![]() |
الطفل نايف .. رقم جديد في سجل ضحايا الكهرباء وتيار (الضغط العالي ) هذا هو الطفل / نايف محمود الذي لا يزال جسده يحتفظ بآثار الكارثة، و آلامه و جراحاته و مواجعه تخلد جريمة من جرائم العبث التي تطال الكبار و الصغار .. نايف ليس أوّل - و قد لا يكون آخر - ضحية ماس الكهرباء .و جسده المتفحم ليس أول جسد بشري يلتهمه تيار الضغط العالي ، الذي يفتقده المواطنون ( المظلمة دورهم ) . و تسأل عنه المرافق الخدمية التي تتعطل فيها مصالح الناس بسبب انقطاع التيار . فيما الكابلات التي تحمل التيار مبعثرة في شوارع المدن ، تتصيد أرواح المارة ... نايف محمود .. طفل لم يتجاوز السابعة من عمره حين خرج بصحبة والدته صباح يوم 24 / أبريل 2007 م لتقوده قدماه إلى ساحة قريبة من المنزل الذي يسكنه ، كانت تلك الساحة ممراً يفصل بين شارعين تم دفنها بأكوام من التراب الذي أراد نايف تجاوزه ، لكنه لم يكن يدرك أن كابل الضغط العالي ينتظر مروره ليلتهم جسده الطري أمام عيني أمه ، التي لم تتمالك نفسها و هي تسمع و ترى جسد ابنها ينفجر بصعقة لم تتبين منها إلا أن طفلها الذي ارتفع من الأرض ثم ألقي به مرة أخرى قد تحول إلى جثة متفحمة لا تكاد تتنفس . الشيء الوحيد الذي فعلته أم نايف حينها أنها صرخت مستغيثة ، و لم تعد تتذكر كم مرة استغاثت قبل أن تفقد وعيها ، و ينقلها فاعلو الخير على متن سيارة واحدة مع طفلها إلى المستشفى . حين وصل والد نايف المستشفى اتجه إلى قسم الحروق ليجد طفله جسدا متفحماً بين يدي الأطباء ، فيما زوجته في قسم آخر من المستشفى فاقدة الوعي ، ها نحن نقترب من 24 أبريل 2009 م ، و هو ما يعني اكتمال عامين من الجحيم الذي تجرعه نايف في غرف العمليات ، و عامين من العذاب الذي كابده والد ه في أروقة المستشفى ، و عند أبواب الصيدليات ، و شوارع العاصمة ، بل و دهاليز أقسام الشرطة و مكاتب النيابة و قاعات المحكمة . تصوّروا أباً يعالج و ينفق و يبحث عن مُعين أو حتى غريم .. رغم أن المسألة سهلة ، و جميع التقارير الأمنية و القضائية و الطبية تقول أن نايف تعرض لماس كهربائي من تيار ضغط عالي ، لكن مؤسسة الكهرباء لم تأبه بذلك ، و مسئوليها لم يفكروا بإنسانية في حال نايف و حياته ، بل ذهبوا بعيداً عن كل هذا .. و استخدموا إمكانات الكهرباء و نفوذ مسئوليها ، (و ضغوطاتها العالية )لإشباع ملف القضية بما يبعد عنهم و عن مهندسيهم و عن مؤسسة الكهرباء المسئولية التي يتحملونها عُرفا و شرعاً و قانونا . واتخموا ملف القضية بأوراق و محاضر و دعاوى غايتها إلقاء المسئولية على المواطن صاحب الأرضية التي مر منها نايف ، و اصطاده تيار الضغط العالي فوق ترابها . نعم فعل مسئولو الكهرباء كل هذا باحثين عن براءة من جريمة أساسها و أسها عبث موظفيهم و استهتارهم بحياة الناس ... لكن كل ذلك لم و لن يبرئهم إلاَّ من البراءة نفسها . قد يصدر اليوم أو غداً – إن لم يكن قد صدر – حكم قضائي يحصر المسئولية على صاحب الأرض لأنه دفن أرضه بتراب و لم يمنع مؤسسة الكهرباء من أن تمد كابلات الموت فوق أرضه . لكن هذا الحكم - إن صدر - فسيكون بعده عن العدالة و المنطق بعد السماء عن الأرض . قضية نايف محمود لم تكن بحاجة إلى محكمة بقدر ما تحتاج إلى قيمة إنسانية يتحلى بها أصحاب القرار في مؤسسة ووزارة الكهرباء ، تدفعهم لتبني علاج الطفل نايف إن لم يكن بدافع تحمل مسئولية ما اقترفت أياديهم العابثة ، فبدافع الإنسانية و الشفقة ، لكن مثل هذه المعاني و معها كل القيم الإنسانية و الأخلاقية غابت و تبعثرت بين أوراق ملف لا يزال في دهاليز المحكمة منذُ عامين ،، و خلال هذين العامين كانت - و لا تزال - أعباء و مترتبات ما حدث حملاً ثقيلاً على كاهل محمود والد فهمي ، الذي باع كل ما يملك ، و استدان فوق ذلك ما يقارب المليون ريال ، و عجز أخيراً عن توفير تكاليف عملية قررها أطباء المستشفى الجمهوري لنايف ، بل و أصبح مهددا بالمقاضاة و السجن من قبل أولئك الذين اقترض منهم على مدار العامين ، ليعالج ولده نايف ، ووالدته التي لم تغادرها نوبات الضغط و السكر منذُ لحظة الحادثة . ما الذي يمكن أن يأتي به حكم القضاء في قضية هذه تفاصيلها؟ و متى تنتهي المقاضاة التي غدت مأساة فوق المأساة ؟ و أية شريعة يمكن أن تقبل بمثل هذا العبث بأرواح الناس ؟ و أي قيم يحملها من يقول أن مسار قضية بهذه التفاصيل يسير بشكل طبيعي ؟ و هل ثمة يد عادلة رحيمة يمكن أن تمتد لتنهي هذه المأساة و هذا العبث ؟ هذه الأسئلة نضعها مشفوعة بالتفاصيل الموثقة بين يدي من يستشعر المسئولية ... و يشعر بالمأساة ... و يحس بآلام الناس ... و يمقت الظلم الذي وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم بأنه : ( ظلمات يوم القيامة ) ...؟ |