المؤتمر نت - نبيل حيدر

الأحد, 26-أغسطس-2007
نبيل حيدر -
السلاح.. وأصابع (قابيل)..!!
إبليس والنفس الأمارة بالسوء وشياطين الأنس لا تسمح بأن تكون الدنيا من حولنا مثالية.. ولم تكن الحياة وردية مائة بالمائة في يوم من الأيام.. وبسبب هذا المثلث الحيوي والدائم لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن وجود سلاح يحميه ويدفع به شر إنسان آخر عبث في صدره وسواس خناس ودعاه إلى الإقتداء بـ"قابيل" في تعاملاته.

حملة السلاح الناري يعجبهم هذا الكلام واتخيلهم يقولون ليّ "صح لسانك" لكني لم أنته وما قلته هو مبتدأ يجر بعد الخبر.. وأبصم بالعشرة والعشرين أن خبري سيحول إعجابهم إلى شظايا تتطاير بالشرر من عيونهم.

أعود إلى أصل الموضوع وأقول إن تلك الضرورة تستدعي شقيقة لها هي ضرورة التحكم والسيطرة والتنظيم لوجود السلاح وهي اليوم مهمة ووظيفة ومسئولية الدولة.. وهذا معناه ألا تكون الدنيا سائبة وألا يكون السلاح بمختلف تصنيفاته هائماً على وجهه في المدن والبراري.. ومن المعاني أيضاً ألا يظل السلاح تائهاً بتوهان كل من فشل في مواجهة متاعب الحياة أو قلَّ صبره أو من تقزَّم عقله أو تضخم بالدهاء المتخصص في سلب حقوق خلق الله أو تورَّم مخه بالكبرياء الفارغ فأرتدى قناع "الهنجمة".

وبتقليب بسيط في صفحات الذاكرة تكتشف أنه يندر أن يمر وقت دون أن تلتقط عيناك مشهداً من تلك الفصول المسرحية البغيظة ويتوسط المشهد صورة قابيل عصري اصبعه على زناد كلاشينكوف منخر جاهز.

ولما كان ذلك كذلك -على حد تعبير المؤلفات القديمة أوجد الناس أعرافاً وأسلافاً حكمت على السلاح ألا يدخل المدن والأسواق وألا يرتفع بالتخويف في الوجوه .. إلا أن عصا القفز فوق أسوار هذه التقاليد الرائعة استطالت وصارت تقذف على المجتمع وعلى نموه وتطوره وابل من المظاهر الهوجاء والتصرفات التي لا يمكن نعتها بأقل من الوقاحة.. طبعاً وبكل الطبع تُراق على جوانب ذلك دماء ليس لها أي قرابة بالدماء التي تُسال على جوانب الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى والبيت الشعري الذي نقلته هنا بتصرف معروف ومشهور.

وعندما تقرر الدولة ضبط تفاصيل حيازة السلاح وتمشي خطواتها نحو ذلك فإنها لم ولن تقفز على الضرورات.. وإلا لما صدر قانون مثل قانون حماية الشخصيات ولما مُنحت تراخيص حمل السلاح لحراس مباني الشركات الخاصة وهذا على سبيل المثال فقط.. ولكل مقام مقال وهو نفسه ما يسري على حراسات الوجاهات والشخصيات التي يصر بعضها على أسلوب "الآلي المركوز" والباب الخلفي المفتوح الذي يعكس سياسة نصف القتال بالهنجمة.. ولا تكتمل الوصفة الفوضوية إلا بكسر إشارات المرور وبمرافق أشعث أغبر يتمنى بين لحظة وأخرى أن ينطلق "خارق حارق" نحو صاحبه ليقفز ويثبت الولاء والبطولة أملاً في مكافأة سخية قد لا تتجاوز في أحسن الأحوال مربط قات دسم.. هذا إذا كانت الأمور سلامات..

ذلك الخليط من الحمق والارتجال والاندفاع متعب ومرهق عندما نتخيل استمراره خاصة وهو يسكب جام غبائه وفساده على اقتصاد البلد وسياحته واستثماراته..

وأجد نفسي منجذباً - ولا أخالني وحيداً- نحو التحركات الحديثة لوزارة الداخلية وإجراءاتها الهادفة إلى تحجيم ذلك.. وهو أمر أكثر من لازم ومُلح، إلا أن الداخلية ليست سوى حكم رئيسي في ميدان يحتاج إلى حكام مساعدين ومعاونين ومراقبين.. هؤلاء هم أصحاب المقام الرفيع من الشخصيات والوجاهات والمشائخ وقادة الرأي والأحزاب السياسية دون استثناء.

لقد صار واجباً أن تقرع طبول المواجهة وأن تستنفر كل الجهود في وجه عشوائية حمل السلاح وعجرفة حامليه، وأصبح لزاماً على الكثيرين الانتقال من إعلانات النوايا الحسنة إلى واقع الأفعال الصادقة وليس نقل الرأس الغبي لثقافة السلاح إلى الأجيال الصاعدة..

ويا نواب الشعب إياكم أقصد وأطلب أن تكونوا القدوة.. فأي عملية من هذا النوع لا تكونوا جرَّاحيها بإطلاق القوانين وتطليق المظاهر المسلحة لن تنجح.

إن إحكام السيطرة على السلاح لا يضر بمصالح أحد إلا من ينوي السير فوق مصلحة الوطن ومصلحة مواطنيه وهو تماماً مثل شخص يحاول تقليد لاعب سيرك ماهر يمشي على الحبل العالي.. وبكل تأكيد سيسقط ويدق عنقه لأن دوام الحال من المحال.
وأختم بمجموعة أسئلة..

هل يدرك هذا الذي يحمل السلاح في غير موقعه أنه ممقوت ممقوت؟.
هل يفهم هذا الذي يزين حزام خصره بالمسدس الأسباني غالي الثمن وهو في السوق أو الحديقة أنه إنسان غير مفهوم وبعيد عن الزينة؟.

ولهواة الرماية.. لماذا لا يكون لديكم نادٍ شرعي محدود الهوية محدد المكان تمارسون فيه فنون "النصع" بعيداً عن المتنفسات التي يهرب إليها الناس فتلاحقونهم باستعراضات مرعبة كما يحدث في شلال بني مطر؟!.

*عن صحيفة الثورة
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 02-مايو-2024 الساعة: 10:08 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/48276.htm