الجمعة, 04-أكتوبر-2024 الساعة: 09:06 ص - آخر تحديث: 05:50 م (50: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المستقبل للوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
الجديد في ذكرى التأسيس الـ"42"
شوقي شاهر
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
الدليل النظري للمؤتمر.. المرجعية الحقيقية لتحقيق السلام
جابر عبدالله غالب الوهباني*
الذكرى الـ42 لتأسيس المؤتمر مرحلة بحاجة للحكمة
عبيد بن ضبيع*
تجربة التأسيس وحاجة اليمنيين لها اليوم
خالد سعيد الديني*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - محمد بن علي المحمود
محمد بن علي المحمود* -
الإسلاميون والقوميون .أعداء الأمس حلفاء اليوم
طبيعي أن يفرز هذا التأزم العربي / الإسلامي ما نراه من هذا الاصطفاف الإيديولوجي داخل الأمة الواحدة، أو ما يتراءى لنا أنها أمة واحدة. ما هو من مخرجات التخلف - سببا ونتيجة - هو ما يزيد الأزمة تعقيدا، خاصة عندما يراد لها أن يكون المخرج من زمن التخلف الغائر لأكثر من ثمانية قرون أو تزيد. المشاكل تتوالد؛ لأننا نداويها بالتي كانت هي الداء. وليس دائما تنجح النصائح النواسية، خاصة عندما يكون فيروس التخلف هو الداء.


أنا هنا، لا أتحدث عن الإسلام ولا عن العرب، وإنما عن الأدلجة باسم الإسلام وباسم العرب، أو ما هو - بعد (التحول = التعنصر) - يسمى: عروبة. نحن لا نقف هنا عند حدود الأصل المجرد المتعالي، وإنما يهمنا الإجراء الذي أشبع الأصول بالرؤى الاحترابية. والآن، يقودنا إلى صلح تاريخي، يتنازل فيه القومي عن مركز الصدارة، وأحيانا عن المقوم الأساس للمفهوم القومي: العلمنة، لصالح القوي راهنا، وربما الأقدر على شيء من الأمل السياسي القومي.

الآن، يجري تجاوز مرحلة الصراع التاريخي. وهو تجاوز إيجابي؛ لو كان وليد قناعات قوى متوازية في النفوذ. لكن ما نرى الآن، لا يعدو أن يكون توريثا من القومي للإسلامي، حيث يمنحه المواقع والمواقف والشعارات؛ بعد إجراء شيء من التعديل اللازم لها. كما يجري من جهة أخرى تصميت من يحاول إيضاح التباين في الرؤية الواقعية التي تعين الراهن والمستقبلي عند كلا الطرفين.

القوميون والإسلاميون، كلهم يدرك أن الإسلامية شيء، والقومية شيء آخر، وأن العلاقة بينهما ليست علاقة تجاور - كما يحاول أن يدعي المصلحون من أهل العروسين! - وإنما هي علاقة تضاد، تمس أصول المفاهيم عند كل منهما.

القومية، حتى عندما تتجاوز؛ فتتسامح مع الإسلام كمشروع أممي، لا تمنح الإسلام أكثر من جائزة (الفائز الأول) في نهضة العروبة. إنه - في التصور القومي - العامل الأجدى في رحلة العروبة نحو تحقيق الأمجاد القومية، فضلا عن كونه منتجا عروبيا، تنسب إنجازاته، حتى فيما وراء العروبة - على نحو ما - إلى أمجاد بني يعرب، ذوي العزة القعساء!.

قبول القومية - من مبدأ قومي - بالإسلامية كعقائد وتاريخ، يقابله رفض صريح للإسلامية كتشريع. وهذا هو أحد مرتكزات الصراع بين القومية والإسلامية. لا أحد من القوميين (بالمفهوم الذي طرحه منظرو القومية في الخمسين سنة الماضية) يستطيع القبول بحاكمية التشريع الإسلامي، كما تطرحه الجماعات الإسلاموية، ولا أحد من الإسلاموية يقبل بالتنازل عن المجال التشريعي الذي يعد المتنازل عنه كافرا؛ لأنه تنازل عن توحيد الحاكمية.

من هنا، فالصراع بينهما، وإن بدا أنه على تفاصيل تشريعية لا تطال العقائد، إلا أنه صراع على أصل عقائدي، عند الطرف الإسلاموي. ومن ثم، فالمسألة ليست مجرد صراع فكري، أو سياسي، وإنما هي داخلة في سياق التكفير. فهل يقبل الإسلاموي القوموي الآن، على أنه كافر، والتعاون معه: ضرورة مرحلة، خاصة وأنه بين مؤمن قوي، و(كافر) ضعيف، وهي من المسائل التي أجازوا بها استعانة المسلم بالكافر؟.

لا يخفى على القومي، أن الأصوليين الراسخين في الأصولية، يرون القومية دعوة إلحادية. لكنهم، مع هذا يتناسون، أو يريدون أن يصدقوا ما يقوله الأصوليون المحدثون من قبول للتعاون مع الآخر، وانفتاح على التعدد. طبعا، يسهل عليهم التصديق، خاصة عندما ندرك أن الخطاب القومي خطاب عاطفي - حتى فيما تتوفر فيه العلمية - يتراقص بجنون على إيقاع الآني والمباشر، بينما تغيب عنه - جراء غيبوبة عاطفية - المحددات الجوهرية لماهية خطاب الآخر.

بما أن القوموي أسير اللحظة، كما الإسلاموي، فإنه سياق الواقع، هو ما يحدد له سلوكه، حتى ولو تعارض مع سياق الأفكار. ولعل حرب لبنان العام الماضي، كشفت عن هذه الغيبوبة التي تتناسى أصول خطاب الآخر، وترتهن بوهج اللحظة، فالقومويون نافسوا الإسلامويين في تأييد (حزب الله) بأقصى ما يستطيعون من صخب عاطفي، مع أنه يعرفون - تمام المعرفة - أنه حزب أصولي راديكالي.

