السبت, 06-ديسمبر-2008
المؤتمر نت - محمد حسين العيدروس محمد حسين العيدروس -
ثقافة رئاسية بلغة التسامح
حين يبدو السلوك السياسي للدولة متفرداً على ما هو شائع ومألوف، فإن كل ما يثار حوله من تساؤلات وجدل ليس إلا فطرة البشرية لفهم الأشياء لذلك ليس غريباً أن يأخذ البحث عن ذلك الاصرار الذي تراه دوائر السياسة المختلفة غريبا لدى الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في إصدار قرارات العفو والتسامح مساحة كبيرة في قضايا الجدل المثار في العصر الحديث.

ففي خضم حالة التأويل والتعليل لذلك النهج الرئاسي يجد البعض نفسه مدركاً للأفق الإنساني النبيل الذي يتحلى به شخص الأخ الرئيس، لكنه في ذات الوقت يعجزه تفسيره عندما يبني تحليله على إرث الثقافة السياسية المتراكم منذ قرون، إذ يصبح الأمر على قدر كبير من الغرابة، غير أن صعوبة إدراك منطلق ذلك اللون من التسامح، الذي قد تتعاطى معه بعض الرموز الوطنية أحيانا بتردد، لا ترجع الى تعقيد مماثل في الماهية التي يبنى عليها القرار الرئاسي، بقدر ما تترجم حالة صدام بين موروث الثقافة السياسية التي تحملها الجماهير حول سلوكيات وأخلاقيات مؤسسة السلطة وبين المتغير الثقافي الطارئ الذي استحدثه الرئيس علي عبدالله صالح منذ تسلمه مقاليد الحكم في يوليو 1978م ورسخه بالممارسة على امتداد سنوات عهده .

فالتعاقب التاريخي للتجارب السياسية في اليمن طبع في ذهنية القاعدة الشعبية صورة لقيادة متسلطة تنتزع الولاء الشعبي بحد السيف، أو حبال المشانق وفرق الاعدامات .. وفي أحسن حالاتها بممارسة سياسة صارمة للغاية وخالية من أي قدر من الشفافية أو البعد الإنساني لقطع دابر أي مطالب سياسية، أو تطلع شعبي لإصلاحات معينة، أو طموح في بلوغ كرسي الحكم، وبالتالي فقد تقولبت الثقافة السياسية الشعبية على معادلات تقضي باعدام من يحلم بكرسي الحكم أو يعارض قرار الملك أو الرئيس وسجن من يحتج واغتيال من تدور في رأسه رغبة التغيير .. الخ.


لكن بعدما تولى الرئيس علي عبدالله صالح حكم اليمن واطلق عنان الديمقراطية والحريات المختلفة، اصطدمت الثقافة السياسية الشعبية بمعادلات مختلفة تماماً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، إذ أصبحت تقوم على مبدأ الشراكة والتشاور والرأي والرأي الآخر وغيرها من القيم الإنسانية التي تعيد للمواطن اليمني ذاته الإنسانية الكريمة.

ولما كانت مؤسسة السلطة تحرص أيضا على كسب الولاء الشعبي الذي يكفل لها قيادة البلد، فإن الأخ الرئيس لم يلجأ الى الأدوات القمعية - كما هو حال ما يجري في دول كثيرة في العالم - بل راهن على إرساء مفهوم الولاء للأسرة الكبرى - اليمن - فيما مارس هو بدوره دور الأب الراعي لأبنائه، ومن هذا المنطلق بالذات كانت قرارات العفو الرئاسي والتسامح تستمد مسوغاتها وتفسيراتها .. إذ أن الأخ الرئيس يعتبر نفسه أباً لكل اليمنيين ، باختلاف انتماءاتهم وفئاتهم، بكامل معناها وأحاسيسها ووجدانها الأمر الذي جعله في موضع لا يسمح له بالايغال في القسوة بالعقاب.

وبلا شك أن الرئيس علي عبدالله صالح في إطار نهجه استبدل الروح الانتقامية التي يمكن أن تتقلدها أي سلطة، بالروح الأبوية التي تسعى لإصلاح ما أفسده الدهر، وكانت أعظم ترجمة لهذه الروح إبان حرب محاولة الانفصال عام 1994م التي رغم أنه كان الطرف المنتصر والقوى الانتهازية المأزومة في عداد المهزوم إلا أنه لم ينتقم بل أصدر عفواً عن المتورطين انطلاقاً من إحساسه بالمسؤولية كأب للشعب بكل فئاته، ولعل أعظم العفو هو حين يأتي ممن هو قادر على العقاب.

إننا عندما نتصفح أوراق تاريخ هذا العهد الميمون نقف على صفحات ناصعة ومشرفة وغير ملوثة بقطرة دم يمني واحدة، فلم يسبق للرئيس علي عبدالله صالح أن أصدر قراراً واحداً بإعدام أو سجن معارض سياسي لنظامه، بل على العكس ظل ماداً يده للمعارضة لتمارس نشاطها بجدارة واقتدار.

وهنا لا بد من التفريق بين من يعارض الرئيس أو الحزب الحاكم وبين من يعارض اليمن ويعادي أبناءها ويسعى الى خرابها واضرام الفتن والحرائق فيها، فمثل هؤلاء الذين يجهرون بعدائهم لليمن ووحدتها ويكيدون لأبنائها شراً مستطيراً، فمن الواجب أن ينالوا العقاب القانوني لكف شرورهم عن البلاد والعباد، وليرفل الوطن بالأمن والسلام وثقافة التسامح والمحبة والإخاء في كنف أسرتنا الكبيرة - اليمن - حماها الله.

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 12:13 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/65212.htm