الأحد, 05-مايو-2024 الساعة: 11:11 م - آخر تحديث: 11:01 م (01: 08) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمر نت -
جيرالدين جانفرين* -
اتجاهات الكتابة الجديدة في القصة اليمنية المعاصرة
(1-2)
هناك نوع أدبي سردي حديث يشهد، حالياً، في اليمن ازدهاراً بارزاً هو القصة القصيرة. في دراستي لهذا النوع وخاصة لدى جيل التسعينات اهتمت بظهور كتابة جديدة تستحق التدقيق بل التقييم النقدي، على الرغم من أنها ما زالت تعاني إقصاء على مستوى المشهد الأدبي العربي لأسباب لا تتعلق بقدرتها الفنية الإبداعية.
لعل من أبرز سمات هذه الكتابة :
- البعد الداخلي وأقصد به ظاهرة الاستبطان.
- الإيجاز والتكثيف وبساطة اللغة.
- التلميح والإيحائية.
- ملامح الشعرية.
ويمكننا تصنيف القصة اليمنية الجديدة حسب أشكالها المختلفة إلى ثلاثة اتجاهات عامة أساسية هي:
- قصة تيار الوعي.
- قصة اللوحة.
- القصة القصيرة جداً.
ومن اللافت أن الكتابة الجديدة في القصة اليمنية كما في الكثير من القصص الحديثة تعتمد على التداخل بين الأنواع الأدبية والفنية (الجنوّسة) من خلال التلاقح بين تقنيات الرسم والسينما والموسيقا و الشعر, مما قاد بعض النقاد إلى التقليل من قيمة القصة الجديدة إزاء القصة القصيرة باعتبار الأخيرة نوعاً أدبياً و من ثم تسميتها القصة المضادة.
فإذا كان صحيحاً أن القصة الجديدة قد طرأ عليها الكثير من التحولات الشكلية وأنها ابتعدت شيئاً ما عن حدود القصة القصيرة في معناها التقليدي والمتداول, فإنها، تبدو مع ذلك، قد احتفظت بجوهرها بل أنها بالغت في تطوير خصوصياتها التقليدية الجوهرية من خلال عملية الإيجاز والتكثيف والتجريد.
بتعبير أخر، إذا كان هنالك من ضعف في الكتابة الجديدة في القصة اليمنية (وغيرها)فلا يمكن أن يكون إلا بالإفراط في عملية التصفية للقصة التقليدية القصيرة والتطرف في تلمس الجوهر القصصي بكل تجريديته.

قصة تيار الوعي
للوهلة الأولى، فإن أول ما يلفت نظرنا في مجمل النتاج القصصي اليمني طغيان الغنائية سواء تعلق الأمر بقصة تيار الوعي أم القصة اللوحة أو القصة القصيرة جداً.
إنه لا يجري استخدام مصطلح تيار الوعي هنا بالمعنى العام، الذي يرتبط بفكرة التداعي وفيضان المحتوى الذهني والعاطفي المعقد للشخصية في مواقف متعددة وفي زمن ممتد كما هو الحال في الرواية, بل كما يتجلى في القصة القصيرة حين تسند إليه وظيفة التقاط تداعيات الراوي أو الشخصية في موقف محدد وفي فاصل زمني قصيرة.
ويمكن توزيع قصص تيار الوعي إلى قسمين كبيرين:
• أحدهما امتداد للتيار الواقعي من حيث اهتمامه بالخارج الموضوعي وانطلاقه منه أساساً مع تلوين المشهد بداخلية الراوي, وسنأخذ كنموذج لهذا القسم قصة من مجموعة "حجم الرائحة" لمحمد عبدالوكيل جازم.
• أما القسم الثاني فهو يتصف بالانقلاب والتمرد على تيار الواقعي من خلال اهتمامه بالداخل المضطرب والانطلاق منه أساساً كما سنرصده في قصة نصف أنف شفة واحدة للقاصة اليمنية نادية الكوكباني.
ومن ثم فقد دخلت أحياناً غنائية هذا القسم من تيار الوعي في حوار مع سريالية الوعي وفيضانه التلقائي وذلك ما نلاحظه في قصة لا على شيء تجري للأديبة نبيلة الزبير.
ومن اللافت أن هناك قصصا تجمع بين الاتجاهات الثلاثة.

I قصة السير في اتجاه القلب لمحمد عبد الوكيل جازم[1] تقدم لنا نموذجاً واضحاً لقصة تيار الوعي الواقعي التي تصطبغ في بعض الأحيان بطابع سريالي.

