المعارضة.. الخطأ والصواب!!
الجمعة, 17-مارس-2006. - ..لاغبار على حق المعارضة في طرح المشاريع والأفكار التي ترتأيها حيال ما يتصل بالعملية الانتخابية والاستحقاق الديمقراطي القادم ما دام ذلك لا يتعارض مع الأسس الدستورية والقانونية.. ولكن فما هو حاصل أو متبع أن هذه المعارضة هي من تثير الغبار وتهيل التراب على نفسها من خلال الكيفية التي تتبعها في تسويق تلك الأفكار والمطالب، وعلى النحو الذي يجده الكثير ينضح بالابتزاز لكونه يتجاوز درجة الاختلاف في وجهات النظر فضلاً عن انسياقه وراء بعض الرؤى القاصرة التي لا هدف لأصحابها سوى إثارة الزوابع وتصعيد الأمور في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم والتي لا يمكن لهم تحقيقها عن طريق المشاركة الديمقراطية لافتقادهم لأي تأثير في أوساط المواطنين.
وتتجلى ملامح صور هذا الابتزاز في تركز خطاب المعارضة على مناكفة الجانب الحكومي والتلويح بمواقف لا يميل إليها ويتبعها سوى أصحاب الرؤى والأهداف النفعية، أو الانتفاعية، خاصة إذا ما أدركنا بأن ذلك الخطاب هو من أصبح يربط بين الحصول على مكاسب ومصالح فورية وبين مسألة تعديل المواقف وإمكانية التراجع السريع عنها.
والاقتصار على التخاطب مع الجانب الرسمي إلى جانب ما يبرزه من مؤشرات الاستهداف فإنه الذي يدل دلالة قاطعة ـ أيضاـً على أن رهان المعارضة أصبح مبنياً على ما يمكن أن تحصل عليه من مكاسب تسبق الانتخابات، وليس على ما يمكن الحصول عليه في صناديق الاقتراع وهو الأسلوب الذي يعكس تماماً من إن هذه المعارضة لم تعد تضع للعملية الانتخابية التنافسية الاعتبار الكافي.
ولأن جانب الابتزاز لا يتوافق في الأصل مع أي من المعايير وتقاليد وقيم العمل الديمقراطي التي تقوم على القاعدة التنافسية والبرامجية كان الأحرى بهذه المعارضة أن تجتهد في صياغة برنامجها الانتخابي القادم، وتسعى من خلاله إلى إصلاح ما تراه بحاجة إلى إصلاح، انطلاقاً من قنوات ومؤسسات النظام الديمقراطي بدلاً من أن تستغرق في مناكفة الحكومة.
ومن موقف مخلص للديمقراطية حريص على الوصول بتجربتها إلى درجة الكمال، فإن الأجدى للمعارضة بأن تتجه إلى ساحة العمل الذي يهيئ لها تحقيق النجاح في الميدان الديمقراطي عوضاً عن الأنشغال بمكايدة حكومة حزب الأغلبية، لأن من سيحكم على أداء هذه الحكومة وحزبها هو المواطن الذي أصبح قادراً على التمييز وعلى درجة عالية من الوعي لتحديد خياراته، ولذلك فإنه لن يمنح صوته إلا لمن يجد فيه المواصفات والتأهيل المناسب لإدارة شئونه.
وبالتالي فليس من مصلحة المعارضة في الحقيقة أن تظهر أمام الجماهير إنها التي تبرر عجزها عن الدخول من بوابة الصندوق الانتخابي بمهاجمة الحكومة، كما هو موقفها الآن والذي يطغي عليه عامل الاحتشاد وراء بعض المطالب التي لا علاقة لمعظمها بنزاهة وشفافية عملية الاقتراع الانتخابي، باعتباره لب العملية التنافسية بقدر اتصال ذلك الموقف ببعض المنافع الآنية التي تسبق الاستحقاق الديمقراطي وهو أمر بات يتكرر مع قرب كل موعد انتخابي، والجديد هذه المرة هو قيام المعارضة برفع السقف لتطالب بتغير كل شيء، من مؤسسات وتشريعات في نزوع لا ينم سوى عن الإدمان على ممارسة تلك العادات المجافية أصلاً لروح الديمقراطية.
وتتضح مثالب هذا السلوك في المطالبة بإصلاح النظام الانتخابي مع أن المعارضة جميعها قد شاركت في المداولات حول مشاريع التعديلات الدستورية والقانونية وكان لها بصماتها في إقرار هذا النظام الانتخابي الذي اكتشفت فجأة أنه لم يعد يتواءم وتوجهاتها، مع أنها التي لا تجهل من أن جزءً كبيراً مما تطالب به إنما يندرج في إطار عملية إلغاء الآخر الذي يضم في نطاقه إضافة إلى جمهور الحزب الحاكم، جماهير أحزاب المعارضة الأخرى، أو القاعدة العريضة من المواطنين المستقلين ليكون من شأن ذلك أن أصحاب هذه المواقف يمارسون الإلغاء والإقصاء من حيث يشكون منه ويفتعلون الضجة حوله.
وجرياً على عادة الانتظار تظل بعض أطراف المعارضة تترقب مواقف وردة الفعل الخارجية على كل ما تدفع به إلى الواجهة الإعلامية والسياسية، لتنظم إلى زفة التشكيك وتزييف الحقائق وتشويه الصورة الديمقراطية للبلاد، وهو ما يمكن استشرافه في ما ذهب إليه التقرير الأمريكي حول حقوق الإنسان في اليمن.
وكما اتفقت أحزاب المشترك على أن ذلك التقرير قد جاء ناقصاً ومبتسراً لكونه الذي خلى من ذكر أي جوانب إيجابية لهذه الأحزاب على صعيد الحياة السياسية، مما يعزز القناعات على أن هذه الأحزاب قد نشأت على الفكر الشمولي، وإنها غير مؤهلة على استيعاب الحقائق الديمقراطية، فقد استكثر عليها واضعو ذلك التقرير أن تحظى بأي مكسب مقابل ما قدمته له من معلومات، بل ان المردود قد جاء عكسياً حينما طالبها بالعمل على امتلاك البرامج التي تتيح لها تحقيق الحضور المؤثر في الوسط الشعبي، بدلاً عن الانكفاء وراء مشاريع تبتز الديمقراطية.