العوا: مقاصد الشريعة مرنة والاجتهاد مفتوح ا المفكر الإسلامي المصري د. محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى ضرورة توسيع دائرة مقاصد الشريعة الإسلامية بحيث تشمل مقاصد جديدة مثل حفظ السمعة والعدل الشامل والمساواة وحرية الممارسة السياسية، وطالب المشتغلين بالعمل السياسي بضرورة العمل لتحقيق المقصد الأسمى للشريعة الإسلامية وهو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه. وأكد د. العوا في الندوة التي عقدتها جامعة القاهرة تحت عنوان «مقاصد الشريعة في ضوء المتغيرات المعاصرة»، وأدارها د. عبد الله التطاوي نائب رئيس الجامعة وحضرها عدد من أساتذة وطلاب الجامعة أن باب الاجتهاد سيظل مفتوحاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لأن وقائع الناس متجددة ولا تنتهي وقال إن هناك شروطاً فيمن يقوم بالاجتهاد منها الإحاطة بعلوم الشرع واللغة ومعاني كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واصفا الدعوة لإغلاق باب الاجتهاد بالتخريبية وتحمل في داخلها دليل بطلانها، وأكد د. العوا أن دراسة مقاصد الشريعة الإسلامية ضرورية لفهم الأحكام النصية من القرآن والسنة ولفهم الاجتهادات الفقهية المستمرة التي تقوم في غايتها النهائية على تحقيق المصالح للعباد، ودفع المفاسد عنهم وأن الاجتهاد الذي يجب على علماء كل عصر هو أن يعتمد على فكر ونظر واع بالمقاصد وإدراك لترتيبها وتنزيل كل حكم يجري فيه الاجتهاد منزلته من تحقيق المقاصد الكلية للشريعة أو المقاصد الجزئية للأحكام وبناء على هذا التنزيل يكون خطأ وصحة الاجتهاد. وقال د. العوا: الاجتهاد الإسلامي يتوجه شطر الغايات العظمى للإسلام ليحققها ويبيح ما يؤدي إليها ويجافي وجهه عن عكسها وضدها ونقيضها فلا يأذن فيه ولا يسكت عنه، ولم يعد يكفي أن يكون الاجتهاد فردياً مع ضرورته ولا مؤسسياً مع ندرته ولكنه أصبح لازما أن يوجه نحو تصويب التشريعات والنظم التي تصدر في دول الإسلام بعدما أصبحت الشريعة الإسلامية مصدر هذه التشريعات أو أحد مصادرها.ومن المؤكد أن مقاصد الشريعة تدور حول حفظ أمور خمسة وهي حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، ولكن هذه الأصول الخمسة ليست نهائية وليست قائمة محصورة، ولكنها مفتوحة يمكن أن يضاف إليها إلى يوم القيامة وألا يحصى من المقاصد من خلال النظر المتجدد في أصول الإسلام من القرآن والسنة فهناك مقاصد جديدة يمكن أن نضيفها للمقاصد الخمسة، ومنها مقصد العرض وليس المقصود به الشرف وإنما السمعة أيضاً، مقصد العدل الشامل فردياً واجتماعياً، وكذلك مقصد الحرية وليس المقصود بها العتق من الرق كما كان يحدث في صدر الإسلام، ولكن المقصد الجديد الحرية في التفكير والتعبير والممارسة السياسية، هذا بالإضافة إلى مقاصد أخرى مثل مقصد المساواة ومقصد حقوق الإنسان وهذه القائمة التي بدأت بخمسة مقاصد ويضاف إليها ما يستجد تقوم على أن ما دخل فيها لا يخرج منها، الذي لم يدخل بعد فالباب مفتوح إذا اجتهد مجتهد معتبر في رأيه اجتهاداً يقنع الناس بدخول هذا المقصد، كما قيل في الحرية والعدالة والمساواة والمحافظة على سنن الفطرة.. إلى آخره، وهذا لا يتنافى مع ثابت المقاصد. وأضاف د. العوا: على الرغم من أن بعض العلماء المعاصرين لا يقبلون إلا بالمقاصد الخمسة الكلية، ألا أنهم لا ينكرون المقاصد الجديدة ولكنهم يدخلونها في الأصول الخمسة الكلية التي قال بها الأقدمون، وهذا الأمر يعد من اختلاف العقول والذي لا يجوز لأحد أن يضيق به فلا يجوز لأهل الاجتهاد والتطوير والتجديد أن يضيقوا بأهل الخمول والجمود والكسل، ولا