بقلم-أنيس منصور -
أغار عليها من أبيها وأمها!
أعجبني كتاب أصدرته وزارة الثقافة اليمنية. الكتاب عنوانه (طب النفوس ـ فن الغناء الصنعاني).. ترجمه عن الفرنسية الاستاذ علي محمد زيد في 250 صفحة. فالمؤلف الفرنسي عايش الموسيقى والطرب وجلسات الفرفشة في اليمن. واستمع واستمتع بكثير من الأغاني القديمة والحديثة. وتحدث عن اثر الغناء والموسيقى في الشعب اليمني. وكشف ان الموسيقى تفتن الناس وتشغلهم حتى عن الصلاة! وقد حدث ان ظل إمام المسجد يستمع الى الموسيقى ولم يتنبه الى موعد الصلاة الا عندما سمع الآذان فأسرع يصلي بالناس وقد نسي ان يتوضأ! ولكن اذا صلى الامام ولم يكن متوضئا فالعيب في الإمام لا في الإمامة ـ عبارة قديمة للسياسي المصري المسيحي مكرم عبيد باشا! وحكى المؤلف ان احد الملوك كان عنده ابن اخرس وكان ذلك مصدر حزن لوالديه فتطوع احد الوزراء بشفاء الامير.. فنقله الى الوادي ومعه فتاة جميلة وموسيقى فأنطقته الموسيقى، ولما عاد الوزير ليرى ماذا حدث وجد انقلابا في الحياة الخرساء فتساءل الوزير:
أراك طروبا والها كالمتيم الخ
ورد عليه الأمير:
على شاطئ الوادي نظرت حمامة الخ
وقد سمعت هذه القصيدة الفلكلورية من عدد من المطربين أهمهم: عبد الرحمن الأخفش ومحمد مرشد ناجي.. والمطرب يغني وحده عازفا على العود. أما صوته فشجي وكذلك العود.. وجمهوره يصرخ عند أبيات معينة .. ولكن المطرب لا يعيد ولا يزيد .. انه يمضي في الغناء حتى النهاية وبكثير من الأخطاء النحوية والوزن.. وقد لاحظت ان القصيدة يضاف اليها ويحذف منها حسب مزاج المطرب.. بل انني استمعت الي مطرب لم يشأ ان يكمل احد الأبيات لأن فيه اجتراء على الدين.. وترتفع صرخات الناس عندما يقول:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة
مفرقة في الخد والكف والفم
وفيها ابيات جميلة تقول:
ولما تلاقينا وجدت بنانها مخضبة
تحكي عصارة عندم
فقلت اخضبت الكف بعدي وهكذا
يكون جزاء المستهام المتيم
وفي أساطير الاغريق ان اورفيوس كان اذا غنى تساقطت الطيور وخرجت الأسماك من البحر.. وفي العصور الوسطي ايضا انتشرت اسطورة (زمار هملن) هذا الزمار اذا نفخ في مزماره سارت وراءه الطيور.. ثم شيء آخر: كل الفئران التي نشرت الطاعون في اوروبا . فكانت تمشي وراءه وينزل بها البحر ويتركها حتى تموت! ويقال ان اورفيوس ذهب الى جهنم يسحر بموسيقاه وغنائه حارس جهنم حتى أخرج زوجته من عذابها الأبدي! ومن الأبيات التي أثارت الجمهور في هذه القصيدة مجهولة المؤلف:
أغار عليها من أبيها وأمها
ومن خطوة المسواك إن دار في الفم
أغار من اعطافها من ثيابها
اذا لبستها فوق جسم منعم
لها علم لقمان وصورة يوسف
ونغمة داود وعفة مريم
ولي أحزان يعقوب وحسرة يونس
ولي صبر ايوب وحسرة آدم
بكيت على من زين الحسن وجهها
وليس لها مثيل بعرب واعجم
وآخر قولي مثلما قلت اولا
اراك طروبا والها كالمتيم
وأجمل ما قيل في أثر الموسيقى والغناء ما قاله المفكر الكبير ابو حيان التوحيدي: ان الموسيقى تأخذك منك ثم تردك اليك! كذلك فعلت بأبناء اليمن..
نقلاً عن الشرق الاوسط
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 01:45 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/20094.htm