الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 10:40 ص - آخر تحديث: 07:17 ص (17: 04) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
كتب ودراسات
المؤتمر نت - لم يكن من السهل – وإلى ماقبل سبعين عاماً – القبول بالقصة في اليمن كفن أدبي له مقوماته ، وخصائصه  إلى جانب الشعر ، بسبب  من النظرة القاصرة أنذاك إلى القص الأدبي ، ومفهومه ؛ إذ لم تكن تزيد عن كونها وضعت لتزجية الفراغ ،
صنعاء / المؤتمر نت/ هشام سعيد شمسان -
القصة في اليمن :أوليات السرد والحداثة
لم يكن من السهل – وإلى ماقبل سبعين عاماً – القبول بالقصة في اليمن كفن أدبي له مقوماته ، وخصائصه إلى جانب الشعر ، بسبب من النظرة القاصرة أنذاك إلى القص الأدبي ، ومفهومه ؛ إذ لم تكن تزيد عن كونها وضعت لتزجية الفراغ ، والتسلية ، ولم يكن الأمر مقصوراً على القصة داخل اليمن وحدها ، بل إن نظرة الاحتقار هذه شملت الوطن العربي بوجه عام ، فالرافعي– مثلاً – وفي كتاباته كان ممن يعمقون هذه النظرة إلى القصة ، وكذلك العقاد الذي كان يعد القصة في منزلة سفلى من الأدب ( ) ولهذا كان الشعر هو الذي يحتل مكانة عليا في الأدب ، وكان الحكام يعززون مكانة الشعر باعتباره احدى الوسائل التمجيدية لهم ولايمكن للقصة ان تقوم بهذا الدور. وكان هذا هو حال القصة في اليمن –كذلك – وقدكانت أولى القصص البشارية التي بدأت تتمرد على تلك النظرة القاصرة تلك التي نشرت لأول مرة عام 1938م ، وبالرغم من أن هذه القصة خضعت للمفهوم الكلاسيكي القديم للقص لاعتمادها على أسلوب الوعظ الديني ، إلا أن النقاد في اليمن يتفقون على أن نحو هذه القصة التي نشرت حينذاك في مجلة " الحكمة " عددها الثاني عشر جسدت بداية النهضة القصصية لمشروع القص المستقبلي ؛ لأنها فتحت الكُوى الموصدة أمام الآخرين لتجسيد أفكارهم القصصية بعد ذلك . وصدق الحدس – حقاً – حيث أرخ لنا العقد الأربعيني، ومابعده أسماءً لازالت صداها ، وأفكارها تحيا بيننا حتى اللحظة. فمن منا لم يسمع أو يقرأ لـ( محمد علي لقمان صاحب أول رواية يمنية هي رواية " سعيد " ومحمد أحمد بركات ، وحامد عبدالله ، وحسين سالم باصديق ، ومحمد سالم باوزير ، ومحمد أنعم غالب … وغيرهم ممن احتضنهم العقد الأربعيني ، ولم يكد ينتصف العقد الخمسيني حتى بدأت أولى المجاميع القصصية تتناسل ، وتبزع لأول مرة في اليمن . فنقرأ : " الرمال الذهبية " لـ ( باوزير ) و " ممنوع الدخول " لـ( علي باذيب ) وغيرها . وبالرغم من أن القصة اليمنية بدأت تقليدية في محاكاتها للنموذج الأوروبي ، وسقطت في بعض مراحلها تحت سيطرة الدعاوي الثورية ، والحماسيات مهملة كثيرا من التقنيات الشكلية ، والمضمونية ، واضحت – بعضها – لاتزيد عن أحداث تقريرية ، إلا أن هذه الفترة من الضعف كانت طبيعية بالنظر إلى البعد الزمني الذي مثل مرحلة مراهقة القصة اليمنية أنذاك ، إذ سرعان ماتخلصت هذه المرحلة من اندفاعها وطيشها ، لتدخل فضاء جديداً ، منح الحساسية الجديدة حقها من تحمل المسئولية ، وكانت مرحلة السبعينات نموذجاً حقيقياً لنضح القصة اليمنية بدخول القص عالماً متحورا لاسيما على مستوى الداخل حيث الأبعاد الفلسفية ، وتحليل النفس البشرية ، واعتماد مرجعية " الرمز " كأحد مقومات القصة الحديثة ، وكان أهم من مثل هذه المرحلة بصدق : محمد أحمد عبد الولي ، ومعه : باوزير ، ومطيع دماج ، وأحمد محفوظ عمر …كما ترسخ القص الروائي في هذه المرحلة ليأخذ مكانه كشكل أدبي له خصوصيته الموضوعية ، وفي مرحلة النضج حاولت القصة اليمنية أن تحتذي النموذج الواقعي ، فاستطاعت أن تمثل هذا البعد : سياسيا ، واجتماعياً ، وفردياً ، وبدت أهم مرجعيات القص تتمثل في هذه المحاور :
أولا : الأسرة كمجموعة جزئية من مجتمع كبير ، باختيار نماذج بعضية تمثل حالات الفقر ثم ماينتج عن هذا الفقر من تشتت ، أو انحراف الأبناء ، والفتيات تحت الحاح الظروف القاسية .
