الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 12:27 ص - آخر تحديث: 10:15 م (15: 07) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
حجازي: الإخوان شكلوا معامل التطرف



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من عربي ودولي


عناوين أخرى متفرقة


حجازي: الإخوان شكلوا معامل التطرف

الجمعة, 28-أبريل-2006
كتب ماهر حسن - : لم يكن أحمد عبدالمعطي حجازي قد تجاوز العشرين من عمره حين كان أحد فرسان الريادة في الشعر العربي المعاصر، وأحد رموز حركة التجديد، وكان في بداية الخمسينيات ثاني اثنين في معركة النص الشعري الجديد، التي لاحقها جيش من المحافظين علي رأسهم العقاد. إضافة إلي دواوينه الستة، فلحجازي دراسات في الشعر، وتأملات في الوجود، إلي جانب ترجمات شعرية، ودور ثقافي وتنويري مهم يمارسه من خلال مقالاته الساخنة في الأهرام، ويواجه اتهاماً بأن هذه المقالات سرقته من الشاعر.


ومن المفارقات المثيرة في حياته، موقفه الحاد من «قصيدة النثر» الذي يماثل إلي حد كبير موقف العقاد من قصيدة جيله، وبينما يتخذ حجازي موقفاً سياسياً واضحاً من دعوات الرجعية والاستبداد، تغزّل جيله في المشروع الناصري، وبكي بنفسه عبدالناصر بعد رحيله، ومن هذه النقطة تحديداً، بدأنا معه هذا الحوار الذي غلبت عليه السياسة..


شهدت قصائد جيلك فاصلاً غزلياً في المشروع الثوري الناصري، وبرحيل عبدالناصر، دبجتم القصائد في مديح الراحل والبكاء علي أيامه، فيما نجدكم الآن تنتقدونه.. فهل يمكن للشعر أن يستوعب كل هذه المفارقات؟


ـ نعم يستطيع، فالمشروع الناصري لم يكن حادثة عابرة، معزولة في المكان أو في الزمان، ولكنه كان أحداثاً مؤثرة في حياتنا، وفي حياة العالم كله، إذن فمن الطبيعي أن نختلف حوله لقد ظهر المشروع الناصري ومصر والعالم العربي كله يحلم بالتقدم والتحرر والعدالة، وتبني المشروع الناصري هذه الأحلام وجعلها شعارات له، وفي تلك المرحلة التفت حوله الجماهير من المحيط إلي الخليج، لكن النظام حيد الجماهير وأبعدها عن النشاط السياسي، وانفردت أجهزته بالسلطة واستولت علي كل أجهزة الإعلام وحولتها إلي أجهزة دعاية، فغابت الحقائق والمعلومات عنا، ولم نفق من أوهامنا إلا علي الهزيمة التي كشفت لنا حقيقة النظام الذي لم يكن ثورياً، بل كان استبدادياً فردياً.


هل اكتشفت أنه نظام استبدادي بعدما انقضي عهده، لماذا لم تعارضوه في وجوده؟
ـ ومن قال؟ لقد كان عمري سبعة عشر عاماً في عام ١٩٥٢، وفي الفترة من ١٩٥٢ إلي ١٩٥٦ كنت أعارض هذا النظام، واعتبرته استبدادياً، بعدما تبين لي موقفه من الدستور، وبعدما حل الأحزاب، وتشبث بالسلطة ورفض إعادتها للمدنيين، واعتقل رموز المعارضة وأساتذة الجامعة، ولعلني أذكر هنا أنني تعرضت للاعتقال عام ١٩٥٤، حينما كنت أشارك في إحدي المظاهرات، وفي عام ١٩٥٦ بدأ موقفنا يتغير بعد «باندونج»، وصفقة الأسلحة التشيكية، والعدوان الثلاثي، ثم أصبحت ثقتنا في عبدالناصر مطلقة بعد الوحدة المصرية ـ السورية، وانتصار ثورة الجزائر، وتحديد الملكية الزراعية، وتأميم المصانع والبنوك، لكن هزيمة ١٩٦٧ كشفت لنا حقيقة هذا النظام.


