السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 12:36 ص - آخر تحديث: 11:02 م (02: 08) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
العلاقات اليمنيـة–الأمريكيـة وآفاق الاستراتيجية السياسية



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


العلاقات اليمنيـة–الأمريكيـة وآفاق الاستراتيجية السياسية

الثلاثاء, 08-نوفمبر-2005
بقلم/ نزار العبادي - علاقات ما قبل الوحدة:
بلغت العلاقات اليمنية – الأمريكية ذروة تطورها في الثمانينات بعد أن وجد الطرفان أن بينهما من القواسم والمصالح المشتركة ما يشجع على تنمية أوجه التعاون، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مطمئنة لمصالحها البترولية والاستثمارية في منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية (أغنى بقاع العالم بمصادر الطاقة) في ظل استمرار المد الماركسي بالمنطقة؛ وتواصل الحرب بين شطري اليمن – خصوصاً مع رغبة نظام الشطر الجنوبي بإسقاط نظام الحكم في صنعاء وتصدير الماركسية إلى دول الجزيرة العربية ثم الخليج العربي – وهو ما يعني انتصار المعسكر الاشتراكي ( الاتحاد السوفيتي) في ضرب المصالح الأمريكية. وحرمان المعسكر الرأسمالي من مصادر الطاقة، باعتبار أن السوفيت كانوا مصدر التمويل والدعم الرئيسي لنظام الشرط الجنوبي آنذاك.
وبدا واضحاً أن الولايات المتحدة كانت تدرك أهمية اليمن في المعادلات السياسية الدولية للمنطقة وهو ما دفع البيت الأبيض للموافقة على بيع سلاح بقيمة (400) مليون دولار – بتمويل سعودي – إلى حكومة صنعاء أبان حرب 1979م بين الشطرين، كما وقع الرئيس "جيمي كارتر" مذكرة الى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" لإرسال صفقة سلاح متأخرة منذ أغسطس 1978م بقيمة (138) مليون دولار، تشمل على (13) طائرة ( إف/5)، (64) دبابة ( إم/60).
ولكن التسويف في تسليم اليمن الأسلحة التي تم التعاقد عليها وتأخرها الى بعد إبرام "اتفاقية الكويت" بين الشطرين، دفع الرئيس علي عبد الله صالح إلى عقد صفقة مع روسيا بقيمة (600) مليون دولار، وهي أكبر صفقة في تاريخ اليمن، وقد مثلت خطوة ذكية وشجاعة من الرئيس سرق بها أضواء المجتمع الدولي، وحفز الولايات المتحدة على مزيد من الاهتمام والتركيز على اليمن، والتعامل مع قيادتها بمنطق سياسة الكبار.
ومنذ عام 1982م تنامت علاقات البلدين سريعاً، وآخذت الإدارة الأمريكية تبادر إلى مساعدة اليمن عسكرياً سنوياً بتقديم دعم قيمته (11) مليون دولار لأغراض التدريب والصيانة، بجانب دعم النشاط الاقتصادي والتنموي اليمني بمساعدات بلغ متوسطها السنوي ما بين (25-30) مليون دولار، غير القروض الأخرى. وفي عام 1984م باشرت شركة "هنت أويل" الأمريكية أعمال التنقيب عن الثروات البترولية اليمنية، وحققت نجاحاً في ذلك.
أما على المستوى الدبلوماسي، فقد قام نائب الرئيس آنذاك "جورج بوش" بزيارة إلى صنعاء عام 1986م – وهو أرفع مسئول أمريكي يزورها عبر التاريخ – وكان ذلك بمثابة اعتراف مبكر للدولة العظمى الوحيدة بالدور المستقبلي والمتنامي للدولة اليمنية... إلاّ أنه عندما تسلم "جورج بوش" الرئاسة عام 1989م أصر على دعوة الرئيس علي عبد الله صالح أولاً. فكانت مفاجأة أذهلت المسئولين في الخارجية الأمريكية.. فالرئيس صالح هو أول رئيس يمني يزور الولايات المتحدة، وقد حظي خلالها باستقبال متميز من كبار مسئولي البيت الأبيض ، و"الكونغرس"، و"البنتاغون"، وزار خلالها "نيويورك"، و"سان فرانسسكو"، و"دالاس".
إن السياسة الانفتاحية على الولايات المتحدة، وما تمخض عنها من اتفاقيات وارتباطات ومصالح مشتركة لم تكن فقط عاملاً مساعداً في تفجير الطاقات التنموية اليمنية، بل كانت أيضاً رصيداً مهماً لليمن على طريق مشروعها الوحدوي، فمباركة الولايات المتحدة لجهود إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين صنعاء وعدن – رغم أن نظام عن كان ضمن قائمة الأنظمة الإرهابية في الحسابات الأمريكية – أعطى الوحدة دعماً معنوياً أولاً، وهيأ لها غطاءً دولياً يثير حفيظة أعداء الوحدة، ويحول دون إقدامهم على أي نشاط قد يعرقلها أو يفشلها، ما دامت هذه الوحدة ستدخل ضمن استراتيجيات السلام الإقليمي والدولي الذي يرفع درجة اطمئنان الولايات المتحدة الأمريكية على مصالحها في المنطقة.