يجوز لأهل الخمول والجمود أن يحملوا على أهل التجديد والتطوير والفهم المتجدد لأن هذه فطرة فطر الله الناس عليها، واختلاف مستمر إلى يوم القيام ومن ثم يجب على أهل الفكر الإسلامي ألا يضيقوا باختلاف الرأي لأنهم لو فعلوا ذلك حجروا الفقه وهو واسع، وضيقوه وهو فسيح ومنعوه من الانطلاق وهو منزّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبلغ الناس جميعاً فالذي يضيقه على نفسه دعوة نبيه ورسالة ربه سبحانه وتعالى. وأشار د. العوا إلى أن العلماء قسموا مقاصد الشريعة إلى ثلاث درجات: الأولى مقاصد ضرورية وهي الأصول، والثانية مقاصد حاجية تقلل المشقة، وترفع الحرج حيث يخفف الله تعالى من بعض الأحكام لرفع المشقة عن عباده، والثالثة المقاصد التحسينية وهي الأمور التي تتجمل بها الحياة وتكتمل ولا يحدث بفقدانها مشقة أو حرج وهذه المقاصد تجمعها خصائص أولها الثبات، وأنها عامة في كل أحكام التشريع وأن المقاصد حاكمة لا محكومة وأن الحاجة اقتضت نظرية المقاصد لأن النصوص متناهية والوقائع مفتوحة. ولفت د. العوا إلى أنه منذ أخذت مظاهر الصحوة الإسلامية الحاضرة تبدو في المجال الثقافي بالدعوة إلى تحكيم الإسلام في التشريعات المطبقة في بلاد المسلمين وبوجه خاص منذ أخذت بعض النظم القائمة في هذه البلاد تستجيب لتلك الدعوة، فتعدل دساتيرها بتضمينها أن الشريعة الإسلامية أو مبادئها العامة هي المصدر الرئيسي للتشريع باختلاف التعبيرات. وظهرت أصوات تنادي باستعمال المقاصد وبالعودة إلى روح الشريعة وبتحقيق المصالح دون الوقوف عند النصوص وهي ترمي في حقيقة الأمر إلى تفريغ الدعوة إلى تطبيق الشريعة من محتواها وإلى ترك نصوص القرآن والسنة صامتة لا تعمل في حياة الناس ولا تصنع فكرهم ولا تؤثر على نظرتهم إلى الحياة، وهؤلاء هم الذين يسميهم الشيخ يوسف القرضاوي المعطلة الجدد الذين يزعمون أن الدين جوهر لا شكل وحقيقة لا صورة فيفسرون في تأويل آيات الكتاب على غير وجهها، ويتمسكون بالمتشابهات ويعرضون عن المحكمات ويدعون التجديد وهم في حقيقة الأمر دعاة للتغريب. ويقارن د. القرضاوي بين هؤلاء وبين من يسميهم الظاهرية الجدد الذي يقضون عند ظواهر النصوص ويفهمونها فهما حرفيا بمعزل عن مقاصد الشرع وعلل الأحكام وحكمها وهم قد ورثوا عن الظاهرية القدامى الحرفية والجمود ولم يرثوا عنهم سعة العلم ودقة النظر لاسيما في الحديث والأثر. وفي مقابلة هاتين المدرستين يضع القرضاوي مدرسة ثالثة هي مدرسة الوسيطة التي لا تغفل النصوص الجزئية من كتاب الله تعالى ومن صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفقها مرتبطاً بمقاصد الشريعة الكلية فترد الفروع إلى الأصول والجزئيات إلى الكليات والمتغيرات إلى الثوابت والمتشابهات إلى المحكمات، وهي تعتصم في فقهها بالنصوص القطعية ثبوتا ودلالة لأن الاستمساك بها استمساك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهي تقف عند ما أجمعت عليه الأمة إجماعا يقينيا، بحيث أصبح يمثل سبيل المؤمنين الذي لا يجوز الانحراف به أو الصد عنه أو اتباع سواه. وقال د. العوا: مدرسة الوسطية هذه هي التي تتبنى ترشيد الصحوة الإسلامية وتزود في أوساط شبابها ودعاتها عن قيم الإسلام الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية وتشغل وقت علمائها ومفكريها بالعمل في البنية الأساسية التي لابد من توافرها لصنع الدعاة والمعلمين والفقهاء والمفكرين، الذين تقاعست أكثر مؤسسات العلم الشرعي عن أداء دورها في صنعهم. واكتفت بدورها في قول ما يرضي السلطان وان اسخط الرحمن، أو وقوفاً عند تفصيلات العبادات والواجبات