الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 03:00 ص - آخر تحديث: 07:17 ص (17: 04) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
المعينيون المدنيون الأوائل



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


المعينيون المدنيون الأوائل

السبت, 19-فبراير-2005
المؤتمرنت - عبدالله المعافري - ظل الاعتقاد السائد إلى فترة قريبة بأن مملكة معين القديمة هي أولى الممالك اليمنية القديمة؛ إذْ صنَّفها كذلك كثيرٌ من المستشرقين الأجانب وكذلك الدكتور جواد علي صاحب موسوعة المفصل في تاريخ العرب، وهناك أسباب موضوعية أدت إلى شيوع هذا الاعتقاد لفترة طويلة لعل من أهمها:
أن المدينة ظلت تزخر بكثير من المعابد القديمة التي كانت قائمة بشكل شبه كامل إلى مطلع الأربعينات عندما زارها كل من "هاليفي"، و"جلاوزر" وأحمد فخري ، حيث ألف الأخير كتاباً عن رحلته إلى اليمن بشكل عام وأفرد فيه أجزاء خاصة لآثار الجوف وكان عنوان كتابه "رحلة أثرية لليمن".
أما السبب الثاني: هو أنه إلى ذلك الوقت لم تجر دراسات أثرية علمية في اليمن بشكل كافٍ؛ بل لم تبدأ هذه الدراسات إلا منذ وقت قريب، مما جعل الاعتقاد يسود بأن مملكة معين هي الأقدم بين الممالك اليمنية القديمة.
وهذه المملكة شغلت آثارها -ولا زالت إلى اليوم -تشغل حيزاً كبيراً وهامّاً في علم الدراسات الأثرية والاستشراقية فانجذب نحو هذه الأوابد التاريخية آلاف السواح والمغامرين من شتى أرجاء المعمورة، لا لشيء سوى لأن هذه المنطقة التي لا تزال صامدة أمام عواتي الدهور وغارات البدو الباحثين عن الثراء واللا مبالاة من الجهات ذات العلاقة في ذات الآن، ظلت برغم كل ما سبق باقية وشاهدة على عبقرية الأسلاف وإهمال الخلف، تربض على احتياطي هائل من مخزون التراث الحضاري التاريخي الذي يعود لفترة الحضارة اليمنية الأولى.
وتعد الدولة المدنية الأولى والتجارية التي أرست في ربوعها نظام الحكم الفيدرالي بين مدنها الكبيرة التي شكلت حواضر المملكة الهامة، ومنها "براقش"، و"نشق"، و"هرم"، و"معين" مُشكّلةً نسقاً سياسياً معيناً فيما بينها أولاً وبين هذه المملكة الفتية من جهة مع مملكة سبأ وريدان من جهة أخرى في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية.
حسب رأي الآثاريين والمؤرخون المحدثين بعد أن بدأت الدراسات التاريخية والآثارية العلمية تجري في اليمن بشكل منهجي نوعاً ما عما قبل. فقال أحدهم يصف تلك الأوابد لصاحبه وهو يحاوره: إن علماء الآثار وعشاق المعرفة التاريخية ومنجزات الإنسانية القديمة بإخفاقاتها ونجاحاتها لا شك يتحرقون شوقاً لحل تلك الألغاز وإدراك كنهها الخفي الجذاب الذي يشدك وأنت تشاهد منطقة (حزام الجوف) الحالية التي تشغل مركز المحافظة حالياً. إذ تتراءى لناظريك آفاقاً رحبة واسعة من الأراضي الرملية شبه الصحراوية، التي تختزن تحت كل شبر فيها قصة وحكاية تمتد لفترة أربعة آلاف عام؛ يقل أو يزيد قليلاً، حافلة بالعطاء والخير والازدهار، انعكس في تلك الآثار النايفة التي لا زالت باقية تؤكد ذلك التألق والازدهار في لحظة توقف بها التاريخ ليستريح على تلك الرمال الناعمة من عناء السفر الطويل بين الممالك المتحالفة حيناً والمتنافسة أحياناً أخرى.