يحلو للإسلامويين أن يقولوا بدوائر الولاء؛ عندما يطرح سؤال الولاء: هل هو للعروبة أم للإسلام؟. وهذا ما يفعله القومويون الآن. صحيح أن دوائر الولاء تتسع من الذات إلى العالم كله. لكن، اتساع دوائر الولاء لا تتسق عن الفرد، إلا عندما تكون دوائر متسلسلة، غير متضادة في أصول الخطاب، التي تحدد بداية الولاء، كما تحدد نهايته.

معظم القومويين يدركون حجم الهوة التي تفصل بينهم وبين الإسلاموية، على مستوى الرؤى على الأقل. وأذكر أنني كنت أجادل أحد القومويين؛ في كونه بدأ يميل إلى السلفيات، ويتسامح معها، مع كونه قومويا منذ بدايات وعيه السياسي، وأحاول أن أذكره بأن السلفيات ستقصيه في أول من تقصي؛ في حال أصبح نفوذها في مستوى تنظيمي أو نظامي ما. وقد رد علي بقوله: نعم للسلفيات على كل ما فيها، من يدافع الآن عن الأمة غير السلفيات؟.

واضح من هذا الجواب أن الموقف يدار بالوجدانيات، وبموقف إقصائي مشترك من الآخر، وبرؤية مستفزة مما يحدث على أرض الواقع. ولهذا لم أستغرب قول قوموي آخر، يعبر عن رأيه في السلفيات الجهادية: أنا أرضى برصاصة السلفي أن تخترق جسدي إذا كانت في طريقها إلى جسد لآخر من أعداء الأمة. أو قول آخر: أنا والسلفي قد نختلف حد الاقتتال، لكننا لا نراه إلا خلافا بين الإخوة، والعداء الحقيقي إنما هو للآخر.

هذه المقولات تعكس أزمة في الذهنية القومية، كما هي ميكافيلية إسلاموية واضحة في توظيف القوموي لصالحها. أنا لا أدعي هنا استحالة التعايش، بل العكس. لكنء، هناك فرق بين التعايش، وقبول كل طرف بالآخر، وبين أن يتحالف المشروعان، بحيث يقفان على حافة الانصهار، بينما الرؤى الأساسية، لا وجود لها إلا في منطقة التضاد.

هناك محاولة لاستثمار كل طرف لما في منظومة الآخر، مما يعزز رأيه. وكما أن الإسلاموية مبتهجة - حقيقة أو ادعاء - بمقولة إن ميشال عفلق، قد صالح بين القومية والإسلام، فكذلك القومية تنقب في التراث السلفي عن نصوص أو مواقف أو مقولات تعزز من عنصريتها القوموية. وطبعا، لن يصعب عليها العثور على مقولة ابن تيمية في (اقتضاء السراط)، التي يؤكد فيها على أن مذهب أهل السنة، تفضيل جنس العرب على غيرهم.

يلاحظ هنا أن الإسلام مجال مفتوح، وليس مغلقا، لا في مبادئ ولا في نظام، وأن بعده القيمي يجعله ذا طابع عالمي بامتياز. بينما القوموية مجال مغلق، ذو رؤى عنصرية، تكمن في جوهر الرؤية القومية، وكذلك الإسلاموية، رغم أنها تبدو مجالا مفتوحا، إلا أنها ذات بعد وجداني مغلق، تحركها مشاعر التحيز، أكثر مما تحركها مبادئ الإسلام. ولعل الدعاء على الآخر بالهلاك، بدل الدعاء له بالهداية، يفسر البعد الشاسع بين مبادئ الإسلام، التي تحاول استقطاب الآخر لذاتها، واحتضانه داخل مجالها، وبين دعوات الهلاك والدمار، والسعار العدائي الذي يتمنى فناء الآخر، على أبشع صورة يمكن أن تكون.

في أواخر الستينيات، كان هناك فريق من الطلاب الفلسطينيين الذي انضموا إلى جماعة الإخوان. لكنهم انفصلوا عنها، عندما رفضت جماعة الإخوان أن تساعد قوى النضال الفلسطيني؛ لأن الجماعة ترى أنها قوى علمانية، لا ترفع شعار تحكيم الشريعة. هذا ما جرى، آنذاك. أما الآن، فإن إخوانية حماس، يدافع عنه المد القومي، وتدعمها دول ترفع راية القومية، لا الإسلامية. كما أن المخيمات التي تلتهب الآن، أو التي في طريقها إلى الالتهاب، يختلط فيها القوموي العتيد بالسلفيات الجهادية التي وجدتها بيئة خصبة، لزرع خلاياها السرطانية، حيث العزلة والفقر والفراغ والأفق المسدود.

يخيّل إلي أن هذا التحالف الأخير الذي بدأ يظهر بين كثير من تيارات هؤلاء وهؤلاء، ليس إلا اتفاقا على الأسوأ في كل منهما. فالبعد العنصري الذي يغلف النظرة القوموية والإسلاموية على حد سواء، أصبح من نقاط الالتقاء التي يراد لها أن تكون قاسما مشتركا، ينطلق الفريقان من خلاله، في شحن الأمة بروح العداء للآخر، وحقنها بالشعارات الملهبة، التي تبعد بها عن الفعل الإيجابي التراكمي، ذي المنحى النهضوي، إلى أن تصبح مجرد أمة مفرقعات، لا يعرف عنها شيء إلا في عالم العنف والدمار.

*نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024