الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 09:59 م - آخر تحديث: 04:16 م (16: 01) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة

يوميات غياب الندى

المؤتمر نت -  عن إصدارات وزارة الثقافة والسياحة اليمنية نشرت رواية ( يوميات غياب الندى ) للكاتب العراقي أسعد الهلالي في 208 صفحات من القطع المتوسط.. وبطباعة أنيقة متميزة كانت مدخلاً بديعاً لولوج عالم الرواية التي تناول فيها الهلالي في تكثيف ...
المؤتمر نت - عرض: نزار خضيرالعبادي -
رواية أسعد الهلالي : غاب الندى فبان الجدب احتفالية للقتل
عن إصدارات وزارة الثقافة والسياحة اليمنية نشرت رواية ( يوميات غياب الندى ) للكاتب العراقي أسعد الهلالي في 208 صفحات من القطع المتوسط.. وبطباعة أنيقة متميزة كانت مدخلاً بديعاً لولوج عالم الرواية التي تناول فيها الهلالي في تكثيف مثير عشرة أيام غابت فيها ندى ـ تلك الفتاة اليمنية التي أحبها وصار يراها الندى الذي طالما انتظره بعد جدب طويل عاناه العراقي.. تلك الشخصية المأزومة التي ما إن قالت ندى : سأغادر حتى انهمرت عليه انثيالاته وأزماته فاستعرض خلال يوميات توقفت بعد عشرة أيام تاريخاً لم يكن تاريخ الشخصية فحسب بل صفحات من تاريخ العراق خلال أحداث جسام عصفت به وبالتالي في شخصية الرواية ، لم يطلق الهلالي تسمية ما على شخصيته بل اكتفى بما حملته من صفة (العراقي ) ، وكأنه يحيل الخاص إلى العام فالعراقي هو أي من العراقيين الذين عاشوا مجمل هذه الأزمات ، الحرب ، الانتفاضة ، الحصار ، المنافي .. لذا بدا استحضار الشخصية لذاكرتها تأكيداً لحضور حقيقي مؤثر .. فالعراقي كما بدا في رواية الهلالي سينمائي تلتقط عيناه بحساسية عالية ودقة تبدو فوتغرافية مثيرة كل ما كان يمر به من تفاصيل فكان ينتقي مشاهد من أحداث جسام كتلك التي انعكست من خلال مشاهداته في الحرب العراقية الإيرانية .. يقول في ص 20: الطمأنينة.. تبخرت مع أول عروس شهدتُ زفافها بملابسها البيضاء المبرقشة باللؤلؤ الصناعي وباقة الورد التي بعثرتها على عريسها المضطجع باستسلام في نعشه .. وفي جبهته رصاصة ..... الخ... لم يبد العراقي فاقداً للطمأنينة فحسب بل مستغلاً لأية مفردة متاحة تؤجج فيه مشاعر استثنائية عصفت به كما عصفت بالعراق ونراها تلاحقه في صنعاء ـ المدينة التي اختارها موئلاً للسكينة التي تعرضت للعصف هي الأخرى برحيل ندى .. التي ما إن عاد من المطار بعد وداعها حتى نراه يقول في (ص10 ): تنسحب الأرصفة من تحت قدمي بساطاً موحلاً وطأته أقدام شرسة دار بها من شارع إلى آخر.. ودرت ملاحقاً آثار الخطى البائدة .. كانت الشوارع خالية سوى من عواء صمت الفجر وكلب هشمت سيارة مسرعة جمجمة كلبته فطاف حولها متشمماً ما اختبأ من بقايا أنفاسها العصية .. اقتربتُ من الكلبة النافقة ، نظرتْ عينا الكلب الشاكيتان إلى عيني .. ترجرجتْ رئتاي لاختلاج قلبي الذي غرق في بكاء أحمر صامت، انفجرتا حشرجة اغتصبت ضجيجها ثلاثة أيام مذ قالت ندى: سأغادر... وغلبت مقاومة حنجرتي الموهومة برجولة لم أظنها مقيتة هكذا .. عوت حنجرتي بعويل مكلوم وساحت عيناي مطراً انهمر من غماماتها الآخذة بالتكاثف .. نظر الكلب إليّ منكسراً .. هز رأسه باستكانة موجوعة وعوى ألمه الذي تناثر دماً امتزج بدم دموعه ، أغرق عيناه في عيني فاكتوتا بحرقتي ، لذا مال مشمشما رأس كلبته المهشم لاعقاً نتوءات جمجمتها .. حاذيته .. احتضنته بذراعي فاستكان لحنوي ، بكينا معاً .. انغمرنا في البكاء ، تماثلنا كلبين أو رجلين .. لا فرق عوينا حرقة قلوبنا فاستيقظت صنعاء من وجع الليلة الغافية..