وفي غضون استراحته تلك كان حاضراً وشاهداً على ميلاد تلك الحضارة الإنسانية الرائعة، وبارك مظاهر عمرانها وأشكال فنونها الزخرفية التي لم تكن إلا احتفاءً بمقدمه ليبارك ميلادها، وكتابة سفر الخلود لمن شيدوه بصبر واحتمال ومثابرة؛ فكان من مظاهر تلك الحفاوة أيضا بناء المعابد وزخرفة جدرانها بالنقوش، وكذلك الحال بالنسبة لمداخل القلاع وأعمدة القصور وبوابات المدن. هذا ما رواه الراوي لصاحبيه وهو يحاوره بينما الآخر كان منصتاً وقد تراءت له الحصون والقلاع وهي ماثلة أمامه يراها رؤي العين. تعج بالمياه يملؤها النشاط والحيوية والناس في الأسواق يبتاعون ويشترون. فإذا به ينهره ليعيده إلى حفرته من سفرته وقد ركب بساط خياله قائلاً: أين أنت يا صاحبي؟
فأجابه وهو لا زال شارد الذهن ساهم النظرات: كنت أتجول في سوق شمر الذي كان أهم منجزات مملكة معين بقوانينه التي لا زالت سائدة إلى يومنا هذا في أسواقنا الأسبوعية في اليمن والتي تعقد في يوم معين من الأسبوع؛ فأتمنى أن تدوم وأن يحافظ عليها اليمنيون وخاصة القائمون على حماية التراث الحضاري؛
خاصة وقد اجتاحتنا موجة التطور الاستهلاكي؛ مما أدى إلى اندثارها وقيام مراكز تجارية في مدن جديدة قامت على نمط الاستهلاك العالمي؛ بالرغم من أننا شعب غير منتج وهنا الخطر الداهم.
فصمت برهة. وزَفَرَ زفرةً حكت حزنه العميق، ثم أردف قائلاً: أين كانوا وأين نحن منهم اليوم؟
قال له صاحبه -وهو يحاوره - يمكن للمرء أن يحفر حفرة في أية بقعة على هذه الأرض ليجد ما يرمز إلى ذلك المستوى الحضاري ماديّا وروحيًّا يعكس المستوى الحضاري الرفيع والمنظم في ذات الوقت؛ فكان فريداً في شبه الجزيرة العربية ولم يتكرر مرة أخرى؛ بالإضافة إلى المعابد التي توحي بأن التاريخ بجلال هيئته عندما رآها اطمأن إلى أن القوم مرتبطون بمدى الكون، فرحل مطمئنًّا مسروراً فخلفه الخير العميم في تلك الديار؛ حتى جاء أمر ربك القائل في محكم كتابه "وتلك الأيام نداولها بين الناس". صدق الله العظيم.
وما أن أنهى حديثه لصاحبه وهو يحاوره -حتى انحدرت الشمس نحوا لمغيب وتعامدت أشعتها الذهبية على تلك الرمال فبدت بساطاً ذهبياً يخلب اللب ويبعث في النفس الدهشة وحب البقاء في انتظار ليلة مقمرة. وتواعدا على اللقاء في وقت قريب لمشاهدة أطلال المدينة وأسوارها وأسواقها ودراسة قوانينها والاستمتاع بروعة نقوش المعابد، فكان الموعد غداً "إن غداً لناظره قريب". وجاء الموعد فوافى الزائرون المدينة للاستمتاع بمشاهدة الآثار العمرانية الباقية التي لا تزال تتحدى عوامل التلف على اختلافها منها سواء منها الإنسانية أو الطبيعية بفعل عوامل المناخ ومرور الأيام.
هذه الآثار توجد اليوم في مدينة "حزم الجوف" وهي عبارة عن قصور ومعابد بنيت بانماط هندسية بديعة؛ مثلث آية فنية في البناء والإعمار وحملت الكثير من النقوش؛ مما جعل المستشرقون- الذين زاروا مدينة الجوف منذ أربعيينات القرن العشرين يعتبرون أن مملكة معين هي أقدم الممالك اليمنية.
وربما صدقت المقولة المشهورة التي تقول" إن تاريخ الأمة الحقيقي هو تاريخ تمدنها وحضارتها لا تاريخ حروبها وفتوحاتها. لأن الأولى سعادة ورفاهية وعيش رغيد، والآخرى هلاك ودمار وخراب وموت زؤام وحياة زهيدة وشتان مابين الأمرين.
وقد تطرق العلامة الهمداني في كتابة الموسوعي الاكليل (ج *) لهذا المملكة التي تحدث عنها؛ فمن إطار الدولة الحميرية وتبعه نشوان الحميري إذا يقول الهمداني: و"من محافد اليمن – بَراقش ومَعين ( بفتح أولهما) وهم بأسفل "جوف أرحب" في أسفل جبل "هيلان" وهما متقابلتان فمعين بين مدينة "روتان" وبين "درب سراقة" وأما "براقش" فقائمة في أصل جبل "هيلان" وأسماء أهلها مكتوبة في حجارتها.
