المؤتمر نت - الناقد / هشام سعيد شمسان
حاوره / ماجد عبد الحميد -
النقد العربي مرقع بالنظريات والفلسفات الغربية
يعد هشام سعيد شمسان أحد النقاد الحداثيين في اليمن الذين يحاولون جاهدين – وبما استطاعوا - أن يقيموا جداراً جديداً للنقد الأدبي الحديث وهو – في نقده يحاول أن يوفق بين النظريات النقدية العربية والنظريات النقدية العالمية المستمدة من الفلسفات الحديثة في النقد؛ موائماً بين التراث النقدي العربي والمذاهب الغربية الحديثة ، إذْ لا يأخذ من النظريات الغربية إلا ما يتواءم مع الشخصية العربية وخصوصيتها الأدبية حتى لا ينشا لدينا كتَّاب مهجنون أو مستنسخون عن الآخر كما هو حادث في بعض الأقطار العربية ، ولعل المتتبع لكتابات هشام شمسان النقدية يدرك عمق هذه الرؤية التي يحاول ناقدنا أن يجسدها في نقوداته المختلفة.
وفي هذا اللقاء نحاول أن نستقرئ معه بعض الأسئلة المنفتحة على عوالم نقدية ،وإبداعية عربية، ومحلية.

* هل لنا في تقييم عام لمستوى النقد على مضمار الساحة الثقافية والأدبية عربياً ومحلياً، وما مدى مواكبة هذا النقد للمتغيرات الجديدة.
- أود في هذا المقام أن أورد إحدى مقولات الدكتور إحسان عباس، والذي يعد أكثر الكُتاب في المجال النقدي، والأدبي عموماً يقول: لا أقول إن النقد في أزمة ولكن أقول إنه ليس هناك "نقاد".. ومن خلال الاستشهاد أحاول ألا أبدو متشائماً كما أحاول ألاّ أبدو متفائلاً؛ ذلك أننا إذا قلنا بأن ثمة أزمة في النقد نكون قد ألغينا بذلك معماراً من البنائية النقدية التي تحاول أن تتجذر في بلاد العروبة، إذاً فلا أزمة في النقد وإنما الأزمة في النقاد الحاضرين الغائبين على خارطة الثقافة العربية والذين لديهم زمام القدرة على تصويب الوعي النقدي وإعادة ما انفلت منه إلى منطقة السؤال الإبداعي: " بحيث صار يعاني انفلاتاً في نقاده وضموراً في منطقة الوعي الإبداعي بسبب من الموت في الهوية أو الانكسار في الهم الحياتيّ واليومي؛ ناهيك عن أن كثيراً من النقاد – في وطننا العربي – لا يحبذ عادة – أن يدخل مناطق الأسئلة المنفتحة على هزائمه الذاتيَّة – فأصيب النقد بارتكاس على مضماري الهوية والنقل من الآخر فصرنا في كثير من الأحاديين نقرأ نقداً مرقعاً بالنظريات الفلسفية الأجنبية في جانب أو نقداً متقوقعاً داخل حدود الذات التراثية؛ فتشعر مرة أنك أمام ناقد فرنسي يكتب كلاماً عربياً أو أمام ناقد تراثي عربي لا يتميز عن أسلافه سوى بالملابس الحديثة. وليتنا نجد الناقد الذي يفاخر بهويته وتراثه مستفيداً من الحديث والجديد في الثقافة والأدب والنقد ليعلو بما يكتب، مكوناً منهجه الخاص المكون من الخبرة القارئة والواعية.. وإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على مستوى النقد في بلادنا سنجد بأنه لا يبعد كثيراً عن أخيه في الوطن العربي، إلا في كمونه – فقط – إذْ ما زال بعيداً – وإلى حدٍّ ما - عن النظريات النقدية الفلسفية الحديثة؛ ويمكن أن نقسم النقاد في اليمن إلى فئات بعينها:
- فئة تتخذ من المجال الإسقاطي النفسي (الذاتي) منهاجاً لها وتعتمد هذه الفئة علي خبرة قرائية واعية ولها اتصالها الوثيق بالمنقودين ويمثل لهم الشكل جانباً هامشياً ويمثل هذا الجيل الدكتور عبدالعزيز المقالح والذي يعد متفرداً في هذا المجال، ولكنه جانب فقير إذا ما قيس بمستوى النقد لدى "البردوني" – مثلاً – الذي يضيف إلى الجانب الإسقاطي الجانب الأسلوبي كاللون البلاغي وعلاقته بالدلالة اللغوية والنفسية ولعل كتابه: من أول قصيدة إلى آخر طلقة نموذج لما نقول. وثمة من يتخذ من الشكل وحده وعاءً لدراساته النقدية ويهمل كثيراً من الجوانب العضوية للنصوص، وإذا ما دلف إلى المضامين النصية يظل نقده عند حدود الوصف للمكونات النصية التي تؤلف رقعة النصوص وهو جانب حديث؛ مع كونه يفتقر إلى المعيارية التقييمية ولعل أكثر من يمثل هذه الفئة من النقاد (عبدالودود سيف).