مجمل الأحداث التي مر بها العراقي جعلته غائصاً في اللا أدرية فنراه يقول في ص (16) : آه أيتها اللا أدري البغيضة .. بين اليقين ونقيضه مسافة انهمار فوق أرض رملية متحركة، أرض رخوة يسمونها لا أدري..
عرض لنا الهلالي علاقة عشق استثنائية بين العراقي وندى التي ظنها مؤازرة له وعرضت نفسها كذلك إلاّ إنها غادرت مفجرة فيه سيلاً من الانثيالات زادتها بما منحته إلى ذاكرته من مشاعر خاصة جعلته يؤنسن أشياءها في محاولة تعويضية غريبة وهذه احدى الميزات المثيرة في الرواية فكل شئ من الأشياء التي جمعت بين العراقي وندى طبعها الهلالي بطابع انساني ، اللوحة ، العنكبوت ، جهاز التلفون ، أصص الورد .. إضافة إلى انه اعتمد تقنية خاصة حين كان ينهي كل يوم بفعل ظل يتكرر طيلة الأيام مؤدياً إلى نتائج مثيرة في تشابهها الذي يحمل مدلولات تؤدي حتماً إلى ردها لمدارات العبث الذي أودى أخيرا بشخصيته إلى التلاشي في نهاية غريبة.. رغم انه في أحد حواراته يجعلنا نعتقد بأنه لا يفقد أمله في غد أفضل إذ يقول لندى: كان خوفي دية واجبة السداد لغد سأصله حتماً لأشهده أبيض كسماء الفردوس.. كثلج القطب البعيد.. كنت أرقب اقتراب ذلك الفجر ولأجله أعددت حقائبي .. كان علي اجتياز نصف الطريق مرتحلاً لكني حين رأيتك تساقطت حقائبي...

هناك شئ من الغرائبية الممتزجة بالواقعية الشديدة حفلت بها بعض أحداث الرواية ورغم إنها بدت تسجيلية إلاّ إن غرائبيتها لا تخلو من تهكم أحياناً فنراه في هذا المقطع يدخل مع فتاته إلى مقبرة الإنجليز ليلاً باحثاً عن مكان صالح للنوم ، وكانت الحرب قد بدأت ، فيقول في ص 80 : نجتاز السور الواطئ ونطأ بلاطات قبر الجنرال مود ، أحييه ، يرد عليّ بمرح بالغ ، يقهقه من تحت بلاطاته
ـ انتظرتك طويلاً، ألن تقرأ لي الأرض اليباب كما وعدتني ؟
ـ انه الليل يا جنرال ولا أضواء في بغداد..
ـ تعلم أن الليل والنهار يستويان لدي .. لكن أين اختفت الأضواء ؟
ـ ألا تسمع الصافرات ؟
ـ اسمعها .. أليست احتفاء بالعيد ؟ ..
ـ أي عيد ؟ ... لا أعياد بعد الآن ...