ثانيا : الهجرة الخارجية . ولعل أهم من مثّل هذا البعد بتفاصيله هو " محمد عبد الولي "
ثالثا : الحالة السياسية . التي انعكست على المجتمع ، والأفراد سواء قبل الثورة ، أو بعدها .
رابعا : البؤس الفردي ، حيث كانت كثير من القصص تجسد هذا البعد في نماذج فردية تثير الشفقة ، والحزن ، والعطف.
وتأخذ المرأة قاسما مشتركاً في هذا القصص فهي المحبوبة التي لايمكن الوصول إليها بفعل ظرف (ما) أسري ، أو اجتماعي ، وهي الزوجة التي تعاني بُعد زوجها ، وحرمانها منه ، وهي الأم ، والأخت ، وهي الخارجة عن شرفها بسبب من القهر الاجتماعي ، أو الفقر . وإذا كانت " التقليدية " العامة طابعاً لهذه الكتابات ، إلا أن تحولات تقنية ، وفنية بدأت تأخذ طريقها فيما بعد إلى هذه الكتابات ، وكأنها تبشر بالحداثة الجديدة ، بدخول تقنيات سردية حديثة إليها نحو : الاستفادة من البصريات السينمائية كما في قصة . " طفي لصي " لمحمد عبد الولي ، ومحاولات أخرى لدى كل من : " ميفع عبد الرحمن " و " الجرموزي أحمد غالب " وكذلك تقنية " اللاشعور " حيث تبدو الأحلام ، واللاوعي من مؤسسات القص ، ولعل " محمد صالح حيدرة " أكثرمن مثل هذا الجانب في بعض موضوعاته القصصية الممهدة للجيل الأخير من كتاب القصة ( الجيل الخامس ) ، وأعني بذلك : جيل التسعينات من الشباب . وبتأملنا في كتّاب القصة منذ الأربعينات وحتى منتهى الثمانينات سوف تبهرنا كثرة الأسماء التي تراتبت منذ تلك الفترة ، وحتى العقد الثمانيني ، إذْ نستطيع أن نحصر أكثر من مائة وثمانين قاصاً ، وأكثر من عشرين ممن دلفوا مضمار الرواية فنشرت لهم رواية واحدة على الأقل : مسلسة في صحيفة ، أو مجلة ، أو في كتاب نحو : حسين باصديق ، سعيد عولقي ، رمزية الأرياني ، علي محمد عبده ، عبدالله الطيب ، محمد مثنى ، عبد المجيد القاضي ، عبد الكريم المرتضى ( ) ، ولم تكن المرأة ببعيدة عن اقتحام عالم القص حيث ظهرت أولى القاصات اليمنيات أوائل الستينات . ونستطيع أن نحصر أكثرمن خمس عشرة قاصة حتى عام 89م نحو : شفاء منصر ، شفيقة زوقري ، رمزية الإرياني ، سميرة عزام، زهرة رحمة الله ؛ وغيرهن . ومازال البعض منهن متواصلات حتى الآن نحو زهرة رحمة الله ، التي أصدرت عام 1993م مجموعتها الأولى(بداية أخرى) ، منشورات اتحاد الأدباء .