مرة أخري.. هل عارضت هذا النظام أثناء وجوده؟
ـ نعم، بل ولاقيت الكثير من المتاعب في سبيل ذلك، وحرمت من العمل كمدرس بعد تخرجي، وكثيراً ما منعت من السفر، وكلما أردت السفر كان علي أن أحصل علي تصريح من الجوازات، وفي أكثر من مرة سافرت حقائبي ولم أسافر.


لقد تعرضت لأشياء مماثلة في عهد السادات؟
ـ نعم، فصلت مع عشرات من الكتّاب سنة ١٩٧٣، وبعد عودتي للعمل كنت أكتب في «روزاليوسف» وكثيراً ما تعرضت مقالاتي للمصادرة أو الحذف الذي كان يقوم به رؤساء التحرير المكلفون بقراءة مقالاتنا.. ومنهم عبدالرحمن الشرقاوي.


«إنني قد تبعتك من أول الحلم..
من أول اليأس حتي نهايته.. من تري الآن يحمل عبء الهزيمة فينا».. فهل كانت هذه القصيدة مراجعة لموقفك المعرفي من الثورة؟
ـ أنا أتحدث في هذه القصيدة عن يقظة من تلك الغيبوبة التي عشناها في الخمسينيات والستينيات، وقد اكتشفنا بعد خروجنا من عهد إلي عهد أننا خدعنا، وأننا كنا نعيش في وهم كبير.


أود أن أشير لتلك النهضة المسرحية والسينمائية والثقافية والفنية والغنائية والأدبية التي صارت مضرب الأمثال.. قصيدتكم نفسها ولدت وسط هذا المناخ الثوري وكانت قصيدتكم المجددة إحدي ثمار النهضة الفنية والأدبية لهذا المشروع؟
ـ في الخمسينيات والستينيات، انتصر الشعر الجديد وازدهر المسرح المصري، كما ازدهرت القصة المصرية، وولد الأوركسترا السيمفوني، وبقية الفرق والمؤسسات التي أنشأها ثروت عكاشة وذلك لأنه ـ كما قلت لك ـ إنه بإمكان حضارات كبري أن تقوم علي وهم كبير أو خرافات كبيرة.


وكأنما تؤكد أن مصر في عهد الملكية كانت أفضل مما أصبحت عليه بعد ثورة يوليو؟
ـ أنا لا أتحدث عن ملكية وجمهورية، وإنما أتحدث عن ديمقراطية وطغيان، والمقارنة تدل علي أن مصر بين أوائل العشرينيات وأوائل الخمسينيات كانت أفضل منها، فيما بعد «انقلاب يوليو ١٩٥٢» من حيث المدرسة المصرية والمستشفي المصري، والجامعة المصرية، والصحيفة المصرية والحياة السياسية ووعي المصريين بأنفسهم، ورؤيتهم لأنفسهم ولأمتهم.
لقد تراجع هذا الوعي، واختفت هذه الرؤية بعد يوليو ١٩٥٢ حتي مشاريع مصر العربية والقومية فشلت في محاولات الوحدة.


كثير من قصائد أبناء جيلك والجيل الذي أعقبكم وبدا النص لديهم إما بوقاً للسياسي أو مؤرخاً له، ألا تتفق معي أن النص الجهوري عمره قصير، وأن القصائد الإنسانية لأمل دنقل أو محمود درويش أو صلاح عبدالصبور، هي الأقوي والأنضج؟
ـ أتفق معك مائة في المائة، لأن الشعر الذي يقوم ـ قبل كل شيء علي قيمة وعاطفة إنسانية مشتركة وباقية ـ حيث كل عاطفة إنسانية باقية ـ يختلف عن الشعر الذي يدور حول حادثة أو مناسبة أو مرحلة تاريخية لها حضور في فترة، وبعد ذلك تصبح في ذمة التاريخ وإذا كانت تشغل الناس في فترة فهي لن تشغلهم علي المدي الزمني البعيد، إذ تتحول إلي ذكري من الذكريات لكن ليس كل شعر دار حول مناسبة من المناسبات أو عكس صدي لمرحلة سياسية ما، أنه فاقد تماماً للجماليات الشعرية، أو أن جماله يقل كلما تقدم الزمن، لأننا أمام شعراء مختلفين، فهناك شاعر يستطيع أن يضع يده علي ما هو باق في مرحلة من المراحل وهناك شعراء يكتبون عن الحب مثلاً لكن شعرهم ردئ جداً، وليس بالضرورة أن تكون كل قصيدة مكتوبة عن الحب قصيدة جميلة أو جيدة. المهم أيضاً أن يكتب قصيدته بلغة حية.


شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة مدي إخوانياً، وفي دول عربية أخري حدث مد مماثل، ويبدو أن الشارع العربي فقد الثقة في الحكومة والمعارضة، فانحاز لمن يرفعون المصاحف ويتحدثون عن الوحدة الإسلامية والأمة الإسلامية بعد الحديث القديم عن الأمة العربية؟
ـ لا توجد أمة قائمة علي الدين في العالم كله، إلا إذا كانت أمة مصطنعة كالإسرائيليين والباكستانيين، وليس معقولاً أن يشكل المصريون هم والأفغان مثلاً والسنغاليون والأتراك أمة واحدة،

وهذه الشعارات التي ترتفع الآن دليل قاطع علي تراجع الوعي الوطني المصري، الوعي الوطني المصري كان يستند إلي مؤسسات مدنية لم تعد موجودة، وإلي ثقافة حية تحولت إلي مؤسسات حكومية يديرها موظفون، وإلي إبداعات أدبية وفنية وفكرية تمثل روح مصر وتعبر عنها يقدمها أمثال محمد عبده ولطفي السيد وطه حسين والعقاد والحكيم والدكتور هيكل وسلامة موسي وسيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم والقصبجي والسنباطي ومختار ومحمود سعيد، وقد اختفي هؤلاء، وانقطعت إبداعاتهم، فمن المنطقي أن يتدهور الوعي الوطني المصري وتظهر شعارات ترفعها السلطة مرة مثل شعار «الأمة العربية» الذي لا يدل إلا علي حلم لم يتحقق، أو شعارات يرفعها المتاجرون بالدين مثل شعار «الأمة الإسلامية»، أو «الإسلام هو الحل» وسواها من شعارات التهريج وخداع الجماهير.


هل الصورة قاتمة إلي هذا الحد؟ وهل كف المصريون عن الإبداع والتفكير؟
ـ المصريون الآن لا يفكرون ولا يبدعون، وإن كانوا قادرين دائماً علي الإبداع والتفكير والعمل، لكن هذا كله يحتاج إلي مناخ صالح لاكتشاف الموهبة واحتضانها ومساعدتها.
قبل حركة يوليو كان المصريون يرفعون شعارات الحرية والاستقلال واللحاق بالعصر، وكانوا يهتفون مصر للمصريين، لا للأتراك ولا للشراكسة ولا للإنجليز، وكل هذا كان له معني وكان له تأثير فعال، وحين ثاروا علي الاحتلال الإنجليزي ثاروا باسم مصر لا باسم الإسلام أو المسيحية، ورفعوا شعار «الدين لله والوطن للجميع»، لقد فرض عليهم النضال الوطني أن يميزوا بين الإيمان الديني وهو مسألة تخص كل إنسان علي حدة والانتماء الوطني الذي يجمع أبناء الوطن علي اختلاف دياناتهم، من هنا يتحتم الفصل بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة، وهذا هو المبدأ العلماني الذي لا يمكن بدونه أن ننشئ دولة وطنية أو نعيش في ظل نظام ديمقراطي.. المتاجرون بالدين يمنعوننا من إبداء الرأي ويزعمون أن كل شيء موجود في الدين، وأن الدين هو الحل لكل شيء.


ومن واجبنا إذن أن نقول للمتاجرين بالدين: إننا في حاجة لدولة توفر لنا الأمن والتعليم والعلاج والبحث العلمي، وتشق الطرق وتعالج مشكلة البطالة وتحمي حق الجميع في التفكير والتعبير بحرية، وتترك لكل منا أن يختار طريقه إلي الله بنفسه ودون تدخل من أي سلطة، فلا إكراه في الدين، ولا كهنوت في الإسلام!.


