الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 12:14 ص - آخر تحديث: 12:06 ص (06: 09) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
قراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)
محمد "جمال" الجوهري
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمر نت - .
شوقي بزيع -
مرايا الزمن ... الينابيع الشعرية لليمن السعيد
نادرون جداً هم الشعراء والكتاب الذين زاروا اليمن ولم يعبروا عن افتنانهم بها ودهشتهم أمام جمال طبيعتها ودماثة أهلها واحتفائهم بالوافدين. ففي اليمن يشعر المرء أنه يجيء إلى مكان يعرفه من قبل حتى لو كان يزوره للمرة الأولى. وهو مكان لا يتصل بالجغرافيا الفريدة التي تناوبت على صنعها عوامل الطبيعة وعبقرية الإنسان فحسب بل بذلك الحنين الغامض إلى ما نحسبه سرير الطفولة الأولى والينبوع الأصلي لكل تلك المياه التي تهدر في عروقنا جميعاً.

ثمة شيء في اليمن يبعث دائماً على الالتفات إلى المكان الذي تولد منه القصيدة أو اللوحة أو الأغنية. فكل فن يحاول على طريقته أن يحاكي تلك الغابة الوارفة من الأصداء التي تنبعث من كل ما نلمسه أو نسمعه أو نراه. كل عنصر أو شكل أو تكوين مادي يجر وراءه تاريخاً هائلاً من الوقائع والتغيرات والأهوال. في ذلك العالم الشرس والحنون لا نعرف على وجه التحديد من الذي يقلد الآخر: الطبيعة أو الإنسان، كما لا نرى فوارق كبيرة بين الإنسان من جهة وبين كائنات العالم الحية من جهة ثانية. لا شيء يشبه الطبيعة اليمنية في تضاريسها المتنوعة والمتعارضة والمتداخلة في آن واحد. كأن للطبيعة هناك طواعية الغيوم والقدرة نفسها على التلاعب بالأشكال. فأنت تجد مثلاً قمتين على شكل نهدين، وجبلاً على شكل نمر يهم بالوثوب، ومنحدراً على شكل طائر، وصخرة لها وجه إنسان.

تبدو اليمن بهذا المعنى أم الكرة الأرضية والطوطم الأول للجماعات والأوطان. وإذا كان ثمة من يرى في ذلك نوعاً من أنواع البدائية أو التخلف فإن في هذه الرؤية، الكثير من المحدودية والضيق والسطحية. فاليمنيون بوجه عام شعب ذكي ولماح ومنفتح على الثقافة والحياة وقيم العصر وما يعانونه من مشكلات تتعلق بالفقر والأمية والبنية القبلية ليس شأناً خاصاً بهم بقدر ما هو سمة عامة تنسحب على معظم البلدان العربية ودول العالم الثالث. ومع ذلك فثم في هذا البلد حركة ثقافية وفنية نشطة تظهر تجلياتها يوماً بعد يوم عبر الكثير من المؤسسات وبيوت الثقافة ومراكز الدراسات وعبر عشرات الشعراء والكتاب والمبدعين الذين ينتمون إلى أجيال ومدارس متغايرة الأساليب والمذاهب. وإذا كنت لا أستطيع أن أعدد جملة الأسماء التي ترسم في هذا الزمن ملامح اليمن وصورتها الزاهية فإنني لا أستطيع القفز بالتأكيد عما شكلته تجربة الشاعر الراحل عبدالله البردوني من فتوح حقيقية في بنية القصيدة العمودية ومضامينها. كما لا يمكن لأحد أن يغفل الدور الريادي والفريد للشاعر والكاتب عبد العزيز المقالح الذي آثر أن يهب حياته كاملة للبلد الذي ينتمي إليه، وان يوزعها بالتساوي بين الانشغال بالابداع والانشغال بأهله بحيث لا يدخل اليمن أحد إلا من البوابة شبه الوحيدة التي يجسدها المقالح بامتياز والتي جعلته رمزاً حقيقياً لكل ما يختزنه ذلك البلد من دماثة، ووفاء وأمل بالمستقبل.

الأيام الخمسة التي قضيتها في صنعاء مشاركاً مع جودت فخر الدين ويمنى العيد ورفيق علي أحمد في الأنشطة الثقافية التي دعت إليها وزارة الثقافة اليمنية تضامناً مع محنة لبنان لم تكن أياماً عادية على الإطلاق. ليس فقط بسبب تلك الحفاوة المفرطة التي استقبلنا بها وزير الثقافة خالد الرويشان والشاعر المقالح وحفنة من الأصدقاء والكتاب بل بسبب ذلك الاحترام الشديد الذي يكنه اليمنيون للشعر والشعراء، كما للنقد والمسرح وسائر الفنون، في عالم عربي يكاد يعرض عن الشعر بالكامل ولا يأبه إلا للتسطيح والابتذال وفنون الصراخ والزعيق وإثارة الغرائز. وأظن أن الأمثولة التي يقدمها الوزير اليمني سواء من حيث رعايته للفنون وتشجيعه للمثقفين واهتمامه بالمؤسسات الثقافية لا نجد مثيلاً لها في معظم العواصم العربية التي نعرفها. كما لا نعرف وزيراً آخر يمكن أن يهب أياماً خمسة كاملة من وقته لمرافقة الكتّاب الضيوف في حلهم وترحالهم وفي ندواتهم ومسامراتهم وزياراتهم بدءاً من لحظة الوصول وحتى لحظة المغادرة.

لا يكتمل الحديث عن اليمن أخيراً دون المرور على المقيل” المتنقل من منزل إلى منزل والذي تشكل نبتة القات الخضراء نجمته الأبرز على امتداد الجلسة الطويلة التي تبدأ بعد الغداء ولا تنتهي إلا بعيد الغروب. عند مداخل تلك الدواوين المستطيلة ذات المقاعد الأرضية المتجاورة يخلع الجميع أحذيتهم وكأنهم داخلون إلى مكان للعبادة ثم تتوزع النبتة على الحاضرين الذين يرون فيها أداة لشحذ الأذهان وإيقاظ الأفكار والذكريات من غفوتها وصولاً إلى “الساعة السليمانية” التي رأى فيها عبد العزيز المقالح ما يراه المتصوفة في لحظات الوجد والانخطاف. في تلك المجالس قرأنا الأشعار وتداولنا في شؤون الثقافة وتبادلنا النكات واستحضرنا ما تيسر من هموم المشهد السياسي العربي القاتم. أتوقف هنا عند الجناس القائم بين مفردتي “القات” و”الغاتم” ولا أعرف إذا ما كان ضرباً من ضروب المصادفة لكنني أعرف بالمقابل أن اليمن حتى ولو كانت تعض على حزنها تصر على منح زائرها سعادة لن يعرفها في أي بلد آخر.

*نقلاً عن الخليج








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024