الثلاثاء, 30-أبريل-2024 الساعة: 10:31 م - آخر تحديث: 09:19 م (19: 06) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمر نت - هشام سعيدشمسان -
بنائيات الحكي في "وجوم" محمد عثمان*
•مهاد
يعد الفن بوجه عام نوعاً من الالتحام بين الإنسان ، وكينونة الوجود ، لارتباطه الدائم بأسئلة الذات سواء الأسئلة الصغرى منها أو الكبرى ؛ ولأن " القاص" فنان، مثله مثل الشاعر ، فهو قادر ، كذلك ، على إعادة صياغة الوجود ، وخريطته ، لكن هذه الصياغة تتأتَّى وفق قانون خاص ؛ ذلك أنَّ " القص" هو الأرخنة النفسيَّة للواقع ، لاسيمَّا الحديث منه ؛ باعتباره تأويلاً ضمنياً للذات خاصّةً وللكائن الشمولي على الوجه الأرحب بما يحتم على الكاتب ، أو القاص أن ينخرط في الدمج بين ما هو سردي ، وما هو وصفي لعبور تناقضات الواقع النصي الواقع بين اليقين ، والشك ، او بين الشك ، " والتابو" ، أو بين "التابو" والايدلوجيا..
إنَّ "القصَّة" الحديثة ( خاصةً) هي توظيف ، وتعالق، واكتشاف، وتخيُّل ، وانجذاب يفرضه قانون الضرورة ، وعالمها الداخلي عالم متجدّدٌ ، متغير ، متناقض ، عالم يقع معظمه ما بين الوعي والحلم ، وما بين الكشف ، وصدام الأشياء المتولدة كالتخلّق ، والتشظي ، التوهج ، والانطفاء ، المدرك ، واللامدرك..
والقصَّة الحديثة كفن هي لعبة تبادليَّة بين الوعي ، وتأويل الرؤيا ، وتقوم على وجود لغويّ في الأساس بصفتها وليدة التفاعل بين الحدث ، وصاحبها ؛ وفي داخل هذا الوجود ،أو التشكيل اللغوي تتمظهر التفاصيل اللاّزمة لتكوين المسار السردي ، أو الوصفي ؛كونهما عمليتين انتظاميتين في هرمونية النص القصصي على وجه اليقين..
ولعلنا لا نطيل مهادنا ، ونحن نقرر بأن من أهداف هذه القراءة النقدية التوقف عند بنائيات " الحكي" في مجموعة القاص " محمد أحمد عثمان"(وجوم)؛ في محاولة لصياغة خلاصات محددة نستنبطها من المسارات الوصفية ، والسردية ؛ وذلك لتحقيق بعض الكشوفات المضمونية ، والشكلية التي تستوعب تمظهرات النصوص التي بلغت أربعة عشر نصاً. ووفقاً لما يتطلبه النقد المعياري الحديث .
• مفهوم السّرد ، والوصف : مدخل إلى النصوص.
- يفرق النهج البنيوي- في النقد – بين ما هو سردي ، وما هو وصفي ، حيث يرى بان " السّرد هو الذي يروي أحداثاً ، وأفعالاً في تعاقب ( مظهر زمني) ، في حين أن الوصف يتعلّق بالأشياء ، أو الكائنات في تزامنها .. إنه " يُبسط – بضم السين – القصّة في الحيّز" كما يقول " جينيت"(1)
وإذا كنا نتفق بأن عملية " القص" لا تستغني عن " السرد" كما لا تستغني عن " الوصف" ، لكن يمكن أنْ نقرِّر بعدم فصل كل منهما عن الآخر ؛ ذلك أنَّ " الوصف" هو جزء من " السّرد" ، فالسرد عام بينما يقع الوصف فيه.