قلت إن تراجع الوعي الوطني بدأ مع حركة يوليو.. فهل تعتقد أن زعماء يوليو هم المسؤولون عن الأوضاع التي نشهدها الآن؟
ـ طبعاً.. ضباط يوليو هم الذين أنزلوا علم مصر الأخضر الذي رفعه المصريون في ثورة ١٩١٩ وضحوا في سبيله بدمائهم وأرواحهم، حتي جاء هؤلاء الضباط ليرفعوا مكانه علماً لا معني له، ويعتبروا مصراً إقليماً في اتحاد لم يصمد للامتحان ثلاث سنوات، لا لأن الوحدة العربية خطأ، بل لأنها لا تتحقق إلا بالديمقراطية.
وكما أنزل الضباط العلم ألغوا الدستور واعتدوا علي استقلال الجامعة، وطردوا من عارضهم من الأساتذة، وحولوا الباقين إلي لامبالين أو مخبرين، وكمموا الصحافة، وحولوا الدولة كلها إلي جهاز للدعاية، وأعلنوا أنهم سيلقون إسرائيل في البحر، وهكذا حلت الهزيمة بنا ووقعت الكارثة، فمن المنطقي ألا يجد المواطن البسيط في نهاية المطاف إلا المتاجرين بالدين!.


لكن حركة يوليو تاريخ قديم، وقد مضي علي هذا التاريخ نصف قرن؟
ـ كلها تراكمات، فثرواتنا مرهونة بسداد الديون ودفع الفوائد، والملايين من الشباب المصري متعطلون يتسولون العمل هنا وهناك ويركبون الزوارق ليتسللوا إلي أوروبا، فيما يشبه الانتحار الجماعي وغيرهم يذهبون إلي دول النفط فيرتدون الجلباب والخف ويطلقون لحاهم ويتحدثون باللهجات الخليجية، ويستمعون إلي الأغاني الخليجية، ويفرضرون علي زوجاتهم النقاب!.


مرة أخري نلحظ أنك تضع دولة الإخوان في سلة واحدة مع دولة الضباط وكلتاهما اختارهما وأيدهما الشعب المصري بمحض إرادته قديماً أو حديثاً.. بمعني أن الشارع لم يعد يثق إلا في رافعي المصاحف؟
ـ لا، الضباط لم يصلوا إلي السلطة عن طريق الانتخاب بل عن طريق الانقلاب الذي شارك فيه الإخوان، فنصف ضباط الانقلاب علي الأقل كانوا من الإخوان، أما وضعي لهما في سلة واحدة فمرده أن غاية الجماعتين واحدة وهدفهما كان واحداً وهو اغتصاب السلطة، والصراع الذي نشب بين الضباط والإخوان كان صراعاً علي السلطة وهو صراع بين جناحين في معسكر مشترك، ولأن السلطة آلت للضباط فلقد تعاملوا مع الإخوان بمنتهي القسوة واعتقلوا بعضهم وشنقوا بعضهم فحولوهم إلي شهداء في نظر الناس الذين تصوروا هزيمة يونيو انتقاماً ربانياً لهؤلاء الشهداء.


ألا ينتابك ما ينتاب النخبة من تخوف إذا ما واصل الإخوان صعودهم؟ وما يستتبع هذا الصعود من انغلاق وتضييق لحريات الفكر والإبداع؟
ـ الدولة منذ زمن بعيد حققت أيضاً للإخوان ما أرادوا، وأضافت للدستور مادة جعلت من الإخوان مدافعين عن الدستور وهي المادة التي تقول إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين، وهناك تفاصيل أخري عن مقدمات صعود الإخوان، فلقد دخلوا بيوتنا عن طريق الزوايا التي أنشأوها في العمارات الجديدة، وتطور الأمر إلي أن الصحافة والإذاعة والتليفزيون قد تحولت تدريجياً إلي منابر للإخوان، ولسنا هنا مطالبين بأن نبحث عن شواهد تاريخية لأن كل الشواهد تدل علي أن الإخوان كانوا دائماً وراء مصادرة الرأي، وهم الذين يحرضون الناس علي المفكرين والمبدعين، وهم الذين أنشأوا معامل التطرف والإرهاب.
هذه المصادرات ليست وليدة اليوم وليست من صنع الإخوان فقط وإنما هي من صنع الأنظمة أيضاً..

