لمياء يحيى الإرياني -
مشروع شهيد يوم الرحيل والتنشئة السياسية
انتهجت اليمن سياسة الديمقراطية والتعددية الحزبية منهجا وسلوكا وجسدت أنموذجا فريدا على مستوى المنطقة العربية ، ولهذا كان يجب أن يصاحب ذلك وضع أسس للتنشئة السياسية للأطفال والشباب وعلى رأسها موضوع الهوية والانتماء .
ونحن اليوم نعيش في عالم لم يعد الصراع فيه قائم على الصراع العسكري المسلح بقدر كونه صراعا حضاريا وثقافيا وسياسيا يعتلي الاستقطاب الفكري والسياسي قمة هذا الصراع ، مما يتطلب تحصين الأطفال والشباب سياسيا ضد هذا الاستقطاب والغزو الفكري الداخلي والخارجي وذلك من خلال التركيز على الهوية الوطنية وتعميق مفهوم الانتماء والولاء الوطني ، حيث أن التغيرات غير المسبوقة في المجتمعات المعاصرة ومنها المجتمع اليمني قد أحدثت مشكلات اجتماعية واقتصادية وثقافية بسبب حدوثها بطريقة غير متوازنة ولا متدرجة وبدون تخطيط مسبق مما أثر سلبا على شباب اليمن وأطفاله في شكل تزعزع الانتماء للوطن الذي يؤدي بدوره وبصورة حتمية إلى انخفاض معدلات التنمية والتقدم ،حيث أن العلاقة عكسية بين الشعور بالانتماء للوطن وبين معدلات التنمية .
كما أن فكر العولمة شكل أحد التحديات التي تؤدي إلى تغريب الثقافة الوطنية بتوظيف العلم والتقنية الحديثة للاختراق الثقافي والهيمنة على الثقافات التقليدية وبالتالي التأثير على الهوية الشعبية .
ولعل معاناة الشباب العربي بما فيه الشباب اليمني هي أزمة الهوية والانتماء كونه يعيش في ظل كيانات اجتماعية متعددة ومتعارضة بدءا بالقبيلة وانتهاء بالمذاهب الدينية وبالتالي فأن الانتماء المتعدد والمتناقض يفضي إلى انشطار مؤكد في الهوية الاجتماعية، فالمجتمع اليمني مجتمع مركب يحدث النزق الوجداني الداخلي عند شبابه الذي تتقاذفه مشاعر انتماء متعارضة ومتنافرة أحيانا عدة ، ولهذا فأن التنشئة السياسية للأطفال والشباب لابد أن تعتمد بالأساس على تعزيز الانتماء للوطن والهوية الوطنية وذلك بالاعتماد على المقومات التاريخية والراهنة للهوية الوطنية وتفعيلها عن قصد متعمد .
والطفل بطبيعته يبحث عن هوية اجتماعية ووطنية وعن انتماء يبدأ من الأسرة ثم المدرسة ومن ثم الحي فالمدينة ثم المنطقة فالوطن وصولا إلى الأمة، وهو بذلك يحيط نفسه بشبكة من الانتماءات تكًون بدورها هيكل شخصيته الوطنية وانتمائه الوطني، لذا تعتبر التنشئة الاجتماعية هي البوتقة التي يتم فيها خلق وحدة مجتمع أو تفككه .. واتصال أجياله أو انفصالها .
والتنشئة السياسية هي العملية التي تكسب الطفل والشاب لاحقا انتماءه الذي يسمح له بالتعبير عن ذاته ،ولذا يجب أن تحظى التنشئة السياسية اهتمام كافة النظم السياسية على اختلاف توجهاتها لغرس وتكريم القيم والإتجهات الوطنية ، وتلعب الأسرة دور هام في هذا المفهوم التنموي الحضاري ، ويجب أن يتعاظم مستقبلا ليكون الفضاء الأنسب لتحقيق التغيير الإيجابي ، ومن هنا يجب أن تكون تنشئة تقوم على أسس القيم والمبادئ وأن لا تغرس في نفوس أطفالها وشبابها مفاهيم خاطئة عن المواطنة ومبررات ومحفزات الاستشهاد وصور التضحيات غير المشروعة التي لا يفهمها الطفل على وجه الخصوص ، وهنا يستحضرنا مشروع شهيد يوم الرحيل الذي يعد أوضح صورة للتنشئة الخاطئة القائمة على تعميق الخلاف السياسي للانشقاق عن الهوية والانتماء الوطني وهي تكريس فاضح لقيم ومبادئ لا توجد في شرع سماوي ولا في تشريعات وثقافات إنسانية ، فلم يحدث أن كفنت النساء صغارها لتزفهم شهداء لأي هدف كان ومهما كان ، ماذا يمكن أن يدور في ذهن الطفل البريء وهو يرتدي كفن موته واستشهاده لسبب بالتأكيد لا يفهمه ، وماذا يمكن أن تكون نظرته لذويه الذين يلقون به في أحضان الموت في الوقت الذي يفترض أن يحموه من لمسة الريح أي جنون هذا وأي إفلاس أعترى الأسرة اليمنية المسلمة .