إنَّ جزئَّية سردية من نحو : " المقهى عبارة عن طاولة متوسطة الارتفاع ، رصّت عليها أربع ثلاجات للشاي ، وفي المساحة المتبقية من الطاولة ، وبجوار الثلاجات يستقر صحن تنكفئ عليه مجموعة أكواب زجاجية … " ]وجوم[ ، نظير هذه الجزئية ليست سرداً برأي التحليل البنيوي لخلوه من الحدث ، والتعاقب الزمني ، ولكنه "وصف" لأنه يتعلق بأشياء: " المقهى / الطاولة / الصحن/ الثلاجات/ الأكواب، وهو في حقيقته داخل في السّرد لوجود "السَّارد" الذي يقوم بعملية الوصف ، لهذا يمكن أن نقول عنه:" الوصف السردي" .
لكن جزئية من نحو " كعادته كان أول الخارجين من " الثكنة " يدفعه شيء ينبجس داخله – مع حلول كل مساء - متشحاً بغموض ، ما يلبث تحت تأثير "القات" و …."( كرة الحديد ) جزئية من نظير هذه تدخل تحت مسمّى "السَّرد" لأنه يروي حدثاً ، من خلال زمنيّة ما.. ولكنه في حقيقته ليس سرداً محضاً لتداخل عمليَّة الوصف فيه ، لهذا يمكن أن نقول عنه " السرد الوصفي" .
وعلى هذا التأسيس لمفهوم السرد ، والوصف ، أوكلاهما يمكننا أنْ نلج إلى مجموعة القاص " محمد أحمد عثمان" الأولى؛ لاستنباط كشوفات بنائية ، على مستوى الشكل ، والمضمون ، والواقعان بدورهما ضمن بناء المحكي : السَّرد ، والوصف ؛ وذلك من خلال خلاصات بعينها ، أضمنها المستويات الآتية:
• الوصف غير المستقل بالإدراك :
وأعني به غوص "السارد" وراء تفاصيل الأشياء ، والتركيز على الوصف الثانوي للجزئيات ، بوصف دقائق الأشياء ، وأفعال الكائنات ، وتفصيلاتها المرئية ( السينمائية) مع تغييب للحوار ، وأصوات الشخوص ، على الأغلب ، والإكتفاء بالسرد التعليقي وحده ، ونمثّل لذلك بالنصوص : ثالوث / وجوم / دهشة .. فنحو"ثالوث" نرى كيف أن " القاص" يلجأ إلى هذه الخصيصة من خلال وصفه للقرد – مثلاً- وحركاته : " يهرول يمنة ويسرة، يحتضن علبة فارغة يلقيها على الأرض ، يعود لاحتضانها ،.." ( ثالوث) ، ثم وهو يصف المرأة : "تجلس امرأة ، متلفة بعباءة صنعانية مزركشة ، بنيتها القويّة ، جسدها الممتلئ ، عيناها الواسعتان ، مصباح وجهها المدوّر ، وهو يبدّد سواد لثمتها .. " ( ثالوث) .. وكل ذلك يتأتّى مع هيمنة تامّة للشخوص من قبل القاص الواصف ، فهو الذي يحركها ، ويرصد أفعالها ، ويفسر نفسياتها :" تلتقى نظراتها ، تتقاطع" " شمس الرغبات تزداد توهجاً " " القرد يتملكه الغيظ .." ( ثالوث).
وهو في وصفه التكثيفي للأشياء ، والكائنات يتبع طريقتين : أسلوب الوصف المادي المنطقي للأشياء ، كما هي في الواقع كما في وصفه للقرد مثلاً ، أو للمقهى ، وأسلوب الوصف الفنِّي للأشياء ، والكائنات ، وخير مثال لذلك نص " دهشة". وقد يمزج حيناً بين الاثنين..