نرى العراقي ومن خلال مناجاته لندى التي غابت فغاب عنه الندى يستعرض مواقف ووجهات نظر لا تخلو من عمق ففي ص ( 82 ): أتعلمين ما التاريخ يا ندى ؟ .. حماقات كبيرة يفعلها من كانوا كباراً يبحثون عن عملقة وتشاهق لا يطال فيسحقون لأجلها حشوداً من الصغار ، يموتون جميعاً في آخر الأمر ، الصغار والكبار ، الملك والسياف والنادل والجندي والحمار ، تتلاشى عظامهم وأسمائهم سوى أولئك الذين سلطوا سيوفهم على الرقاب .. احتزوها ، فستحيا اسماؤهم بين طيات التاريخ.. صانعوا ملاحم وانتصارات يردد التلاميذ أسمائهم دون أن يدركوا أن ثمن الكلمة الواحدة المنقوشة على صفحات التاريخ كدس من القتلى وقبيلة من اليتامى والأرامل ، التاريخ سيّاف عجول ، يحتز الرقاب اليانعة ويتجاوز الرقاب المتخمة .. أليس من الحماقة أن نَقتل كي يكتب التاريخ أسمائنا ؟
يتحدث أسعد الهلالي في يوميات غياب الندى عن أكاديمية الفنون الجميلة ، الوزيرية ، المسرح ، أحداث المعارك المتوالدة بما يوحي بأنه يكتب سيرة صيغت بنفس روائي مميز .. تقدم المشاهدات الموغلة في دقتها ووثائقيتها بطراوة ومتعة تعبيرية ترفع من قيمة السرد ، يمر العراقي بأحداث كربلاء خلال الانتفاضة الشعبانية عام 91 فيتصرف بايحاءات ذاكرته السينمائية التي تحيلنا إلى مقاربة الشخصية مع كاتبها وهو سينمائي يمارس الكتابة والإخراج للتلفزيون حالياً .. نقرأ في ص 87 : كربلاء وقد دخلها الأمن الخاص غدت مستباحة للقتل والانتهاك ، فاللون الأحمر اللامع يخط على الجدران ـ الموت للشيعة ـ ولست الوحيد الذي وقف أيامذاك على جدار الإعدام لكن ربما كنت الوحيد الذي نجا من رشقات الرصاص ..
ولعل ما يثير انتباه القارئ لهذه الرواية المميزة التنقل الديناميكي بين حدود المكان والزمان التي أطرها ببغداد وكربلاء وصنعاء جغرافية وبدءاً من ثمانينات القرن المنصرم حتى تاريخ كتابة أحداث الرواية في عام 2001 .. لكنه ورغم هذا التأطير أعطى شخصيته الروائية مجالاً واسعاً للحركة والتنقل ذهاباً وإياباً في استجابة لانثيالاته فقط ... ورغم ذلك فقد تجاوز الحيز المكاني في استبطان بارا سيكولوجي نقل من خلاله ما تخيله العراقي المتوحد مع ندى حتى في مواقع ارتحالها فنراه يتابعها وينقل أفعالاً ومشاعر تعيشها ندى أو هكذا كان العراقي يتخيلها.. وظهرت قدرة الكاتب في الإمساك بحرفة الكتابة حين أنقذ نفسه من السقوط في براثن البعثرة التي كادت جرأته في التنقل بين محطات الزمان والمكان أن تودي إليها..
تحفل الرواية بمشاهد كثيرة للقتل، إنها في حقيقة الأمر احتفالية للقتل الذي مورس ضد العراقيين، نقرأ في ص 160: أنا أعرف تماماً ما يعنيه القتل.. حيث اللذة الكامنة تحت الأظافر وبين الأجفان وعلى حواف الأنياب ، رأيت الكثير من القتلة والأكثر من القتلى ، يشتركون جميعاً بالأعضاء ذاتها إلا إنهم ساعة القتل مختلفون تماماً .. تنكسر عينا القتيل مستسلمتين ، وتتسع عينا القاتل متوفزتين وباحثتين عن أشد المناطق تدفقاً بالدم .. يغوص القتيل في ارتعاش مرتبك ينشر الخور في أطرافه فيوشك أن يتهاوى قبل أن يستقبل جسده الرصاصة الكاسرة .. ويناور القاتل الأرض التي سيتكئ عليها ليوجه رصاصته إلى الجسد الخائر ..
وبعد أن ننهي الرواية التي تتميز إلى جانب كونها شكلاً حداثياً ذا مضامين فاقعة بتشويقها وسلاسة لغتها العالية .. وما أن نضعها جانباً بعد إنهائها حتى تثار لدينا العديد من التساؤلات ربما أهمها هو آخر ما فجرته الرواية من ايحاءات... هل سيودي طريق العراقي إلى التلاشي .. إنها رواية أدعوكم إلى قراءتها وأنا أثق تماماً أنكم ستجدون الكثير مما لم تستطع هذه العجالة الموجزة أن تثيره..










أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024