الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 12:22 م - آخر تحديث: 02:33 ص (33: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة

سلاماً يا أهل اليمن السعيد

المؤتمر نت - حين وصلت صنعاء عانقتها بروحي. لم أعتذر لها عن غياب يومين. فهذا الغياب أتاح لي أن أدخل أبواباً أخرى جديدة. أضافت لي من المعرفة الشيء الكثير عن هذا البلد وأسعدت قلبي بما رأيت من السحر والجمال في - إب - تعز - وعدن -. وأتعرف على أصدقاء جدد احتفظت بعناوينهم في مفكرة قلبي الذي أَلَفَهُمْ وأحبهم. 
أيها اليمن الساحر حد الوجع. أيها المتلون المتنوع الجذاب ماذا فعلت بي؟....
المؤتمر نت-بقلم الروائية الكويتية (ليلى العثمان) -
اليمن اصبوحه قصصية ومعارض للفنون
حين وصلت صنعاء عانقتها بروحي. لم أعتذر لها عن غياب يومين. فهذا الغياب أتاح لي أن أدخل أبواباً أخرى جديدة. أضافت لي من المعرفة الشيء الكثير عن هذا البلد وأسعدت قلبي بما رأيت من السحر والجمال في - إب - تعز - وعدن -. وأتعرف على أصدقاء جدد احتفظت بعناوينهم في مفكرة قلبي الذي أَلَفَهُمْ وأحبهم.
أيها اليمن الساحر حد الوجع. أيها المتلون المتنوع الجذاب ماذا فعلت بي؟ ولماذا أحببتك كل هذا الحب؟ وأنت تستحقه. ونفسي تراودني الآن أن أحظى ببيت صغير. أجيء إليه كلما عصفت المواجع بقلبي وجسدي لأرتاح.
كنت قد تصورت أن يوم الثلاثاء يوما حراً للراحة. لكن صديقتي رؤوفة أصرت على أن أرافقها مع وفدٍ ألماني إلى - كوكبان - التي لم أرها بعد. ففرحت بالباب الجديد لكن الوفد لم يصل. ولم تتحقق الرحلة. ولم العجلة؟ الأيام قادمة. لن أترك باباً إلاّ وفتحته. بقي الكثير الكثير من الأبواب. حتى سد مأرب لم أره بعد ووعدت أولادي أن نزوره معاً في الرحلة القادمة.
قضيت فترة الصباح في الفندق. التقيت بعض الصحافة. ثم جاءت الصديقة رؤوفة - بضحكتها. وصخبها الجميل. تغدينا وأحمد في الفندق. وفي الرابعة توجهنا إلى مقيل الشاعر الكبير محمد عبد السلام منصور. هذا الشاعر المتوهج دائماً. المثقف ثقافة عالية. الممتلئ شعراً وشاعرية. ولعله الوحيد من أهل اليمن الذي أفاض عليّ من شاعريته الشيء الجميل. كان نهاراً ماطراً. نزف المطر مثل شلالات من الضوء تنحدر على الأرصفة، تغسل البيوت وزجاج الشبابيك الملون. يهرع الحمام باحثاً عن مأواه مثل حبيبة بللها الأسى فتزف نفسها إلى قلب حبيبها الدافئ لتجف ثيابها من البلل. وكنت مثل الحمامة أبحث عن مظلة تحميني ولم تكن من مظلة سوى - غترة - أحمد العواضي. التي ارتديتها بعد ذلك على الطريقة اليمنية.