• الوصف، أو السرّد المستقل بالإدراك :
ونعني به تبسيط التفصيلات الواصفة في الحيّز القصصي وعدم الغوص وراء تفاصيل الأشياء ، والاكتفاء – غالباً- بالوقوف المجمل ، وعدم التوسع في التفصيلات الثانويَّة إلا بما يساعد على كشف المشهد فنياً ، وهذا المستوى له منحنيان : يتخذ – في الأول منها – تقنية الخيال " الفنتازيّ" أسلوباً لتكبير الواقع المحكى ، وتجسيمه للمتلقي بما يساعد على إبراز خفايا النص ، وأصدق مثال لذلك هو نص " دوران " والذي يحرك فيه " القاص" فكرة معنويّة من خلال دلالات ظاهريّة . إن تعبير: " إنه رجل غير جميل" – مثلاً – لازمة ظاهريّة الدلالة ، إلاّ أن إفادتها معنويّة محضة ، وحتى تتجسّم هذه الإفادة – الفكرة- فإن " القاص" يعرّي الشخصيّة المحوريّة ، ويظهرها في أوضاع شاذة غير منطقيَّة ، ليكشفها للقارئ / مع ملاحظة أنَّ السارد يكتفي بالوصف التعليقي وحده ، إلا من صوتٍ مرعب ينطلق من الشخصية المركزية في نهاية النص ( لا .. لا ..لا ..) ونحو هذا الأسلوب ، أو قريب منه نجده في نص " في انتظارهم" و "خيزرانة" مع الفارق في الكيفيّة " السرديّة " حيث يتخلى "القاص" في هذين النصين عن دوره التعليقي التَّام ، فبدا نص "في انتظارهم" مسنداً إلى ضمير المتكلم ، بينما نص "خيزرانة" يظل فيه الراوي خلف الستار مع إتاحة الفرصة لظهور الشخوص المتكلمة ، والمعبرة عن نفسها ، بإتاحة بنائية الحوار للظهور أما المنحى الآخر من المستوى الثاني ، فيتمثل بإزاحة تقنية الخيال "الفنتازي" ، والولوج إلى مستوى من الواقعية السردية مع استخدام بنائية الحوار ، والتخلي عن الدور التعليقي التام / وأهم تلك النصوص : " كرة الحديد / مطاردة / الكتابان/ قبو وحرائق .. وتتميّز نحو هذه النصوص إجمالاً بالطول النسبي للزمن الموضوعي غالباً وبتعدديَّة المكان – غالباً- نحو " كرة الحديد" / كما تتميَّز بحضور الشخوص وفق درجات ثلاث :
- أولاها: حضور الشخصيات بأسمائها نظير نص " كرة الحديد" " في انتظارهم".
- ثانيها : حضورها الوصفي ، بتغييب الأسماء نظير " الكتابان ، مطاردة "
- ثالثها : حضور الشخوص برموزها ، بتجريدها من خصائصها ، والاكتفاء بما يشار إليها ، وشاهد ذلك نص " قبو وحرائق" والذي تتجرد فيه الشخوص من خصائصها المدنية كالاسم ، واللقب ، والطول ، والقصر ، وهو تقليد نجده لدى كاتب القصة التشيكي " فرانز كافكا" والذي تميّزت كتاباته الروائية بنحو هذه التجريدية ، والهدف هو تقني محض ؛حيث تعطي هذه التجريدية نوعاً من الغموض والإبهام للشخصيات المحوريّة ، وتنقل القارئ إلى عالم من غموض مريب ، يثير فضول المتلقي ويستفزّ حواسه ، بفضل ما يهيئه القاص من أجواء الغموض التي تحيط بالحدث ، أو الحوادث وقد بدت هذه القصّة على درجة كبيرة من الحبك اللغوي ، فلا تنافر ، أو تناقض للوقائع الجزئيَّة الصغرى المكونة للنص ، حيث يتراءى النزاع " الشابلوني" من أوله وحتى النهاية الدرامية لأحد الرمزين وقد تميز المنحى الآخر ( الثاني) من المستوى الثاني ووفقاً لبنائية الحوار بثلاث سمات واضحة :
أولاها: استعمال الحوار العامّي ، كما في " مطاردة " .
وثانيها: استعمال الحوار الفصيح،كما في " الكتابان".
