الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 05:01 ص - آخر تحديث: 04:47 ص (47: 01) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
الحركات الاسلامية كيانات بلا وطن



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


الحركات الاسلامية كيانات بلا وطن

الأربعاء, 20-أبريل-2005
ماجد الغرباوي - ثمة شكوك تعصف بمصداقية الولاء الوطني للحركات الاسلامية، شكوك مبررة، لا يمكن تفاديها الا بمراجعة نقدية صارمة لمرتكزات وثوابت العقل الحركي ذاته، نقد لكل المرتكزات الفكرية المسؤولة عن انتاج قيم الولاء. وهي مهمة صعبة تتطلب نقد البنى الفكرية وتفكيك انساقها ومن ثم اعادة تشكيل العقل الحركي بشكل يعمق ولاءها الوطني، ويقدم فهما جديدا للدين لا يصادر هذا الولاء وانما يجذره في نفوس افرادها. واساس الشك في مصداقية ولاء الحركات الاسلامية للوطن هو قوة وعمق ولائها الديني الذي يصل حد تهميش الوطن واستباحة مقدساته، عندما يتقاطع الولاءان او يتصادما. فهناك فهم خاطئ لقيم الولاء هو السبب وراء اللبس في ترتيب وتفاضل الولاءات. فللحركات الاسلامية مقاييسها الخاصة لمعنى الولاء تختلف بها مع أي اتجاه فكري آخر. وثقافة الحركات الاسلامية عموما تقوم على الولاء للدين من منطلقات دينية، بينما لا تحفل الادبيات الحركية بالاهتمام ذاته في مسألة الوطن مهما كان حجم المبالغات الاعلامية، اذ ليس لديها اسس فكرية وعقدية ترتكز اليها في صياغة الولاء الوطني. لهذا هي لا تثقف على ولاء الوطن كوطن، ولا تزرع حبه في نفوس اتباعها ومريديها، ولا تردد اسمه في اناشيدها وادبياتها، واذا كانت هناك مفردة او اثنتان للوطن فتقصد به الوطن الاسلامي كما يرسمه المخيال الحركي. وهو باختصار وطن لا تحده حدود، وانما يمتد بامتداد الاسلام في كل مكان، ويعلو سلطته خليفة الله، ويمثل فيه افراد الحركات الاسلامية جند الله الأمناء في ارضه. ففكرة الوطن فكرة خيالية لا تساهم في تشكيل هدف واضح تتحرك على هديه الحركات الاسلامية. فكرة هي نتاج ثقافة ميتة، ثقافة تنتمي الى واقع يختلف في ظروفه مع واقعنا. لكن العقل الحركي لا يستفيق، ويبقى اسيرا لاوهام الماضي، واصراره على رفض الحاضر.
الوطن في نظر الحركات الاسلامية كغيره من البلدان يخضع لمقاييس دينية لا وطنية، فهو اما دار حرب او دار اسلام، ولا يتقدم ولاء الوطن على ولاء الدين حينما يتقاطعا او يتصادما. بل العكس دار الحرب ارض مستباحة، لا تتمتع بحصانة، ولا قيمة، ولا يجوز موالاتها، وانما الولاء الحقيقي لدار الاسلام فقط، فلا مانع امام الفرد الحركي حينئذ ان يكون عميلا لصالح بلد آخر على حساب بلده، لا مانع ان يتجسس على وطنه وشعبه لصالح وطن وشعب آخر، لا ما نع الاطاحة بحكومته لصالح حكومة اخرى، لا مانع الاخلال بالامن لاجل امن بلد آخر، لا مانع بضرب مصالح وطنه الاقتصادية والحيوية من اجل اضعافه امام البلد الاخر. وهذا اخطر ما في المسألة. فكيف يمكن الاطمئنان لحركة اسلامية داخل السلطة او خارجها، وهي تحمل بين جنبيها ولاء مضادا لولاء الوطن، او انها تكن بولائها الى بلد آخر، وحكومة اخرى؟. ليست