المؤتمر نت - .
المؤتمر نت- سمير عطا الله -
كافكـــا اليابانـــي
واحدة من تلك الحالات. الحالة التي تتمنى فيها ألا يرنّ الهاتف. الا يقرع الباب. الا تسألك زوجتك عما تريد للغداء. الحالة التي تتمنى فيها الانقطاع عن العالم، لا احد. لا شيء سوى الكتاب الذي بين يديك. لذلك وجدت ان افضل سبع ساعات متواصلة سوف تكون الرحلة بين دبي ولندن، وبدل ان انتظر موعد الغداء على مائدة «الامارات» الشهية، تناولت شيئا عاجلا في صالة المسافرين. وعندما اتخذت مقعدي على الطائرة، قلت للمضيفة: رجاء لا شيء. لا اكل ولا شراب. فقط فنجان من القهوة قبل النزول في لندن.

بدأت قبل الاقلاع المرحلة الثانية من قراءة «كافكا على الشاطئ» للياباني الساحر هاروكي موراكامي. عندما احضرت المضيفة القهوة قبل البدء في النزول من 45 الف قدم، شكرتها. ثمة ما هو اكثر عبقا من البن العدني. ارجوك. انك تشبهين زوجتي عندما تسأل ماذا اعد للغداء، فيما انا بالتحديد، مع رحيق الصفحة 163 من هذا اللؤلؤ الياباني. الآن انا في الصفحة 422. وكافكا على الشاطئ. ولا يزال قليل الكلام. ولا يزال هذا الساحر الياباني ماضيا في صناعة هذه الرواية بالخرز. تنتظر ان تكون التالية عنابية، كوربا، مائلة الى العسل. لا. انها خضراء مثل بحيرات الجبال في فرنسا. او هكذا يبدو لك. ففي روايته الاخاذة «صبي طيارة الورق» يقول الافغاني خالد الحسيني، انه عندما كان صغيرا، كان يجلس مع رفيقه حسن على غصن شجرة ومعهما كسرة مرآة صغيرة يعكسون شعاعها على بيوت الجيران. وكان لون عيني حسن يتغير مع الضوء الضارب عليهما، من الاخضر الى العسلي الى البني بعد الزوال. الخرزة التالية في عقد الساحر الياباني مفاجئة. احيانا بلا لون اطلاقا، فقد خربتها الذرة الاميركية. ما هي قصة «كافكا» الياباني، وشقيقته، ووالده، والصبي المدعو غراب؟ ما هي لست ادري. كيف اختصر رواية من 700 صفحة هكذا في بضعة اسطر؟ كيف استعير من لؤلؤة ؟ تبدو مغارة الجواهر عنده مثل علي بابا اذا سطا على ماسات توبكبابي في تركيا. مثل مبالغات شهرزاد وهي تخيل الوانا لا ترد في الوان الطيف حتى في التقاء الشتاء المسافر مع شمس الربيع المشرق، خائفا من بقايا البرد. ثم اننا عندما نقرأ عملا لهذا، لماذا نختصره ؟ بل نشعر كأنها متعة لا يريد ان يشاركنا فيها احد. لعبة الوان ابعد من الطيف. ولعبة فصول ابعد من الحبكة والسرد، ولذلك عندما تقول المضيفة بعد سبع ساعات من الدهشة والخرز ذي الألوان المفاجئة، هل احضر لك القهوة الآن، اشكرها باقتضاب وعتب. وتهبط الطائرة وانا في عالم كافكا الياباني. ويتطلع بي جاري في فضول، ليتأكد من انني مسافر عادي، ولست شحنة الى متحف الشمع لا تتحرك طوال سبع ساعات.

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 07:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/25946.htm