الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 07:01 م - آخر تحديث: 05:05 ص (05: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
قراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)
محمد "جمال" الجوهري
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمر نت - الدكتور عبد الكريم الارياني
ترجمة نزار العبادي -
الأواصر الثقافية.. أم الفواصل الثقافية ؟
السيدات والسادة.. إن العنوان الذي اخترته لهذا الحديث هو: (الأواصر الثقافية أم الفواصل الثقافية؟) فإنني أشعر أن هذا العنوان صار مناسباً بعد الدمار الكبير الذي تسببت به مأساة الحادي عشر من سبتمبر 2001م- ليس للعلاقات والمفاهيم العربية- الأمريكية، وحسب، بل للعلاقات العربية- الأوروبية أيضاً.
وآمل أن يوافقني الرأي المشاركون في هذه الندوة، بأن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق يتمثل بإنماء أواصر ثقافية أقوى، وتقليص حجم الفواصل الثقافية القائمة بين كل المجتمعات الإنسانية- دون التنكر لها.
يجب علينا التسليم بأن هذه الفوارق الثقافية قد تقود أحياناً إلى الاختلاف، وربما حتى الصراع، إِلاَّ أنها لا يمكن أبداً أن تبرر مأساة الحادي عشر من سبتمبر، لأن ما أرتكب في ذلك اليوم يفوق بكثير الحدود الطبيعية لأي صراع في زمن يسود فيه العالم السلام والاستقرار. ومع أن ذلك لا يعني أن الصراعات غير موجودة في منطقتنا، ولكن تلك الصراعات لا يمكن أن تكون الذريعة لتبرير جرائم الحادي عشر من سبتمبر.
الأصدقاء الأعزاء.. أعتقد أن معظمكم قد سمع بكتاب "صدام الحضارات"، الذي ألفه "صموئيل هنتجتون" أستاذ جامعة "هارفرد"، ونشرُ في عام 1997م. فقد وُصف هذا الكتاب الشهير من قِبل الدكتور "هنري كيسنجر" بأنه "واحد من أهم المؤلفات الصادرة منذ نهاية الحرب الباردة" ومع ذلك واجه الكتاب انتقاداً حاداً ليس فقط من قِبل الغالبية العظمى من المفكرين العرب في داخل الوطن العربي وخارجه ، بل –أيضاً- من قِبل المفكرين الفرنسيين والأوروبيين. إذْ أن جميع المفكرين العرب لمسوا فيه دعوة موجهة من قِبل "هنتنجتون" إلى العالم الغربي للاستعداد للتصادم مع الحضارة الإسلامية. ولسوء الحظ، إنني –ومن خلال مطالعتي للمجلات والدوريات العربية- لم أقرأ أبداً مقالاً واحداً يتناول هذا الكتاب بموضوعية.
إنني لست هنا بصدد رفض أو قبول أفكار "هنتجتون"، بل قدمت اليوم إلى هذا المكان من أجل تعزيز الروابط الثقافية، وعليه فإن السؤال الذي أطرحه هو: هل كان كتاب "هنتجتون" نذير عهد جديد من الانفصام الثقافي بين الشرق والغرب عموماً، وبين الإسلام والمسيحية بشكل خاص؟
إن لمن دواعي الأسى بحق، أنه لم يكن قد مضى على إصدار "صدام الحضارات" سوى أربعة أعوام فقط، حتى تم ارتكاب الجرائم المفزعة، بحق نيويورك، وواشنطن من قِبل مجموعة من المتشددين ممن يعتنقون الديانة الإسلامية.. تلك الجريمة التي تم استنكارها من قِبل جميع المسلمين الذين يدركون كم كان الإسلام سمحاً مع جميع الأديان طوال الـ1400 سنة الماضية.. ومع ذلك لم يكن بوسع أحد تجاهل حقيقة أن الهجمات القاتلة على واشنطن ونيويورك جعلت ملايين الأمريكيين (وحتى الأوربيين) يزعمون أن هذه الجرائم هي تصديق لـ" صدام الحضارات" الذي تحدث عنه صموئيل هنتجتون.
