المؤتمر نت - الشيخ / أنيس الحبيشي
الشيخ / أنيس الحبيشي -
حراسة الفضيلة .. أم دولة الحرّاس ؟!!
أدى التصريح الذي أدلى به الشيخ / حمود الذارحي عضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح حول طلب الهيئة العليا من الأخ / رئيس الجمهورية في لقاء خاص تم معه إنشاء وتشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي رواية لحراسة الفضيلة ( ! ) أدى إلى لغط كبير في شرائح المجتمع المدني وقواه الحية التي رفضت بشكل قاطع وجود مثل هذا التشكيل الرجعي الذي تدفع به وتروج له القوى الرجعية في المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح بهدف اجهاض الحريات المدنية والشخصية وتوفير غطاء ديني آمن لا يقبل النقاش يعطي الشرعية الدينية لهذا الاجهاض والانتهاك للحقوق والكرامة والسلم الأهلي ! باعتبار أن العظة والعبرة موجودة في انتهاك مثل هذه الهيئات المزعومة لسيادة الدولة وتصفية الحسابات مع الخصوم في السياسة والكتابة والرأي بل وحتى الخصومة المذهبية و الفكرية وذلك في السعودية والسودان وطالبان ! وما سببته من عرقلة لسلطة الدولة وتداخل الاختصاصات وفرض سلطة قضائية وشرطة دينية داخل جهاز الدولة .. اضف إلى ذلك مخاوف عديدة مشروعة من أن تتحول هذه الشرطة على غرار القوة التنفيذية في غزة التي قامت مؤخراً بأسوأ انقلاب تاريخي وانفصال غير مشروع لجزء من الوطن الفلسطيني عن الوطن الأم تحت ستار الدين وحماية الاسلام وكأنهم أوصياء عليه من دون الناس أجمعين وكأن الأحزاب الدينية ( الاسلاموية ) هي وحدها التي بعث إليها المرسلون وسلمها النبيون زمام الأمور من بعدهم ليقوم الناس بالإسلام وبالقسط ولا حول ولا قوة إلا بالله . مع أن السعودية قد أدركت هذه المخاطر وخطت خطوات نحو تدارك الأمر وتصحيح هذا الخطأ المبين ! بينما يراد لنا اليوم في اليمن تكرار نفس الخطأ دون مراعاة العواقب التي تعرض لها من سبقنا ودون اي استفادة !! كما قال الله تعالى : (( فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) .

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضٌ من الله لكي يقوم المجتمع بأمر الله على صراط مستقيم ، قال الله تعالى من سورة براءة : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم )) .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان)).

والتغيير باليد يشمل منع وقوع الجريمة ، وفض النزاعات ، ومداهمة رجال الأمن لأوكار الرذيلة والجريمة المنظمة والقبض على مدبريها ومرتكبيها ويدخل فيه من الناحية الشخصية إماطة الأذى عن الطريق وإصلاح الاعطاب والتنبيه على مواطن الخطر كي لا يقع في محذورها من يجهلها وغير ذلك ، ويشمل التغيير باللسان الخطب في منابر الجمعة ، والمواعظ والأحاديث الإذاعية والمصورة والنصيحة لكل الناس ابتغاء وجه الله ويدخل فيه كذلك على أصح الأقوال المطبوعات الإرشادية وإرشادات السلامة والصحة والمرور والتعليم في الأماكن المناسبة لها . إلى غير ذلك .. كما يشمل التغيير بالقلب عدم الرضا بالمنكر ولو عجزت اليد أو اللسان عن الإدلاء بالدلو المشروع في تغييره والإيمان بالله عز وجل وسؤال الله تعالى السلامة من الإثم والنجاة من النار ( ! ) .

والآن - أخي القارئ الكريم - ندرك جميعاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رئيس الدولة التي حكمت المسلمين على الطريق المستقيم والمحجة البيضاء وكانت دولته - صلى الله عليه وسلم - ودولة الخلفاء من بعده لا تمتلك من الأجهزة والبنى الفوقية والتحتية ما تمتلكه الدولة المعاصرة بالمفهوم العلمي والتفسير العلمي للتاريخ ! ومن هنا كان الناس كلهم مسؤولين عن أمن أنفسهم ومجتمعهم وهم أهل الاحتساب على ذلك أمام الدولة وقد بدأ هذا الاحتساب يظهر شيئاً فشيئاً عندما كان الناس يأتون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيخبرونه بأن قريشاً تعد جيوشاً لغزو المدينة كما حصل في بدر وأحد والأحزاب أو أن قريشاً نقضت عهد الحديبية كما حصل في سبب فتح مكة أو أن مسلماً وجد مقتولاً في أحد ضواحي اليهود بالمدينة والذي كان سبباً في نزول حكم القسامة وغير ذلك وفي زمن عمر بن الخطاب أخبر أن امرأة تخلط اللبن بالماء وسمع جارية تنهى سيدتها عن خلط الماء باللبن فقالت لها سيدتها إن عمر لا يعلم بهذا الأمر فقالت الجارية : واين رب عمر ؟ وكان عمر يعس الليل يحتسب على رعيته بنفسه فعين هذه الجارية رقيبة على الأسواق ومحتسبة على منكراتها وهو ما يعرف في الدولة العصرية بجهاز الرقابة التموينية وغير ذلك .

