الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 02:20 م - آخر تحديث: 11:21 ص (21: 08) بتوقيت غرينتش
Almotamar English Site
موقع المؤتمر نت
في مسألة الفساد



خدمات الخبر

طباعة
إرسال
تعليق
حفظ

المزيد من قضايا وآراء


عناوين أخرى متفرقة


في مسألة الفساد

الخميس, 13-أبريل-2006
بقلم/ نصر طه مصطفى - لا أظن أن هناك شخصا سوي النفس والضمير يرضى بأن يدمر الفساد بشتى صورة حياتنا وحياة أبنائنا وأحفادنا من بعدنا ، وكذلك لا أظن أن هناك شخصا سوي النفس والضمير يقبل أن يمارس الفساد وبالذات ذلك النوع من الفساد الذي ينعكس سلبا على حياة المجتمع كله حتى لو كان صاحبه يمارسه متسترا ... فالفساد المالي والإداري مهما تستر ممارسوه عليه لابد أن ينعكس سلبا على المحيط الوظيفي والاجتماعي سواء بسواء ومن ثم سيرى الناس آثاره السلبية عليهم وإن لم يستطيعوا تحديد مكامنه وممارسيه بالضبط.
ومما أتذكره جيدا وأظن أن كثيرين يتذكرونه معي أن ظاهرة الفساد المالي والإداري في المحافظات الشمالية قبل الوحدة كانت محصورة ومحدودة تماما إلى درجة يمكن معها حصر الفاسدين الذين كانوا إذا مارسوا الفساد مارسوه باستحياء وقلق وخوف من انكشاف أمرهم ... ولو أخذنا من تولوا العمل الوزاري حينها كأنموذج سنجد أن معظمهم كانوا شرفاء ونزيهي اليد والضمير، ويمكن التأكد من ذلك من معرفة أحوالهم اليوم حيث لايزال معظمهم يعيشون بين ظهرانينا ليس معهم أكثر من الستر والذكرى الحسنة والطيبة في نفوسنا جميعا ... ويقيني أن الأمر نفسه ينطبق على الوضع في المحافظات الجنوبية قبل الوحدة ، فما نعلمه أن معظم المسؤولين هناك جاءوا إلى الوحدة وظروفهم المعيشية متواضعة وبسيطة بما يعني التأكيد على ما ذهبنا إليه ... وهذا يقودنا إلى التأمل في حالة الانهيار القيمي والأخلاقي التي صاحبت الفترة الانتقالية (1990 – 1993) والتي يحلو لكثيرين وصفها بالانتقامية وهم على حق في ذلك وإلى جانبها عام الأزمة والحرب.
أتصور أن تلك السنوات الأربع تحتاج إلى خبراء وأساتذة في علمي الاجتماع والنفس ليكشفوا لنا بدقة وحياد وموضوعية أسباب ذلك الانهيارالقيمي الذي حدث أثناءها وامتد بآثاره حتى هذه اللحظة إلى درجة ظل صعبا معها أن نعود لما كنا عليه رغم أن ذلك المستوى الرهيب من الصراع السياسي الذي جرى خلال تلك السنوات الأربع لم يتكرر نهائيا بنفس الحدة طوال السنوات التي تلتها ، لكن الفيروس الخبيث كان قد أصاب الحياة العامة فتحولت مفاهيم وقيم الخير إلى أضحوكة وغدت مفاهيم وقيم الشر والخراب والفساد بطولة وشطارة وحذق وذكاء ... لقد انفلتت أعصاب الناس فأصبح حتى القتل يتم لأتفه الأسباب ، والنقد المسؤول تراجع وحل محله نقد جارح بلا ضوابط من دين أو خلق ، أما الرشاوي وشراء الضمائر فأصبحت شيئا عاديا وجزءا من سلوك لا يجد من يمارسه أي عيب ... وقبل أن يتهمني أحد بالتعميم والمبالغة أقول أنه لايزال هناك الكثيرمن المظاهر الإيجابية التي تحفظ الأمل لدينا بأن قيم الفساد ستعود غريبة كما بدأت غريبة في أوساطنا ... وهناك الكثير من الشخصيات التي بإمكانها تقديم نماذج جديدة للمجتمع تؤكد له أن الخير لايزال هو الأصل ... ومن هنا جاء استبشارنا بالتعديل الوزاري الأخير الذي جلب معه الكثير من أصحاب السمعة الحسنة والذين نثق أنهم سيظلون كذلك وأنهم لن يخيبوا آمالنا بوازع من ضمائرهم قبل أي شيء آخر ، ذلك أن حالة الإحباط بلغت مستوى يجعل الشخص العادي يقول لك أن فسادهم أو إفسادهم هي مسألة وقت لا غير.