التسعينيون : فتنة القص وتخصيب اللغة :
- إذا كان الكاتب الروسي " مكسيم غوركي " يقول : " لقد خرجنا – جميعاً – ( أي ، كتاب القصة القصيرة ) من تحت معطف " جوجول( ) " فإن الجيل الجديد في اليمن يحق له أن يقول بفخر : " لقد خرجنا جميعا من تحت معطف " الوحدة " ، ذلك ان الجيل الخامس ( التسعيني ) لم يكن له إيما حضور ، أو نفس قبل منجز " الوحدة " التاريخي والسياسي ؛ لأن العقد التسعيني ما إن أخذ يبشر بهذا المنجز حتى بدأنا نشاهد عجباً : عشرات من الكتاب ، والشعراء، والقُصّاص ينثالون على الساحة الثقافية والإبداعية، بفضل التهيئة المناخية التي فُتحت على الثقافة . حيث هبت رياحها لتوقظ النائمين ، وتحرك – مدغدغة – أفكار وحواس المبدعين ، وماهي سنوات بعضيّة حتى بدأت المجاميع الأدبية تتراصّ ، معلنة هذا التوهج الإبداعي المثير . فعلى مستوى الإبداع القصصي – مثلاً – نستطيع أن نحصى أكثر من أربعين إصدارا قصصياً كانت في جلها لشباب لا وجود له قبل عام 1990م نحو " وجدي الأهدل ، هدى العطاس ، آمنة يوسف ، أحمد الزين ، الغربي عمران ، صالح البيضاني ، أفراح الصديق ،ونبيل الكميم ،ومحمد أحمد عثمان وغيرهم . وثمة عشرات آخرون ممن يعدون مجاميعهم القصصية للطبع ، وكل هؤلاء يمثلون –معاً – نواة القص الحديث ، أو الجديد في اليمن ، وإذا ماحاولنا استبطان أغوار هذا الجيل سنجد بأنه يحاول – مااستطاع – أن ينفصل بأسلوبه ، بل وينقطع عن الأجيال الماضية، إلا أنه – بالرغم من ذلك – لازال – في بعضه – يحمل بعض جينات وراثية (أدبية ) تشرّبها ، بوعي ، وبغير وعي ، عن الجيل السابق ، بدليل أن ثمة ممن لازال واقعاً تحت مؤثرات أدبية تحتذي الجيل الماضي نحو القاص " محمد الغربي عمران " الذي مازالت تؤثر به واقعية الجيل الماضي ، متبعاً في ذلك طريقته الأسلوبية : لغة ، وبناء ، رغم محاولته التجديد في الحبكة السردية ، كأن يعتمد – أحيانا – على البناء الجدلي ، وتوظيف العلائق الشخوصية على نحو أقل تشابكاً ، وتعقيداً من السابقين ، واعتماده على الرمز المفتوح نحو قوله " نظرت إلى الوجوه المعلقة حول وجهي نسيت موقعي ، لا عرف كيف اختفت… "( ) ففي نصية " الوجوه المعلقة " نجد انفتاحاً تعبيرياً لايمكن تقييده –مثلاً – بفكرة التزاحم ، أوالنظرات المشخصة إلى الوجه ؛ وإنما يمكن أن نعبر عنه كذلك بالتسارر ، والابتهاج بالنظر ، وبالدهشة كذلك . بينما الرمز لدى " محمد عبد الولي – مثلاً .. يتجه مباشرة إلى المعنى نحو قوله في قصة " كانت جميلة " ( رأيت شبح ابتسامه ، وصدقت حين رأيت أن اسنانها قد تحولت إلى ذهب " .. فتحول الأسنان إلى ذهب يوحي بالانتقال من حالة بؤس إلى سعادة ولكن الابتسامة الشاحبة تنفي " السعادة " لأن في " الشحوب " ، و"الذهب " تضاداً يوحي بأن الذهب إنما كان ثمناً للفرح ، فيكون الموقف الرمزي ههنا " هو الحزن " ولاشيء سواه ، بدليل " وصدقت "( ) وكاتب نحو " الغربي عمران " يضحي بالشكل في سبيل المضمون ، فتظل اللغة الساردة لديه في رتبه تالية للموضوع وهو في ذلك إنما يحتذي من سبقه ، بعكس الكتاب الآخرين ، من ذات جيل " الغربي " والذين تظل لديهم اللعبة اللغوية هاجساً ، وتظل الفتنة المجازية مطلباً حيوياً ، وأولياً لدى الجُل الأكثر من هؤلاء .