الوحدة وأزمة الموقف:
بعد الاجتياح العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990م، لم يكن ليخطر على بال أحد أن تجازف اليمن بكل مصالحها مع الولايات المتحدة، والدعومات الاقتصادية والسياسية المقدمة لها بتصويتها ضد قرار مجلس الأمن الدولي (661)، وأن تصر على مواقفها رغم الضغوط التي حملها "جيمس بيكر" وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارته لصنعاء بقصد ثنيها عن موقفها القومي.. ورغم التهديد الذي تلقاه "عبدالله الأشطل" ممثل اليمن لدى الأمم المتحدة قبيل التصويت على القرار – بأن بلاده "ستدفع ثمناً غالياً إذا ما وقفت في طريق الإرادة الأمريكية".
ويعد ذلك الموقف بمثابة التجربة العملية التي يمكن الرجوع إليه عند محاولة فهم طبيعة العلاقات الخارجية اليمنية، وأولوياتها في صنع القرار السياسي، وهي مسألة – وإن كانت تضع قيادة اليمن في زاوية حرجة وتكبدها هموم معالجة تبعات الموقف – أضفت على ساحة علاقاتها الخارجية حالة من الثقة والمصداقية بالمناهج المعلنة لثوابت السياسة الخارجية، ما لبثت أن عمقت الارتباط السياسي باليمن، ومدت المزيد من جسور التعاون، وتبادل المصالح معها، ليس فقط من قبل دول أوروبا وأفريقيا، وشرق آسيا، وروسيا، والصين، بل حتى من قبل الولايات المتحدة التي سرعان ما راجعت حساباتها بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، وعبرت عن امتنانها من (عدم تهور الحكومة اليمنية، ولرفضها استخدام أراضيها لصالح العراق أسوة بغيرها من قوى الصراع). فيما وصف الفرنسيون الموقف اليمني بأنه ( تعقل يمني).
ومن هنا جاءت عودة اليمن ثانية إلى الساحة الدولية بزمن قياسي مذهل إلى الحد الذي تفاجأت به القيادات الانفصالية في عدن أبان حرب صيف 1994م، حيث وجدوا أن الولايات المتحدة كانت أكثر ثقة واطمئنان لوجهة نظر الرئيس علي عبدالله صالح، وإرادته السياسية من نائبه علي سالم البيض.
وطبقاً لدراسة أعدها الباحث الأمريكي "مايكل هدسون"، فإن هناك أربع نقاط رئيسية يرتكز عليها الموقف الأمريكي الداعم والمساند لسياسة الرئيس علي عبد الله صالح، وهي:

أولاً: قناعة واشنطن بأن الرئيس صالح قادراً فعلاً على تدعيم السلام في الشرق الأوسط.
ثانياً: أنه أيضاً صادق في نواياه لحل الخلافات الحدودية مع جيرانه سلمياً – عبر بوابة الحوار الإيجابي.
ثالثاً: أنه لا يسمح بتنامي الحركات الإرهابية أو المتطرفة على أرضه.
رابعاً: أنه جاد في التزاماته لشعبه بالقيام بإصلاحات اقتصادية ليبرالية، وقطع أشواطاً عريضة على المسار الديمقراطي.