والمحرمات الفردية مع غفلة تامة عن الواجبات الجماعية التي تحيا بها الأمة، ويصبح لها ما كان من شأن هداية البشرية وحمل النور الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم إليها وهي لم تستطع أن تفعل ذلك إلا وهي آمنة سياسياً وعسكرياً وحرة في أعمالها وإرادتها داخلياً. حفظ النظام وأوضح د. العوا أن بعض الفقهاء الأفذاذ استطاعوا أن يقتنصوا هذه الحرية لأنفسهم باستقلالهم عن الدول والحكومات وانفرادهم بالاجتهاد الفقهي الذي مثل على طول التاريخ الإسلامي القانون الذي كان يقيد الحاكمين وولاة الأمور، دون أن يكون أي دور في صنعه أو في اختيار من يصنعونه فهو لم يكن من صنع مجلس تشريعي بعينه الحاكم، ولم يكن رئيس الدولة الإسلامية يملك التعديل في أي رأي فقهي أو منع رأي لفقيه أو لمذهب من مذهب الفقه الإسلامي والذي يعتبر المرأة الحقيقية لفكر الأمة والتعبير الصادق عن ضميرها. وطالب د. العوا المشتغلين بالعمل السياسي والمنخرطين في الأحزاب والمجالس النيابية أو المؤسسات التشريعية بضرورة العمل لتحقيق المقصد الاسمي الذي أضافه رائد المقاصديين المعاصرين «الطيب بن عاشور» وهو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه والذي لا يكون إلا بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان. وقال: إن صلاح الإنسان يشمل صلاح عقله وعمله وما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه وليس من المطلوب أو من الممكن أن يكون التطبيق الإسلامي مجرد نقل الأحكام فقهية مذهبية أو فردية اجتهادية قيلت ودونت منذ قرون إلى صورة النصوص التشريعية العصرية، إنما الواجب والمطلوب هو أن يجتهد علماء كل عصر في معرفة حكم الإسلام في قضاياه كما اجتهد الذين من قبلهم، بغير هذا الاجتهاد التشريعي لا تبرأ الذمة ولا تؤدي الرسالة. وأكد د. العوا أن الدعوة لغلق باب الاجتهاد هي دعوة تخريبية تحمل في داخلها دليل بطلانها ولكن يجب على المجتهد أن يتحلى بما قال به الإمام الشافعي عندما قال إنه لا يجوز الاجتهاد إلا لمن جمع الآلة التي يكون بها القياس والمقياس وذلك أن يكون عالماً بلغة العرب وتأويل كلامها وبمعاني كتاب الله تعالى وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعرف من حال الناس ما يكفيه بالحكم عليه. وأشار إلى أنه مع تطور العصور والعلوم أصبحت آلة الاجتهاد اليوم هي العلم بالأصول وبأقوال العلماء حتى لا يخالف الإجماع، وسيظل باب الاجتهاد مفتوحاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن وقائع الناس متجددة ولا تتناهى وهناك ضوابط للاجتهاد لا يجب تجاوزها فيمن يقومون بالإفتاء. وقال د. العوا: إن فقه الواقع إذا تخلف عن تيسير حياة المسلمين في إطار الدين فإنه لا يكون فقها، ومن لا يعرف الواقع لا يستطيع أن يفتي فيه، ولابد من عودة سهم المؤلفة قلوبهم في صدقات وزكوات المسلمين ويجب أن يعود في بعض البلدان الإفريقية والآسيوية التي تتعرض للتبشير والتهويد، ومن ثم وجب على المسلمين أن ينفقوا بعض زكواتهم لتأليف القلوب في تلك البلاد لأن هذا سيكون جاهزاً بين المسلمين وبين الضلال الذي يفرض عليهم. وفي تعليقه أمام الندوة طالب د. عبدالله التطاوي نائب رئيس جامعة القاهرة بضرورة وضع الضوابط والقواعد العامة للاجتهاد والإفتاء، وأن تكون هناك رؤية واضحة في هذا الإطار وبضرورة وضع الخط الفاصل بين الاجتهاد وبين الفوضى، لأن ما بين الحرية وبين الفوضى خطأ رفيعاً جداً لذلك يجب أن توضع الأمور في نصابها الطبيعي حتى لا يفتأت على الدين الإسلامي وقيمه وتعاليمه. وكالة الصحافة العربية |























