بوتين في فلسطين!!! دخلت ماكينة الصحافة والإعلام الاسرائيلي والاميركي على خط تصريحات الرئيس الروسي الذي زار رام الله في محاولة لقلبها أو تغييرها ولكن الرجل الذي يستند في خلفيته الى تربية مخابراتية أدرك مغزى ذلك فعاد لتأكيد موقفه بين يدي الرئيس محمود عباس وبعد وضع إكليل من الورود على ضريح الراحل ياسر عرفات مؤكدا ان دعوته هي لعقد اجتماع دولي في موسكو لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بعد الإنسحاب من غزة . وفي نفس الاجواء جاءت تصريحات أبو مازن الجريئة عن استمرار الالتزام بالهدنة وتوحيد الاجهزة الامنية والتهديد بضرب من يفسدون التزامات السلطة والى ضرورة الدخول فورا إلى تسوية شاملة ونهائية مع الاسرائيليين.وتأتي اهمية تصريحات بوتين كونها تؤكد خريطة الطريق وتربط ما بين الانسحاب الكامل من غزة والجزئي من الضفة مع استكمال ذلك لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة إلى جانب دولة اسرائيل وعلى الأراضي التي احتلت عام 1967 كافة وأن يستند الاجتماع القادم الذي دعا له بوتين إلى قرارات الشرعية الدولية ... اسرائيل التي حرفت وسائل إعلامها زيارة بوتين وحاولت ان تضع على لسانه كلاما لم يقله سارعت إلى اعتبار المهمة الروسية عديمة الجدوى وخطرة وتؤذن بتدخل روسي على خط حالة الصراع في الشرق الأوسط والذي ظلت الولايات المتحدة الاميركية تحتكر التعامل معه مستثنية حتى أوروبا أو بالأحرى محددة لدورها فيه ... المبادرة الروسية لها أهمية خاصة كونها تأتي عبر محاولات روسيا ارسال رسائل واضحة للأميركيين الذين تمددوا كثيرا في الشرق الأوسط وفتحوا أكثر من نافذة وتدخلوا حتى في الفناء الخلفي للدولة الروسية بتحريكهم لتغييرات في أنظمة حكم في دول آسيوية كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي وبإنذارهم لجمهورية بيلوروسيا لانخفاض منسوب الديموقراطية والمشاركة فيها واتهامهم قيادتها بالدكتاتورية.. وقريب من هذا الكلام اطلقت كونداليزا رايس عبارات غير دبلوماسية أثناء وجودها في روسيا وحتى داخل الكرملين حيث تحدثت عن ضرورة توسيع الديموقراطية الروسية التي وصفت بالضعيفة .. بوتين تمكن أخيرا من معالجة اليد الروسية الموجوعة التي ظلت واشنطن باستمرار تحاول ليها أو الضغط عليها بسبب الوضع الاقتصادي الروسي . وقد تفاجئ هذه الخطوة الولايات المتحدة الاميركية في مواقف روسية جديدة قد يكون أولها تصريحات بوتين بخصوص الفلسطينيين ليتبع ذلك مواقف لروسيا عن ايران والعراق وحتى سوريا ولبنان ... محاولة بوتين لاسترجاع الدور الروسي في الشرق الاوسط بدأت من العنوان المصري حيث ظلت روسيا تلعب دورا كبيرا من خلال مصر في المنطقه وقبل ان يقدم السادات على طعن الموقف الروسي في الظهر حين رحل النفوذ الروسي عشية حرب أكتوبر (تشرين اول) عام 1973 .. في الزيارة الروسية الى رام الله دلالات يمكن التقاطها . فوقوف بوتين على قبر عرفات له دلالة.. وبدء الزيارة قبل زيارة عباس الى واشنطن له دلالة أخرى ... وزيارة مصر لها دلالة ايضا . وتقديم مساعدات روسية عسكرية على شكل ناقلات جنود وطائرات مروحية واجهزة عسكرية أخرى له دلالة ،إذ تأخذ المساعدات طابعا عسكريا أمنيا وتعزز التقاء الجانبين الفلسطيني والروسي في ادانة الارهاب وشجبه والاستعداد لمقاومته وحتى الالتزام باتفاقيات . وهذه النقطة تحديدا تقطع الطريق على الموقف الاسرائيلي المزايد الذي يقدم نفسه لروسيا كموقف معاد للارهاب في حين يتهم العرب بالضلوع في الارهاب ضد موسكو .. الغائب الروسي الذي طال غيابه يعود ليبحث إن كان بقي في المنطقة مياه دافئة يمكن العودة اليها بعد طرد روسيا من المنطقة بسقوط الاتحاد السوفيتي ورغم أن العودة تتم عبر تذكرة اميركية ظلت تقبل دورا شكليا لروسيا خاصة بعد الفشل الاميركي في العراق إلا أن الاميركيين ليسوا مرتاحين لبداية التعرض الروسي الجديد لسياساتهم وخاصة موقف روسيا من تزويد ايران بمساعدات في مجال تخصيب اليورانيوم وايضا الموافقة على تزويد سوريا بصواريخ روسية .. الرجل الخجول بوتين يستعمل تعبيرات واضحة تنطلق من الحرص على السلام في المنطقة وعلى دور روسي يريده أكثر وضوحا وهو الموقف الذي يرضي الفلسطينيين ويحرج الاسرائيليين وقد ينهي الصمت الاميركي المريب على سياستهم من الاستيطان وبقاء الاحتلال بشكله القائم .. أبو مازن الذي أحب موسكو ودرس فيها وحذر من مخاطر هجرة اليهود الروس في التسعينات الى اسرائيل حين كتب دراسته عن ذلك وتناول أغنية «تذكرة سفر لمرة واحدة» يدرك أن بوتين يستطيع أن يلعب في الداخل الاسرائيلي بشكل فاعل يفوق كثيرا ما يمكن أن تلعبه سياسيات روسيا الخارجية في الصراع منذ أن همشت في مؤتمر مدريد عام 1991 . في اسرائيل أكثر من مليون ونصف المليون يهودي روسي أكثرهم جاء بعد الحروب الاسرائيلية العربية ولهؤلاء تعبيرات رسمية ووزراء ونواب وفضائيات وصحف وثقافة وناخبون وشعارات وبعضهم يتأثر بمناخ موسكو السياسي ويرى أن له مصالح مازالت هناك.. بوتين يستعمل الرصيد الروسي في اسرائيل في الحوار مع اطراف المنطقة وحتى مع الادارة الاميركية .ومن هنا أيضا قيمة دوره الذي بدأت روسيا تستثمره ليصب الى جانب الموقف الاوروبي الخجول في محاولة لموازنة الموقف الأميركي ..!! سلطان الحطاب |
| إقرأ في المؤتمر نت |
|
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2003-2024 