فهل سنسمح لما ارتكبه المتشددون بطمس التاريخ المشرق من التواصل الثقافي، والتسامح الديني بين الإسلام والمسيحية واليهودية – تلك السماحة التي دامت لما يناهز الألف عام- بغض النظر عن فترات الصراع بين هذه الأديان الثلاثة التي يتشاطرها الجميع بدرجة كبيرة.
السيدات والسادة.. كي أضعكم على بيَّنةٍ من الفكرة؛ أود لفت انتباهكم إلى كتاب رائع نشر حديثاً خلال العام 2003م، ألفته "ماريا روزا مينوكال" أستاذة جامعة "يال" عنوانه: "مفخرة العالم: كيف استطاع المسلمون واليهود والمسيحيون التعايش ثقافياً في أسبانيا خلال القرون الوسطى؟".. فقد كتبت "الواشنطن بوست" عن هذا الكتاب الآتي: "إنه استدعاء كبير لتاريخ ساحر، مثّل ثورة عصر ذهبي "منصرم" يستحضر لذاكرة الحياة ثقافة أسبانيا في العصور الوسطى الثرية، الزاهرة. حيث تعايش هناك المسلمون، واليهود، والمسيحيون في جو من التسامح لأكثر من سبعة قرون أزدهر فيها الأدب، والعلم،والفن".
تتفق آراء الكثير من المثقفين على أن الأواصر الثقافية بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي خلال العصور الوسطى لم تكن قاصرة على أسبانيا وحسب، بل كانت أيضاً مع مراكز المعرفة "الإسلامية الأخرى مثل بغداد، وسمرقند في أواسط آسيا، وصنعاء، والتي أسهمت في غرس بذور عصر النهضة الأوروبية، الذي قاد إلى "الثورة الصناعية" وبالتالي إلى عصرنا الرقمي الحديث.
إن ابن رشد – المعروف في أوروبا باسم "أفيروس" – الذي عاش في أسبانيا الإسلامية للفترة من 1126-1201م – قررت مؤلفاته في مراكز التعليم وكانت جامعة باريس أول جامعة أوروبية تدرس مؤلفاته.
وأصبحت أفكاره وأعماله شائعة في فرنسا خلال القرن الثالث عشر، وأصبحت من صميم الجدل الفلسفي في العصور الوسطى، وظل أثرها محسوساً حتى القرن السابع عشر. وكان أحد أهم أعمال ابن رشد هو استقدام مؤلفات الفيلسوف اليوناني ارسطو من بغداد ودراستها والتعليق عليها حيث نقلت إلى أوروبا وظلت مؤلفاته شائعة في أوروبا حتى القرن السابع عشر.
وفي القرن الثالث عشر انقسم العالم اللاتيني إلى متشددين دينيين وإلى متحررين يناصرون ابن رشد. فقد اعتبر المتشددون المسلون في أسبانيا والمسيحيون "الأبريشيون" في أوروبا نظرية ابن رشد حول العلاقة بين الفلسفة والدين زندقة ، فكان أن حكم عليه الخليفة في أسبانيا بالنفي. ومنعت الكنسية بمراسيم بابوية تدريس مؤلفاته، إلا أنه مع ذلك تفشت العقلانية، وظلت علوم ابن رشد تُدرّس حتى تسنَّم الفلاسفة الجدد زمام الريادة من أمثال كانت، ودي كارت.. الخ.
كم أنا فخور – أيها السيدات والسيادة- أن ألقي هذا الخطاب هنا في الجامعة التي درس فيها "رينيه ديكارت"، فيلسوف العقلانية العظيم. ولعل الأسلوب الديكارتي في التفكير قد يكون مديناً ببعض الشيء لابن رشد الذي يعتبر العقل مصدراً تفكيرياً، وإبداعياً وأعتبر الدين تلقينا ومقبولاً كما هو، مثلما هو مصدر تثقيفي أخلاقي، وعليه فإذا قاد العقل إلى استنتاج منطقي مما يبدو مناقضاً للدين، فحينئذٍ ينبغي علينا إعادة تأويل إدراكنا للنص الديني ليتواءم مع الحقائق العلمية الجديدة.
