المؤتمر نت - شيخ الازهر
بقلم‏:‏ فضيلة الإمام ‏.‏ محمد سيد طنطاوشيخ الأزهر الشريف -
(هذا هو الإسلام‏)حديث القرآن عن الرجل والمرأة
جاءت الاية الخامسة من آيات سورة البقرة التي فصلت الحديث عن أحكام الطلاق‏,‏ فوضحت ما يجب اتباعه عند حصول الطلاق وإمضائه‏,‏ حتي لا يقع ظلم أو جور‏,‏ فقال ـ تعالي ـ‏:‏ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمع يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر‏,‏ ذلك أزكي ذلكم وأطهر‏,‏ والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏(‏ الآية‏ولفظ تعضلوهن مأخوذ من العضل بمعني الحبس والمنع‏.‏ يقال‏:‏ أعضل الأمر إذا ضاق وامتنع .
والمعني‏:‏ إذا طلقتم النساء طلاقا دون الثلاث وانتهت عدتهن من غير مراجعة لهن‏,‏ وخلت الموانع من زواجهن‏,‏ فلا تمنعوهن من الزواج بمن يردن الزواج به‏,‏ متي حصل التراضي بين الأزواج والزوجات علي ما ترتضيه شريعة الإسلام‏,‏ وتقره العقولثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله‏:‏ ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر‏,‏ ذلكم أزكي لكم وأطهر‏,‏ والله يعلم وأنتم لا تع
أي‏:‏ ذلك القول الحكيم‏,‏ والتوجيه الكريم المشتمل علي أفضل الأحكام وأسماها يوعظ به‏,‏ ويستجيب له من كان منكم عميق الإيمان بالله ـ تعالي ـ وبثوابه وبعقابه يوم القوبعد‏:‏ فهذه خمس آيات متواليات‏,‏ اشتملت علي كثير من أحكام الطلاق‏,‏ وتعد من أعظم الحواجز والسدود التي اتباعها يقلل من وقوع الطلاق‏,‏ ويدعم استقرار الحياة الزوجية بين ا
فالآية الأولي تقرر أن المطلقات ذوات الحيض‏,‏ يجب عليهن أن ينتظرن دون زواج مدة ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات علي سبيل العدة‏,‏ وأزواجهن أحق بردهن وبمراجعتهن مادمن في العدة‏,‏ وينبغي أن تكون تلك المراجعة بقصد الإصلاح لا بقصد الإوالآية الثانية تقرر أن الطلاق الذي تحصل به الرجعة مرتان‏,‏ واحدة بعد الأخري‏,‏ وحكم الله ـ تعالي ـ بعد كل طلقة هو أن يعامل الرجل امرأته معاملة حسنة‏,‏ ولا بأس من أن تتنازل الزوجة لزوجها عن بعض حقوقها‏,‏ إبقاء للحياة الزوجية‏,‏ وامتدادا لها علي المة‏.
والآية الثالثة تقرر أن الرجل إذا طلق زوجته الطلقة الثالثة‏,‏ فلا تحل له بعد ذلك إلا بعد زواجها من رجل آخر زواجا شرعيا صحيحا‏,‏ بعد أن ذكرت الآيتان الأولي والثانية أحكام الطلاق الرجعي‏,‏ وهذه الآية الثالثة تحذر كل عاقل من اللجوء إلي الطلاق إلا عند الضلقصوي‏.