المسألة عداء او تحريضا ضد أي حركة اسلامية، وليست هناك مؤامرة تقوم بها حركة اسلامية ضد وطنها، ولا نمتلك ارقاما ندين بها ايا من الحركات الاسلامية في العالم. وانما القضية مرتبطة بالفكر والعقيدة التي تتبناها الحركات الاسلامية. فمقتضى هذا الفكر هو تقديم ولاء الدين على ولاء الوطن، لان ولاء الدين لا يضاهيه ولاء، ولا يتقدمه ولاء. لا قيمة للوطن واهله امام الدين. هكذا تفهم الحركات الاسلامية. لا قيمة لأي شيء امام الدين. وانما هناك فرد متدين في مقابل فرد غير متدين او ملتزم بالدين. وهناك دولة اسلامية ترتكز الى قيم الدين ودولة لا ترتكز الى الدين في قوانينها وانظمتها. فمعنى الولاء للدين هو الولاء الى هذا الفرد او هذه الدولة وهذه الارض.
لكن اي مشكلة ان يكون ولاء الفرد او الحركة لدينه؟ هل في ذلك عيب او منقصة يؤاخذ عليها الشخص او الحركة؟ أليس القران يقول انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا؟ فلماذا ننتقد الولاء الوطني للحركات الاسلامية؟ أليس المفروض تشجيعها على ذلك ما دامت تتخذ من كتاب الله منهجا في حياتها؟
لا مشكلة في موالاة الله ورسوله والذين آمنوا، لكن المشكلة في لوازم الولاء بهذا النمط من الفهم المطلق، فلازم الولاء كما تفهمه الحركات الاسلامية، لا كما هو الفهم القرآني له، ان تقف هذه الحركات الى جانب الدولة الدينية اذا نشبت بينها وبين الوطن حرب او صراع. ان تتجسس على بلدها اذا كان في ذلك مصلحة للدولة الدينية. ان تتستر على ما يفعله عملاؤها في الوطن بل تسهيل مهمتها، لان تحدي ارادتها حرام شرعا وخلاف للولاء الديني. وسلسلة اخرى من الملازمات التي تتآمر على البلاد باسم الدين والولاء الديني. وهذا سبب هواجسنا وقلقنا، وهو قلق مبرر ينبغي للحركات الاسلامية اعادة فهم الولاء الديني بشكل يخرجه عن دائرة الشك في الولاء الوطني لها. واعتقد اصبح واضحا لماذا تستبيح بعض الحركات الاسلامية المتطرفة بلدانها وتمارس العنف ضدها بهذه الطريقة المفجعة، تتجاوز على الصالح العام، تستبيح اموال وثروات الوطن، تستهين بقيمه ومقدراته. السبب في ضعف بل تلاشي الولاء الوطني. ربما لهذه الحركات مشكلة مع هذه الحكومة او تلك، وربما تجد ما يبرر العمل ضد حكوماتها او تريد تحرير بلدها من ربقة سلطة دكتاتورية ظالمة، لكن لا يجب التهاون في ولاء الوطن واستباحة حرمته باسم الولاء الديني، او التآمر عليه لصالح دولة اخرى باسم انما وليكم الله ورسوله والمؤمنون. الولاء لله وللرسول والذين آمنوا لا يستلزم خيانة الوطن او الاستهانة بمقدراته بحجة الولاء وانما حب الوطن من الايمان. ولا يستلزم اضمحلال الولاء الوطني بهذه الدرجة المفجعة. انما وليكم الله ورسوله تعني طاعة الله ورسوله وحبهما وعدم التآمر عليهما، بينما طاعة اولي الامر مقيدة بطاعة الله ورسوله كما في آية فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول. الامر متعلق بالاوامر والنواهي الالهية، ولا يستلزم الاستخفاف بالوطن او التعامل معه على اساس انه جزء من دولة مفترضة هي دولة الخلافة، والحركات الاسلامية تعمل على التمهيد لظهورها..

