطنية والإنسانية المشرفة التي تجبرك على احترامه والانحناء له تقديراً وإعجاباً بما قدمه من اجل وطنه وشعبه في صمت وتواضع ونزاهة دون منة أو انتظار في مقابل ذلك جزاءً أو شكوراً

ولقد اتاح لي صديقاي العزيزان نجليه الدكتور احمد وقائد قبل أيام الإطلاع على مسودة لمذكرات الفقيد الراحل التي فرغ رحمه الله من إعدادها قبل فترة قليلة من رحيله المفاجئ في مستشفي ألجامعه الأمريكية ببيروت حيث كان يتلقى علاجه على اثر إصابته بنوبة قلبية وكان على وشك الدفع بتلك المذكرات بعد وضع بعض اللمسات الفنية عليها لتطبع وتخرج إلى النور وقد استعان بالزميل( خالد الصوفي) نائب مدير المركز الإعلامي بالقاهرة وفي عدة جلسات لتدوين ذكرياته ووقائع الأحداث والمواقف التي عاشها ورواها منذ أن بداء مشوار حياته ومسيرته النضالية بعد تخرجه من الكلية العسكرية بالقاهرة في عام 1954م وكان ثاني طالب يمني يتخرج منها ليؤسس بعد عودته إلى تعز كلية الشرطة ويتولى قيادة المحور الجنوبي مروراً بمشاركته الفعالة إلى جانب زميله ورفيق دربه الشهيد احمد يحيى الثلايا في تفجير ثورة عام 1955م ضد الإمام احمد وحيث كان الفقيد الكبير احد ابرز قادتها ومفجريها ولم ينجو من مقصلة الموت التي أعدها الإمام احمد لقادة تلك الثورة بعد فشلها إلا باعجوبه ليفر إلى عدن ناجيا بنفسه ويواصل مسيرة أخرى من النضال انتصارا لإرادة الشعب في الثورة والتحرر والانعتاق من حكم الطغيان والاستبداد الأمامي
وفي المذكرات التي قرأتها ما يروي الكثير عن الرجل ونضاله ومواقفه وتاريخه .. ولعل أهم ما يمكن استقراؤه من تلك المذكرات أنها تكشف سجية اللواء محمد قائد سيف وتواضعه وزهده وحبه لوطنه وأبناء شعبه كما تغيب فيها "ألانا المتضخمة" التي عادة ما نجدها بين ثنايا مثل هذه المذكرات التي ينشرها مناضلون أو أدعياء نضال وحيث تختلط الحقائق بالأساطير والزيف وتتضخم الذات في محاولة لإقناعنا بادوار ومواقف لا اصل لها في الواقع ولا وجود لها سوى بين ثنايا وسطور تلك المذكرات ولعل أروع ما قرأته عنه بعد رحيله تلك الشهادات الصادقة التي قدمها عدد من رفاق نضاله ودربه وعدد ممن تتلمذوا على يديه ومنها تلك الشهادة التي قدمها اللواء محمد حاتم الخاوي الذي قال عن الفقيد بإنصاف " أنا اعتبره من الشخصيات التي كان ينظر إليها نظره خاصة لذهنه المتوقد ووطنيته الصادقة وكان من الشخصيات القيادية التي شاركت في سلسلة من الانقلابات والتحرر من الإمام .. وأستطيع القول بأنه كان وحيدا ً في عدم استغلال المراكز والمناصب التي تبوأها وكذلك لم يستغل وجاهته لمصالحه الشخصية وبالتالي أنا اعتبره من خيره وأنزه القوى الوطنية التي عرفتها حركة 1955م بتعز وثورة 26سبتمبر الخالدة التي قضت على حكمة ألائمة إلى الأبد"

وكذلك ما قاله عنه اللواء محمد ضيف الله محمد" لم يكن اللواء محمد قائد محمد سيف بالنسبة لي زميل وإنما كان بمثابة الأب وكان يتمتع بأخلاق عالية وله دوره العظيم في قيام الثورة لا احد يستطيع أن ينكره.. وبالنسبة لنا كضباط شباب في أيامها كنا نكن له كل احترام وتقدير ولا أستطيع ان نقول عنه إلا انه الرجل المناضل الشريف الذي ضحى وعاش وهو زاهد في كل مضامين الحياة "
ذات يوم سألته رحمه الله ونحن نجلس معاً في شرفة شقته المطلة على ميدان التحرير بالقاهرة ... ما الذي تعتز به في مسيرة حياتك ؟ وما الذي كنت تتمناه ان يتحقق لليمن وانتم تناضلون في سبيل إخراجه من عهود الظلام والاستبداد والتخلف.؟

قال بتلقائية معهودة عنه ما أعتز به وغيري أن ثمار ما ناضلنا من اجله تقطف ثماره اليوم الأجيال اليمنية المتعاقبة الحرية والكرامة والعلم والتطور وأغلى ما كنا نتمناه ان يتوحد اليمن ويلتئم شمل أبناءه وقد تحقق بحمد الله هذا الحلم العظيم علي يد رجال مخلصين من أبناء الثورة وفي طليعتهم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح الذي جعلنا نشهد ذلك الحلم في حياتنا وواقعنا إنجازا ً تاريخياً ووطنياً وقومياً عملاقاً ورائداً يعتز به كل يمني ويمنية وكل أبناء والعروبة والإسلام
رحم الله المناضل اللواء محمد قائد سيف .. لقد خسر الوطن برحيله واحداً من رجاله الأوفياء المخلصين الذين كرسوا كل جهودهم من اجل غاية وطنية نبيلة وهي أن يتحرر اليمن وشعبه من طغيان عهود ألائمة والاستعمار وينال الحرية والاستقلال وبناء غدٍ يمني أفضل
رحل هذا الإنسان ذو الخلق العظيم في هدوء تاركاً وراءه لأبنائه وتلامذته ومحبيه تاريخاً ناصعاً بالنضال والزهد والشرف والوطنية الحقة..

وليترك رحيله في نفوسنا مشاعر الحزن العميق والغصة المشحونة بالأسى على هذا الفراق الأبدي لمناضل وطني كبير وإنسان ودود عرفته عن قرب في سيرته العطرة ما تستحق أن تتعلم منها الأجيال لكثير وتقتدي به في حياتها.
أنا لله وإنا أليه راجعون
تمت طباعة الخبر في: السبت, 12-أكتوبر-2024 الساعة: 08:42 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/46354.htm