عبدالملك الفهيدي -
إنها معركة الجميع
لاشك أن مواقف الإدانة والاستنكار التي قوبل بها الحادث الإرهابي الذي استهدف السياح الأسبان في مأرب سواء على المستوى المحلي أو الدولي يعكس حقيقة القناعات الإنسانية بان الإرهاب لا يشكل خطراً على أفراد او كيانات أو حتى دول بل يشكل خطرا على الحياة برمتها .

وربما كانت اليمن السباقة في تحذيرها من مخاطر الإرهاب ،وايضاً كانت السباقة في الدخول في منظومة التعاون الدولي لمكافحته ،وكانت السباقة إلى انتهاج تجربة الحوار مع المتطرفين من الشباب ،ورغم أن ذلك حقق نجاحاً إلى حد كبير إلى أن حادث مأرب يؤكد قطعاً أن اليمن بات يدفع اليوم ثمن وضريبة تعاونه مع المجتمع الدولي في الحملة لمكافحة الإرهاب .

وإذا كانت تلك هي الحقيقة الأولى التي يجب قراءتها في حادث مأرب الإجرامي الشنيع ،إلا أن ثمة حقائق كثيرة يجب أن نستوعبها وفي المقدمة منها التعاطي ليس مع الحادث بحد ذاته بل التعاطي بطريقة تفكير جديدة مع قضية الإرهاب وكيفية ابتكار الوسائل والآليات لمواجهته .

- إن طريقة والية تنفيذ الحادث تضع الأجهزة الأمنية في اليمن أمام تحدٍ جديد يجب التعامل معه وفقاً لأساليب أمنية حديثة عبر الاستفادة ممن سبقونا في هذا الجانب .

-وعلى صعيد أخر فان حادث مأرب يجب أن يخلق لدينا قناعة كاملة بان مواجهة الإرهاب لا يجب أن تقف عند حد التعامل مع مخاطره عبر الأساليب الأمنية وان كانت تأتي في مقدمة وسائل التصدي له كخطر يهدد حياتنا ،بل يجب التفكير بمنظور مستقبلي يضع في اعتباراته الإرهاب كخطر منظم يتعلق وجوده واستمرار مخاطره بمنظومة متكاملة من الأسباب الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية .

-ووفقا لهذا المنظور فان الحديث عن مواجهة مع الإرهاب يجب أن تأخذ في اعتبارها مفهوم المواجهة الشاملة والتي تتطلب إعادة النظر في جوهر الخطاب والثقافي والفكري الذي يتزود به المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص .
وإذا كان الإجماع الوطني على إدانة حادث مأرب لا يمكن النظر إليه إلا بكونه انعكاس لحقيقة ان خطر الإرهاب (حادث مارب نموذجا) يستهدف الوطن "انسانا واقتصادا" ،لكن ذلك الإجماع المتشكل من خلال البيانات والإدانات اللفظية واللغوية والكتابية لا يكفي ،بل يجب ان تتحول صورة ذلك الإجماع من مفهومه الشكلي إلى مفهوم عملي .

وهو الأمر الذي يجعل من المهم التأكيد أن مسؤولية المواجهة مع الإرهاب لا تتحملها الدولة لوحدها بل هي مسؤولية مجتمعية يجب أن يكون للجميع فيها دور وفي المقدمة الفعاليات والقوى السياسية والمنظمات المدنية .

وذا كان من الواجب على الحكومة إعادة النظر في آليات ووسائل التصدي للإرهاب سواء على الصعيد الأمني أو الفكري والثقافي والإعلامي ،فان الأحزاب والمنظمات المدنية تتحمل في الوقت ذاته المسؤولية نفسها من خلال إعادة إنتاج خطاب إعلامي ومواقف سياسية ينبذ ثقافة العنف والتطرف والكراهية ويشيع ثقافة القبول بالأخر،وعدم إخضاع قضايا الوطن والمخاطر التي تتهدد حاضره ومستقبله وفقا لقواعد اللعبة السياسية .

وإذا كانت مواجهة الإرهاب تتطلب مسؤولية مجتمعية على المستوى الوطني ،فان ذلك لايعني الاكتفاء بالمواجهة المحلية فحسب بل يجب أن يستشعر الجميع في المنطقة والعالم أن اليمن كان وسيظل جزء من هذا الكون الكبير الذي لم يعد فيه مكان تقريبا إلا ووصلت اليه أيادي الإرهاب الآثمة ،وان التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب - الذي تعد اليمن جزءاً من منظومته – يتطلب ايضاً الشعور بأهمية مساعدة اليمن على المضي قدماً والاستمرار في مكافحة الإرهاب لان حادث مأرب كشف ان الضحية لم تكن اليمن الذي ضرب اقتصادها وشوهت سمعتها الطيبة ،بل امتد خطر ذلك الإرهاب ليطال اسبانيا التي فقدت عدداً من مواطنيها وبالأصح فان ضحية حادث مارب وحوادث مماثلة يشهدها العالم هو الإنسانية والحياة بمفهومها الأوسع .


تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 13-مايو-2025 الساعة: 11:57 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/46262.htm