مع مفهوم الولاء

هناك ما يبرر هذا الفهم لقيم الولاء لدى الحركات الاسلامية. فهي حركات لا تجيد الاجتهاد وربما لا تؤمن به، وتعتمد التقليد في فهم الرسالة واحكامها. فكان لانكفائها المقرف على تراث مرحلة تاريخية لها ظروفها وشروطها الخاصة اثار سلبية تجلت في مظاهر العنف والتخلف وعدم الاستقرار. والانكى من ذلك انها لا تعي ما تأخذ من التراث، ففكرة ارض الاسلام وارض الكفر، التي كانت احد الاسباب الرئيسية وراء تلاشي الولاء الوطني هي فكرة سلطانية، بلورها فقهاء السلطة لاهداف سياسية تخدم الخلفية الاسلامي وتهيأ له مبررات غزو البلاد الاخرى والتحريض ضدها. وليس لهذه الفكرة بهذا القدر من الاحكام المترتبة عليها جذر ديني (آية او رواية) يمكن ان يكون دليلا شرعيا لها.
والسبب الآخر ان هذه الحركات مازالت تقدس التاريخ ولم تفكر بشروطه الموضوعية، فالدولة الاسلامية التاريخية كانت نتاج ظرف تاريخي، وليس تجسيدا لحكم شرعي. وليس هناك نص يفترض وجود دولة تتسع لجميع المسلمين ويحكمها حاكم واحد، بل هناك مفهوم الامة، وهو لا يستلزم وجود ارض مشتركة او حكومة واحدة، وانما يصدق المفهوم بوجود مشتركات دينية فقط. غير ان الحركات الاسلامية ما زالت تعتقد بقدسية التجربة التاريخية وحجيتها، فهي لم تع شروطها التاريخية. من هنا ما زالت الحركات الاسلامية تقدم فهما لا موضوعيا عن مفهوم دولة الخلافة او دولة الولي الفقيه، فهما لا يلامس الواقع ولا يدرك حقائقه. وكأن هذه الحركات تعيش في عالم آخر، وليس على ارض فيها شعوب ودول مختلفة، ولكل شعب ودولة خصائصها التي تميزها عن غيرها، فكيف نفرض على جميع الدول الاسلامية حاكما واحدا، ونظاما واحدا، وقانونا واحدا؟ هل يصح للايراني او الافغاني او الهندي ان يحكم شعبا عربيا لا يفهم شيء من لغته وعادته وتقاليده، ولم يرتبط بتاريخه وارضه؟ او بالعكس كما لوحكم العربي غيره من الشعوب الاخرى. كيف نغذي هذا الحاكم بقيم الوطن كي يكون حريصا على مصالحه؟ فهل الوطنية شيئا مكتسبا، ام انها امر هامشي؟.
لقد افضى هذا اللون من التفكير الى تهميش الولاء الوطني، ووضعه في مرتبة متأخرة عن الولاء الديني. ولم تتراجع عنه الا بعض الحركات الاسلامية تحت ضغط الواقع كما حصل بالنسبة للحركات الاسلامية العراقية التي عاشت ربع قرن في كنف الدولة الاسلامية. اذ كان كل فرد وصل الى ايران يحمل عن مفهوم الدولة الاسلامية صورة خيالية، فهو يعتقد بقدسيتها وحرمتها، وحقها في التمدد خارج حدودها لتبسط سلطانها على ارض الاسلام في كل مكان، وانها دولة اسلامية لا تفرق بين مسلم واخر، وتقيم انظمتها وقوانينها على الاسلام، فيجب احترامها والدفاع عنها بل والاستماتة من اجلها. وبالتالي فان الحركات الاسلامية العراقية ستتبوأ مكانة متميزة. هكذا كان يتصور العراقيون، لكن الصدمة كانت هائلة، ومدمرة، غير اني اعتبرها درسا بليغا بصر الحركات الاسلامية بالواقع والحقيقة. كان العراقيون يستنكرون على الايرانيين تمتع الانسان الايراني غير المسلم (المجوس، المسيح، اليهود) بجميع حقوق المواطنة، بينما لم يحصل العراقي على أي من حقوقه الانسانية قبل الدينية في دولة الاسلام. (لسنا بصدد كتابة مذكرات هي مجموعة جراح وآلام، وقد استبشرنا خيرا عندما اخبرنا الاستاذ غالب الشابندر انه بصدد كتابة مذكراته في ايران التي لم تدم الا 4-5 سنوات كما اعلم). بينما الحقيقة ان الايراني ايا كان دينه هو ابن البلد وله جميع حقوق المواطنة، وليس العراقي سوى اجنبي يعيش على ارض ايرانية، وكل ما يحمله من مفاهيم هي محض خيال لا صلة له بالدين والواقع. لذا سرعان ما افاق حزب الدعوة الاسلامية فكانت ضريبة ذلك التشرد والتشرذم والقلق المستمر. فقد دافع هذا الحزب عن الايرانيين في بداية الحرب فترة وجيزة جدا، عندما توغل الجيش العراقي الى مشارف الاهواز، دافع عن الايرانيين، دافع عن النساء والاطفال سيما عرب الاهواز، عندما كان العراقيون داخل الاراضي الايرانية وفي العمق. لكنه سرعان ما انسحب، وبقي متهما في ولائه الديني حتى خرج من ايران. فكان اكتشاف حزب الدعوة لمصداقية المفاهيم يعود الى بداية الثمانينات من القرن المنصرم، ومنذ ذلك الوقت بدأ يبلور تصورات جديدة عن الوطن والمواطنة كلفته الكثير من حياته ومكانته، لكنها كانت خطوة رائدة في مسار الحركات الاسلامية. واعتقد سوف لن تتعظ بقية الحركات الاسلامية الا اذا واجهت نفس الواقع الذي عاشته الحركات الاسلامية في ايران. فكفى خيالا ايه الحركات الاسلامية وتعاملوا مع الواقع ومن خلاله لتكونوا بشرا سويا. فطالما اثارت مسألة التثقيف على حب الوطن انتباهي، وطالما ناقشت الموضوع مع من اثق بفكرة وعلمه من اصدقائي منذ اكثر من عشرين عاما. انه لامر غريب ان يهمش الولاء الوطني ويتلاشي الانتماء للوطن. انها الحقيقة فلنتكلم بها علنا.

[email protected]

عن موقع ايلاف
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

محمد "جمال" الجوهريقراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)

28

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالسِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم

22

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024