وليس هذا فقط بل أن إقحام الطفل في الصراع السياسي وخلافات الكبار من خلال الكتابة على يده وجسده عبارات لها توجه سياسي أكبر من سنه، أنما هو انتهاك صريح لحقوق الطفل ترفضه كافة المنظمات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الطفل ، ناهيك عن تعبئة الطفل وتمليته بتصرفات تتعدى احترام الكبار فقد شاهدنا طفلة لم تتجاوز العاشرة تصف رئيس الجمهورية بعبارات غير لائقة ، رئيس الجمهورية ذاته الذي كانت إلى قبل الأزمة الراهنة ( تصفه ببابا على )، فقد أشارت الدراسات والبحوث حول التنشئة السياسية للأطفال إلى أن الأطفال يتميزون بمشاعر إيجابية نحو السلطة أو الرموز التي تعبر عنها ، لذا فان لأطفال الذين استغلوا في هذه المماحكة التي تتنافى مع مصالحهم الفضلى والتي يجب أن يكونوا بعيدين عنها سوف يصيبوا (بالشيزوفرينيا ) في الانتماء .
ولذا أوكد على ضرورة ترسيخ القيم المجتمعية الساعية إلى أهمية تحقيق الانسجام والوفاق في المجتمع من خلال الأسرة والمؤسسة التعليمية والإعلامية والخطاب السياسي والديني وتدخلات المجتمع المدني مع التركيز على دور الأسرة في غرس القيم الايجابية باعتبارها أهم وأولى المؤسسات المعنية بالتنشئة .
ولا يمكن أن ننكر مشاركة الأحزاب اليمنية اليوم وكذا وسائل الإعلام بدرجات مختلفة في تشكيل التوجه المجتمعي والسياسي للمواطنين بما فيهم الأطفال والشباب ، عبر ممارستها ومنشوراتها وأنشطتها الثقافية والمجتمعية والسياسية فالأحداث والتطورات التي عصفت باليمن بسبب رياح التغيير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا عكست تأثيرها الهام على شخصية ، ونفسية المواطن بما فيه الطفل والشاب وجعلت سلوكيات أطراف النزاع تختلف جملة وتفصيلا عما كانت عليه زمن السلم والوفاق الوطني ، ومن هنا وجدنا الشباب اليمني يخرج للشارع تعبيرا عن مطالب مشروعة ورغبة بتغيير إيجابي نحو يمن أفضل ، متناسيا ربما أن الإقامة في الشارع ليست الحل ، قد تكون المسيرات في الشوارع أحد صور التعبير لكنها لست الوحيدة ولا الأفضل ، الأهم هو تسجيل الشباب في قوائم الناخبين ليكون لهم صوت مسموع بطرق شرعية ، الأهم هو أن يدرك كل شخص مسئوليته ويؤدي واجبه بأمانة أجزم أننا لا نعرفها جميعا ، ولو افترضنا نجاح الشباب في إسقاط النظام فليس هناك ما يمنع الموالين للنظام السابق من الخروج للشارع يطالبون بإسقاط النظام الجديد ، ويديرون بالمنطق ذاته ثورة مضادة وهكذا فأن الشارع ليس الحل على الإطلاق .
وأخيرا نقول أن الإسلام قد أعتبر أن أصل العلاقة البشرية هي السلم والوفاق (( وأن جنحوا للسلم فأجنح لها )) وحرم الحرب العدوانية (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين )) ، لذا ندعو كافة الأطراف السياسية إلى تحكيم العقل واللجوء إلى التغيير وفق آليات العصر الحديث الذي يرتكز على الحوار الواعي والمسئول، كما نناشد الأسر الإحساس بالمسئولية فالطفل مكانه الصحيح البيت والمدرسة لا الشارع .
رئيسة مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية
وكيلة وزارة التعليم الفني والتدريب المهني لقطاع تعليم وتدريب الفتاة