الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 05:58 م - آخر تحديث: 05:31 م (31: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
سلمان زين الدين -
عبدالعزيز المقالح يرتقي باللغة الى جوهر المكان
تشكل المدينة موضوعاً أثيراً للشعر المعاصر يتوقف عنده الشعراء ويضعون فيه القصائد والكتب، فحين يصطدم الشاعر بالمكان/ المدينة، ينتمي اليه او يزوره او يتفاعل معه، لا بد من ان ينجم عن هذا الاصطدام مولود شعري او أدبي يغدو معه المكان كائناً شعرياً/ أدبياً، وتصبح عملية الخلق متبادلة. المدينة تكوِّن الشاعر او تُسهم في تكوينه على الاقل وتمنحه هويته وثقافته ووجدانه حين يولد وينشأ فيها او حين يزورها ويقيم فيها لسبب او لآخر. والشاعر، بدوره، يرد التحية بأفضل منها، فيكوّن المدينة شعرياً، يحوّلها الى قصيدة او نص او كتاب.

وشعرنا العربي المعاصر ليس بمنأى عن هذا الخلق الجدلي. وكثيرون هم الشعراء الذين ارتبطت اسماؤهم بمدن معينة، ومنهم بدر شاكر السياب، نزار قباني، محمود درويش، أدونيس، أحمد عبدالمعطي حجازي، وموضوع هذه العجالة، الشاعر اليمني الدكتور عبدالعزيز المقالح. فبعد «كتاب صنعاء» الذي أفرده الشاعر لمدينته عام 2000 وبثها فيه خالص الحب، ها هو يعود اليوم لينثر حبه على مجموعة من المدن العربية والغربية في جديده «كتاب المدن/ جداريات غنائية من زمن العشق والسفر» (دار الساقي).

ينحو المقالح في جديده ما نحاه في قديمه من حيث الشكل، مع فارق ان حبه الذي وقفه على صنعاء في الماضي يوزعه اليوم على عدد من المدن بما فيها صنعاء نفسها، ويتناول احدى وعشرين مدينة منها خمس عشرة مدينة عربية وست مدن غربية زارها شاعراً او سائحاً، وخصّ كلاً منها بنص شعري/ أدبي قال فيه جوانب من معالم المدينة او تاريخها او جغرافيتها او منها مجتمعة، وقال تفاعله معها وما طبعت على صفحة قلبه من انطباعات وذكريات. ومن الطبيعي ان تختلف كل مدينة عن صاحبتها وان تتفاوت درجة تفاعله معها من مدينة الى اخرى. «فمدن الارض مثل النساء» كما يقول في فاتحة الكتاب، وليس ثمة أمرأة كالأخرى، وليست كل المدن تشكل موضوعاً للحب والكلام. «وخلف المدى مدن/ لا تثير اشتهاء الكلام/ ولا ترتقي في كتاب الهوى/ لتكون اذا جئتها وردة/ او قصيدة». على حد قوله. (ص 5).

يخصص المقالح لكل مدينة اثارت اشتهاء الكلام لديه نصاً شعرياً/ ادبياً، يقسمه الى قسمين اثنين، القسم الاول موزع من حيث توزيعاً شعرياً، والثاني موزع نثرياً. على ان هذا التوزيع الشكلي لا يشكل بالضرورة توزيعاً نوعياً، فلا يمكن اعتبار كل ما ورد في القسم الاول شعراً، ولا يخلو القسم الثاني من جمل وعبارات شعرية.

وهكذا، يمكن القول ان شعرية النص تتأتى عن هذا التعاقب بين القسمين، وشعرية القسم الاول هي حصيلة التناوب بين مجموعة من المتضادات، من قبيل: اللغة والكلام، المباشرة والمداورة، الصورة والفكرة، السرد والوصف، الخبر والانشاء، الشعر والنثر... اما القسم الثاني النثري فيتراوح بين السرد والوصف والذكريات والانطباعات ويختلف ترجح النص بين الذاتية والموضوعية في هذا القسم من نص الى آخر. على ان معياراً آخر يفرّق بين القسمين في النص الواحد هو معيار الايقاع ومن لوازمه ان القسم الاول من جميع النصوص هو قصيدة تفعيلة من دون ان يؤدي ذلك بالضرورة الى ارتفاع منسوب الشعرية او انخفاضها، فتلك مسألة تتعدى الوزن وتجلياته.