نقد عائم:
ما عدا هذه الفئات الثلاث من النقاد – في بلادنا – ينحسر النقد ويتلاشى ويدخل في أنساق النقد العائم، ولنمثل لنوعين من هذا النقد الانفلاتي.
- أولاهما: ذلك النقد الذي يتخذ من الأحكام العامة الانطباعية رداءً له، وإذا ما حاول أن يخوض في التعليل سقط في حجته ونحو هؤلاء لا يتكئون على ثقافة صائبة ومؤسسة، وبعيدون عن القراءات الحديثة, ولعل أهم من يمثل هذه الفئة محيي الدين سعيد" ومن يقرأ آخر محاولاته النقدية عن مجموعة "الطماطم" للقاص صالح البيضاني سوف يعض على شفتيه حياءاً مما يقرأ ويشعر بالأسف على ما آل إليه بعض من نسميهم نقاداً.
- أما الفئة الأخيرة من النقاد فهم أولئك الذين يتخذون من النقد الصحفي طريقاً لقراءة النصوص الأدبية؛ بالرغم مما يتميز به هذا النقد من انطباعية ولغة مبتذلة تصل أحياناً إلى العامية، ويعتمد غالباً على إسقاط الخبرات، والقراءات الاستطرادية المتولدة عن ثقافة معلبة وإخضاع النصوص عادة إلى الواقع السياسي بما يقزم فعالية النقد ويخرجه من الأدبية إلى الشعبية وأهم من يمثل هؤلاء عبدالله علوان.

نقد القصة:
* ماذا يعني أن يستحوذ النقد القصصي على معظم الكتابات النقدية لديكم هل لأن القصة هي الجنس الأكثر قرباً منكم؟ أم لأنها الجانب الأكثر بروزاً من الشعر؟
- قد يبدو نحو هذا السؤال مجافياً للحقيقة إلى حد ما.. لا سيما وأن القارئ يدرك تماماًَ أن معظم نقوداتي هي في الشعر وأحاول – جاهداً - أن أبدو موائماً بين هذا وذاك؛ بحيث لا يغطي جانب على آخر، أو على الأقل لا أبدو سائراً في اتجاه طولي محض. وإذا كانت القصة قريبة مني فلأني أكتبها أكثر من الكتابة الشعرية إلا أن هذه القرب لا يجعلها الأكثر تفضيلاً ذلك أن الشعر يظل هو الأب الذي انطلقت القصة من معطفه. وإذا كانت القصيدة هي البحر فإن القصة هي النهر الذي ينبع من صلب للشعر (لا سيما الحديثة) فالقصة الحديثة خصوصاً قد صارت منافساً للشعر بنسبة (90%) بسبب من اللعبة اللغوية وفتنتها البلاغية، إلا أن الشعر سيظل هو ( المورد الأول).
وإذا كان القارئ قد لاحظ بأن نقوداتي الأخيرة كانت مركزة على القصة أكثر فلربما كان هذا عائداً إلى "نادي القصة" وتموقعي فيه كعضو مؤسس وهو ما أشعرني بضرورة التقرب أكثر من القصة وتكثيف الكتابة النقدية فيها إلا أن ذلك لا يعني استحواذ القصة على كتاباتي النقدية.