وثالثها: الاستغناء عن الحوار ، والاكتفاء بوصف الأفعال ، والحركات التي تقوم بها شخوص النصوص كما في " انتظارهم" و " الكراسي"..
وإذا كان " السارد" قد يلجأ إلى "العاميَة" في إطار الحوار لبيان مستوى فكريّ ، وثقافي معين لشخوصه ؛فإنه قد يلجأ إلى هذه " العاميّة" – أحياناً- في الإطار السياقي للوصف كما نجد ذلك في الصفحات ( 45) ، ( 37) ، ( 34) ، (55) بتوظيفها في صور خيالية تكون أحياناً غايةً في الابتذال نحو قوله :
" قرحت طماشة الضحك" ص34 ، وهي كما نعلم من الصور اللقيطة ، والملتاثة ، ولا صلة لها بالعمل الفنيّ الذي يُشترط فيه حضور اللغة الأدبية ؛ إذْ أنّ الابتذالية التعبيرية تجعل من النص أقرب إلى العاميَّة منه إلى الفصحى ، وهو ما نجده شاهداً في قصَّة " مطاردة " والتي انحدر مستواها الصياغي كثيراً بسبب من تدنٍ في الحضور اللغوي.
وخلاصة لهذه الكشوف يجب أنْ نقرر بأننا لجأنا إلى القاعدة العامَّة ، ونحن نستنبط الخلاصات السالفة ، فإذا كنا – مثلاً- قد قررنا بانَّ غوص الكاتب وراء التفاصيل الجزئية ، الثانوية يصاحبها – عادةً- إزاحة لبنائية الحوار ، وهيمنة السرد التعليقي الواقع خارج الحدث ، فإن ذلك لايعني الإزاحة التامَّة لهذه البنائيّة كما في نص " وجوم" الذي تخلله بعض الحوار ، ولكنها قاعدة استثنائية في نصوص الكاتب ، ولايعوّل عليها كثيراً لهيمنة القاعدة العامّة .. ونحو ذلك قل في حضور بنائية الحوار على المستوى الثَّاني ؛ إذْ قد نجد كسراً لهذه القاعدة في بعض النصوص نحو " في انتظارهم" ولكنها استثنائية – كما ذكرنا – وقررنا سابقاً.
• أبعاد معنويَّة:
ومن الأبعاد المعنويَّة لنصوص " محمد أحمد عثمان" أنها قائمة على ثلاثة اتجاهات فنيَّة :
- أولاها: الاتجاه الجدلي للأحداث ، وأعني به بقاء بعض النصوص مفتوحة النهايات؛ مما يعني قبولها لاحتمالات التطوير من قبل القارئ.. ولعل أصدق شاهد على ذلك ، النصوص : "ثالوث، دوران ، مطارده .. ففي نص من نظير " ثالوث" ينقلنا " السارد" إلى حدث بسيط ، ذي زمان، واحد تقريباً ، حيث تظهر لنا – مبتدءاً – ثلاثة وجوه : امرأة ، قرد ، بائع متجول ، .. وبعد تطوّر متساوق للوصف ننتقل إلى حدث "الرغبة" بين البائع ، والمرأة وموقف القرد منهما ، وبعد تطور آخر ، ينتقل بنا السارد إلى الفراغ : " الباحة خاوية منهم : إمرأة ، قرد ، بائع متجوّل " ليتركنا مع تساؤلاتنا المفتوحة: أين ، وكيف ، ولماذا؟
- ثانيها: الاتجاه المغلق ، ويقصد به وضع نهاية للمشكلة التي يثيرها الناص بدءاً ؛ بإزاحة القارئ من الأسئلة التي قد تثير توتّره ، وتستفز مخيلته .. ومن أصدق النصوص على ذلك : كرة الحديد/ الكتابان / المجنون / في انتظارهم..
