التجمع اليمني للإصلاح وتعامله مع أزمة 11 سبتمبر والحرب في أفغانستان |
حوليات يمانية: المركز الفرنسي للدراسات الاجتماعية والآثار (1-2) تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على جزء من أسس تغاير ردود الأفعال داخل التجمع اليمني للإصلاح تجاه الـ11 من سبتمبر ونتائجه، ولاسيما ما يتعلق بنظام طالبان في أفغانستان. وهل يعتبر تغاير القراءات نتيجة مباشرة للاختلاف الأيديولوجي لحزب الإصلاح؟ أم بخلاف ذلك، هل التعبير عن مواقف متباينة ليس بالجديد على أيديولوجية الإخوان المسلمين؟ وخلال هذه التساؤلات نحاول تطبيق جانب من المنطق الداخلي لحزب الإصلاح على النظام الأيديولوجي لتنظيم الإخوان المسلمين. أدت أحداث 11 سبتمبر 2001 ونتائجها في أفغانستان إلى ثلاثة ردود أفعال متباينة داخل التجمع اليمني للإصلاح يتمثل الأول في دعم أيديولوجي كامل والثاني دعم مشروط بالظروف والثالث موقف محايد. هذا التباين قد يكون ناتجاً عن الظروف السياسية اليمنية المعاصرة وخصوصيات تاريخ هذا الحزب المؤلف من عدة تيارات والذي يضم "إسلاميين" وممثلي النظام القبلي. بيد أن هذا التنوع الواضح بشدة قد لا يكون غريباً على التراث الأيديولوجي للإخوان المسلمين. فهذا التراث قد يتقبل إمكانية تعدد الرؤى واستقلالية البنى السياسية أكثر مما تعتقده النظرة الغربية. في اليمن، يستوعب ويمثل التجمع اليمني للإصلاح، الذي أسس في 13 سبتمبر 1990م والذي جرت العادة على تسميته بالإصلاح، الفرع اليمني لحركة الأخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928م على يد الإصلاحي حسن البناء. هذا الحزب الذي يمثل أهم تشكيل في المعارضة المؤسساتية لسلطة الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي، يستوعب بداخله اتجاهات متباينة على المستوى الديني والاجتماعي والسياسي. ويلاحظ على نحو خاص وقوف أعضاء منظمة الأخوان المسلمين إلى جانب الجناح التقليدي و"القبلي". فرئيس حزب الإصلاح ورئيس البرلمان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر هو في الوقت ذاته زعيم قبائل حاشد، في حين أن الشخصية السياسية الأساسية لهذا الحزب، والمعروفة ولاسيما في خارج البلاد من خلال منشوراته العلمية الدينية وبرامجه على القناة التلفزيونية والإسلامية "اقرأ" هو الشيخ عبد المجيد الزنداني، وهو أيضا رئيس جامعة الإيمان التي أسست في صنعاء عام 1994بهدف تأهيل (دعاة) يمنيين وأجانب. وتعتبر هجمات 11 سبتمبر 2001م في نيويورك وواشنطن وما نتج عنها من قصف لأفغانستان إطارا دراسياً هاماً لمن يريد تحليل تغاير وتباين الرؤى بداخل حركة الإخوان المسلمين.. فاختلاف وتعدد ردود الفعل التي عبر عنها أعضاء الإصلاح إزاء هذه الأحداث تثير العديد من الأسئلة و لاسيما في ذلك ما يتعلق بقدرة التيارات الإسلامية الإصلاحية على التكيف مع الظروف القومية وتحملها لمسؤولية تمثيل الاتجاهات الواسعة. وقد أساء هذا التعدد في الآراء للصورة الأحادية والمؤدلجة جداً لحركة الإخوان المسلمين التي تشيع عن نفسها طابع العمل وفقاً لنظام تسلسلي و متدرج. وبالطبع فإن الأيدولوجيا الكلية في الوقت الحاضر ما برحت متأثرة بنظريات المؤسس الأول. الممارسات المتباينة: ردود الأفعال بداخل حزب الإصلاح تجاه الـ 11 من سبتمبر والحرب في أفغانستان. في الساعات الأخيرة من فترة الظهيرة، يوم الحادي عشر من سبتمبر تمكن عدد من اليمنيين من رؤية الاعتداءات بصورة مباشرة على شاشات التلفاز فقد شاع ذلك بصورة سريعة في أرجاء البلاد، وعلى الفور السلطات والأحزاب السياسية الهامة، أدانت بوضوح هجمات نيويورك وواشنطن. وأكد البلاغ الرسمي الصادر عن الحكومة أن اليمن يدين بشدة هذه الأعمال الإرهابية أيا كان منفذها. كما التقى الرئيس علي عبدالله صالح، في اليوم التالي