السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 02:18 م - آخر تحديث: 02:08 م (08: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة

لأول مرة على (المؤتمرنت)

المؤتمر نت-نزار خضير العبادي -
(المَصْنَعـة) – محطة الأمان التي قَبَر مَجْدها الجّـان

توحي كلمة "مَصْنَعة" عند سماعها للوهلة الأولى بأنها موقع للصناعة، وربما ظل هذا المعنى مفهوماً عند غالبية الناس في اليمن، لكن الحقيقة خلاف لما هو شائع. فالمصنعة- اسم يطلق على مواقع أثرية عديدة في اليمن تعود إلى حضارة ما قبل الإسلام، وتُرجِّح البحوث التاريخية نسبتها إلى "حِمْيَر"، ويُراد بها معنى (الحِصْن الحَصين) – أي- الذي لا سبيل لطلوعه.
وحيث أن هذه الحصون شاهقة وذات تركيبة صخرية قاسية يصعب تسلقها، لذا اتخذتها الحضارات القديمة محطات لقوافلهم التجاري، إذ نحتوا فيها سُلَّما (مُدَرَّجات) لا يتعدى عرضه المتر والنصف إلى المترين، ويؤدي إلى قمة الحصن، لتصبح طريقه الوحيد الذي لا يمكن وصول القمة بغيره. وعلى سطح قمة المصنعة أعد الحِمْيَريون كل لوازم استضافة قوافل التجارة، فنحتوا خزانات مياه كبيرة شاعت تسميتها بـ(المَواجِل)، وهذه (المواجل) يتم نحتها في أكثر البقاع انخفاضاً على سطح المصنعة ليتسنى لهم نحت السواقي التي تتجمع إليها مياه الأمطار فتصبها في بطون (المواجل) الضخمة التي تفي بحاجة كل من حل في المصنعة من بشر وحيوان طوال موسم انقطاع الأمطار.
وإلى جانب (المواجل) عمل اليمنيون القدماء على نحت (المَدافِن)، وهي عبارة عن مخازن للحبوب يتم حفرها في بطن الجبل على شكل بيضوي، وبأحجام مختلفة، لا يظهر منها للعيان إلا فتحة دائرية صغيرة أصغر بكثير من قطر الدائرة الوسطى للمدفن، فقد جرت العادة أن تُسكب الحبوب إلى جوف المدفن حتى يمتلأ، ثم يتم إحضار قرص حجري بسعة الفوهة ليغطيها، ومن ثم يتم إحضار الطين المبزول (الصِّلصال) ووضعه حول القرص الحجري ليقوم بسد كل الفتحات والفراغات بين القرص والمدفن، حتى يبدو من الخارج وكأنه جزء غير منفصل عن سطح المصنعة.
وروى المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع (رحمه الله ) في كتاب من تحقيقه "قُرَّة العيون في تاريخ اليمن المَيْمون" بأن هذه المدافن قادرة على الاحتفاظ بالحبوب لبضع سنوات من غير أن يصيبها تلف أو عفن أو سوس- بفعل حرارة الأرض ، وأن (المَدْفَن) الفارغ المقفل إذا ما تم فتحه والنزول فيه مباشرة، فإن حرارته قادرة على سلخ جلد الإنسان، ونزعه عن اللحم.
ومما يمكن إيجاده في المصنعة – أيضاً- هو (مَرابِط الخيل). حيث أن اليمنيين القدامى حرصوا على نحت بعض الأماكن على قمة المصنعة على هيئة عقد صغير، أو ما يشبه الكِلاّب المثيت من نهايتيه بالارض- وهو لايتجاوز الـ(20)سنتيمتراً ليتم ربط الخيول أو الإبل اليه.. كما أن في بعض المصانع توجد آثار فواصل عازلة لاترتفع عن الارض كثيرا ، وتقسم مساحة السطح إلى مايشبه الغرف- كما لو أنهم كانوا قد خصصوا كل حيز لمجموعة أو فريق على غرار الفكرة المعمول بها في الفنادق.