أنت تعرضت للمصادرة التي بدأت معك من أول دواوينك «مدينة بلا قلب»؟
ـ نعم تعرضت كثيراً للمصادرة، ونعم أيضاً فالمصادرة لم تكن حكراً علي الإخوان فقط، وديواني الأول «مدينة بلا قلب» صودر في مصر عام ١٩٥٩، وأتفق معك في أن المصادرات ميراث طويل ومن المفارقات أن النظام العسكري بعدما قمع الإخوان تبني مواقفهم وقدم نفسه للشارع كبديل لهم، ولا يقل عنهم غيرة علي الدين، فهو يصادر «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، ويصادر مسرحية «الحسين شهيداً» لعبدالرحمن الشرقاوي ويمنع كتابي الأول من دخول مصر استناداً لأبيات من قصيدة قدم بها رجاء النقاش للديوان واعتبرها الرقيب خروجاً علي الدين.
في أحد مقالاتك في «الأهرام» وجهت التحية للرئيس مبارك علي مبادرة تعديل المادة ٧٦ من الدستور المصري، رغم أن التعديل كان يشمل مادة واحدة، وكان شكلياً، بل وتم الالتفاف عليه من قبل التشريعيين الرسميين.. ألا تري أن التحية جاءت سابقة علي التحقق من جدوي التعديل؟


ـ أظن أن المصريين جميعاً رحبوا بتعديل هذه المادة ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب لا بالاستفتاء، واعتقاداً منهم بأن تعديل هذه المادة خطوة علي الطريق إلي إصلاح سياسي شامل، وأظن أنني أول مثقف مصري يطالب الرئيس مبارك بالديمقراطية، وذلك في أول لقاء جمعني بالرئيس مع المثقفين العرب الذين دعوا عام ١٩٨٢ للمشاركة في الملتقي الثقافي العربي الأول.


وقد التقيت الرئيس بعد ذلك عدة مرات وكانت الديمقراطية وحرية التعبير هي موضوع الحديث، كما حدث في يناير الماضي بمناسبة معرض الكتاب، وقد قلت له في هذا اللقاء: إن الأوان قد آن لتتحول مصر من دولة أبوية أو بطريركية يكون فيها الحاكم والداً والمحكومون أطفالاً إلي دولة ديمقراطية يكون فيها الحكم تعاقداً حراً بين الحاكم والمواطنين الذين يختارونه ليؤدي وظيفة يحددها الدستور وهي العقد الذي يلتزم بأحكامه الحكام والمحكومون، وفي الكلمة التي ألقيتها نيابة عن المثقفين المصريين أهنئ فيها الرئيس بنجاته من المؤامرة التي دبرت لاغتياله في أديس أبابا كررت هذا المطلب، وقلت أمام الجميع إن تأييدنا للرئيس مشروط بتحقيق الديمقراطية، وأذكر أن الرئيس سألني في لقائي مع المثقفين العرب سنة ١٩٨٢ أي ديمقراطية تقصد؟ هل تقصد ديمقراطية فرنسا وإنجلترا؟ قلت له بل أقصد الديمقراطية التي كانت تنعم بها مصر قبل الحكم العسكري، فإذا كان الرئيس قد استجاب لمطالبنا ولو جزئيا ـ كما بدا لنا يوم أعلن مبادرته ـ فهو يستحق التحية، لكن التعديل والاستفتاء عليه والانتخابات التي أجريت علي أساسه كلها تؤكد لنا أن الإصلاح لم يتم، وأن كل شيء مازال علي حاله وإن اكتسب مسحة ديمقراطية زائفة وقد انتهت هذه التمثيلية باستيلاء الإخوان المسلمين علي ربع مقاعد مجلس الشعب!