لقد كان ابن رشد على درجة عالية من التدين، لكنه أراد أن يفصل الدين عن منطق العقل، وهذا التفكير حفز المتعصبين للدين لشن حملة ضده، ليس فقط من جراء ما بدا من زندقة في دفاعه عن ضرورة مواءمة الدين مع الحقائق العلمية، بل أيضاً لأنه كتب انتقاداً لاذعاً لأحد أبرز رجال الدين الإسلامي، وهو الإمام الغزالي.
إذن ما الأهمية المستوحاة من نظرية ابن شد الجديدة؟ أعتقد أنها علاوة على كونها تعمل على إنماء المنطق العقلي، كانت نظرية ابن رشد بمثابة نواة للدعوة اللاحقة التي ردت إلى ذلك الانقسام الشهير بين ما سمي بالبروستانت والكاثوليك إلى الفصل بين الكنيسة، والدولة، وجوهر المسألة، أن ابن رشد دعا إلى الفصل بين الفلسفة (العلم) وبين الدين، لكنه دافع عن إعادة تفسير الدين، أما في أوروبا العصور الوسطى فقد كان الدين يمثل العلم الوحيد الذي ينبغي أن يسمو فوق النظرية العلمية الجديدة. وهو الأمر الذي يفسر أسباب الاضطهاد الذي تعرض له ابن رشد من قِبل رجال الدين.
وكما قاسى ابن رشد قاسى "ابن ميمون"- وهو أحد الذين عاصروا ابن رشد- نفس المصير، وكان ابن ميمون يهودياً، وأحد مفكري الديانة وقد كتب معظم مؤلفاته باللغة العربية، وكان متعمقاً بالدين على غرار ابن رشد،كان مؤمنا بسمو العقل، ومن دواعي الأسى أنه أضطُهِد خلال الحركة المعادية لليهود، مما حدا به مغادرة أسبانيا، هو وعائلته ليقيم بصورة نهائية في مصر التي عاش فيها كمفكر ذي شأن معتبر.
وفي الواقع، بات جلياً اليوم أنه في ذلك العصر لم يكن الجدل دائراً بين حضارتين، بقدر ما كان يدور بين أولئك من ذوي العقول النابغة، وبين أرباب العقول المغلقة ضمن هاتين الحضارتين.
وقبل ابن رشد بمائتي عام، وعلى بعد آلاف الأميال إلى الجنوب الشرقي عاش في اليمن جغرافي عظيم وعالم ومؤرخ يدعى أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني ، الذي كان مولده بصنعاء عام 893هـ، ووفاته حوالي العام 976هـ، فهو إذن سابق لعهد أبرز أعلام العرب ممن أسهموا في النهضة الأوروبية أمثال ابن الهيثم، والبيروني، وابن سينا.
ومثلما ألهم أرسطو ابن رشد بالفلسفة، يمكننا القول إن الهمداني تأثر بـ"بطليموس" في علم الجغرافيا، إذْ أنه في أشهر مؤلفاته "صفة جزيرة العرب" كرس الصفحات القليلة الأولى منه لاستعراض كتاب "بطليموس" الشهير بالجغرافيا، وقال الهمداني: مخاطباً القارئ: (إعلم أن الأرض ليست بمسطَّحة، ولا ببساط مستوى الوسط والأطراف، ولكنها مقببة وذلك التقبيب لا يبين مع السعة.. الخ)، ومن ثم استعان بما يمكن تسميته بالأدلة التجريبية لتدعيم نظريته.
فقد اتخذ من نجمة شهيرة تعرف عند العرب بـ"سُهيل اليماني" كمثال، إذْ أن هذه النجمة، وفقاً لما أوضحه يمكن رؤيتها بصنعاء في كبد السماء.
في حين تظهر في مكة (الواقعة شمال صنعاء) في طرفٍ من الأفق، وفي بغداد (الواقعة إلى الأقصى شمالاً) لا يمكن رؤيتها على الإطلاق. ثم أخذ الهمداني يناقش أمر النجوم التي يمكن رؤيتها في القطب الشمالي، ولا يمكن ذلك في القطب الجنوبي، ونجوم أخرى يمكن رؤيتها في منطقة خط الاستواء، دون أن يكون ذلك متاحاً في المناطق الأبعد منه باتجاه الشمال، أو الجنوب.