نحو " أحمد الزين " صاحب " الأسلاك المصطخبة " ، والذي يعد من أكثر كتاب القصة القصيرة اهتماما بهذا الجانب ، ابتداء بعناوينه القصصية نحو : " عنوة يرتطم بالأجدرة " ( راجفة تتهامد الورقة ) ، (قدمان تدريجاً تتعامى ) ، وانتهاء بالنصيات الكتابية نحو قوله ( هائشة غابة الشعر ، تتوزع طيات وجهه . التماع خفيف حاد يضيء جهامة ملامحه ، واذ تأخذ قدماه ثقيلتان في مشي بطيء وذاهل …( ) ونحو هذه اللغة -كما نعلم – تضحي بالموضوع لأن القارئ يظل منشغلا باللغة محاولا تفكيكها للوصول إلى المعاني الداخلية . وأستطيع أن أقول بأن " الزين " هو الذي يتصدر هذا الشكل الكتابي بين جيل التسعينين من كُتاب القصة ؛ إذ بهذا النمط الكتابي يُميّز البعض بين التقليدية والحداثية . لكننا بالمقابل نجد ثمة من يوفق بين الداخل والخارج ، بالجمع بين شعرية القص ، وبنائية الحدث نحو "آمنة يوسف "في قصصها القصيرة ، والأقصر ، "وهدى العطاس " ( )، ثم محمد علي الخوربي ، ومحمد علي عثمان ، وعبد الناصر مجلي ، ونبيل سيف الكميم ومحمد عبد الوكيل جازم ، وغيرهم .. لكن مايجمع هؤلاء هو الطريقة الساردة ، والتي تتخذ من الوصف السينمائ ، والوصف البصري نقطة التقاء ، وبؤرة اجتماع يلتقى عندها معظم حداثي الوطن العربي
.أما عن نوع القص ، فنستطيع أن نقول بأننا في - اليمن – نحيا زمن القصة القصيرة ، ومرادفاتها : الأقصوصة والأقصودة ،والقُصاصة النصية ، ولا مكان للقصة الطويلة ، أو الرواية بين مجتمع هذا الجيل ، وإذا ما حدث أن وجدنا قصة طويلة ، أو رواية بين حين وآخر فهذا من قبيل الشذوذ المتموقع خارج الدائرة القاعدية . ذلك أن " القصة القصيرة أضحت ، ومازالت أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر ، لأنها انتقلت بمهمة القصة من التعميم إلى التخصيص ، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية بكل ما يحيط بها من أبعاد ، وحوادث وظروف وملابسات ، و إنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد ، أو زاوية واحدة من زوايا الشخصية الإنسانية ، أو موقف او تصوير خلجة واحدة ، أو نزعة واحدة من خلجات النفس ، ونوازعها تصويراً خاطفا يساير روح العصر … "وأصبحت القصة القصيرة تؤدي مهمة القصيدة من حيث الصور النفسية وتحليل المشاعر"( ) فمن أمثلة القص الذي يمثل موقفا ، أو نزعة من نزعات النفس تصويراً خاطفاً ، أقصوصة " انسكاب" للكاتبة " هدى العطاس " تقول : " كان فضاء الغرفة أضيق من ان يتسع لانهماراتهما . عندئذ سكبت عينيها داخله ،و انسابت "( ). ففي نحو هذه الأقصوصة الخاطفة تتجسد شعرية السرد ، إلى جانب الموضوع الإثاري الذي يوقظ الحواس ، فيدغدغها. فالاقصوصة تجسيد لنزعة نفسية ، ومادية جنسية (معاً) انتُزع منها الزمان ، ولم يبق سوى الفتنة التصويرية ، وطمست أجزاء المكان الموضوعي التام ؛ بجعله مكاناً نفسياً متحركاً؛ بدليل ضيقه الذي اتسع بمجرد الانسكاب في الآخر ، و الانسياب الروحي ، والمادي معاً عند لحظة الالتحام . وقد يعمد بعض القُصاص إلى تقنية " اللاشعور " لتجسيد موقف وجودي ، أو فلسفي (ما) يفسر بعض الأزمات النفسية ، أو الواقع الخارجي كما في بعض أقاصيص " محمد القعود " أو طاهر المقرمي ، ومحمد المقطري ، وسامي الشاطبي ، ومن أمثلة ذلك هذه القصاصة النصية .