ما رأيك في الشعار الذي رفعوه «الإسلام هو الحل»؟
ـ طبعا الدين عامة وليس الإسلام وحده هو الجواب عن الأسئلة المتصلة بعلاقة الإنسان بربه، وبمصيره بعد الموت، وبالخير والشر، والثواب والعقاب، لكن الدين ليس حلاً للبطالة وتدهور مستوي المعيشة وانحطاط التعليم والبحث العلمي، وتراجع الإنتاج الأدبي والفني، هذه المشاكل نحلها بالتفكير والعمل والرقابة الشعبية.


تحدثت عن ضرورة وجود مسافة بين النخبة والنظام، المثقف والمؤسسة الرسمية بل قلت إن النخبة تراجعت أو تراخت في لعب دورها الحقيقي بالنسبة للشارع والنظام الحاكم وقلت إن كثيرا من هؤلاء تحولوا إلي تكنوقراط وموظفين مع أن الكثيرين من جيل الرواد شغلوا وظائف حكومية كطه حسين والعقاد، ولم يعطلهم هذا عن دورهم المهم في مشروع النهضة وأنت الآن مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة وتكتب في صحيفة حكومية ألا ينسحب ما قلته عليك شخصياً؟
ـ «الأهرام» بالطبع مؤسسة تسيطر عليها الدولة، لكن كل كاتب فيها يحدد بما يكتب طبيعة علاقته بالدولة، فهناك من يكتفي بأن يكون كاتباً وهناك من يتجاوز هذا الحد، وأنا أكتب فقط لقراء أعرف أنهم ينتظرون ما أكتب و«الأهرام» يمنحني مساحة معقولة من الحرية، ولا شك أنه يحتاج لي كما أحتاج له، وأنا لست كاتباً بقرار من أحد، أنا كاتب بالحق الإلهي كما كان يقول العقاد، وما قلته عن وضعي في «الأهرام» ينطبق بالحرف علي وضعي في المجلس الأعلي للثقافة.


تدهشني علاقتك بوزير الثقافة، نحن نراكما صديقين حميمين، لكن الصداقة التي تربطك به لم تمنعك من مهاجمته.
ـ صحيح، فأنا تربطني بالأستاذ فاروق حسني صداقة حميمة وقديمة، وأنا أعرفه منذ حوالي أربعين سنة حين كان موظفاً في وزارة الثقافة، وقد توثقت علاقتي به في فرنسا، وتواصلت بعد عودتنا للوطن، ولا شك أنه فنان مستنير، وهناك الكثير الذي نتفق حوله، لكن هناك الكثير الذي نختلف حوله أيضاً.


مثلاً؟
ـ في اعتقادي أن علاقة الدولة بالثقافة تحتاج إلي مراجعة وإلي سياسة جديدة تتخلي فيها الدولة عن إنتاج الثقافة وتكتفي بدعمها ورعايتها، أفهم أن تكون دار الأوبرا والمسرح القومي مؤسسة تابعة للدولة، لأنها تنظر للفن لا للمكسب، وتضحي بالمال من أجل تثقيف الناس، لكن الدولة ليست مضطرة للإنفاق علي عروض مسرحية لا تختلف عن عروض المسرح التجاري، في النشر الدولة مسؤولة عن تحقيق التراث وإعادة نشره، وترجمة الموسوعات الكبري، ونشر الأعمال التي تتميز بأن قيمتها عالية وقراءها قليلون، لكنها ليست مضطرة لنشر ما تنشره الدور الخاصة، ولو أن وزارة الثقافة استغنت عن الذين لا تحتاج إليهم من الموظفين والمستشارين،

وخصصت ما تدفعه لهم من أجور ومكافآت وحوافز لدعم الإنتاج الأدبي والفني لكان هذا أفضل ألف مرة، وعلينا أن نتذكر أن مصر عندما كانت تنجب أمثال طه حسين والعقاد، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وأم كلثوم، وعبدالوهاب، والقصبجي، ومختار ومحمود سعيد، لم يكن فيها وزارة ثقافة
*نقلا عن المصري اليوم
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024