سنجد أن الفترة الانتقالية كانت فترة فوضى شاملة وانفلات كامل ، والغريب أن العديد من مظاهر الفساد التي برزت أثناءها كان يتم تبريرها بأنها ثمن للوحدة ولاستمرارها مثل الدرجات التي تم توزيعها لقيادات الحزبين الحاكمين حينها المؤتمر والاشتراكي ولقيادات النقابات الشطرية وكل ذلك بناءً على طلب الأخير لتسوية أوضاع أعضائه الذين كانوا بعشرات الآلاف ، ناهيك عن التضخم الهائل الذي حدث في الوظيفة العامة بسبب التركة المعروفة من الكادر الوظيفي للأنظمة الاشتراكية في العالم كله وليس في بلادنا فقط ... الأمر الذي أدى إلى زيادة هائلة في نفقات الباب الأول من موازنة الدولة مصحوباً بالشلل الذي أصاب عجلة التنمية نتيجة الصراع السياسي وانشغال الدولة به إلى درجة نتذكر معها أن البلاد عاشت بدون موازنة عامة صادرة عن المؤسسات الدستورية لعامين متتاليين كما أذكر بل وتحولت الموازنة العامة لسنوات طويلة لاحقة إلى موازنة رواتب، وفوق ذلك جاءت أزمة الخليج التي (وفت ما نقص) بعودة مئات الآلاف من المغتربين ووقف المساعدات الخليجية والدولية ... وكل ذلك أدى إلى شحة الموارد وتناقص قيمة العملة الوطنية بشكل متسارع وانتهاء المشهد الانتقالي المأساوي بمؤامرة الانفصال وتلك الحرب المدمرة التي قضت على ما تبقى من المقومات الاقتصادية للبلاد، إذ كان الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة صبيحة انتهاء الحرب لا يزيد عن تسعين مليون دولار وهو رقم يعني – بحسب الاقتصاديين – انهياراً اقتصادياً كاملاً لدولة في حجم اليمن ... وهذا يعني أيضا وباختصار أن هذا الدمار نتاج طبيعي للفساد الشامل الذي عم البلاد خلال الفترة الانتقالية وهو فساد لم يستمر بذلك المستوى لكنه تواصل بصور وأشكال مختلفة تضاءل في بعض جوانب وتضخم في جوانب أخرى أبرزها بلاشك الفساد والإفساد في المال العام، وفي الحياة الحزبية ، وهذا الأخير ليس هنا ولا الآن موقع ووقت الحديث عنه إذ يحتاج حديثاً خاصاً به ولو أن آثاره ليست مدمرة كما هو حال فساد الذمم الذي أكل المال العام وأخاف الاستثمار وأرعب القطاع الخاص!
لاشك أن تحسن الوضع الاقتصادي الكلي بشكل عام منذ البدء الفعلي في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية في مارس 1995م وشروع الغرب والمؤسسات المانحة في تقديم الدعم المطلوب له وعودة عجلة التنمية للدوران من جديد وبشكل أكبر بكثير مما كان عليه الأمر قبل الوحدة في الشطرين على السواء ، لاشك أن كل ذلك فتح شهية ذوي النفوس المريضة الذين اعتبروا هذا الحراك الجديد فرصة لا تعوض للهبر من المال العام خاصة في ظل تدهور المستوى المعيشي وتراجع مستوى الدخل بالنسبة للمواطن العادي وبالذات فئة الموظفين الذين اعتادوا على الاكتفاء بمرتباتهم ومكافآتهم الشهرية وتوازنها مع وضع الأسعار القائم ... وهكذا أخذت الحاجة وانعدام التوازن بين مستوى الدخل وارتفاع الأسعار بسبب إلغاء الدعم التدريجي عن العديد من السلع الهامة تؤدي إلى انتشار مظاهر سلبية كانت محصورة كالرشوة والعمولات غير المشروعة والتي بسببها تضيع مصالح مؤكدة على الدولة وهي مصالح ستنعكس إيجاباً على الوضع العام ... وإلى جانبها أخذت المشاريع الكبرى التي بدأت الدولة في القيام بها بشكل غير مسبوق تثير أطماع أصحاب النفوس المريضة الذين يريدون الإثراء السريع على حساب المال العام، بل وعلى حساب المصلحة الوطنية ، فالأكيد أن مشاريع البنية التحتية الضخمة التي شرعت الدولة في إنجازها منذ الخطة الخمسية الأولى عام 1996م قد كلفت الدولة مئات المليارات من الريالات من طرقات رئيسية بين معظم المدن اليمنية وكهرباء ومياه وصرف صحي وسدود واتصالات ومستشفيات وجامعات ومبان حكومية محلية ومركزية بمختلف المستويات وغير ذلك من المشروعات الكبرى التي لا ينكرها إلا جاحد ، لكنها بالمقابل كانت سبباً في إثراء كثيرين ممن أقاموها منهم من قبل بالقليل الجائز شرعاً وقانوناً، ومنهم من أبى إلا الكثير خارج الشرع والقانون والضمير ... ولاشك أن الصمت والسكوت عن هؤلاء أطمعهم فما شبعوا ولا قنعوا حتى فاحت الروائح الكريهة، وهدد المانحون بإعادة النظر في مساعداتهم وقروضهم فما كان من الرئيس علي عبدالله صالح إلا المبادرة بالكثير من الإجراءات الإصلاحية والتغييرية في القوانين والأشخاص وإعادة الثقة لبلادنا لدى أصدقائها وأشقائها ... وبالفعل فقد بدأت نتائج الإجراءات الرئاسية في إعطاء ثمارها بسرعة بعودة جزء كبير من دعم المانحين وتكلل كل ذلك بالثمار الممتازة لزيارة فخامته إلى الصين.
