السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 02:35 ص - آخر تحديث: 04:17 ص (17: 01) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
علي محسن -
ما خطر في بال صدام حسين في لحظاته الأخيرة(قص)
في ذلك الفجر، وبعد أن بدأ المؤذنون بالنزول من المنائر بخطوات حذرة بطيئة على درجات السلالم الملتوية، وقبل أن تردد المساجد المضاءة بالفوانيس والشموع أو بالمصابيح أصداء تكبيرات العيد، ارتفع صرير البوابة الحديدية للزنزانة الانفرادية في سجن المطار. لم يغمض صدام جفنيه ليلتها. أعلمته حركة الجنود الاميركيين في المعتقل أنه في طريقه إلى المشنقة، وإن كان قد تمنى أن يطلق عليه الرصاص إعترافا بمكانته العسكرية كقائد عام للقوات المسلحة ساعة وقوعه في أسر قوات الاحتلال.

أمضى صدام الساعات الأولى من تلك الليلة في استعراض أحداث حياته. أعترف في نفسه أنه أرتكب أخطاء وقضى بالموت على عدد كبير موقنا أن فيهم عددا لا يستهان به من الأبرياء. أقر مع نفسه أنه أرتكب خطأ جسيما بالاعتماد على مستشارين أغبياء غير ناصحين وأناط المسؤلية بمن كان غير جدير بها، واعتمد على أناس نسوا ضمائرهم في خزائن أموالهم، ووضع ثقته في غير موضعها. كتم معاناته ومنعه كبرياؤه في المحكمة الخضراء أن يعترف بذلك. نعم، إنه يعترف في قرارة نفسه أنه أساء في قراراته وطريقة حكمه واستبداده برأيه، وارتكب الكثير من الأخطاء، غير أنه كان على صواب في حربه مع إيران وفي معاداته لأمريكا.

أخبره ضابط أميركي متلعثما ضجرا مثقلة عيناه بالنعاس أن السفارة الأميركية قد وافقت قبل قليل على تسليمه للحكومة العراقية لتنفيذ الحكم الصادر بحقه، وقبل أن يفسح مجالا لمحدثه للرد، أضاف أن الحديث عن اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب غير مجد في تلك اللحظة. دعاه الضابط باحترام بالغ أن يرافقهم.

أدرك حينها أنه على مبعدة أشبار من الموت، من المشنقة، من وجوه الشامتين به، الحاقدين عليه، بعض ممثلي ضحاياه. لكنه سرعان ما نسي الوجوه الغريبة من حوله في الطائرة المروحية، ولم يعكر باله زعيق الكوبرا المرافقة، متنفسا بعمق هواء ليل بغداد البارد، متأملا أضواء المدينة وهي تشع هنا وتنطفئ هناك في دورة برنامج القطع الكهربائي. تأمل شبكة الطرق السريعة التي تباهى كثيرا بانجازها، العجلات السائرة بحذر مخافة العبوات الناسفة أو تلك المنطلقة بسرعة كبيرة تحاشيا لمفرزة وهمية، تلك الأحياء الممتدة بلا حدود والتي أمر بتوزيع أراضيها، الشوارع العريضة المرصوفة بالنخيل، نهر دجلة المنساب بهدوء وثمة موجات تتكسر عند بقع ضوئية قريبة على جسر الأئمة. هو ذات النهر الذي عبره سباحة وما زال يشعر بعذوبة رذاذه.

هبطت الطائرة في مكان يعرفه جيدا ويعلم من قراءة التقارير ما كان يحدث فيه من قتل وتعذيب. عصرت قلبه تلك الذكريات، لكنه يأبى أن تعكس ملامحه لأعدائه ما يعتمل في نفسه من مشاعر. لكنه ليس الديكتاتور الأول ولن يكون الديكتاتور الأخير.

فاجأت عينيه أضواء الساحة التي انعكست على خوذ الجنود الأميركيين وإشارات رجال الشرطة العراقية المشدودة بتراخ على أذرعهم المنسدلة وعلى وجوه بعض المسؤولين الذين أختارتهم أقدارهم لحضور حفلة الموت. ظل الأميركيون يرافقونه حتى أقعدوه على كرسي حديدي. تقدم الضابط الأميركي الكبير وأدى له التحية. فعل ذلك بقية العسكريين الأمريكيين. أخبره الضابط باقتضاب أنه الآن في عهدة حكومة (المستر) المالكي.

غاب ذهنه فجأة عما حوله. تذكر الحلاج وصلبه بباب الطاق. ردد مع نفسه ما قاله الحلاج بعد أن نطقوا بإعدامه "ظهري حمى ودمي حرام، ولا يحق لكم أن تتأولوا بما يبيحه، واعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة، فالله، الله، في دمي"!