- ففي نص من نحو " في انتظارهم" نجد الحوادث قائمة على ملمح " فنتازيّ" إلى حد ما .. وينبني على واقع نفسي شاذ تحيا فيه الشخصية الرئيسية في النص " علوان" وهو ما يسميه علماء النفس بـ ( جنون العظمة ، أو عقدة الاضطهاد ، بتصوّر الشخص لنفسه ، وكأنه شيء ما ، وأن كل من حوله لا يحبونه ، ويترصدون خطواته في كل مكان ، وقد يصاب بها المبدعون أكثر من غيرهم بدليل أنَّ مبدعين من نحو " شوبنهاور" و " جان جاك روسو" كانوا مصابين بهذا المرض ، فنحو " شوبنهاور "كان " مصاباً بجنون العظمة ، وعقدة الاضطهاد معاً ، وكان يعتقد بأنه ملاحق باستمرار ، دون أن يلاحقه أحد "(2) كما كان
"جاك روسّو" يعتقد بأن مؤامرة تحاك ضده في كل مكان "(3)
وقد انتهى نص " في انتظارهم " دون أن يثير تساؤلاً من نحو : ماذا سيحدث بعد ذلك ؟ على الأغلب.
- وإذا كان نص "الكتابان" ينحو إلى هذا الحقل ذي الدائرة المغلقة ؛ إلاَّ أنَّ القاص لم يوفق تماماً في نقل الوقائع السرديَّة فبتفكيك أهم عناصر القصَّة نجد الآتي : لقاء المصادفة ، الكتابان الجامعيان ، الحوار الجامع بين الصديقين اللذين التقيا بعد فراق … وقد قام السارد بنقل مشهد اللقاء معتمداً على واقعة حقيقية ، لكن هذه الواقعة لم توظف سياقياً يصح أن يتواءم مع الوقائع ، أو الواقعة الأساس ، بدليل أنَّ العنوان " كتابان" لا يرتبط بالقيمة المضمونيّة ، ناهيك عن إقحام شخصَيْ القصة في حوار متكلف ، وفجّ ، ومُدخل إليه بسؤال جاف ، ومراوغ : "الحياة كم هي كم هي جميلة .. أليست الحياة جميلة ؟ (الكتابان) .. وكان الهدف من ذلك افتعال حبكة نصيَّة ، جاءت قائمة على حوار ركيك ، ومبني على ابتذال الصورة ، واللغة وعدم تجانس مكوناتها من نحو:"كانما مست الكلمة منطقة حساسة داخله " ، وقوله :"تعصف به زوبعة التغير المفاجئ" … ولعلَّ هذا التركيب – الأخير – لايحتاج إلى تعليق ، ويكفي أنْ نتساءل عنْ نوع الإيحاء في: " زوبعة التغير المفاجئ" ليسقط جميع التركيب برمته ، وقس على هذا التساؤل تعبير: "توترت على سفوح وجهه أسلاك عابسة " (الكتابان) .. إن القصة في خلاصتها تنغلق على نفسها من اتجاهات ثلاثة : الموضوع ، واللغه ، والتشكيل الحدثي .. ولعلها من بدايات الكاتب..
- أما الاتجاه الثالث فهو: الاتجاه الدائري : ولكنه لا يتجسد إلا على نص واحد هو "دهشة" هذه القصة التي كان يجب أن تحتل بمساحتها اللغويّة ، ونسيجها البنائي المحكم عنوان المجموعة برمّتها:
وذلك لتفوق الوظيفة التعبيرية في هذا النص ذي الفضائية الوجدانية العالية ، بما تشعُّه من ألوان نفسيّه تثير التأمل ، والحساسية ، ناهيك عن استيحائها لجميع عناصر القصّ الحديث فالتهيئة النصيَّة – مثلاً- تبدأ تصويريَّة حسيَّة " عبر نافذة وحيدة بستائر نصف مسدلة انسلت حزمةً من أشعة شمس الصباح وعلى بقعة صغيرة … في قاع غرفة فسيحة مربعة انتثرت كومة من حبيبات فضيَّة متلألئة"..(دهشة)
.. وقد اختار السارد زمنيَّة تتواءم مع لوازم الطفولة ، وهي "الصباح" .. موحداً بين رؤيتين : رؤيا الشمس من خلال تناثر ضوئها ، ورؤيا الطفولة في براءتها؛ ليعقد بذلك لعبة لطيفة ، وبريئة بين شمس الصباح ، وصباح الطفولة "وعد"..
