المؤتمر نت - البردوني
المؤتمرنت -هشام سعيد شمسان -
البردوني: القصيدة، وحادي البصيرة
ست سنوات من الوجع القصيدي المباح، هي عمر رحيل شاعر الصلابة، والأصالة؛ حادي البصيرة، وواهب القصيدة: عبدالله البردوني:
ست سنوات من الموات، والهباء الإبداعي، بعيداً عن القصيدة البردونية المناضلة، والنص الإيقاظي المنحاز، وبعيداً عن العمود الساخر الساحر، ذاك الذي أسفر عن اثني عشر متناً شعرياً تتدفق كلها بحيوية القصيد، وشبابه، وحداثته. ومن خلالها استطاع هذا الحادي العربي أن يؤسس مدرسته الشعرية الخاصة، التي لا ينازعه فيها أحد من مبدعي العصر الحديث، أو الجديد. يكفي بأنه كان أول من طوَّع العمود البيتي وفق بنائيات وتقنيات حداثية، خاضعة للنزعات النفسية، والشعورية التي تحركها تقلبات الواقع، من حوله، فتنعكس عفوياً إلى لغته، وصوره، وخيالاته، وإيقاعاته المؤسيقية، والتدفق الخطابي بوجه عام. فتجد قصائده تتنقل بين مدارس أدبية عدة: الكلاسيكية، والسوريالية، والرومانتيكية، والكلاسيكية الجديدة، والرمزية.

وعلى مستوى اللغة نراه مفككاً، ومفتتاً لبعض العلائق اللغوية، كأن يصرف ما لا ينصرف، ويثبت ياء المقصور في موضع الحذف، ويشتق مما لا يُشتق منه، كما يستخدم الصور المجازية غير المألوفة من خلال القلب، والإزاحات المركبة، بما يجعل من بعض تلك الصور، أقرب إلى العدمية، والسوريالية، المجسمة في تعبير شعري ينحو إلى السخرية، والكاريكاتورية، والكوميديا، والهجاء اللاذع في كثير من الأحايين.

وإذا كان الحداثيون، ممن يرفضون العمود الشعري، بسببٍ من القافية التي تمثل لهم جانباً إعاقياً لتدفق الأفكار الشعرية، وانسيابها، فقد كانت مدرسة البردوني أول من أسقطت زيف هذا الادعاء، من خلال تحكم الشاعر بالموسيقى الخارجية، والتفاعيل العروضية، وإدارة فن الحوار في كثير من دواوينه، واللجوء إلى تقنية التنغيم، والقطع ، وهو ما يدهش القوالب الحداثية، لا سيَّما "قصيدة النثر" التي تُعدُّ" الأقرب إلى إمكانية إدخال عنصر الحوار، وتقنية التنغيم، وتعتبر القصيدة البيتية قاصرة، وغير قادرة على استيعاب نحو هذه التقنيات، لا سيَّما التنغيم الذي قد يُغيّب – أحياناً- من صوت الإيقاع في القصيدة البردونية، بالرغم من اتكائها عليه بوجه أساس.
بقي أن تقول: بأن صوت القصيدة البردونية، ستظل بنزعتها الإنسانية- إلى إدانة الواقع المحلي بوجه خاص، والعربي بوجه عام، والمحتجة على الراهن الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي الذاتي – هي الأكثر قرباً إلى القراء، لأنها قصيدة متأوِّهة، تنحو إلى تصوير همومنا المعاصرة، فترفض الاستسلام للألم، واليأس، والجهل الفقر، بدليل أن (27) نوعاً من الأمراض التي كان يحملها البردوني في جسده لم تستطع أن تمنعه من مواصلة نضاله الإبداعي، وشاهد ذلك هو عشرون سفراً تركها لنا البردوني، تجمع ما بين الإبداع، الشعري، والنقدي، والفكري، والتأرخة الفلسفية، أفلا يستحق بذلك أن يكون شاعر اليمن الأول، وحادي قصائدها، وضميراً متكلماً عن العروبة المتآكلة.

ونحن في هذا الملف، حاولنا ما استطعنا – أن نجمع ما تشذّر من كتابات، ودراسات، وشهادات أدبية، ومقابلات، وحوارات منشورة- بتفرق- في صحف، وكتب، ومجلات؛ عربية، ومحلية، لغرض توثيق قدرٍ ضئيل مما تناثر من كتابات عن شاعرنا- وسوف نتابع البحث عن المزيد من هذه المتفرقات؛ بهدف تقديم مادة غنيَّة للقارئ العربي بوجه خاص، والقارئ بوجه عام.

والله من وراء القصد:





تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 03:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/23880.htm