الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 12:38 ص - آخر تحديث: 11:05 م (05: 08) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
العرب و إدارة «المعارك الصغيرة»



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


العرب و إدارة «المعارك الصغيرة»

الثلاثاء, 22-فبراير-2005
بقلم : عمار علي حسن - قبل نحو خمسة عقود من الزمن ضربت أرجل العرب تحت قيادة مصر مناطق عدة في العالم، حيث خاضوا معركة التحرير الكبرى ضد الاستعمار حتى حمل عصاه ورحل. واليوم تغيرت موازين القوى، وتراجعت قدرات العرب الذين كان يقال أنهم القوى السادسة في العالم عسكرياً قبل أربعة عقود فقط، لتصبح إمكاناتهم مجتمعة في التسليح أقل من إسرائيل، وفي الاقتصاد أضعف من اسبانيا.

وفي عالم الترجمة والنشر أدنى من دولة أوروبية صغيرة فقيرة هي اليونان، أي إنهم فقدوا، إلى حين القدرة على إدارة المعارك الكبيرة في عالم الحرب والمال، ولم يعد أمامهم إلا أن يلتفتوا إلى الصغير من المعارك، فيحسنون إدارتها، ليجنوا فوائد سريعة ترمم الشروخ التي مزقت البنيان العربي على مدار العقدين الأخيرين.

فبدلاً من انتظار العرب لحظة تاريخية فارقة يستعيدون فيها جزءًا من مجدهم الضائع وحضارتهم العظيمة التي أهدت الدنيا عطايا مادية لا تنسى، ونفحات روحية لا تزال متوهجة، عليهم أن يعملوا بجد واجتهاد في سبيل تحسين أوضاعهم الراهنة بالقدر الذي يسمح لنظامهم الإقليمي بالبقاء على قيد الحياة.

أو على أقل تقدير الحيلولة دون تدهور أوضاعهم إلى الحد الذي يخرجهم تماماً من «زمام التاريخ» أو يؤدي إلى «إعلان وفاتهم» حسب ما قال الشاعر الشهير نزار قباني ذات يوم بقصيدة بكائية أبدعها في لحظة يأس جارف، تصور فيها أن الغد سيكون بالضرورة أسوأ من اليوم، وأن العروبة تسير، لا محالة إلى ذهاب أبدي.

فالصين ما ظن أحد أنها ستفيق من حرب الأفيون، وتسترد وعيها وتطلق طاقاتها في اتجاه المزاوجة بين ما في القيم التقليدية الكنفوشيوسية من جوانب أخلاقية وما في ثورتها الحمراء من اتجاه صارم وقوي إلى تهيئة المجتمع لحياة عملية مختلفة، ثم تقرر بعد الدخول في جدل عميق حول الملامح النهائية للأيديولوجيا وحدود التفاعل المرن مع العالم، أن تخط لنفسها بثقة طريقا مستقيماً، جنت منه ثروة طائلة، وحققت لبكين وجوداً اقتصادياً.

ومن ثم ثقافياً وسياسياً أحياناً، في كل مكان على سطح الأرض. فالصين لم تشأ ان تستمر في مناطحة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق في عالم التسلح الرهيب، بل امتلكت فقط في هذه الناحية ما يكفي للدفاع عن سيادتها الوطنية، ولم تجار القطبين الكبيرين ابان الحرب الباردة في بلوغ أجواء الفضاء الرحيب، بل قررت ان تبدأ من مجال هامشي ضئيل في عالم المال والقوة، لكنه بالغ التأثير في دنيا الحضور الثقافي والرمزي، ثم الاقتصادي فيما بعد.

وهو صناعة «لعب الأطفال»، التي لم تلبث ان اتسعت لتطوق مجالات صناعية تلبي الاحتياجات اليومية البسيطة للفرد والأسرة في أرجاء العالم كافة، من ملبس وأدوات كتابية وزينة وهدايا.. الخ، وأنجزت في هذه الناحية إلى الدرجة التي تثير حنق وحقد الولايات المتحدة.

أما الهند، التي اختارت العصيان المدني طريقاً للمقاومة في أداء عبقري قاده رمزها العظيم المهاتما غاندي، فإن توصلها إلى السلاح النووي لردع غريمتها التاريخية باكستان لم يدفعها إلى التلويح بهذه «القوة الخشنة» طريقاً لحيازة مكانة دولية، بل التفتت إلى إدارة معركة صغيرة كان انتصارها فيها مظفراً، بكل المقاييس، إلى درجة ان الدولة التي كانت تحتلها وهي بريطانيا، باتت في حاجة ماسة إلى الاستفادة من مظاهر هذا النجاح الهندي.

والمعركة التي اختارتها الهند بدأت بالسينما والموسيقى ووصلت الآن إلى عالم الاتصالات والبرمجيات. فإذا كانت الموسيقى الهندية قد اكتسبت شهرة عالمية بتفردها وسحرها وعذوبتها وخصوصيتها التي تنبت من ذائقة الهنود ووجدانهم، فإن سينما الهند خطت طريقها باقتدار، وفرضت أسواقها، ونافست السينما الأميركية في آسيا وأفريقيا، على وجه الخصوص، وباتت تشكل مصدراً مهماً من روافد الدخل القومي للبلاد، في وقت يزيد فيه الطلب يوماً اثر يوم على مهندسي ومبرمجي الكمبيوتر الهنود للعمل في أرفع المؤسسات الاقتصادية والعلمية الأوروبية.

على النقيض من ذلك يقع الخطاب السياسي والثقافي العربي، على اختلاف المناهل الفكرية والأيديولوجية التي ينبع منها، في فخ الينبغيات العريضة، فهو يطالب بمشروع نهضة كاملة وتمكن واسع ينتج مكانة وقوة دولية بارزة، دفعة واحدة، وفي سرعة فائقة. وهذا الطرح لا يعبر عن طموح بقدر ما يشي بتجاهل حركة الواقع وسنن التاريخ، وجهل في قراءة الإمكانات الراهنة للعرب، فتكون نتيجته إما الاستسلام للبقاء في الظل واستمراء الضعف والهوان بعد تكرار الفشل في تحقيق نجاح كاسح دفعة واحدة، أو الميل إلى التفسير التآمري لكل شيء، وكأن العالم لا شغل له سوى الكيد لنا.

لقد حان الوقت للعرب، الشعوب قبل الأنظمة والناس قبل الحكام، ان يلتفتوا إلى المعارك الصغيرة فيخوضونها بثقة واقتدار، بدءاً من معركة تغيير الصورة النمطية المغلوطة عنهم، التي تطفح بها مناهج التعليم ووسائل الإعلام الغربية، وانتهاء بتقديم اسهام ولو بسيط في حركة الحياة المائجة، قد يكون في تلبية احتياجات الباحثين عن «الامتلاء الروحي» وما أكثرهم على سطح الأرض، وما أحوجهم لبساطة ومنطقية وسلاسة العقيدة الإسلامية بتبنيها التوحيد.

ويجب ان يسعى العرب إلى فرض احترام الموسيقى الشرقية الخالصة، التي تنفرد باكتمال لحني لا يتوفر لنظيرتها الغربية، أو غير ذلك من مجالات حياتية تبدو، على قوتها وأهميتها، بسيطة في نظر المتعجلين، الذين لا يرون الانجاز إلا من خلال دق طبول الحرب.

comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024