" صبت القصبة فوق كسلة اليومي ، كيس ماء فنهض مهرولا ، ومضت أجزاء جسده في كل الاتجاهات " ( ) ، إذ في نحو هذه القصاصة النصية لانلمح سوى هذاء سريالي ، وهذا هو ظاهر النص، ولكن صاحبه لايرمي من خلاله إلى مجرد الهذاء العبثي ، إذ ثمة فكرة موضوعية أراد ان ينقلها إلينا " الناص " ، ناقلاً إلينا حالات من الفزع العصري ، وتشتت النفسية المعاصرة بين حب البقاء ، والاستسلام للضغط النفسي . ومابين هذا وذاك يشتت الجسد ، ويفنى مبكراً ، وبهذا النوع من السرد اللغوي التصويري يستطيع " الناص " أن يخلق جواً مثيراً ، وغامضاً ، يحار معه القارئ ، ويثير فيه القلق والفضول ( معاً ) ، فإما أن يصل إلى المغزى أو يستسلم تاركاً كل شيء .
الرمز ، والرمز الآخر :
- إذا كان الرمز " قد تأصل في القصة المعاصرة على يد " محمد عبد الولي " ثم على يد " محمد صالح حيدرة " في جيل سابق ؛ فإن الرمز في القصة القصيرة في اليمن قد أضحى ظاهرة تميز بها معظم كتاب القصة القصيرة الحديثة . ولكن مايهمنا هنا هو التحول بالرمز لدى بعض أدبائنا من الشباب من مستواه اللغوي الإشاري إلى مستوى جديد قوامه " الفنتازيا " ولعل كاتباً هو " وجدي الأهدل " يعد أكثرالذين يحاولون استغلال القص " الفنتازي " لتحقيق رغبة الرمز في تشكيل الموضوعات من خلال محاولة استيعاب اللحظات الواقعية بأحداثها وفق آليات " فنتازية " تتحرك بالشخوص والجوامد ، والأحداث موحدة بين المعقول ، واللامعقول ، وفي جو قصصي باعث على الغرابة والفضول ( معاً ) ونعتقد بأن كاتباً نحو " وجدي الأهدل " هو الأكثر قدرة على إبراز قبح الواقع من خلال كتابة الواقع المريض،بواقع ( لامعقول ) مسرود فنيّا ، إنه – مثلا – ولكي يبرز بعض الوجوه القبيحة ، وأخرى تثير الشفقة ، يعمد في قصته ( صورة البطال ) إلى مسرودات عدمية ، تثير الرعب ، والمتعة معاً ، فيدلف إلى قصته بلعبة ( الحكي السماعي ) بقوله "أنبأنا الذي نبت شاربه فوق أنفه قال : منذ سبع سنوات ، وأنا اتلقى التعازي . لقد مات أنفي " ( ) وينقلنا بعدها إلى حكاية " النقطة السوداء التي نبتت في وجه البطال، وفي تجويف أذنه ، ثم كيف كبرت ، وتضخمت حتى أضحت في حجمه ، وأرادت الانقضاض عليه ، و ابتلعته ، ثم ينقلنا إلى الخزانة السرية التي تنبعث منها رائحة الجثث المتعفنة . وهو في كل ذلك يتحدث عن صورة معلقة شخصها يتحرك ، ويتكلم ، ولكن صاحب الصورة المتخذة كستار للخزانة ؛ تُنزل أخيراً ، وتمزق إرباً ، وتلقى في منفضة السجائر ، بينما شخصها يرى كل شيء . ولنؤكد – هنا – على تحورات الرمز " الفنتازي " لدى " الأهدل " والذي اتخذ من نصيات معينة منطلقاً لتفسير الحدث نحو / موت الأنف / النقطة السوداء / الجثث المتعفنة / القلم