لكن مع الدولة المعاصرة اختلف الأمر ولو كرهت الأحزاب (الاسلاموية) فالدولة فيها الآن الوزارات العديدة والمتخصصة وفيها الأجهزة المركزية للبرامج التنموية والرقابية والتعليمية والدعوية .. وفيها الجيش والشرطة والأمن بأنواعها واختصاصاتها المختلفة وفيها النيابة العامة بأنواعها وهم أجهزة حسبة شرعية ( بالمليان ) وفيها الهيئات الرقابية العسكرية والأمنية والمدنية وفيها القضاء المتخصص بكافة أنواع الجرائم والمخالفات التي تدخل في نطاق اختصاص الفصل فيها ، وفيها البلدية التي تنظم البيع والشراء والاسواق والتراخيص والنظافة .. وفيها الإنشاءات والأشغال العامة التي تخطط المدن وترصف الشوارع وتنيرها وتعمل الإرشادات والدليل إلى المدن على أعتابها .. وفيها المرور الذي ينظم السير ويرصد المخالفات وفيها الضرائب والواجبات التي تحصل حقوق الله من ( الزكاة ) وحقوق الدولة من الرسوم والضرائب وفيها وفيها وفيها .. فماذا بقي للمحتسبين من أحزاب الإسلام السياسي إذن !!

إنهم فقط يريدون كما أراد الخوارج حين قالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل !

إنهم يريدون تشكيل قوة تنفيذية على غرار القوة التنفيذية لحماس في غزة ومن ثم فعل الأفاعيل باسم الله وباسم الإسلام وباسم الحسبة.

وكون هذه الدعوة تأتي من حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو حزب سياسي بامتياز ( ! ) .. فإن المخاوف مشروعة بامتياز كذلك ( ! ) اذ لا يستبعد أن تستخدم الحسبة للتشهير بخصومه السياسيين وما أكثرهم والتنكيل بهم باسم الله وباسم الإسلام ( ! ) وهم اليوم يتحدثون عن المنكرات الأخلاقية ويبتعدون بمكر واضح عن تناول الحريات الشخصية باسمها الصريح .. ثم أنهم غداً اذا قوي عودهم وارتكزت شوكتهم ستتعدد المنكرات فقد نسمع عن منكرات النشر ومنكرات الراي ومنكرات التفسير ومنكرات الإعلان ومنكرات القلم وربما منكرات الأحزاب ( ! ) فالقوم لهم تاريخ حافل في محاربة العلم والعقل والتطور وتعميم التخلف باسم الدين والإيمان والإسلام !! .

ولعل ما حدث في ساحة العروض بخورمكسر وأمام مقري الأمن العام والنجدة من الاعتداء بالضرب على طلاب وطالبات كلية الحقوق / التعليم الموازي بعدن أثناء مشيهم من مقر الكلية إلى فرزة باصات النقل دليل كشف النوايا غير المعلنة والرغبة المبطنة لدى القوم وتصورهم للرذيلة والمنكر بمقاساتهم المتطرفة والحقودة !! . ويكفي كذلك ليكون أحد الأدلة على أن الأقوال عند هؤلاء الظلاميين شيء والأفعال شيء آخر .. وأن البداية عندهم شيء ، والنهاية شيء آخر !! وأن الإجمال لديهم شيء .. ولكن التفصيل شيء آخر!!.

ولم نزل نتذكر كيف صنع هؤلاء من معوقات النهضة في بلاد الإسلام ؟! ألم يحرموا المطبعة ودخولها على مدى قرنين من الزمان بحجة محاربة المنكر ؟! ألم يحرموا طباعة القرآن والكتب الإسلامية على المدى نفسه بحجة محاربة المنكر ؟! ألم يعارضوا التشريعات الدولية لتحريم الرق بحجة أنها تلغي أحكام القرآن ؟! أي إن القران عند هؤلاء يأمر بالرق ويستبيحه ( ! ) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً !! ألم يعارضوا التصوير الفوتوغرافي والمتحرك والبطائق والجوازات بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟! ألم يعارضوا الهاتف ودخوله الى المنازل بحجة إفساده للنساء والمحارم فيه وتحدث المرأة عبره مع الأجانب ؟!!! ألم يعارضوا المدارس عندما أنشئت وألفوا كتباً في تحريمها منها (( الغارة على العالم الاسلامي )) ومنها (( المستشرقون )) ومنها (( تحذير الدارس من فتنة المدارس )) ؟!

ونماذج منكرات هؤلاء تفوق عدد نجوم السماء وهم بكل ذلك لم يعملوا إلا على مزيد من تخلف الأمة وتعميق فجوة التخلف وإعاقة مسيرة النهضة والختم على ذلك كله باسم الإسلام !!
*عن 14 اكتوبر
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 15-ديسمبر-2025 الساعة: 05:18 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/58806.htm