وبذلك تنامت علاقات البلدين، وحرصت الجمهورية اليمنية – أسوة بغيرها من دول العالم بما فيها الأوروبية الصناعية – على الاستفادة من مخرجات شراكة واضحة مع الولايات المتحدة تعود بالنفع على البرامج التنموية الحيوية عبر مزيد من الاستثمارات الأمريكية، والقروض طويلة الأجل، والمساعدات التكنولوجية، والعلمية والخبرات والمنح المختلفة علاوة على الدعم السياسي الخارجي في المحافل الدولية.

وفاق المصالح وفصام الموقف:
إن ذلك اللون من التعاون والشراكة كان سيصب في غير تأويلاته الحقيقية لو أنه أخل في معادلات التوازن الخارجية للعلاقات اليمنية – الدولية مع بقية القوى السياسية والاقتصادية في العالم، أو لو أن تلك العلاقات نمت على حساب اعتبارات مبدئية، واستراتيجيات أمنية قومية.. لكن في ظل واقع اليمن اليوم تنتظم على الساحة سلسلة من المصالح والعلاقات المتينة مع مختلف بلدان العالم.
كما أن القيادة السياسية لليمن دأبت على وضع أقدامها على أرضية صلبة من المواقف المشرفة، دونما تردد في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الدموي، ومعارضتها للسياسة الأمريكية الداعمة لوجوده، ورفض سياستها الجائرة على الشعب العراقي والسوداني والليبي وغيرها. وليس بالإمكان الوقوف على مثل أفصح واجرأ من وقفة الرئيس علي عبد الله صالح على منبر قمة الألفية الثالثة في نيويورك وتوجيه انتقادات لاذعة للسياسات الأمريكية الظالمة، التي تكيل فيها بمكيالين.
لقد كان خطأ فادحاً أن يزج البعض الموقف اليمني الرسمي من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب إلى أسواق المزايدات، والمكايدات السياسية الضحلة، كما لو أن الحالة برمتها مجرد وضع سياسي طارئ تطرق بمفرداته للأدبيات السياسية اليمنية للمرة الأولى؛ في حين تكشف الوثائق التاريخية أن مسألة الإرهاب احتلت موضعاً مؤلما على صفحات التاريخ السياسي اليمني، الذي أُريقت خلاله دماء المئات من اليمنيين الأبرياء على طرفي المناطق التشطيرية السابقة طمعاً في مكاسب سلطوية وفئوية ضيقة..
إذا كان لا بد من استقراء السلوك السياسي اليمني إزاء الإرهاب ضمن السياقات التاريخية للحالة نفسها، في أن واحد من استيعاب أنموذج العلاقات القائمة مع الولايات المتحدة ضمن خصوصياتها التي تمليها حالة الانتماء للمجتمع الدولي والاندماج لهرم الأولويات والمصالح، والثقل السياسي، والاستراتيجيات الوطنية للدولة.
إن التعاون الأمني بين اليمن والولايات المتحدة في تعقب الجيوب الإرهابية والذي وصفته بعض الأوساط – بسذاجة- على أنه خدمة مجانية تمس سيادة الوطن، لا تبدو لنا كباحثين غير يمنيين إلا خدمة تسديها الولايات المتحدة لليمن، بعد أن التقت مصالح الطرفين على التخلص من براثن هذا السرطان القاتل، الذي يفتك بالتجمعات البشرية الآمنة بلا رافة، ويدمر الممتلكات ، ويعطل النشاط التنموي، ويفسد بهجة الحياة.
