السبت, 13-سبتمبر-2008
المؤتمر نت -  د/ رؤوفة حسن -
معارك رمضانية
نحمد الله أن معارك رمضان ليست حروباً عسكرية بل حروباً إعلامية بمواضيع سياسية واجتماعية متنافسة للحصول على الاعلانات والمشاهدين. صحيح أن هناك معركة دموية يومية لم يتم حلها في اليمن حتى اليوم وهي المرتبطة بحوادث المرور التي تستنزف من طاقات شبابنا الموتى والجرحى ما لم تفعله حتى حروبنا المسلحة المختلفة في تاريخنا المعاصر. لكن التذكير بهذه القصة اليومية المؤلمة ليس هو نقطة تأملاتنا عن معارك القنوات التلفزيونية.

معارك اجتذاب المشاهدين في عالم فضائي يزيد ما يبث منه باللغة العربية عن ثلاثمائة قناة، يجعل الاستماتة في الحصول على شريحة من المشاهدين مسألة فيها الكثير من المناورات والخطط.

وقنوات التلفزيون اليمنية الفضائية الحكومية والخاصة تحاول أيضا أن يكون لها حصة من هؤلاء المشاهدين حتى لو اكتفت بالتركيز على حصة من المشاهدين اليمنيين وحدهم في هذا الفضاء الواسع من نطاق الإرسال الذي يغطي معظم أنحاء العالم.

المنافسة تمنح الدراما فرصة:

تأتي المسلسلات الخفيفة الهادفة إلى الإضحاك وتقديم النقد للواقع بعد الإفطار مباشرة، كفرصة يختلط فيها الخطاب السياسي مع الخطاب الاجتماعي، في هذه المسلسلات مجموعة من المؤشرات لما سيكون عليه المستقبل.

فالاعتماد على الإنتاج الرسمي للقنوات وحدها لا يكفي بل إن وجود قطاع خاص يساهم ويشارك مهم، وفي هذا المجال ظهرت لنا في هذا الشهر أسماء جديدة لشركات يظهر أنها من القطاع الخاص كشركة روزانا للإنتاج الفني أو الشركة اليمنية الخليجية للإنتاج أو معامل واستديوهات أيلول، بالإضافة إلى بروز قناة السعيدة كجهة منتجة.

وجود هذه الشركات إلى جوار المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون يعني ضخ أموال جديدة إلى سوق قابلة للاستخدام. وهذا أمر يمثل استثماراً للمال وللطاقات الفنية ولقطاع كبير من العاملين تتوفر لهم فرص العمل والحصول على مصدر للدخل خارج القطاع الحكومي المعتاد.

كما أنه يعني أن فرص العمل هذه لن تستمر ما لم يكن العمل الذي يقومون به ناجحا وقادرا على المنافسة في سوق فيها عمالقة إبداع وإنتاج مصري وسوري ولبناني وخليجي. والمنافسة لا تعني الدخول في قضايا عامة تخص كل المجتمع العربي بل تعني تقديم قضايا تخص أشخاصاً أو عائلة أو شريحة من مجتمع محدد بأفضل وسيلة مرئية ومسموعة عما حدث. إنها حكاية تروى للتسلية والترفيه والعبرة، وليست واقعاً فعلياً بل هي تصور عن الواقع وليست الواقع نفسه.

الموهبة الناجحة لا تكفي:

شعبان في رمضان كان مسلسلا إذاعياً ناجحاً تبثه إذاعة المكلا ويشتريه الناس في أشرطة كاسيت في المناطق التي لا يصلها بث المحطة لكن المغتربين ينقلون معهم هذه الأشرطة التي تقدم اخبار الوطن بشكل رائع مازح خفيف وناقد دون حدة أو قسوة أو تجريح أو ابتذال، ولما تم نقل هذا المسلسل إلى عمل درامي تلفزيوني تحول من مسلسل محلي حضرمي يعكس واقعاً واضحاً لدى الكاتب ولدى المؤدي، إلى مسلسل يمني عام يعكس اكبر عدد من القضايا وأوسع مساحة من الممثلين المشاركين بلهجات متعددة لضمان التنوع، ففقد المسلسل ظرافته الخاصة وتميزه، ليصبح كثير التكلف، برغم موهبة الممثل الرئيسي فيه، واشتهاره الضاحك عندما كان إذاعيا.

(ويافصيح لمن تصيح) هو مسلسل يعتمد أيضا على موهبة الممثل الرئيسي فيه الذي اشتهر بتسجيلاته وأغانيه الناقدة اللاذعة الظريفة ليتحول إلى مسلسل تلفزيوني يعتمد على تقنيات محدودة، فيتقبل المشاهد المتعاطف أن يستمر في المشاهدة رغم الضعف الشديد في الاستخدام لقدرات التصوير والإضاءة والديكور والصوت والخلفية الموسيقية المصاحبة.

فالممثل الموهوب وحتى النص الرائع لا يكفي في العمل التلفزيوني الدرامي لأنه عمل جماعي لعدد لا يحصى من التقنيات منها، إتقان استخدام أدوات التصوير وأدوات الصوت المصاحبة وتطوير الموسيقى التعبيرية واختيار جوانب اللقطات الصحيحة لتقديم الفكرة على أفضل شكل متاح، والتقطيع في اللقطات التي تظهر الممثل من زوايا مختلفة واضحة، في إطار كلي يلم به شخص واحد هو المخرج.

يمكن على سبيل المثال، التأمل في الصورة لحدث يقع على السلالم (كما حصل في مسلسل يافصيح لمن تصيح) مثل هذا الحدث اذا كان من أجل التلفزيون فإن حاله مثل حال السينما، يعني أن هندسة الديكور مسؤولة عن وضع سلم خاص يسمح بالتصوير للحدث لا كما هو فعلا بل كما يعطي من انطباع بأنه يكون. لقطات لحدث الوقوع في السلم وفي الظلام كانت بطول مدتها وبعدم قدرتها على الإضحاك دلالة على نقص الأدوات رغم توفر الأفكار.

وكذلك الأحداث التي وقعت في الطائرة في مسلسل شعبان في رمضان فإن العمل الفني السينمائي والتلفزيوني يفترض أن له تصميماً خاصاً يوحي أن الحدث داخل الطائرة بينما هو في الحقيقة داخل الاستديو. أما الحديث عن الموضوعات التي تناولتها المسلسلات فسيحتاج مقالاً خاصاً.
[email protected]

* عن الثورة
تمت طباعة الخبر في: السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 05:38 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/62415.htm