الذي شاخ … الخ .. والفارق – هنا – بين رمزية الجيل الماضي ، ورمزية السرد " الفنتازي " أن أولئك قد يتخذون من الصورة النفسية منطلقاً لابراز رمزية "ما "، فلا يتيه الرمز في الحدث ، بينما يأتي سرد " الفنتازيا " متعدد الصور ، مثيراً للحواس ، والفكر ، لكنه قد ينفلت بسببٍ من تغميض الحدث ، بما قد يعجز – معه – القارئ في تفسير موضوعةِ النص ، وبالتالي عدم الإمساك بقصديّة الرمز " المعطَى " فنتازيا " بما يجعل القارئ حائرا أمام مسرودات كهذه " وما إن وضعت رأس القلم لأكتب سري ، وبالكاد اثبت نقطة سوداء صغيرة ، حتى كانت البقعة السوداء تفر هاربة إلى ركن غرفتي " ) ( وما إن كتبت كلمة " اعترف " حتى شاخ القلم في يدي، وانحنى ظهره ، ثم توكأ على سبابتي بعد فقدانه البصر ") ( كانت البقعة السوداء قد تضخمت ، واستطالت حتى أصبحت في حجمي تماماً ، وقد برزت فيها ستة أذرع لاتكف عن الدوران " ( صورة البطال) . القارئ هنا – لاشكّ – محاصر بأجواء خرافية، تثير رعبه ومتعته – معاً – وقد لايهتم بتفاصيل المعنى ، فيعطيه قيمة عَرَضّية متجاهلاً الجوهر الموضوعي ؛ مكتفياً بما تثيره نحو هذه " النصيات" من اجواء مبهمة وساخرة –أحياناً - ، لكن مجرد الإثارة وحدها تكفي لأن تجعل من القصة تستقر في الذهن ، باعثة على التساؤل النقدي : كيف ، ولماذا ؟ بما يحقق للنص فتنته السردية وجمالياته التصويرية فيرقى به ، ويموقعه كجنس أدبي له طلابه من القراء


الهوامش:

(1) أنظر : سلسلة " أقرأ " المصرية " العدد (33) وفيها تجد قولاً للعقاد في هذا الصدد
(2) للاستاذ / حسين سالم باصديق مقال بعنوان : القصة في اليمن ومراحل تطورها ، حاول من خلالها إحصاء جميع كتاب القصة من الأربعينات وحتى نهاية الثمانينات : الثقافة اليمنية المعاصرة ط.1991م وزارة الثقافة والسياحة .
(3) سيد حامد النساج ، القصة القصيرة ، دار المعارف ، مصر ، ط 1977م.
(4) - من مجموعة "الشراشف" ، "قصة كائنات مضيئة " .
(5) - " وكانت جميلة " / محمد أحمد عبد الولي.
(6) - اسلاك تصطخب ، قصة " قدمان" ، ط 1، 1997م.
(7) - للأولى مجموعة قصصية بعنوان " جوقة الوقت " صدرت عام 1997م ، دار الحوار ، وللأخرى مجموعتان ، الأولى بعنوان " هاجس الروح .. هاجس الجسد " ط:1995م ، والأخرى بعنوان " لأنها " ط : 2001م ، مؤسسة العفيف .
(8) - القصة القصيرة . مصدر سابق .
(9) - أنظر مجموعتها الثانية " لأنها" منشورات مؤسسة العفيف ، طبعة 2001م .
(10) - سامي الشاطبي .
(11) - صورة البطال ، وجدي الأهدل ، ط 1998م ، دار أزمنه .









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "كتب ودراسات"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024