الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 03:35 م - آخر تحديث: 05:05 ص (05: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
قراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)
محمد "جمال" الجوهري
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
المؤتمر نت -

أروى عثمان* -
مطهر الإرياني.. ذاكرة غيث (3)
"دايم الخير دايم"..

"قالت الهائمة".. صوت المرأة
قالت الهائمة: لي خل خلف البحارة
غاص قلبي وراه ولا رجع بالأمارة
خلف سبعة بحور خِلّي مهاجر ومهجور
كم تدور الدهور! كم يحتمل قلب مقهور!
والعيون غيمت وقت الفراق وأمطرت دم
والشموس اظلمت واحسَسْت عمري تهدم


صوت المرأة، في المتن الشعري لشاعرنا المعروف مطهر الإرياني، صوت للحياة، صوت الروح التي ما إن تنكفئ أو تتهشم، حتى تخلق من جديد؛ إنه صوت العنقاء، فمن موتها تُبعث وتحيا من جديد.
"قالت الهايمة"، صوت المرأة اليمنية، الريفية خاصة؛ صوت العنقاء؛ اللوحة اليومية لحياة الريف اليمني بكل تفاصيله الشاقة الأليمة، والأليفة الحانية؛ صوت للمهاجل والمغارد والمعينات. صوت المرأة إلى جانب أخيها الرجل، ألوان اللوحة الطبيعية التي عرفتها البشرية... عبر صوتهما وأهازيجهما معاً تنتفي العورات، فيهجلان معاً:
النساء: يا صباح الرضا!
الرجال: أسعد الله الصباح!
النساء: مرحبا يا رجال!
الرجال: مرحباً يا ملاح!


في الغناء تنكتم العورات تصاب بالخرس، تنتصر لغة الحياة، لغة الصبح والبكور، وشدو الطيور:
يا بنات اهجلين!
زعزعين الهجل!

زعزعة النساء للهجل في قصائد أستاذنا مطهر الإرياني إعادة خلق الحياة في وجه العدم: الفقر، العزلة، الوحشة، واغتراب الروح... الموت المجاني الذي كانت تتلظى فيه المرأة في كل أصقاع اليمن، خصوصاً في الريف. فعبر سيرورة الهجل في المكان والزمان كان اللون المختلف الإيقاع المتنوع الذي يقرع شيطان الموت المتربص في كل تفاصيل الحياة اليمنية.
لقد استطاع شاعرنا الغوص في كينونة المرأة المهدمة ونشيجها الدامي، وحولهما إلى المناداة الفطرية: "يا بنات اهجلين"، بل و"زعزعين الهجل"، اجعلنه قوة شاكمة في وجه كل من يبدد حياتكن. وقد وفق شاعرنا باختيار لفظة "زعزع"، ففي لسان العرب لفظة "زعزع" معناها: "تحريك الشيْء... حركه ليقلعه" الحركة والقلع يكونان لكل ما هو ثابت وساكن ومتساكن. والهجل مع الثبات لا يتوافقان، لا بد من تحريك وقلع الأشياء الأليمة، مثلها مثل قلع الأسنان اللبنية ورميها لعين الشمس لتعطينا أسنان أقوى وأمنع.
في لغة الهجل يعاد ترميم الروح المتهدمة، وعبر "فرتشة" الأحاديث في الحيود و"الأجبي" والشقوق تزهر الشفاه، ويرطب الجسد الناشف المتهدم:
يتنادمين بالحديث الطاهر، تسمع "فرتاش" حلو الشفاه
يتجاوبين في الحيود من شق لا شق، ما ابدع حديثهن أو صداه!