والآية الرابعة تقرر أن علي الرجال أن يوقنوا أن الإبقاء علي الحياة الزوجية خير من قطعها‏,‏ وأن يعملوا علي مراجعة زوجاتهم قبل انقضاء عدتهن‏,‏ وأن تكون هذه المراجعة بنية صادقة‏,‏ وبعزم مؤكد علي المعاشرة الزوجية بإحسان لا ضرر معه ولا ظلم‏,‏ مع التذكير نعم الله ـ تعالي ـ علي عباده‏.‏ أما الآية الخامسة فقد قررت أن علي أولياء المرأة إذا ما رغبت في الرجوع إلي زوجها بعد طلاقها منه دون الثلاث‏,‏ وبعد انتهاء عدتها‏,‏ فعلي هؤلاء الأولياء ألا يمنعوها من ذلك‏,‏ متي حدث التراضي بين الزوجين شرعا وعرفا‏,‏ اة الزوجية أزكي وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏.‏ والحق أن الالتزام بهدايات هذه الآيات من أنجع الوسائل لاستقرار الحياة الزوجية‏,‏ ولاستمرار المودة والرحمة بين الزوجين‏,‏ مما يشهد بأن هذا القرآن من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا‏.‏ وشبيه بهذه الآيات الكريمة في دعوة الأزواج إلي عدم الإضرار بنسائهم عن طريق الحلف بعدم معاشرتهن المعاشرة الشرعية لمدة أربعة أشهر‏,‏ وعليهم أن يراجعوا أنفسهم‏,‏ وأن يحسنوا معاملة زوجاتهم‏..‏ شبيه بهذه الآيات قوله ـ سبحانه ـ‏:‏ للذين يؤلون من نساربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم‏,‏ وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم‏(‏ سورة البقرة الآيتان‏:226‏ و‏227).‏ قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ ما ملخصه‏:‏ وقد جعل الله للزوجة مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر‏,‏ وقد آلي النبي ـ صلي ال ـ من أزواجه شهرا تأديبا لهن‏,‏ عندما طالبنه بزيادة النفقة‏.‏ والأربعة الأشهر مدة كافية ليختبر الرجل نفسه وميوله‏,‏ فإما أن يعود إلي الحياة الطبيعية مع امرأته بالطريقة التي شرعها الله ـ تعالي ـ‏,‏ وإما أن تعاد إلي الزوجة حريتها بالانفصال عنه‏,‏ لا حياة زوجية جديدة مع شخص آخر‏,‏ فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون‏,‏ وأنفع للرجل كذلك وأشرف‏,‏ وقد اختار الله ـ تعالي ـ هذه المدة‏,‏ وهو الأعلم بحكمة اختياره‏.‏ ويري جمهور العلماء أن الطلاق لا يقع بانتهاء هذه المدة وهي الأربعة أشهر‏,‏ وإنما بانتهائهة ـ إذا أرادت ـ أمرها إلي القاضي لطلب الطلاق‏,‏ فيأمره القاضي بالعودة إلي الحياة الشرعية مع زوجته‏,‏ فإن تقبل ذلك باقتناع ورضا فبها ونعمت‏,‏ وإن لم يتقبل أمره بالطلاق فإن طلق انتهي الأمر‏,‏ وإن أبي أصدر القاضي حكمه بطلاقها منه‏.‏ وروي الإمام التره عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت‏:‏ آلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من نسائه‏,‏ أي‏:‏ اعتزلهن لمدة شهر‏,‏ وجعل في اليمين
وذلك بعد أن نزل عليه قوله ـ سبحانه ـ‏:‏ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏,‏ تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم‏,‏ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم‏,‏ والله مولاكم وهو العليم الحكيم‏(‏ سورة التحريم‏:‏ ال
وفي الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال‏:‏ إذا حرم الله الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها‏,‏ وقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة
وبذلك نري أن شريعة الإسلام قد وضعت السدود والحواجز في وجه كل قول أو فعل يكون سببا في زعزعة الحياة الزوجية‏,‏ وأن هذه الشريعة قد حفظت للمرأة حقوقها وكرامتها وحريتها الإنسانية‏,‏ وبهذه الأحكام السامية‏,‏ والآداب العالية‏,‏ يحيا الرجل والمرأة الحياة التي تظلها السعادة والأمان والاطمئنان‏.‏
نقلاً عن الاهرام


تمت طباعة الخبر في: الأحد, 04-مايو-2025 الساعة: 09:01 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/15259.htm