لا جديد فيما سيحدث له، فقد أيقن بالموت عندما أنهارت أركان الدولة وأبيح العراق ونهبت الممتلكات العامة، وزاد يقينه حينما نطقوا بالحكم عليه. لكن من نطق بالحكم؟ أنه واثق أنهم الأميركيون بأصوات عراقية، بوجوه عراقية. سيكون ذلك محزنا لو أن محكمة عراقية في دولة عراقية مستقلة ليس فيها منطقة خضراء أو رايات وحدات المارينز، تحكم عليه بالموت، وربما لا تحكمه بالإعدام بل بالسجن المؤبد إشاعة لروح التسامح وقبر الفتنة. ربما كانت المحكمة العراقية المستقلة ستقنعه بأنه قد خرق القانون وأستبد بالسلطة وقتل بالشبهة حينذاك سيقتله الحزن والألم.

أدرك الآن بيقين لا ندم فيه أنه بعناده أدخل رأسه في خرم إبرة يوم تحدى الإدارة الأميركية واللوبي الصهيوني والشركات العملاقة المتطلعة بشغف للاستحواذ على الذهب الأسود. اختار التحدي مع أنه أطلع على أن "مهمة الولايات المتحدة في بداية الألفية الجديدة هي مخادعة الآخرين للاعتراف بالوجهة التي تحرك فيها قوى التاريخ، ولضبط حركة الأمم لكي تتفق مع تلك القوى، ولتأنيب من يبطئ حتى يتماشى مع برامجها" كما قال الرئيس السابق كلينتون. لم ينس أن لدى الأميركيين مهمتهم الخاصة بأن يكونوا مؤلفين للتاريخ، كما قالت مادلين اولبرايت في حزيران عام 1997. لم يهاجموا العراق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو بسبب المقابر الجماعية أو انتهاك حقوق الإنسان، بل بدعوى حيازة وتطوير أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثروا ولن يعثروا عليها لأنها دمرت على أيدي خبراء فرق التفتيش التابعة لمجلس الأمن الدولي المكلف أيضا بالتجسس وإدامة الحصار وتعداد أرقام ضحاياه!

أحس بثقل كبير ينزاح عن صدره فموته سيكون بإرادة أميركية وليس عراقية. كيف له أن يكشف الآن خفايا ذلك القرار وأسرار ما دار في أروقة القصر القصر الجمهوري من حوارات مع ممثلي الإدارة الأميركية يوم كانت العلاقات في شهر العسل؟ وكيف له أن يكشف ما دار في زنزانته من حوارات وتهديد وترغيب؟ ود أن يتكلم غير أن الأميركيين أبتعدوا إلى زوايا القاعة تاركين أمامه عراقيا يتلو قرار الحكم والإدانة، بينما هو يردد بصوت لم يسمعه أحد قسم الشهادة. تساءل مع نفسه: ألا يستحق أن يكون شهيدا ما دام سيموت بقرار أعدائه المحتلين وليس بإرادة ابناء جلدته؟!

أنفلتت منه ابتسامة حين تذكر أنه قرأ يوما أن أحدهم جيء به إلى منصة المشنقة، فسألوه أن كان لديه شيئ يود قوله، فالتفت إليهم ساخرا: " لقد جئت لأعدم لا لألقي خطابا"! لكنه مع ذلك سيقول شيئا إن سنحت له الفرصة.

ومضت في ذهنه ذكريات فجر العيد في زمن الطفولة.. كان ينتظر، مرتديا ثوبه الجديد "البوبلين"، بلهفة انتهاء صلاة العيد لينطلق بعيديته إلى حيث الفرح، إلى أراجيح العيد المشدودة بين كل نخلتين، غير أنه الآن سيرتدي القناع الأسود، وبدلا من ركوب "المراجيح" سيتأرجح بحبل المشنقة! لكن، لا، لا لن يقبل بوضع ذلك القناع، بل سيتقدم نحو موته مرفوع الرأس مكشوف الوجه. ألم يذكر أمام كتاب عراقيين ( منهم الراحلون عبد الأمير معلة وعادل عبد الجبار وموفق خضر) طلب منهم أن يكتبوا روايات عنه، مدى إعجابه بموقف الزعيم عبد الكريم قاسم حين رفض أن يشدوا عينيه؟!

أندلعت الفوضى حين صعدوا به إلى الطابق العلوي. تعالت من حوله هتافات وصيحات، حتى أن أحدهم هتف بدوام الحياة لرجل يعرف جيدا أنه أمر بقتله قبل سنين طويلة. دقق النظر في وجوه الهاتفين واللاعنين فرآهم في حمى هستيرتهم يزدادون صغرا أمامه. أدرك ببساطة أنهم قد أخطأوا في توقيت موته في فجر عيد المسلمين الأكبر وفي يوم من أشهر الحرم، وفي فقرات حفل الموت الذي مزقت حرمته شعارات صبيانية. أحس بالراحة. أدرك حينها وقبل أن يتأرجح بحبل المشنقة، أنه أكبر منهم، وسيظل كذلك.

هتف باسم العراق وردد الشهادتين، وتأرجح في فجر يوم العيد، لكن ليس كما كان يتأرجح فرحا ضاحكا في طفولته، فيما كانت ثلة الحاضرين تصب اللعنة عليه وتتأهب لتنهش الجسد البارد المدثر بمعطف أسود.








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024