المؤتمر نت - .
د. حسن مدن -
رحيل العدني الجميل ...د. حسن مدن
أول من لفت نظري إليه كان المفكر والناقد الراحل حسين مروة، الذي تحدث في لقاء صحافي عن أصوات شعرية عربية صاعدة “ينتظرها مجد إبداعي”، وسمى محمد حسين هيثم واحدا من أبرز هؤلاء. بعد ذاك بفترة وجيزة وقعت عيني على قصائد منشورة له، وأذكر أنني أعدت نشر إحدى هذه القصائد في مجلة طلابية كنت أشرف عليها مطالع الثمانينات، بعنوان: “ناي هندي”، أهداها الشاعر إلى العمال الهنود. وقد وجدت في هذه القصيدة مناخات تذكر بالخليج.

في العام 1996 وكنت اعمل في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، دعوناه كأحد ضيوف البرنامج الفكري لمعرض الكتاب. ومع مجموعة من الشعراء ألقى محمد حسين هيثم بعض قصائده في قاعة “اكسبو” القديم المجاور لمبنى “الخليج”. أذكر أنني كتبت في هذه الزاوية بالذات عن القصيدة المدهشة التي ألقاها يومها بعنوان “رجل ذو قبعة ووحيد”، التي أصبحت في ما بعد عنوانا لأحد دواوينه. في تلك الزيارة بالذات للشارقة تحدثنا عن قصيدة: “ناي هندي”، وأهداني يومها ديوانه “اكتمالات سين”، وكتب في الصفحة الأولى من النسخة المهداة يقول: “بمناسبة قصيدة “ناي هندي” الموجودة في الديوان، أضع بين يديك هذه النصوص التي تبحث عن اكتمالاتها”.

مرت سنوات ليجيء محمد حسين هيثم إلى البحرين في العام 2005 بدعوة من أسرة الأدباء والكتاب. في البحرين، كما في الشارقة، أهداني الشاعر كتابا، ولكنه لم يكن هذه المرة ديوانا، إنما كان أعماله الشعرية الكاملة الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة في اليمن بمناسبة اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية في عام ،2004 أمس، وأنا أقرأ كلمات الإهداء التي خطها الشاعر وجدت انه في الأعمال الكاملة أيضا كتب التالي: “مضى العمر وها هي قصيدتي تبحث عن تشكلها”. في المرتين، في الشارقة عام 1996 وفي البحرين عام،2005 استخدم الشاعر بصورة عفوية مفردة: “البحث”، في المرة الأولى البحث عن الاكتمالات وفي الثانية البحث عن التشكل. كان الشاعر في حالة بحث دائمة. ظلت قصيدته المرتجاة هدفا مؤجلاً، لأنه كان يطمح لأن يعيش طويلا ويجرب طويلا. بيد أن الموت عاجله وهو لما يكمل الخمسين من عمره. على موقع “إيلاف” قرأت فجر أمس الأول مرثية له، لولا أن صورته بوجهه الأليف الطيب كانت تتصدر المرثية لما كنت صدقت للوهلة الأولى انه هو بالذات الذي رحل. لم يكن ذلك هو رحيله الأول، فقد كان غادر مدينته الأولى عدن يوم دخل رفاق الدرب في اقتتال دموي عبثي، دل على أن بوسع القبيلة اختراق الثورة، وان المسافة بين قول الحداثة وفعلها هي مسافة من الاتساع بحيث أن عبورها ليس متاحا للراغبين بمجرد إعلان الرغبة. ظل بحر عدن ماثلا في عينيه وقلبه، لدرجة جعلته في أحد نصوصه يقترح بحرا لصنعاء. هذه المرة لم يرحل محمد عن مدينته الثانية صنعاء ولا عن اليمن وحدها، وإنما عن الدنيا. لقد ذهب باكراً إلى النوم، هو الذي كان قد هجس بعد أن أتم الأربعين بأن كبوات العمر ستعاجله قبل الأوان، حين قال في العام 1998: “البارحة / سقطت في الأربعين/ ولم انهض بعد، إنها الأربعون/ أولى الكبوات.

* الخليج الاماراتية

تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 07-مايو-2024 الساعة: 12:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/41611.htm