قد يرى البعض في العمل الإرهابي سبيلاً للانتقام من الولايات المتحدة من خلال الإضرار بمصالحها الاقتصادية، لكن الواقع أثبت العكس تماما.. فابتداءً بالهجوم على المدمرة الأمريكية "كول"، ثم الناقلة الفرنسية " ليمبرج"، واستهداف السفارات الأجنبية وتفجير أنبوب البترول، وصولاً إلى اختطاف السياح والعاملين الأجانب في اليمن، وغيرها من الجرائم الإرهابية، كلها لم تلحق ضرراً بمصالح الأمريكيين بأي قدر يمكن لنا مقارنته بالخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد اليمني جراء تراجع الاستثمارات الخارجية، وانحسار السياحة، وإلحاق الضرر بالثروة السمكية، وتحمل الدولة عبء دفع تعويضات عن الدمار الذي لحق بالناقلة "ليمبرج"؛ إضافة إلى تدني مردودات المغتربين، وتراجع فائض الميزانية العامة، ناهيكم عن الصيت السيئ الذي أحاق بالمجتمع اليمني ولوث سمعة إنسانه بممارسة وحشية للغاية.
لا اعتقد أن من الكياسة أو الإيمان، أو الأخلاق التباكي على من يفجر أنبوباً بترولياً ليحرم أبناء شعبه من الانتفاع من عائداتها، ببناء مدرسة أو مركز صحي، أو شق طريق..الخ!! ولا أسف على من يختطف أو يقتل سائحاً أغرته حضارة اليمن وكرم أهلها وجمال طبيعتها فطمع بذلك ونزل ضيفاً على أهلها، ولا التباكي على من فجر الناقلة الفرنسية رغم كل ما تقدمه فرنسا من دعم لليمن، ورغم الاحترام الشديد الذي يكنه الفرنسيون للشعب اليمني.
لكن من المؤكد أن ما تقوم به الحكومة اليمنية اليوم نابع من قناعة لاستئصال الخبث الإرهابي بعد أن صار سرطاناً قاتلاً لا علاج له غير البتر النهائي.. ولو بمساعدة خبرات وتقنيات أمريكية على غرار ما يفعله زعماء الحركات الإسلامية في العالم حين يسافرون إلى أمريكا وغيرها للعلاج من مرض خبيث استعصى على بني ملتهم وقومهم..!!
كم هو غريب أمر بعض المسلمين يحللون رفع الأذان بمكبرات صوت أمريكية الصنع، واستئصال ورم خبيث من أجسادهم بيد جراح أمريكي. والاغتراب والعمل في مدن أمريكية ، وشراء حلوى أمريكية لأطفالهم، وحمل سلام أمريكي على أكتافهم لتعظيم شأنهم.. لكنهم يحتجون على حكومتهم إذا استعانت بالجراحة العسكرية الأمريكية لاستئصال الإرهاب .. رغم أنه الداء الأكثر فتكاً بالبشرية..!!
وعل كل حال فإن الزيارة التي يقوم بها الرئيس علي عبد الله صالح اليوم إلى الولايات المتحدة تمثل حلقة في سلسلة العلاقات الهادئة بين البلدين ، وأن من شأنها تلبية احتياجات يمنية – أمريكية عديدة ؛ فاليمن بحاجة إلى مزيد من الدعم الأمريكي والمساعدات التي تجعلها قادرة على الإيفاء بأدوارها في هذه المرحلة – سواء ترسيخ الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ، أو مكافحة الفقر وتسريع التنمية الاقتصادية ، باعتبار أن الفقر أحد أهم أسباب نشوء الظاهرة الإرهابية في العالم ، فضلاً عن حماية الحدود من تسلل الإرهابيين ، والمهربين ، وتأكيد أمن وسلامة الملاحة البحرية الدولية من القرصنة.
ولا شك أن هذه الاحتياجات بقدر ما هي ضرورية لليمن فإنها ضرورية للولايات المتحدة إذا ما أرادت تأكيد ريادتها للديمقراطية والحريات في العالم ، وحماية مصالحها الاستراتيجية ، ومكافحة التطرف والإرهاب الذي ظل يهدد استقرار العالم ، وسلام شعوبه.. وإذا ما أرادت الحفاظ على قدر جيد من العلاقات مع هذا البلد الاستراتيجي الذي يتوسط قلب العالم، ويؤدي أدواراً إيجابية للغاية على نطاق إقليمي ، ودولي.

[email protected]
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالمؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني

01

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024