وبدا لنا أن المصانع في اليمن تتوزع على الخطوط التجارية بمسافات منتظمة تفصل إحداها عن الأخرى مسيرة نهار كامل على ظهور الإبل أو الخيول حتى إذا ما دنا الليل تكون القافلة قد بلغت إحدى المصانع، فتصعد إليها من خلال المدرج الذي يعتبر المنفذ الوحيد للطلوع إلى القمة. وهكذا تكون قد أمنت شرور قطاع الطرق أو الوحوش المفترسة، وتكون – أيضاً – قد وجدت مؤنها من ماء وطعام وأي لوازم أخرى في المصنعة.. ومن الطبيعي أن تكون هذه الخدمة لقاء أجور معينة مما كان جارياً التعامل به آنذاك.
إن من الواضح عن هذه (المصانع) هو أنها كانت الملاذ الأكثر أمناً وسلاماً للقوافل التجارية، إذ أن استحالة الطلوع إلى سطوحها على غير المسلك الوحيد المعمول لهذا الغرض يمنع عنها اللصوص فضلاً على أن ضيق المدرج المؤدي للسطح يجعل من السهل الدفاع عنه وحماية القوافل وتجارها بأقل عدد ممكن من الرجال.. ولعل هذه الظاهرة التي تنفرد بها اليمن كانت عاملاً مهماً في ازدهار النشاط التجاري عبر اليمن، وأحد أسباب انتعاش الاقتصاد اليمني - ليس لفترة ما قبل الإسلام وحدها بل إلى قرون تالية من التاريخ الإسلامي، حيث أن هذه المصانع ظلت قائمة بأغراضها لبضع قرون أخرى.
ويجدر بالذكر أن في اليمن مصانع ما زالت معروفة بأسمائها إلى يومنا الحاضر- كما هو الحال مع مصنعة ريشان في ناحية البستان، ومصنعة الشلالة في بلاد عنس من ذمار، ومصنعة بني قيس من خبان بيريم وتعرف اليوم بـ(المعلى)، ومصنعة الشعر من ناحية النادرة، ومصنعة آنس، ومصنعة الثوير من مدينة جُبن، ومصنعة مارية من ذمار، ومصنعة عزلة آزال، ومصنعة شريح من مخلاف عمار، وجبل المصنعة في الغرب الشمالي من يريم، ومصنعة الشرف في وصاب العالي.. وغيرها.
وفي الحقيقة- ظلت تلك المصانع لعهود طويلة أسطورة غريبة وغامضة، تردد عنها عامة الناس الكثير من القصص، وخرافات الجِّن والمَرَدة، والجبابرة التي سكنتها.. حتى ذهب بعض المؤرخين إلى الاعتقاد بأنها حصون عسكرية احتمى الملوك على قممها مستدلين على ذلك بما وجدوه من مدافن ومواجل وغيرها من مظاهر الحياة. وهناك أيضاً من أقحمها بالأنشطة الصناعية على غرار ما تفعل عامة الناس في وقتنا الحاضر.
لكن كانت تتوارد إلى أذهاننا الكثير من الأسئلة التي تنأى بالمصانع بعيداً عما ظنه السابقون، حتى شاء الله أن يلهمنا شواهد تاريخية عديدة تؤكد كون المصانع محطات استراحة القوافل التجارية أثناء الليل كما هو الحال مع ما يسمى في وقتنا الحاضر بـ(الموتيلmotel ). وكان بفضل وظيفتها تلك أن نشأت العديد من المراكز المدنية بالقرب منها، وانتعشت حياة سكانها، وتحول بعضها إلى مراكز ثقل سياسية لعبت أدواراً كبيرة في تاريخ الدويلات اليمنية المختلفة. فبلا شك أن المصانع مثلت لعصرها محطات الأمان وإن كان زماننا قد دفن مجدها بأساطير الخرافة والجّــــان.










أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024