الإثنين, 31-مارس-2008
المؤتمر نت -  حسين العواضي* -
ما لا ينكره الزمن.. بين تونس واليمن

حب الشعوب.. وإعجابها.. وإيثارها لبعضها لا يقاس بقصر المسافات.. ولا تختصر الأيام والساعات.. ولاتحجبه السحب والمحيطات.
إنه يقاس بعمق المشاعر.. وطول المودة.. وعرض الاحترام.. وثقل المحبة.. وارتفاع التقدير.
بين تونس واليمن سهول وقفار.. صحارى وبحار.. وديان وأنهار مراحل طوال تلال وجبال، غير أن ما بين اليمن السعيد وتونس الخضراء حب أصيل رضعه الصغار في ليال باحت بسر العشق العربي الفريد، ما بين قرطاج وغمدان.. وسوسة وحضرموت.. وقابس وبراقش وزبيد والقيروان.. حكايات من أساطير الأولين.
روايات منقوشة بحروف ناصعة مرت عليها السنون وصقلتها القرون ولا يزال بريقها الأخاذ يلمع في الأمصار ليخطف القلوب والأبصار.
بين عدن وبنزرت تشابه أليف في الشوارع ولهما ملاحم لا تنسى من التضحيات والبطولات في مقارعة الاستعمار الفرنسي والبريطاني لنيل الحرية والاستقلال.
تفتح عينيك على صحيفة «الصباح» فتجد الأسماء ذاتها.. الأسر.. والقبائل.. اللهجات.. والأماكن.. وآه يا لها أماكن تستحق يوميات وأسابيع.
تطابق عجيب في المهن.. والأسماء.. الشاعر الجابري.. الأديب الشرفي.. الرياضي الشعباني.. المهندس الجبري.. والقائمة تطول من الأسماء التونسية المألوفة التي تقابلك بود وبشاشة أينما حللت، ويقال أن هناك مائة أسرة تونسية تحمل أسماء يمنية.. المرادي.. الصنعاني.. السالمي.. الجريدي.. الأحمر.. العمراني.. الشرقي.. وفي هذه الظاهرة موضوع شيق للباحثين والمؤرخين المثابرين في البلدين، تونس وطن الفرح والمحبة.. وعنوان الإشعاع والإبداع من الشاعر العظيم أبي القاسم الشابي مروراً بالمبدع الأثير لطفي بوشناق وحتى مروة المثلوثي.
ومروة فتاة تونسية زينت صدر بلادها بتسع ميداليات ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية العربية، ونعم الأوسمة الرياضية مقياس لا يكذب ولايتجمل لتطور الشعوب وإبداعها.. وإذا أردت أن تعرف نهضة الشعوب وتقدمها فانظر إلى موقعها في قائمة الميداليات الذهبية للدورات الأولمبية.
المئات الآن من طالبات وطلاب اليمن يقصدون الجامعات والمعاهد التونسية.. والعشرات قبلهم تخرجوا من جامعات منوبة.. والمنار.. والزيتونة.. وسوسة.. وصفاقس.. والمنستير.. ويخدمون اليوم في مراكز قيادية مرموقة.. بكل فخر أنهم يحملون الشهادات التونسية.
في هذه اللحظات يتم في العاصمة التونسية التوقيع على عدد من الاتفاقيات للتعاون الثنائي في مجالات التعليم.. والصحة والسكان والعدل.. والأوقاف.. والشباب والرياضة.. والاتصالات والكهرباء.. وتبادل الصادرات.. والمعارف والخبرات في شتى المجالات.
ينظر اليمنيون إلى تجربة التحديث في تونس بمزيج من الفرح والإعجاب.. بلد موارده شحيحة ويحقق معدلات تنموية طموحة إذ تبلغ نسبة النمو الاقتصادي 6.3%.. تعليم مجاني من أول ابتدائي حتى نيل الدكتوراه.. و85% من المواطنين يملكون منازلهم الخاصة.. واتسعت الطبقة الوسطى لتشمل أكثر من ثلاثة أرباع السكان.. وارتفع الإنتاج إلى 9.8% خلال العام المنصرم.
أدباء تونس وكتابها أصدق من تغنى باليمن.. اليمن كان ولا يزال محورا من محاور العروبة.. ودعامة من دعاماتها منذ فجر الحضارة العربية الإسلامية وحتى اليوم ومنذ انطلاق محامل الفتح المبارك إلى تخوم كل بلاد الإسلام.
في مطلع الأربعينيات قطع المناضل التونسي عبدالعزيز الثعالبي رحلة الصيف.. والمرض.. والخوف.. متنقلاً بين سلاطين الجنوب وأئمة الشمال ليقنعهم بأهمية وحدة اليمن.
فليرقد الراحل العربي الغيور في قبره راضيا مطمئنا.. توحدت اليمن فعظم شأنها.. وأشرق مستقبلها.. استطالت شواطئها لتحتضن البحر.. وشمخت جبالها لتعانق القمر.
وصار لها سور حصين من عزائم الرجال المخلصين لا تهزهم أوهام المرتدين ولاتقلقهم أحلام الخائبين.
هذه السطور باقة ثناء وعرفان لتونس الحبيبة في عيد استقلالها البهي وفي عشرينية تحولها المضيء.. للعاصمة الأنيقة وهي تفتح ذراعيها للقادمين من بلاد البن والبخور.. والفل والعسل.. والزعفران والرمان.
وفي يدي «الآن» ثلاث وردات الأولى للغراء «الصباح» الصحيفة التونسية اليومية الرائدة التي على ثقل كتابها.. وغزارة موضوعاتها منحت هذه المساحة لفضول «دبلوماسي» معجب بمهنيتها وحرصها على تغطية الشأن اليمني بإنصاف دون تشويه وتهويل كما تفعل صحف أخرى تدعي «العروبة» وهي منها براء والثانية لصحيفة الثورة «الأم» التي تنشر مع شقيقتها الصباح هذه اليوميات لصحفي مهاجر تفزعه هيبة الكتابة كلما عاد إليها بعد طول غياب.
والثالثة للسفير الرائع الاستاذ يحيى العرشي الذي ترك لنا من بين مآثره الحسنة مكتبة مرغوبة نشرت فيها قهوة الحاجة «محبوبة» ولا يكتمل يومنا بدون قراءة الثورة والصباح.
*سفير اليمن في تونس
تمت طباعة الخبر في: السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 09:26 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/55789.htm