أسباب تخلف النقد:
* ألا ترى معنا بأن العملية النقدية في البلاد العربية واليمن - خصوصاً - لا تتواكب مع العملية الإبداعية ( قصة ، شعر) بحيث تجيئ – هذه الأخيرة– أكثر إنتاجاً مقارنة بالنتاج النقدي؟.
- كثيراً ما تكرر نحو هذا السؤال ولكنني أتعجب من الإجابات التي تقف مع الحقيقة الظاهرة، بما فيها من تجنٍّ كبيرٍ على النقد والنقاد، ذلك أن الحقيقة التي يجب أن ندركها هي:
أن النقد ليس مطلوباً منه أن يواكب الإبداع لأسباب بعينها وأهمها:
أولاً: إن عدد النقاد هم أقل – عادة – من عدد الشعراء والقاصين، وحالياً نجد بأن النقد – عامةً – يمثل نسبة دنيا إلى جانب الكُتَّاب، وبنظرة حدْسية سنجد بأن كل عشرين إلى ثلاثين مبدعاً هم محمول لناقد واحد على مستوى الوطن العربي؛ أي بأن ثمة ناقداً واحداً لكل عشرين إلى ثلاثين كاتباً (شاعراً أو غيره) بما يجعل من النقد عملية شاقة مجهدة تتراجع إلى الوراء بازدياد عدد الأدباء.
ثانياً: إن النقد هو نص إلى جانب النص الآخر – المنقود- والشاعر – مثلاً – لا يستطيع أن ينتج نصاً أدبياً راقياً ما لم يتأتَّ ذلك في لحظات زمنية يتدخل فيها العامل النفسي، والذهني بدرجة أساسية، وكذلك قل عن الناقد الذي يبحث عن نص نقدي ناضج، وإلاَّ صار النقد عملية عبثية؛ كما يصير الشعر – مثلاً – إذا جاء مصنوعاً متكلفاً وفي غير زمنه، وهذا كافٍ لأن يبرر حقيقة المواكبة من عدمها.
ثالثاً: قد يسكت الناقد – أحياناً – عن بعض الأعمال الأدبية: إما لأن أصحابها ما زالوا عند العتبات الأولى للأدب؛ حيث يأنف بعض النقاد ( البرجِّيين) من تناول أعمالهم، وأما لأن بعض هذه الأعمال قد تجيئ خاوية من مفاهيم الإبداع؛ مما قد يضطر بعض النقاد للسكوت عن بعض الأعمال الأدبية الرديئة حرصاً على ثبات العلاقات الشخصية بينهم والمنقودين وكل مسكوت عنه هو رديء بالضرورة بتفسير (من قبل البعض).

* هذا يجعلنا نسألك عن مدى تأثير العلاقات الشخصية على النقاد وكيف يُنظر إليها؟
- ثمة نوعان من النقاد، يطرحه جانب العلاقات الشخصية هما:
الناقد النبيل والذي يحاول أن يبدو صادقاً وصارماً في مقولاته النقدية دون تهيُّبٍ ( ما ) إلى العلاقة الشخصية بينه والكاتب؛ لعلمه بأن عملية النقد - وإن كانت تعاملاً مع النص - إلا أن الأمانة الأدبية تقتضي منه أن يقدس هذه العلاقة بعدم تدنيسها بالخيانة مهما بدت خادمةً لهذه الصداقة. وثمة نوع من هؤلاء قد يحاول أن يوائم بين هذه العلاقة وما يتفوه به من نقودات. فحيث يجد الأعمال الرديئة فإنه قد يترك المضمون الجمالي وجانب المعالجة الأسلوبية للنصوص المنقودة، ويلجأ إلى بعض الجوانب المضمونية والموضوعية التي لا ترتبط وثيقاً بجماليات وتقنيات النص ليجعل منها تاجاً على رأس المنقود فيتحول على يديه القبح إلى جمال، والعكس إذا ما كان على صلة رديئة بالكاتب، وبذا تتحول العلاقة بين الأديب والناقد إلى نقمة يجني ثمارها الفاسدة كلٌّ من القارئ والمبدع معاً.