في أحد المعسكرات، بشخصيات سياسية رفيعة. مضمون اللقاء بحسب بعض الروايات، دعوة قوات المعارضة ولاسيما الإسلامية منها إلى تشكيل اصطفاف داخلي ضد الإرهاب. وكانت كلمة السر شبة الرسمية عدم تكرار أخطاء حرب الخليج حيث نتج عن الرفض اليمني لمساندة التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية خلال عامي 1990م- 1991م انعكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية هامة لا تزال مستمرة. من جهة أخرى، قد قام عدد لا بأس به من السكان خلال الأيام التي تلت الهجمات بالتعبير تلقائيا عن مساندته لأسامة بن لادن، وعلى ما يبدو فقد كانت هناك أيديولوجيا دينية محركة. كما تم بث الأشرطة السمعية الشعبية التي تم منعها من قبل الحكومة في أوائل شهر نوفمبر 2001م. ومع ذلك فإن هذه الاعتداءات لم تثر ابتهاج الأحزاب السياسية التي أخذ الإصلاح في مجاراتها بإصدار بلاغ رسمي نشرته صحيفة الصحوة تضمن مواساة لأسر الضحايا الأبرياء الذي فقدوا حياتهم خلال الهجمات العدوانية. كما أدانت جميع تيارات وشخصيات الحزب موت المدنيين، ومع ذلك ظهر التباين أثناء توجيه أصابع الاتهام إلى المسئولين عن الهجمات. وبعض الآراء المخالفة لهذا، وعلى وجه الخصوص آراء الشيخ الزنداني، وجناحه الذي أنطلق إلى التأثير في استمالة عطف جزء من الشارع اليمني الذي أكد استحالة أن يكون لمسلمين يد في هذه الهجمات التي تخدم المصالح السرية الإسرائيلية. لكن التباينات الهامة في أوساط حزب الإصلاح ظهرت خلال الحملة العسكرية بمشاركة أمريكا وبريطانيا ضد أفغانستان بشكل جلي. إذ يبدو أن العديد من الأسئلة قد فرقت كلمة أعضاء الحزب مثلا ليظهروا على أكثر من كلمة. وكان المأزق، الأسئلة التالية: بأي ألفاظ سيدينون هذه الهجمات؟ وهل يجب مساندة طالبان أم تحالف الشمال؟ وما هي الحلول المقترحة؟ ومع ذلك فإن الحزب رفض أن يشير بأصابع الاتهام إلى طالبان أو يتهم تحالف الشمال. وأكدت هذه التصريحات ولو بشكل نسبي ضعف النواة الأيدلوجية لهذا الحزب الذي خرج بمواقف متباينة. وما من شك بأن الحساسيات الداخلية في الحزب لا يمكن كشفها عند حسم أي موقف. وقد تم تجاهل العديد من الحساسيات ولاسيما مسألة تأييد الحرب، لكن مواقف ثلاثة مختلفة تبلورت بعد ذلك هي: الدعم الكامل لطالبان والدعم المشروط بالظروف ثم موقف محايد. وشكلت هذه المواقف الثلاثة فئات رمزية مثالية ويقال أن المواقف التي عبر عنها أكثر تعقيدا من هذا الترتيب. الدعم الكامل لطالبان: نصف بهذا موقف أولئك الذين أظهروا دعماً لنظام طالبان على قاعدة أنه نظام يطبق القانون الإسلامي. في إطار هذا الموقف، يلقى المشروع السياسي لطالبان دعماً كاملا بصفته نظام، وليس وفقا للوضع السياسي بعد الـ11 من سبتمبر 2001م. فهذا ليس بالنسبة لهم أمرا جوهريا. من غير الممكن معرفة الوزن الحقيقي لهذا الموقف في أوساط الإصلاح لأنه من الصعب معرفة الشخصيات التي تمثل هذا الاتجاه. ففي الواقع أن الوضع السياسي والمؤسساتي في اليمن فيما بعد الـ11 من سبتمبر لم يتح لملالي الإصلاح فرصة التظاهر علناً في ظل توجه الدولة اليمنية إلى عدم إتاحة الفرصة لهذه الفئة من المجتمع في التعبير عن أفكار ضارة . الشيخ الزنداني، الذي يؤكد ميوله إلى طالبان منذ توليها الحكم عام 1996م، محجور عليه- شبه رسمياً- الظهور في الصحافة للحديث عن المواضيع السياسية منذ أحداث الـ11 من سبتمبر. كما أنه لم يرد عنه أي رد فعل رسمي أو لقاء بخصوص هجمات نيويورك وواشنطن والعنف على أفغانستان، ومع ذلك فإن المحاضرات والمواعظ التي يلقيها كونه أستاذ بجامعة الإيمان تمنحه نسبياً جواً من حرية التعبير، وسمح هذا بالتعرف على مواقفه من خلال كلامه الذي تناقله طلابه. * بلقم: "لورنت بونيفر" و فيصل بن شيخ. * حقوق الترجمة محفوظة لـ(المؤتمر نت) |