في هذه القصة, الراوي ينطلق من حادثة واقعية خارجية - وهو السير في الجبل إلى القرية – لتتداعى حوله أفكاره وتأملاته وتفيض بسببها حالة الشعر لتطفو على الحدث الواقعي.
ونلاحظ هنا أنه كلما كان هذا العالم الداخلي يتسع ويبتعد عن اللحظة التي فجرته، كان شكل القصة يتغير و يبتعد عن حركة اللحظة المهمة، مقترباً من العالم الواقعي حيناً، ومن طلاقة عالم الشعر وتحرره من المعنى حيناً أخر وصولا إلى الخاتمة حيث تنقلب القصة إلى استطراد شعري تام, يغوص في التعميم والصور الشعرية المتراكمة، وينفصل عن حبكة القصة تماما.
غير أن نقطة الانطلاق الأساسية (السير في الجبل إلى القرية) تسمح لهذه القصة بأن تظل محتفظة بقدر من المنطق والمعقولية والترابط. وذلك لأن تداعيات الراوي حول القلب والطفولة والوطن وأحلامه ووحدته, مهما استطالت وتشعبت، تظل مرتبطة بالحادثة الخارجية وهي تظهر من خلال وصف الجبل والقمر والكهوف- التي تظهر بين حين وآخر، قاطعة سيل التداعيات.

لهذه الأسباب، نرى أن القصة لا تبتعد إلا قليلاً عن الخط العام للقصة القصيرة من حيث أنها تكثف الشذرات المتفرقة حول لحظة مهمة.
ويبدو أن طبيعة اللغة المستخدمة هنا، وهي لغة شعرية بالطبع، تسعى إلى تصوير حالة أكثر مما تسعى إلى نقل معنى أو صناعة حبكة قصصية، كما تختص بسمات جمالية تبتعد بها عن لغة النثر المعتادة.
في قصة محمد عبد الوكيل هذه، نلاحظ تراكم هائل للصور البلاغية. ومن المثير للتعجب أن هذه الصور، مع أنها ترتبط من ناحية بالعالم الخاص الغامض لتيار الوعي والشعر، إلا أنها تسهم من ناحية أخرى في الإحالة على واقع القرية وناسها. إنها موظفة بعناية في مهمة قصصية تقليدية هي رسم الشخصية من داخلها وإعطاء ملامح عن تاريخها. من جهة أخرى تؤدي الإطالة في وصف الحالة النفسية للراوي وظيفة الكشف عن أهم عناصر القصة، كما أنها تلقي الضوء على دوافع البطل إلى ذلك السير في الجبل، وهي دوافع تتعلق بالحنين إلى عالم الطفولة والحياة الجوهرية، مؤدية إلى جعل لحظة الوصول إلى القرية حادثة حاسمة ولحظة تنويرية للقصة كلها.

بتعبير آخر، يمكن القول إن الصور المتراكمة، التي تسهم في الارتفاع بلغة القصة عن لغة الحياة اليومية وتقترب بها من لغة الشعر، هي ذاتها التي تسهم في رسم دواخل الشخصية القصصية بالاقتراب من منطق الحياة الواقعية بل من المنطق القصصي.

II
في حين تبدأ قصة محمد عبد الوكيل وتنتهي براوٍ غائب متأمل، وبلغة أقرب إلى لغة القصيدة, تبدأ قصة نصف أنف شفة واحدة لنادية الكوكباني[2], وتنتهي من قلب الحدث وبوصف محدد وبلغة ليس فيها من المجاز الشيء الكثير.