* هل ثمة استجابة لما يطرحه النقد – الآن من مقولات حداثية وفي خضم ما آل إليه النقد من انفلات في التطبيق والمنهجية؟
- يقول أحد النقاد المشهورين العرب: إن النقد لا يقاس دائماً بمقياس الصحة أو الملائمة للتطبيق وإنما يقاس بمدى التكامل في منهج صاحبه. إن منهجاً نحو الذي وضعه ابن طباطبا أو قُدامة – مثلاً قد يكون مؤسساً على الخطأ في تقييم الشعر حسب نظرتنا اليوم – ولكنه جدير بالتقدير لأنه يرسم أبعاد موقف فكري غير مختل، وبهذا الاستشهاد أردت أن أحدد – أولاً – ما نوع النقد الذي يجب أن يستجاب له؛ بحيث يضع القارئ أمام نقاط إضائية يلج بها إلى الفهم والتفسير: إنه ذلك النقد المؤسس على منهجية ( ما ) يخطط لها الناقد بنفسه دون تبعية ( ما ) ، ويجيء مبنياً على مواقف فكرية نابعة من هذه المنهجية، بما يدعوني للقول: نعم ثمة استجابة يجب أن تكون لهذا النوع من النقد وإن كانت ضحلة تقتصر على نماذج بعينها أهمها: الباحثون على ازدهار ما يكتبون، وهؤلاء هم المبتدئون من الكتَّاب، ونسبة قليلة ممن قطعوا أشواطاً في الكتابة الأدبية. أما القارئ الآخر فلا صلة له بهذه الكتابات برأيه لذا فهو لا يتعلم من مقولات النقد إلا أسماء كتابها.
في خضم النقد الأدبي الذي ينبني – في كثير منه - على العمائية لا نجد صدى للنقد الحداثي المضيء؛ ذلك أن النص الناقد أمسى بحاجة إلى نصٍّ موازٍ آخر، يفككه فظهر، بما يسمى بـ ( نقد النقد ).

أنا والعقاد:
* ما مدى انعكاس الرؤى النقدية على ما يكتبه هشام الشاعر أو القاص؟
- هذا السؤال يضعني في نفس السلة التي وضع بها ( عباس محمود العقاد ) قبل أربعين عاماً؛ حين وجد نفسه مطالباً بأن تكون كتاباته الشعرية انعكاساً لنقوداته في الشعر، ولكنه أفصح قائلاً: " أنا أقرر الرأي لا لأطبقة على كتاباتي ولكن لأقرر الفكرة لذاتها. أما أمر التطبيق فإنني أدعه لمن يعنيه هذا الأمر ، وهذا القول قد يبدو غريباً لأنه يقرر مقولة " فاقد الشيء لا يعطيه" لا سيما وأن العقاد بدأ بالفعل مناقضاً لمقولاته النقدية في كتاباته الشعرية؛ إنه مثلاً كان يعيب على الشاعر الذي تتعالق نصوصه بالنصوص القديمة الشعرية أو الدينية وسفَّه من شعر شوقي الذي يستفيد من القرآن وأشعار الأقدمين وسمي ذلك سرقة. ولدى التفحص في شعر العقاد نجد كثيراً من أمثال هذه الاستفادات، وديوانه الضخم شاهد على ذلك، وحين نحاول نحن الآن أن نبرر فعل العقاد – هذا – سوف نبلور حقيقة أن الناقد - وهو يكتب الشعر – مثلاً – ينقطع عن عالم النقد ولا يكتب إلا ما توحي به اللحظة الشاعرة؛ فيرى لنفسه أشياء يدعو غيره لتجنبها حال النقد، ولن أذهب بعيداً فها هو "البردوني" - رحمه الله - يستحسن النصوص الحديثة ذات اللعبة اللغوية والفتنة البلاغية ولكنه – مع ذلك – لم يحاول أن يكتبها لأنه يرى بأن ما يكتبه هو الأرقى شكلاً والأنضج أسلوباً، ولعلي أكون قد أجبتك بهذا.

باكورة نقدية:
* ماذا عن أول كتاب نقدي لكم.. هل لك أن تحدثنا عن المعايير التي بُني عليها كتاب "مكاشفات النص"؟
- لا أخفي القارئ أن هذا الكتاب يمثل لي أهم إنجاز إبداعي على مستوى النقد الحديث في اليمن؛ لا سيما وأنه يعد الفاتحة الأولى التي يطل من خلالها القارئ على جيل التسعينات في اليمن، ولعل القيمة الانجازية الكبرى في هذا الكتاب هي في كونه يعطي فكرة أولى، ومركَّزة على جيل جديد ظل مهمشاً من قبل النقاد حتى الآن. والكتاب يهدف في الأساس إلى التبشير بجيل له طموحاته واندفاعاته وإنجازاته المستقلة ذاتياً. وقد حاولت أن أبدو منصفاً – قدر المستطاع – حين ضمَّنت الكتاب نماذج محددة من الأدباء يعدّون - في اعتقادي - نماذج مصطفاة بعناية، لأنهم أكثر من يمثل الجيل التسعيني المتعدد المناظير الإبداعية والرؤى التنظيرية.
متمنياً أن يحقق هذا الكتاب جزءاً من الأمنية الكبرى، فينال اهتمام القارئ والناقد، اللذين أُهديَ الكتاب لهما.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 04:21 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/29905.htm