الثلاثاء, 04-مايو-2004
بقلم- فيصل الصوفي -
نحو توازن بين دور النخب ودور المواطنين العاديين
الشعب هو مصدر السلطة ومالكها. يمارسها مباشرة - الانتخاب مثلاً- ممارسة غير مباشرة "عن طريق الهيئات والمجالس التي ينتخبها"، وهو مبدأ دستوري معروف، لكن يجب ألا تتحول هذه الهيئات والمجالس النيابية والبلدية والحكومية، وحتى الجمعيات، والأحزاب إلى "نخب" تفكر وتخطط وتقرر، نيابة عن الناس بدعوى أنها من أهل الخبرة، والاختصاص، بينما عامة الناس لا يجيدون التفكير في مشكلاتهم وتحديد الخيارات الأفضل بالنسبة لهم وفهم مصالحهم وطريقة تلبيتها.
أهل الخبرة والاختصاص لا غنى عنهم وعن أدوارهم، هذه قاعدة أساسية، ولكن لا يجوز أن يعزلوا أنفسهم عن الناس أو يستغنوا عنهم عندا اتحاذ قرار ما حول أية قضية مرتبطة بحياة المواطنين، وطبعاً كل القضايا مرتبطة بحياة المواطنين، ويجب بالتالي أخذ آرائهم بالاعتبار، فأفضل القرارات هي التي تنبع من القاعدة وليس من القمة، وأي مستوى أعلى، ومن الخطأ أن نستمر في التشكيك بقدرة العامة من الناس على الفهم واتخاذ القرار، والمعرفة. وينبغي أن نفهم أن المشروعات التي كان مصيرها الفشل أو عدم النجاح هي تلك التي صُممت بمعزل عن واقع الناس وبدون مشاركتهم في تصميم المشروعات. على سبيل المثال، تعاني قرية ما من مشكلة ما، ولأن الناس في القرية هم الذين يعيشون المشكلة فلديهم خبرة في إدراك أسبابها ونتائجها ولا شك أن لديهم طريقتهم ورؤيتهم للحلول المقترحة وطريقة التنفيذ. فعندما يفكر الخبير بمشكلة هذه القرية ويضع من عنده حلاً دون الرجوع إلى سكان القرية فلا شك أن هذا الحل لن يكون أفضل مما لو كان الخبير قد أتاح للناس المشاركة معه في وضع الحل. نحن الآن نقول إن المبادرة الأمريكية للإصلاح في العالم العربي مرفوضة ولن تلقى النجاح لأنها أُعدت من قبل نظام يجهل الواقع العربي، ولأن أفضل مشروع للإصلاح هو الذي سينبع من البيئة العربية نفسها. بينما نحن نفكر بنفس الطريقة التي نرفضها، فكل شيء يتقرر في المجالس المختصة ينزل إلى الناس دون أخذ رأيهم. لدينا اعتداد ومبالغة بدور الخبراء المختصين يطغي على دور المواطنين أو يغيبه تماماً.
الحكومة تتحدث بأن لديها خبراء وتشكل لجان اختصاص وهي في ا لأمر العلاني تأخذ رأي العلماء والتجار وقيادة الأحزاب، وبينما الموضوع يتصل بقضايا المواطنين فإنهم لا يذكرون لأن دورهم غير مطلوب رأيهم.. نائب في البرلمان يدعي قضاء وقته في متابعة المسئولين للمطالبة بحقوق ناخبيه، بينما صلته بهم منعدمة، حتى الصحفي عندما تثار مشكلة معينة اعتاد عليها يذهب للوزير أو المسئول المختص للحصول على تصريح
الذين يعيشون المشكلة. قيادات الأحزاب يناقشون قضايا دون أن يكلفوا أنفسهم معرفة ما إذا كانت هذه القضايا تمثل إشكالية حقيقية في المجتمع أو أنها مرتبطة بحياة المواطنين، حتى قضية الإصلاح السياسي التي أصبحت مُثارة لدى القيادات الحزبية هذه الأيام، نجد أن هذه القيادات لا تنطلق من الخبرة المباشرة والتعامل مع الواقع بل إنها تتحدث عن مؤتمر وطني سيتم فيه طرح المبادرة الأمريكية ومبادرات أوروبية أخرى للإصلاح في العالم العربي ومن ثم سيجري النقاش حوله بهدف الأخذ من هذه المبادرات ما يصلح للواقع اليمني.. فأي تفكير هذا؟
سأقدم هنا مثلاً آخر يؤكد لنا أن دور المختصين والخبراء والنخب مهمٌ حقاً لكن هذا الدور يوازي عامة المواطنين ولا يلغيه.
في مشكلة الثأر مثلاً ظل العلماء والكتاب والصحفيون يتحدثون عن هذه المشكلة طويلاً، وبقيت المشكلة، بل وتطورت أيضاًً.. وفي خطوة أكثر فعالية طلب رئيس الجمهورية قبل ثلاثة أعوام تقريباً، من مجلس الشورى "وهو مجلس خبراء" أن يبحث في مشكلة الثأر ويقدم مقترحات، وحلولاً قابلة للتطبيق في الواقع. المجلس كمجلس خبراء قام بدوه، قدر المستطاع، وقدم أفكاراًً إيجابية لكن لم تكن كافية لتحريك نشاط عملي في الواقع باتجاه حل قضايا الثأر، بينما عندما نزل رئيس الجمهورية قبل أكثر من شهر ونصف إلى الناس وناقش معهم هذه القضية وطلب منهم _ هم أنفسهم- أن يفكروا بهذه المشكلة ويقترحوا حلولاً- كما يرونها هم أنفسهم- حدث أن مشكلة الثأر بدت كمشكلة قابلة للحل من قبل الناس أنفسهم، وهم فقط بحاجة إلى من يساعدهم على ذلك. وهنا يأتي دور الخبراء أم الحكومة في تشجيع الناس ودعم قراراتهم؟
بالمناسبة أخشى أن تؤدي البيروقراطية والملل إلى تقويض تلك الجهود إماتة دعوة الرئيس لمواجهة ظاهرة الثأر.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 09:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/9762.htm