ومع أن قصة نادية تنتمي إلى تيار الوعي ، نظرا لاعتمادها على المونولوج، تماما كما هو الحال في قصة محمد عبد الوكيل، إلا أنها تنطلق من حادثة داخلية، وهي تتطور في إطار بناء القصة القصيرة الكلاسيكية القائم على تلاحم الأحداث من بداية متوترة إلى تصاعد، وصولاً إلى نهاية مفاجئة متفجرة.
نصف أنف شفة واحدة عبارة عن مونولوج يتعلق بامرأة. من خلال المونولوج نعرف أن المرأة تبحث عن أسباب كابوس مخيف غامض ترى فيه صورة وجهها الممزقة لتكتشف أخيراً أن الوجه الممزق ليس سوى وجهها، تراه في المرآة. و نلاحظ أن المونولوج لا يرتبط فقط بمناجاة النفس بل أيضا بالسرد القصصي لأنه يتضمن أحداثا وحكايات صغيرة مرتبطة بحالة المرأة، ناهيك عن دخول كلام الشخصيات الأخرى في نسيج المونولوج الأساسي.
إلى ذلك تسير أحداث القصة في خطين متوازيين, أحدهما التساؤل حول الكابوس والأخر ينصب على تراجعات الراوي وتأملاته حول تصرفات أقاربه و اضطرابه الداخلي.
لكن هذه التداعيات تظل محكومة بالمنطق الصارم الملازم للكلام الملقى على المسرح والموجه للجمهور لأن القصة تركز على مستوى الكلام المسموع (وهذا ما يحدث في المونولوج الدرامي) وليس على مستوى الصمت والتفكير والتأملات (وهو ما يحدث في المونولوج القصصي مثلما في قصة محمد عبد الوكيل جازم). لذلك يمكننا أن نضفي على هذا المونولوج سمة الدرامية.

صحيح أن تيار الوعي، في هذه النوعية من القصص، ابتعد درجات عن البنية القصصية التقليدية لكنه لم ينقلب بها إلى البنية المضادة. فهو، على سبيل المثال، قد قام بتكسير حركة الحدث، دون أن يترك ذلك تأثيرا على طريقة تلقينا للقصة بمعناها التقليدي والتي تمكننا من استعادة أحداثها وشخوصها بوضوح.

III
على الطرف الأخر، هناك قصص أخذت الموقف النقيض سواء من حيث علاقتها بالواقع أو من حيث موقفها من التقاليد الفنية المستقرة. وكان تيار الوعي أحد الروافد الهامة التي أعطت هذه القصة إمكانية إقامة عالم مضاد، يتمثل في ذلك العالم الداخلي المضطرب الذي يعتمد على الزمن النفسي والذي يمتلك منطقاً خاصاً قائماً على آلية التداعي بكل غرائبها.
قصة لا إلى شيء تجري لنبيلة الزبير[3], تقدم مثالا على هذا النوع من القصص. إذ لم يعد العالم الداخلي المصاغ، في فقرات متناثرة، يستخدم لتعميق صورة الواقع الخارجي بل أصبح الواقع الخارجي يستخدم وكأنه نوع من الإيغال في العالم الداخلي.
في هذه القصة نجد الراوية تعبر عن حيرتها وضيقها لعجزها عن التعبير وتدوين ما في أعماقها على الورق، من خلال وصف الغيمة والرعد والمطر والوحل.
إن هذا النص يجمع بين الاعتماد على منطقه الداخلي الذي يستغني عن التتابع السببي وبين الانقلاب إلى عالم سريالي لا يعتمد أي منطق.
لذلك نرى أن الأحداث تصل إلى أقصى قدر من التجريد حتى تكاد تتلاشى, إنها ليست أكثر من تهويمات الراوية. والراوية، وإن بدت وكأنها تحكي أحداثاً، إلا أننا لا نستطيع أن نتبينها أو نتعرف عليها، لأنها تتحول إلى حلم سريالي طاغ يجسد غربتها الخاصة وعجزها عن التواصل. إنها تتعامل مع الغيمة والمطر والوحل كمجردات تناجيها باعتبارها صورا لذاتها، ... لا وجود لها إلا كنقاط ترسم مراحل في دراما التغيرات التي تجيش في عقلها.
والحق أن لتكنيك تيار الوعي علاقة عميقة مع تداخل الأنواع ومع عمليات تدمير النوع الأدبي (وربما تدمير البنية عموماً) التي تجري في الكتابة الحديثة، إضافة إلى قرب القصة المكتوبة داخل هذه الشروط الفنية من الشعر. و القول بوجود قرابة بين تيار الوعي والشعر لا يعني بالطبع أنهما متطابقان، لأن الذهن في قصة تيار الوعي يتسم بأنه مضطرب ومتحول في حين يفترض الشعر قالباً محدداً من النظام المنطقي والتركيز الثابت على حالة واحدة.
إن تيار الوعي يعد تقنية روائية في الأساس، تسعى إلى رسم تحولات الشخصية وسيرتها الداخلية في موقف ما من حياتها.
وإذا بدت قصة تيار الوعي مضادة لقانون القصة، فالسبب ليس في اقترابها من الشعر بقدر استفادتها من تقنيات روائية تعمل ضد قانون الإيجاز القصصي.
*باحثة فرنسية









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024