وفي معين يقول مالك بن حريم الدالاني الهمداني:
ونحمي الجوف مادامت معين: بأسفله مقابلة عِرادا
وقال فروة بن مسيك المرادي 0 صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَحلَّ يحابر جدي غُطيفاً. معين الملك من بين البنينا
وملكنا براقش دون أعلا وأنعم أخوتي وبني أبينا
وفي براقش يقول علقمة ذو جدن:
وقد آسو براقش حين أسوا ببلقعةٍ ومنبسط أنيقِ
وحلوَّا من مَعينٍ حين حلوا لعزِّ هم لدى الفجّ العميقِ
وقال أيضا:
وبراقش الملك الرفيع عمادها هجر الملوك كأنهم لم تهجر.
وقال غيره:
يقود بها ديَانها غير عاجز ثمانين ألف قادها من براقش
قالوا يألفي كاعبٍ مغرية على ابل مثل الضباع النواهش
كذلك قال ( السان اليمن)
وبالجوف سوى براقش، ومعين – البيضاء والسواء مأثرتان، فيهما آثار عظيمة وقصور أخرى في الجوف ومأرب يُقدنُ الناس منها الذهب القبوري ودنا نيرهم ودراهمهم عليها صور ( انتهي كلامه)
أما أول من تنبه من المستشرقين لهذه الدولة فكان ( هاليفي) الذي هداه الأكليل إلى مكانهم إذ وصل إلى صنعاء واصطحب معه دليلاً من يهود صنعاء كان اسمه يوسف ( حبشوش) فسارا إلى الجوف ووقف "هاليفي" على أنقاض" معين" وقرأ اسمها عليها وبجانبها" براقش" وقد بلغت النقوش التي اكتشفها "هاليفي" في زيارته إلى الجوف وحدها (303) نقوش، منها (79) نقشاً من معين (154) نقشا من براقش أو بالقرب منها و (70) نقشاً من السوداء وهي مدينة "القرنا" في النقوش و"قرنا" عند اليونانين، وكشف كذلك مدينة " نشق" التي تسمى اليوم البيضاء. وجميعها مدن معينية سيَّما ( براقش) واسمها وجد على أنفاضها.
وسموا تلك الدولة أو الأمة " المعينين" كما قرأها " هاليفي" على الآثار التي اكتشفها من خلال أسماء الملوك والهتها وعادات أهلها وغير ذلك، حتى لم يبقَ شك في أن المعينين ينسبوا إلى هذا المكان، وهذا الرأي هو المُعوَّل عليه. يجدر الإشارة إلى أن اسم مدينة ( قرنا السوداء) وهذا اسمها الحالي ورد ذكرها في سفر الأحبار في العهد القديمة باسم ( كمنا)
وممن زار هذه المملكة وأطلالها الرحالة ( جلازر) وأخذ عنها معلومات كافية وزارها محمد توفيق الأثاري المصري ورسم بعض ملامحها وزارها في الأربعينيات أحمد فخري وألَّف كتاباً أورد فيه مسعاً للحديث عن آثار معين والجوف ومدتها بشكل عام. وقد إمتد نفوذ هذه الدولة إلى حوض المتوسط والخليج العربي بمعنى أنها شملت الجزيرة العربية -وهذا صحيح إذا كانت مدينة ( العلاو) ديدان، الواقعة في الخرج شمال الرياض، محطة معينية على الطريق التجاري، بل انتشرت وذاع صيتها إلى بلاد اليونان التي كانت يستورد الطيوب من المعينين وقد كانوا قوماً تجاراً مثلهم مثل الحضارمة اليوم ويطلق عليهم المؤرخون حضارمة العصور القديمة اذْ وصلت تجارتهم كذلك إلى الأسكندرية وغيرها.
وقد بلغ ملوكهم (26) ملكاً يبدءون بالملك أب بدع ( 1-3 ) وآخرهم يشع كرب.
وقد ازد، هرت الدولة المعينية بين ( 1300-630 ق.م ) تقريباً حسب رأي العلماء وقد وردت أخبارها في الكتابات الكلاسيكية مثل كتابات ( بليني) واسترايون، وديودو الصقلي إذ أخبر "استرايون" أن عاصمتهم "قرنا" ( Carna) وامتاز المسرح الذي نشأت عليه بأنه أرض منبسطة خصبة (الجوف) ومما قاله "هاليفي" في خرائب الجوف المعينية أنه لا يوجد مكان ينافس الجوف لكثرة ما فيه من آثار وخرائب عادية على حد قوله.
وسوف نتحدث عن المعينيين خارج مملكة معين في الحلقة الثانية إن شاء الله.
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024