وظهرت اللغة الواصفة خالية من التكلف ، بعيدة عن التعييث الفنيِّ ، وبهرجة الخيال ، فبدت السياقات الجمالية شعريَّة ، وإيحائية دون إجبار للنص ، أو قهره على وجود لغوي متصنَّع ، كما في نص " الكرسي" – مثلاً- إنه يصف بوجدانية صادقة :"وعد" طفلة عيناها فصَّان سوداوان ، وجهها من لوح شمعي منحوت ، وفمها حبَّة توت…" (دهشة) .. إنَّ التأثير النابع من نحو هذا التصوير ، يكمن سرّه في كونه مستمداً من مقام المخاطَب – المصوَّر – ( بفتح الواو) ، والذي يبعد به عن التعالق الجسدي ، إلى معانٍ شريفة لازبةً بأشرف مكونات الطفولة وهي " البراءة" وهو ما يمحُضُ اختلافه مع بقيَّة النصوص بسببٍ من المحمول الرئيسي في النص وهو "وعد" تلك الطفلة التي لا تعي الأشياء حولها ، ولا تدرك تفسيراً لمعظم الظواهر حولها ، مما يجبر القارئ على الوقوف المتأمِّل لحقيقة المشهد البصري الذي تمارس فيه "وعد" طفولتها بكل حريَّة، فهاهي تقف أمام الضوء المتناثر ( الحبيبات المتناثرة) بثوبها القصير ذي الألوان / ثم دهشتها لما تراه / تأتأتها/ خروجها من الحجرة ثم عودتها وقد أمسكت بمكنسة صغيرة ، تحاول كنس ما تراه/ الحبيبات تتسلَّق مكنستها ويديها / تنفض ما على يديها/ تتراجع / تتسمَّر/ تصمت … تقف مدهوشة.
• إنها صور رائعة نقلها إلينا القاص من وجهة نظر الطفلة نفسها ، ومن مفهومها الخاص لما تراه عيناها .. إنه لم يقل لنا أن تلك الحبيبات ناتجة عن ألوان أشعة الشمس المتداخلة مع ألوان الستارة أو النافذة .. وإنما نقل إلينا المشهد من وجهة نظر الطفلة ، وتركَ المعنى لفطنة القارئ المتأثر بالمشهد..
ولأنَّ الانفعال الصادق يولّد فناً صادقاً ، كانت هذه القصة التي انعكس جمالها على فضاءات الكاتب ، ونفسيته الحسَّاسة..
- القصَّة بدأت بدهشة الطفلة لما رأته عيناها .. وانتهت بالدهشة ، وهي مازالت " ترمق كومة من حبيبات غريبة متلالئة"…
ويمكننا القول بأنَّ هذا النص مثَّل منتهى القسم الأول من "الديوان القصصي"(4) إذْ تدخل المجموعةبعدها محوراً آخر .. وهذا التقسيم مستمد من المستويين الأساسين اللذين سارت ضمنها قصص المجموعة تبعاً لمفهوم : أسلوب الوصف المكثف للأشياء والكائنات ، وأسلوب الوصف المقتصد .. وكما حددناهما سلفاً.…..
