الأربعاء, 15-أبريل-2009
المؤتمر نت - محمد حسين العيدروس محمد حسين العيدروس -
القانون قوة التغيير
عندما يقال أن بعض الحضارات القديمة عملت لنفسها قوانين وشرائع يتبادر لأذهاننا في الحال بأنها حضارات عريقة وعظيمة، وعندما نسأل عنها نجد أنها كانت بحق من أعظم الحضارات الإنسانية.. فلماذا ظل القانون في أذهاننا محاطاً بهالة من التعظيم والتقدير؟ وهل يمكن للمواطن أو لأي قوى وطنية أن يكونوا شرفاء وصالحين في نفس الوقت الذي ينتهكون فيه القوانين!؟
بتقديري أن القانون يكتسب أهميته من قدرته على تنظيم حياة الناس، وصنع استقرار الدول، لذلك فإن الحضارات القديمة العريقة لم تمنح هي للقانون قوته، بل أن قوة القانون هي التي منحتها أسباب العظمة والرفعة.. وخير دليل على ذلك هو التأثير الذي بلورته الشرائع السماوية في حياة البشرية، فأعظم مجد بلغه العرب كان بعد نزول القرآن الكريم الذي مكنهم من بناء الدولة الإسلامية الكبرى، فيما تراجع هذا المجد وانهارات الكثير من الدول بعد أن تولى أمرها حكام طغاة غيبوا الشرائع وغلبوا أهوالهم ومصالحهم الأنانية على مصالح شعوبهم..
فاليمن -على سبيل المثال- التي عرفت على مر التاريخ بمجدها الحضاري لم ينتكس حالها، ويشيع الفقر والجهل بين أبنائها لولا أنها خضعت لحقبة طويلة من الاحتلال العثماني والبريطاني، ولحكم ملكي إمامي ساهموا جميعاً في تغييب شرائعها وقوانينها، وحكموها بالحديد والنار، فجروا عليها الخراب الذي ما زلنا نكافح للتحرر من مخلفاته.
غير أننا في ظل كيان الدولة الحديثة، ونظامها الديمقراطي لا عذر لنا مع القانون لإرجاع بعض مشاكلنا والإشكاليات التي تعترض مسيرة دولتنا إليه.. وإذا كان البعض يتذرع بالفقر والتخلف من أجل التنصل من طائلة القانون وتبرير انتهاكاته له، فلا أظن أننا بالحال الذي كانت عليه الأمة عشية نزول القرآن على حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من فقر مدقع، وجهل تام، وظلم عظيم.. لأننا مؤمنون، وبين أيدينا الكتاب والسنة التي هي مصدر تشريعنا الدستوري، بينما بعث المصطفى لأمة جاهلة تعبد الأصنام، ومع هذا فإنه وصحابته سلام الله ورضوانه عليهم صنعوا مجد الإنسانية جمعاء..!
للأسف الشديد أن البعض لم يستلهم الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لذلك جعل من الفقر شماعة يعلق عليها كل الانحرافات، والممارسات الفاسدة.. وباسمها يرفع شتى ألوان الشعارات ليتنصل من واجبه الوطني، ويواصل عبثه وفساده وانتهازيته.. لأنه غير قادر على أمتلاك الإرادة المخلصة، والأمينة التي تمكنه من إحداث التغيير المنشود في الحياة الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية..
فلو استمد البعض ثقافته من تجارب الأمة لوجد أن الجهل والفقر لا يمنح أحداً الحق في إرهاب الناس، أو إثارة الشغب والفوضى، وممارسة الخطف والتقطع، بل إنه حافز للمجتمع بمختلف قواه الوطنية وأطيافه السياسية لمزيد من العمل لقهر ظروفه بدلاً من الاستسلام لها، واتخاذها شماعة للجلوس في البيوت والمقرات والتمني على الدولة بأن تحقق له كل شيء كما لو كانت تملك العصا السحرية..
ومن هنا نجد أن انتهاك القانون لا يوجد ما يبرره إطلاقاً لأي كائن يدعي شرف الإيمان والوطنية.. لأن الجميع يعرف أن الإسلام هو مصدر التشريع الدستوري الوحيد للجمهورية اليمنية، وبالتالي فإن انتهاكه هو انتهاك لقيم الدين الحنيف..
ولن يختلف الأمر بشيء سواء تحدثنا عن انتهاك لقانون متصل بالسيادة الوطنية أو لوائح متصلة ببعض الحقوق الفردية -فكلاهما يترتب عنه ظلم، ويقود إلى حالة سلبية، لذلك فإن مسؤوليتنا الإنسانية والوطنية تفرض علينا توجهاً لترسيخ الثقافة القانونية في المجتمع، خلافاً لما هو كائن اليوم من طرح غير مسؤول من قبل بعض الأفراد أو القوى السياسية الذين لا يتوانون عن اختلاق الذرائع والتبريرات لكل فعل مشين، وجرم بائن، تارة باسم الفقر، وتارة أخرى باسم الجهل، أو الفساد، أو غيرها من الشماعات التي يشجعون بها على تخريب حياة المجتمع، وتمزيق قيمه وبناه الأخلاقية والثقافية..
فلو كان الفقر يبرر العصيان لأنظمة الدولة، والتمرد على قوانينها لما قامت في الجزيرة العربية أعظم دولة إسلامية، وهي الصحراد القاحلة التي كان أغلب شعبها يقتات على الأعشاب التي تنبت وسط الرمال.. لكن غرس الثقة بالنفس، والتشجيع على العمل، والطاعة، والتوكل على الله، ونشر الفضيلة بين الناس هو الذي غير أحوال الناس، وحولهم من فقراء ومتسولين إلى فاتحين لمشارق الأرض ومغاربها..
لهذا ندعو اليوم إلى تعزيز ثقة الناس بأنفسهم بدلاً من تثبيط هممهم وغرس اليأس في نفوسهم.. وندعو إلى تشجيع الناس على احترام القانون طالما هو مستمد من شريعة الإسلام، كي يسود العدل بينهم، ويتحابوا، ويتكافلوا، ويستقر حالهم.. فالقانون قوة وأخلاق إن فقدتها الشعوب فقدت كرامتها، ومصدر عزتها وقوتها، وهانت على نفسها وغيرها..!
تمت طباعة الخبر في: السبت, 21-سبتمبر-2024 الساعة: 04:04 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/69209.htm