لقد قدم الهمداني العديد من الإسهامات الخلاقة في العلوم العربية والإسلامية، ولعل إحدى إسهاماته كانت وليدة اختلافه مع بطليموس بشأن فرضية: أن الحركة المحورية للكواكب تولد الحرارة المنبعثة منها. إذ كان الهمداني يعتقد أن ذلك أمراً مستحيلاً، لأنه قد يعني أن درجات حرارة الكواكب ستكون بالضرورة في حالة ارتفاع مستمر.
كيف استطاع الهمداني أن يتوصل إلى ذلك الاستنتاج ؟ أعتقد أنه توصل إلى ذلك مستعيناً بنظرية كونية كان معمولاً بها في عصره تقول: أن الكون له محور ارتكازي ثابت هو الأرض وإن الشمس والكواكب تدور حول الأرض فقال لو كانت الشمس تدور حول الأرض فإن درجة حرارة الأرض يجب أن تكون في حالة ارتفاع دائمة. ولعل نظرية المحور الارتكازي الأرضي هي نفس النظرية التي قادت الهمداني إلى المزيد من الاستنتاجات البعيدة النظر مثل: حديثه (غير الدقيق) عن الجاذبية.
فلو كانت الأرض كوكباً مستقراً (لا يدور)، والكواكب الأخرى تدور حولها محورياً، فإنه يجب أن تكون لها أوجه "علوية" وأخرى "سفلية" فالناس والأجسام في الأسفل –نظرياً- يجب أن يسقطوا. فكان تفسيره لهذا بأن للأرض "جاذبية" وأن تلك الجاذبية تقوم بالسحب على نحو متساوي باتجاه الأعلى والأسفل.
وهناك نظرية ثالثة – أعتقد أن الهمداني انفرد في بلوغها- وهي نظرية ( النسيم) أي ما نسميه اليوم (الأكسيجين) ودور النسيم في عملية الاحتراق بشكل عام.
ومن أجل أن يتمكن الهمداني من شرحها استشهد بحادثة تشير إلى: أن مجموعة من الناس قدمت على حاكم صنعاء وأخبرته بأمر اكتشاف كهف في وادي ظهر (الذي يبعد 5 كيلو مترات شمال غرب صنعاء)، وكانوا يعتقدون أن الكهف يحتوي كنزاً عظيماً تتولى حراسته الجان. واستنتجوا أن الجان قد اطفأو السُّرُج التي حملوها إلى عمق الكهف وقد قرر الحاكم ارسال فريق لاستطلاع الكهف.
وكتب الهمداني: (دخل هؤلاء الناس إلى الكهف مستعينين بضوء الشموع، وعندما توغلوا أكثر فأكثر انطفأت شموعهم، وبدأوا يشعرون بضيق في صدورهم، فظنوا ذلك من عمل الجان). ثم بيَّن الهمداني على نحو قاطع كيف كان أولئك الناس على خطأ، شارحاً: (إن السبب وراء ما حدث هو غياب وجود النسيم)، الذي نطلق عليه اليوم اسم "الأكسيجين " ثم أوضح: (أن النار المتقدة والكائنات الحية لا يمكن أن تستمر في ظل غياب وجود النسيم).
وفي النهاية، فإن الهمداني دلل على ذلك بتجربة علمية فريدة تثبت أن وجود النسيم ضروري لحدوث الاشتعال. فقد قال: (لو أخذت شمعة مزودة جيداً بزيت الاشتعال، ووضعتها على سطح مستوي، ثم أخذت قدراً وغطيت به الشمعة، وأحكمت إغلاق حافات القدر بالطين، فإنك إذا ما رفعت القدر بعد بضع دقائق ستجد أن الشمعة قد انطفأت بسبب عدم وجود النسيم ).. أيها السيدات والسادة.. لقد كان هذا قبل عصر (أنتوني لافويسير) أبو الكيمياء المعاصرة بعدة قرون.
