قال الحكيم علي بن زايد (3-5) حتماً إن المعرفة تجارب، والحكمة استنتاج موفق. ولكن أي تجارب تلك التي ألهمت ابن زايد بكل تلك المعارف التي حملها إلينا في ساعات غفلتنا، وأمست دليلنا الحكيم في كل سبيل أو رجاء!؟ فإن قلنا إنها تجارب العمر فإننا – بلا شك- لن نجد في سنواته متسعاً وفيراً للصيرورة بتلك الذات الإنسانية النبيلة المعبرة عن هوية شعبها، بكل ما يتفصل فيها من خصوصيات وملامح وكينونة اجتماعية وثقافية. فالاقتراب للتصديق أن يكون علي بن زايد خلاصة تاريخية تشخيصية لواقع الحال اليمني وكل ظروفه وملابساته. وهذه الخلاصة، مهما كان اسمها، كانت قادرة على توثيق مفردات حقبها المختلفة بفعل الديناميكية المحافظة للمجتمع أولاً، والأفق الحذر الذي تبلور بين طيات الوعي الثقافي للفرد ثانياً، والذي كان متهيباً من الانفتاح على الجديد. إذن فالحكيم علي بن زايد انتزع صيته من طبيعة فلسفة عصره لمفردات الحياة، ومن مهاراته في التمعن ملياً بتلك الفلسفة، وتمييز عناصرها ، وتنقية أبجدياتها بكثير من الجهد وبعد النظر الذي أحالها في آخر الأمر إلى مورد خصب للفضيلة الإنسانية. ومن هنا وجدنا الحكيم علي بن زايد يترجم دروساً عظيمة من القيم الإنسانية الثابتة. ويؤكد لأبناء قومه: · عز القبيلي بلاده. ولو تجرع وباها. فليس من كرامة للمرء أعظم من تلك التي يمنحها أياه وجوده مع بقية أهله وأبناء قبيلته، لأن وضعاً كهذا سيكون أقدر على امتلاك الذات بالكامل، والحفاظ على استقلاليتها وهو المعنى الذي يؤكد في النص التالي: · يا من بزَّى ولد غيره. يخرج ودمعه همولاْ. ومن زرع مال غيرهْ. يخرج وفيه السبولاْ. لعل النص السابق هو من روائع التصوير الفني لواقع الحال الانفصام الفردي عن أدوات امتلاك الذات المستقلة، وغير المتكلة على موارد الآخرين التي لا يمكن أن تعود بمخرجاتها لمن لا يمتلكها.. فتلك ليست مشكلة علي بن زايد وحده بل مشكلة تجارب بشريه سابقة، وأيضاً مشكلتنا نحن اليوم التي تكاد تقصم ظهورنا بما يقدمه لنا الغير من عون، ومقومات عاجزة عن تلبية أسباب نجاح دولنا السياسية. أعتقد أن الحكيم علي بن زايد لم يكن يؤمن بفلسفة القوة المسيطرة بقدر إيمانه بالحكمة الراجحة التي تحسن استغلال الفرص – مهما كانت صغيرة- تبديد عناصر القوة عند الخصم التي غالباً ما تأتي على حساب تصور الفكر وضعف النَّظر والفهم لأمور الحياة وهذا يجسد في النص التالي: · المال ما ياكله ذيبْ. ولا زنينه تضرهْ. المال كله موراك. وأن يصادف ولد ويلْ. باعُه وفالط رهونهْ. أن تصور الحيلة والتدبير في نظر علي بن زايد هي مؤشر على عجز الكفاءة الإنسانية للمرء، التي تحول بينه وبين الوصول إلى مخارج مناسبة. إذ يقول علي بن زايد: · لاتبع بكرتك بغداك. ولا مرقدك بعشاك. وكذلك قوله: · ومن لم سرح موحلات الأظلافْ. ينجح زمانه للعرب تلطّافْ. لقد كان علي بن زايد رجلاً حريصاً ، يقظاً من زمانه، ولا يكاد يسلم عنان نفسه إليه، ما دام الزمان على غير هدي واحد؛ فقد قال علي بن زايد: · الدهر هبّةْ بهبّةْ. أيام واحنا نروّح. وأيام ولو قلت حبهْ. وليلة مرقداً جْيدْ. وليلة في الهجيةْ. ويوم وانا مصبحْ. ويوم قصّا وثربهْ. |