يروّس عبدالعزيز المقالح كلاً من نصوصه بترويسة شعرية او نثرية تشكل مدخلاً الى النص، وقد يكون المدخل آية قرآنية او مقتبساً تاريخياً او قول رحالة او أبياتاً من الشعر. وهو اذ يدخل اليها من هذا المقتبس ليبدعها شعرياً/ أدبياً، لا يفعل ذلك من العدم بل ينطلق مما عرفت به هذه المدينة او تلك من محطات تاريخية عريقة او معالم حضارية/ عمرانية او موقع جمالي مميز او جغرافيا فريدة او دور ثقافي... ويتفاعل مع هذا المنطلق، فيغدو النص نتاج هذا التفاعل بين الموضوع/ المدينة والذات/ الشاعر، بين الخارج المادي والداخل الانساني. أما النص النثري المكمل للنص «الشعري» فيتجاور فيه الوصف الموضوعي مع الوصف الفني مع الذكريات والتجربة الخاصة، ويتقاطع مع أدب الرحلات في مقاربة المكان مادياً وبشرياً غير ان يفترق عنه في طغيان القراءة الذاتية/ الشعرية للمكان احياناً على القراءة الموضوعية/ العلمية.

على ان الشاعر حين يستعيد مدنه من الزمن لا يفعل ذلك بالحرارة نفسها، وبالحنين نفسه. ولعل ذلك يتوقف على درجة تفاعله مع المكان/ المدينة، وعلى درجة القرابة التي تشده اليه، فبينما نراه يوغل في الحنين والتحسّر على ما فات مع بعض المدن، يتعاطى مع بعضها الآخر ببرودة واضحة كأن احداً غيره عاش التجربة والذكريات. وتبدو المدينة في معظم الحالات مثل طلل حضاري يقف عليه الشاعر مستعيداً ما كان له فيه، غير ان ثمة فارقاً جوهرياً بين وقوفه هو على أطلال المدن وبين الوقوف على الاطلال كما عرفه الشعر العربي القديم لا سيما في العصر الجاهلي، ذلك ان الشاعر الجاهلي كان يقف على مكان متحول متغير ليستعيد زماناً جميلاً مضى الى غير رجعة، اما المقالح فيفعل العكس تماماً اذ يقف في الزمن الحاضر ليستعيد مكاناً/ مدينة لا يزال موجوداً كوجود مادي وان زال كوجود روحي بما هو ذكريات وزمان تولى وانقضى.

واذا كان لكل مدينة نصها الشعري/ النثري في الكتاب، والمقام لا يتسع لقراءة كل نص على حدة، فإنه غالباً ما يُبرز في النص محطات من تاريخ المدينة او معالم من حضارتها او مكامن لجمالها، ويشفع ذلك بتجربته معها او ذكرياته فيها، ويكون النص حصيلة هذا التفاعل بين المكان والشاعر. على ان هذا البعد الذاتي يبرز بقوة في النصوص التي تناولت مدناً عربية، ولعل ذلك يعود الى انتماء الشاعر وهويته، ويحضر التاريخ في نصوص هذه المدن مشفوعاً بالمعجم الديني لا سيما في المدن ذات المكانة الدينية كمكة والقدس وعدن.

اما المدن الغربية فتحضر في نصوصها الجغرافيا والمعالم الحضارية ومواطن الجمال العمراني والطبيعي، فتبدو هذه المدن تعيش الحاضر بينما تغرق مدننا العربية في سبات الماضي. وسواء أتناول الشاعر ماضي المدينة أم حاضرها، فإنه لا يمكنه ان يعلّب المدينة في نص مهما أوتي من قدرة على التكثيف والإجمال؟ المدينة مدى ضارب في الزمان والمكان، والنص محدود بقدرة الكلمات على القول ومساحة الورقة البيضاء.

وعلى رغم ذلك، انطوت النصوص على عبارات تختزل كثيراً من شخصية المدينة، فيقول في مكة: «كل مكان جديد هو، بالنسبة الي فردوس، ومكة سيدة الفراديس...» (ص 16)، ويقول في القاهرة: «القاهرة شهوة عميقة للمعرفة...» (ص 25)، ويقول: «روما وجه جميل وجليل لأسطورة قديمة» (ص 9)، ويقول: «باريس لا تستيقظ لأنها لا تنام» (ص 105)، اما فيينا فيتمنى لو كانت له احداق سكان قريته ليرى بها جميعاً ما اكتنزته هذه المدينة من جمال» (ص 125).

في نصه المعنون بـ «واد مدني»، يقول المقالح: «لعلي لا ارتوي بالمكان/ وماء المكان/ هل ترتوي شفتي باللغة؟» (ص 139). وجواباً عن هذا التساؤل التاريخي نقول: إن من لم يروِه الاصل لا يمكن ان ترويه الصورة. ومهما كانت الصورة جميلة فإن الاصل اجمل. ومهما كانت اللغة واسعة فإنها أضيق من ان تستوعب المكان. ذلك، سيبقى العطش البري ملتهباً في جوانح الشعراء، وسيبقى السؤال التاريخي مطروحاً، ولا شيء يمكنه ان يخمد النار المقدسة سوى الموت.

* الحياة








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024