على لسان المرأة، خصوصاً قصيدة "قالت الهائمة"، جسد شاعرنا أعمق وأدق المشاعر والمعاني والوجدانات للمرأة، وخصوصاً المرأة التي غاب حبيبها في بلاد الغربة. وينم من خلال أبيات قصائده لا عن استشعاره للمعاناة فحسب، بل أن كان جزءا من مأساة المرأة اليمنية والريفية أحسه ولمسه عن قرب، فرصد النهدات والدموع، وذبول الروح والجسد انتظاراً لحبيب "خلف سبعة بحور"، والدهور تدور ولا أمارة تلوح في الأفق تلطف حياة القهر والوحشة والموت المتسلل للروح.
"قالت الهائمة"، حكاية ووثيقة تاريخية سجل تفاصيلها شاعرنا لتشهد تلك الحياة المتشظية للمرأة الريفية التي دفعت ثمنها باهضاً، فقراً وعزلة وكبتاً وحرماناً.
ويوفق شاعرنا الجليل في اختيار مفردة "الهائمة" أكثر من أي تعبير عن حالات الوجد والعشق؛ فـ"الهائمة" كما يوردها ابن الجوزية في روضة المحبين ونزهة المشتاقين: "وأما الهيام قال في الصحاح: هام على وجهه يهيم هيماً وهيمانا... والهُيام بالضم أشد العطش والهيام كالجنون، داء يأخذ الإبل فتهيم فلا ترعى". وهكذا كانت هائمة اليمن.
لا ينسى شاعرنا في غمرة حديث الهائمات الأليم أن يسكب بعض الأماني كما في أهازيج النساء الشفاهية، حيث تقول إحدى الأمنيات:
ليت عندي جناح أو قلب هكام
واتبعك في الصباح أو في المساء جُنح الاظلام


تعد قصيدة "قالت الهائمة" من أقوى قصائده وأكثرها تأثيراً من وجهة نظري بجانب قصيدة "فوق الجبل"، و"خطر غصن القنا"، و"القافلة"، و"البالة". لنتأمل فقط هذا البيت الشعري من قصيدة "قالت الهائمة":
العيون غيمت وقت الفراق وامطرت دم
والشموس اظلمت واحسَسْت عمري تهدم


أو
نبع دمعي وقف، وفي عروقي دمي جف
والفؤاد بالتلف، والجسم من لهفته شف


أمام هذين البيتين من جملة قصائده الرائعة لا يملك المرء إلا أن يقف إجلالاً أمام ما أحدثته هذا الأبيات في وجداننا ووجدان أمهاتنا وجداتنا لعقود من الزمن من مئات المشاعر المختلفة خصوصاً تعبير "عمري تهدم" (وهذه قراءة سريعة لا تفي النص حقه).
بجانب صوت المرأة اليمنية بزعزعة الهجل لمغالبة أروقة الموت النفسي والجسدي، يعبر مطهر الإرياني، عن دعوات المظلومات والمكلومات، حيث يقول على لسانهن:
يا اهل هذا البلد، من ذي بحكمي تقلد؟
لا نرى له ولد، ولا شفع له محمد!


وبالعدسة الروحية الشفافة نفسها التي سجل بها الأستاذ مطهر رحلات النهدات والشجن والانكفاء، سجل أيضاً صوت الحياة اليومية للجارات والأحاديث:
هذه قالت:
الجمر رمع
ما عاد معياش لصاه
والثانية قالت:
الكبريت ما عاد ينفع
من صنعة الوقت آه!


أو حديث الأم مع ابنها:
والطفل يصرخ ويظهر إنه قام يرضع
وامه تقول هي فداه


وصوت الخالة (زوجة الأب) مع ابنة الزوج وهي تصرخ عليها من السطح تقول:
"يا داهجة، يا مصحبة!" هات وتقلع
كلام ظاهر جفاه


وهذه الفتاة التي تُشهد الناس على أبيها الطماع:
قلدكم الله! اشهدوا حين يرجع
أبي وكُفّوا غواه
شاقول لابي: من بالجور والظلم يبدع
ارحم عذابي أباه!



نـــــــــــــــداء:
المراسلة: خطوة أولى لحماية تراثنا الشعبي، إجمع ودوِّن ما تستطيع جمعه من تراث، وأرسله إلى: بيت الموروث الشعبي، صنعاء، باب البلقة، ص. ب:33081، فاكس: 482178.
[email protected]

*نقلاً عن السياسية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024