في مديح الفساد!
الإثنين, 12-سبتمبر-2011علي ربيع - تختلط مستويات الفساد وأنواعه، حزبياً ومالياً وسياسياً وتجارياً وثقافياً، حتى يصبح الملاحظ غير قادر على إيجاد حدود فاصلة بين هذا الخليط العجيب، وحتى تلك الأصوات التي تتحدث عن الفساد، تتحدث عنه لأنها تريد أن تكون جزءاً منه، وتحت شعار "شركاء في الفساد من أجل يمن أفضل" وبالتالي يزداد حب الوطن أو ينقص بزيادة أو نقص الدرجة المتاحة من الفساد، وكل شيء بحسابه والدولار قبل الوطن وفوق الجميع !!
* سلالة الفساد ممتدة النسب، فالفاسدون في عهد الإمامة وعصر السلاطين هم الفاسدون الكبار أيضاً في عصر الجمهورية اليمنية، الفساد المالي، الفساد الإداري، الفساد الأخلاقي والقيمي (كوكتيل فساد) مع بهارات الهنجمة والتشدق باسم الوطن، أو أحلام الجماهير! فاسدون حزبيون وفاسدون حكوميون، فاسدون كبار وفاسدون صغار، ومبررات الفساد موجودة، وعلى رأس لائحة المبررات هو العمل من أجل الوطن .
* معظم من يزاحون من أماكن الفساد لإتاحتها لغيرهم تجدهم يتحولون بين عشية وضحاها إلى مثاليين وطنيين مع مرتبة القداسة، فتراهم ثائرين على الفساد ومناضلين من أجل الوطن المنشود والمجتمع المأمول، إيماناً منهم أن هذه الوسيلة هي الأجدى في تقديم أنفسهم للعودة أو للوصول إلى واحدة من ذرى الفساد المعطاء، ولا مانع أن يكون الوطن هو العبارة وهو المطية وهو الشماعة لتحقيق هذه المقاصد .
* غارقون في الفساد حتى آذانهم، وأحياناً يسبحون في بحر الفساد سباحة، ومع ذلك تجدهم في كل منبر إعلامي يتحدثون عن الفساد ومكافحة الفاسدين، وحماية المال العام والحفاظ على مقدرات الوطن، لا أدري كيف يستطيع هؤلاء التعايش مع ذواتهم وأسرهم وأنفسهم، هم يعرفون أنهم يكذبون، والناس من حولهم يعرفون أيضاً أنهم يكذبون، ومع ذلك لا يثنيهم عن تقمص دور المواطن الشريف أي ذرة من خجل أو حياء .
* هذا الفساد الذي لا أب له ولا أم، هم في الحقيقة أمه وأبوه وكل قرابته، فاسدون حاليون ويتمادون في الفساد، وفاسدون سابقون يحاولون باستماتة أن يعودوا إلى فسادهم، فالمنصب العام لا يعني المسؤولية ولا الكفاءة بقدر ما يعني (بقعة) من أجل ممارسة الفساد، وصولاً إلى الثراء الفاحش، وتقديم الأهل والأقارب والأنساب وكل من يمت إلى السلالة الفاسدة، والتأصيل المستمر لهذا الفعل حتى صار ثقافة في مؤسسات الدولة بأسرها، وفي حياة الناس وسلوكهم اليومي .
* كل ما هو موجود محرض على الفساد وداع إليه بقوة الضرورة، رجل المرور لكي يعيش هو وأسرته يجب أن يكون فاسداً ومرتشياً، والموظف العادي كذلك، والمراسل والفراش والبواب والتاجر والسياسي والحزبي والإعلامي ، كل واحد من هؤلاء يمارس الفساد بقدره ووفقاً لمهاراته وما يتاح له، فلا عجب أن يصبح الفساد نمط حياة وصيغة ثقافية للمجتمع، بل العجيب أن يكون مجتمعنا خالياً من الفساد والمفسدين، وأعجب كثيراً من الذين يتهمون الرئيس أو الوزير أو رئيس المؤسسة بالفاسد، دون أن ينظروا إلى مسوغات إقدام هؤلاء على ركوب موجة الفساد، كيف تريدون رئيساً نزيهاً مرتبه الشهري أقل من مرتب (هيلاري كلنتون) بعشرين مرة، كيف تريدون وزيراً نزيهاً مرتبه الشهري خمسمائة دولار، كيف تريدون موظفاً في الدرجة الوظيفية الرابعة عشرة أن يكون نزيهاً مقابل ثلاثين ألف ريال !