وأخيراً، فإن الهمداني وصف الطبخ على البخار على أسس هذه النظرية، فقد كتب: (عندما تجهز فرنا لطبخ لحم، فأنت عادة ما تجعل الخشب يحترق ثم تضع اللحم داخل الفرن فوق النار. ومن بعد ذلك يتم تغطية فم الفرن وإحكام إغلاقه بالطين، وبنفس الطريقة يتم إحكام سد عين النار في القعر. وعندما تفتح الفرن بعد بضع ساعات قليلة، ستجد أن النار انطفأت واللحم طبخ جيداً)، وفسر ذلك بأن النار انطفأت بسبب غياب وجود النسيم، أما اللحم فقد طبخ بالبخار، أو موجات الحرارة المنبعثة من الماء الذي باللحم.
إن الرجال الذين أوردنا ذكرهم أعلاه لا يمثلون سوى غيض من فيض لا يحصى من الاكتشافات ، والكنوز الفكرية للعلماء العرب المسلمين، والمفكرين من عصر الإمبراطورية العباسية، ودولة الإسلام في الأندلس وأن قصصهم لتساعد على التدليل أنه رغم الاختلاف بين الأديان الثلاثة إلا أن صراع الحضارات على طريقة (هنتجتون) لم يكن ما يحكم العلاقة بين الأمم.
فقد كانت حضارات متعايشة ومنفتحة رغم الصراعات والحروب التي لا تنكر.
وأن الاستيعاب الجيد لذلك يقودنا إلى تثمين العنصر الإبداعي الخلاق للفكر العلمي والفلسفي العربي-الإسلامي، خاصة في فترة ما بين القرنين التاسع والثالث عشر، وكذلك لتثمين الدور الذي أسهم به هذا الفكر في إعادة إيقاظ الوعي العلمي والفكري في أوروبا خلال العصور الوسطى. إذ أن الإنجازات التي حققتها الحضارة العربية الإسلامية على مختلف الأصعدة لعبت دورا أساسيا في انبلاج الحضارة الغربية في العصور الوسطى.. إذن فقد كان هناك – ولعدة قرون- تبادل حقيقي في العلاقات الثقافية، وتفاعلات خلاقة ساعدت على مزج المعرفة من أجل نسج البساط العظيم للثقافة الإنسانية التي نراها اليوم.
الأصدقاء الأعزاء.. يجب أن نسأل الآن: إلى أين سنمضي من هذا المكان؟ أنني أعتقد بقوة أن إنماء الأواصر الثقافية، وتقليص حجم فجواتها يجب تحقيقه بكل طريقة ممكنة.. وأنه ينبغي علينا إقامة المزيد من الندوات المماثلة لهذه الندوة ، ليس لمناقشة القضايا السياسية وحسب ، بل- أيضا- لاكتشاف الوشائج الثقافية التي من شأنها أن تؤطر الحوار بين الثقافات والحضارات.
أتمنى أن تكون الأمثلة التي تحدثت عنها اليوم قد بينت أن الحضارة العربية الإسلامية قد أسهمت بشكل بارز في الارتقاء بالحضارة الإنسانية في مجالات مختلفة كثيرة ، رغم أنها ليست إلاّ أمثلة قليلة من فيضٍ كثير.. أننا ربما لو تحدثنا- كما فعلت اليوم- عن حوار بين الحضارات لهو أفضل لنا من الحديث عن صدام بينها كما يزعم ذلك البعض الآخر، لأننا نعتقد أن الإنسانية لم تتطور إلا من خلال التعاون بين أطرافها المختلفة .
إن الصدام الذي تنبأ به "صموئيل هنتينجتون" في كتابه قد يحدث فيما لو أن إرادة الفئة الصغيرة جداً فُرضت على إرادة الفئة الكبيرة بأية تكلفة كانت . أن مسئولية الجميع تحاشي وقوع مثل هذا الصدام بين الحضارات ، لطالما وأن السبل الأخرى مازالت مفتوحة ، وقادرة على أن تقودنا إلى القبول بالتنوع كإطار للحوار والتبادل المشترك للأفكار.

# (ترجمة –المؤتمرنت )









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024