إن المواطن يرى الفساد بعينه البسيطة في الشوارع التي ما أن يتم ردمها أو سفلتتها حتى تتسبب الزخات الأولى من أي غيث سماوي في إعادتها إلى حالها المتردي بينما بلاد أوروبا التي لا يتوقف المطر فيها لا ترى في شوارعها عوجا ولا أمتاً ... أما المسؤولون الشرفاء فيرونه فيما هو أكبر من ذلك بكثير إذ يرونه في مشروع يتم تنفيذه بمليار ريال مثلا بينما لا تبلغ كلفته الحقيقية النصف من ذلك تزيد أو تنقص قليلاً ، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية بالفعل على البلاد والعباد سواء إذ تجد أناساً من الموظفين أو المسؤولين يثرون بسرعة وهم غير معروف عنهم الاشتغال بالتجارة التي فيها تسعة أعشار الرزق بينما غيرهم من أمثالهم يعيشون عند مستوى الستر أو الفقر أو أدنى منه قليلاً!
لذلك كله ندرك مدى دقة تشخيص الرئيس بأن معظم الفساد في المال العام يتم من خلال المناقصات ، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء هيئة خاصة بالمناقصات الكبرى للدولة وهي فكرة ذكية وممتازة خصوصاً أن ضمانات كافية ستكون موجودة ومتوافرة تكفل عدم فساد القائمين عليها ، هذا طبعاً بعد اختيارهم وفق معايير دقيقة من ذوي السمعة الحسنة والأخلاق الحميدة ... ولاشك أن نجاح هذه التجربة – وهو نجاح شبه أكيد بحسب ما أعرف – سيقضي على الفساد الدسم الذي يصعب حتى على تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أن تكتشفه بسبب الغطاء القانوني الذي يحتمي به ... وأظن أن الحكومة ستكون معنية بمراجعة العديد من القوانين التي لا يوجد بها ضمانات كافية تكفل سير الأداء المالي في أجهزتها بأقل قدر من الاختراقات التي تفتح شهية الفاسدين الصغار!
أعتقد أن المشكلة الكبرى بالنسبة للفساد المالي والإداري أنه ظل لفترة ليست بالقليلة لا يحظى بتشخيص دقيق الأمر الذي جعله ورقة للمزايدات السياسية بين أطراف الحكم والمعارضة طوال السنوات الست عشرة الماضية ... وقد آن الأوان الآن للشروع في خطوات عملية وجادة لتحجيمه وتجفيف منابعه ، وهاهي بعض الخطوات قد بدأت ومن واجب الجميع مؤازرتها حتى في المعارضة وليس التشكيك فيها ، فالأيام كفيلة بإثبات مصداقيتها من عدمه، فمحاربة الفساد لم يعد التزاماً خارجياً بل هو ضرورة وطنية لاستمرار قيام الدولة بواجباتها السيادية والحفاظ على كيانها السياسي.

* نقلاً عن صحيفة 26 سبتمبر
comments powered by Disqus

اقرأ في المؤتمر نت

بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام المتوكل.. المناضل الإنسان

07

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتورالسِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم

22

راسل القرشيبنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!

21

عبدالعزيز محمد الشعيبي 7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد

14

د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي* المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس

14

توفيق عثمان الشرعبي«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود

14

علي القحوم‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل

12

أحمد الزبيري ست سنوات من التحديات والنجاحات

12

د. سعيد الغليسي أبو راس منقذ سفينة المؤتمر

12

إياد فاضلتطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م

03

يحيى علي نوريعن هدف القضاء على حماس

20

فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬

15

بقلم/ غازي أحمد علي*‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني

15








جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024