• المستوى التصويبي:
ويقع هذا المستوى ضمن المفاهيم الآتية:
• أولاً: النسق الفني: حيث يلجأ الكاتب حيناً إلى استخدام التراكيب الإخلاليه بمفهوم النسق الفنّي كأن يلجأ إلى الأخيلة الفجَّة من نحو هذه الأنساق : " عينيه … ارتدتا بقوّة " (ص16)/ كرشة المتكوّر كنصف الكرة الأرضية ص13" / يشعل في دم الهواء المتصابي " (ص18) / تعصف به زوبعة التغير المفاجئ" (ص42)…
- أو يلجأ السارد إلى التشبيه الغلط نحو هذا الأنساق :" صخرة داكنة … خيل إليك أنها زبون" (ص8)
- فنحو هذا التشبيه المقلوب يقع خارج إطار التجانس الوصفي، لعلم الكاتب – مسبقاً – بأنَّ هذه الصخرة لم تكن سوى شخص فعليّ ،مما يُسقط التشبيه مسبقاً ، بسبب من الغلط ، والمراوغة الكاذبة للوصف .. ومن ذلك قوله :"يركض بسرعة الطير" (ص16) ، وهو غلط ، لعدم تجانس وجه الشبه بين الطائر الذي يحلّق في الفضاء ، ولا يركض ، وركض الإنسان على الأرض، مما يجعل وجه الشبه " السُّرعة" بعيداً .. ونحو ذلك " تنهمر أمطار السكوت" (ص) ، فتركيب " المطر" مقابل " السكوت" غير مجدٍ ، ولا طائل إيحائي تحته.. لافتراق خصائص كل منهما..
وعلى هذا الحقل قد يلجأ السارد إلى الأخيلة المنفرّة ، او المبتذلة فمن الأول: " أخذت ديدان الندم تنخر ألواح وجوهنا"(ص35) ، أو قوله " تلقي عليه أحجار اللوم" (ص55) أو " تصاعدت أدخنة الحسرات " (ص35) "شيعتهما بنظرة طويلة"( ص51) .. ومن الأخيلة المبتذلة : "قرحت طماشة الضحك" (ص34) "أستيقظت بداخله وطاويط الفزع " (ص) / "الكراسي تجرِّعنا لبن الذل" .. وهذا السياق الأخير يعبِّر عن جهل شديد بمفهوم الصورة الفنية ، ووظيفتها في الكتابة الفنيَّة ، وهو بغنىً عن تعليق..
- ثانياً: التجانس اللغوي:
وعلى هذا الحقل نجد ثمَّة تراكيب لا تتفّق ، مع المعنى العام للجزئيَّة المراد توضيحها ، أو القاعدة الصرفيَّة للتعبير .. من نظائر:
"التقينا صدفة" .. وقصد بذلك اللقاء الفجائي ، لكيَّ معنى"صدفة" هنا هو "الإعراض" ، ولذلك فإنَّ الأصوب هو "مصادفة" : أي على وجه غير مرتّب له .. ثم يقول " شيعتهما بنظرة" .. والتشييع وإن كان بمعنى "التوديع" .. إلاَّ أنَّ هذا التركيب قد أخذ منحىً خاصاً لكثرة ترديده مع الموتى .. لامع الأحياء..
- ومن التراكيب الأخرى المتعلقة بالوظيفة النحويَّة قوله "حلويات أبو خالد" / لا تبكي على من مات / اتفقنا أن لن يحدث أحدهما الآخر/ هي خفية كانت ترمقه .. وجميع هذه التراكيب غير فصيحة.. وتصويبها كالآتي:
حلويات أبي خالد / لا تبكِ – بحذف الياء- / اتفقا على ألا../ خفية كانت ترمقه .. بحذف الضمير المنفصل لحشويته ، وعدم فصاحته هنا…

الهوامش:
 ) هي المجموعة التي فاز بها الشاعر عام 1998م ، في مسابقة الشارقة للقصة (المركز الثالث) .
(1)- انظر مدخل الى التحليل البنيوي" مجموعة من المؤلفين / ط 1985م
(2)- أنظر : هاشم صالح " بين العبقريَّة ، والجنون " / مقال، مجّلة نزوى ، العدد (12)
(3)- المصدر السابق
(4)- قلت " الديوان" .. لأن اللفظ صحيح ، فالديوان هو " الكتاب " .. لا كتاب الشعر وحده.








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024