مقيل شاعر
في مقيل الشاعر عبد السلام. بدأت القراءات بمقال د. المقالح المنشور في ذلك اليوم عن المرحوم - أحمد ياسين - ثم تلا عبد السلام مقالته التي شرفني بكتابتها عن كتابي - المحاكمة - ومن ثم - وكالعادة - تنوعت الأحاديث بوتائرها. الهادئة حيناً. الصاخبة حيناً آخر. فحين يلتقي الأدباء لابد من الحوارات والمناقشات الساخنة. وقد صرت من أهل الدار مما جعلني أجرؤ وأعاتب د.المقالح عن (قضية ما ) وقد أكون قسوت عليه وهو الرقيق الذي لا يستحق أن يُقسى عليه ولو بعطر زهرة. كان يتقبل عتابي مبتسماً ويبدي وجهة نظره بهدوئه الشديد - الذي يغيظ - أحياناً.
في بيت الشاعر عبد السلام أصر أن أتعرف على زوجته وبناته. وعادة أتحاشى التعرف على زوجات الأدباء والشعراء. وأزواج الأديبات والشاعرات. أفضل أن تكون المعرفة فقط مع من أتشارك معهم ومعهن في مهنة الشقاء والتعب. وأن تظل الصداقات - ثقافية - لا اجتماعية. قليلون من عقدت صداقات حميمة مع زوجاتهم ممن تعرفت عليهن صدفة ووجدت شيئاً مشتركاً بيني وبينهن. إما لتشابه في الشخصية أو لاهتمامات أخرى من ضمنها الثقافة ولا أندم على ذلك. لكنني أحرص دائماً على الابتعاد عن حياة الأدباء والشعراء الخاصة ولهذا أسباب عديدة ليس هذا مجالها. في ذلك النهار خجلت أن أرفض. وفرحت أنني فعلت. كانت زوجته عذبة في ترحيبها. بسيطة في حديثها وهادئة. وقد فوجئت
بموهبة إحدى بناته التي تتقن فن الرسم بدرجة عالية تنبئ بمستقبل باهـر.
خرجت من البيت سعيدة والمطر لم يصمت بعد. ونمت باكراً تلك الليلة استعداداً ليوم الأربعاء المشحون بالعمل. ففي المساء لدي لقاء في اتحاد الكتاب وفي الصباح لدي أصبوحة قصصيّة في بيت الثقافة بدعوة من الوزير الشاب خالد الرويشان.

الوزير المناسب
لن أجامل أهل اليمن ولا مثقفيه لو قلت انهم محظوظون بهذا الوزير. فهو ليس بعيداً عن شأن الثقافة والأدب هو قاص وأديب يعرف هموم المثقفين والأدباء، يعرف أحلامهم وطموحهم ولذلك كان الرجل المناسب في المكان المناسب. كنت في كل جلساتي أنبش بالزملاء لأسمع رأيهم فيه، فوجدت الرضا والاعتزاز به. يذكرون انجازاته واهتمامه وحرصه أن تكون ثقافة صنعاء وهي - عاصمة للثقافة- في مقدمة الثقافات العربيّة. وقد شاهدت العديد من النشاطات التي رعاها في زيارتي الأولى وهذه الزيارة. وفي جعبته الشيء الكثير الذي يود أن يحققه. حين دخلت مقر بيت الثقافة. لفتت نظري اللوحة المحفورة على حجر الجدار. فهذا البيت (هدية من المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح إلى الشعب اليمني الشقيق عام 1968) رحم الله ذلك القائد الذي نطلق عليه «أبو الديمقراطية» في عهده نالت الكويت استقلالها وازدهرت الثقافة والعلوم. وفتحت للعرب أبوابها الوسيعة.

معارض فنية
قبل بدء الأصبوحة. تجولنا في معرض الفنانة اليمنية - ابتسام العلفي - كان معرضاً متنوعاً في مواضيعه وموادّه أيضاً - زيتية، مائية، رسم على زجاج وغيره من المواد التي لست ضليعة بها رغم أن ابنتي الفنانة تستخدمها.
وفي الطابق الثاني شاهدت معرضاً لفن الكاريكاتير لفنانين شابين: سامر الشميري وأسامة الشميري. ظننت أنهما أخوان. لكنهما وللغرابة تشاركا في اسم العائلة. وكلاهما ولد من أم مصرية وكلاهما خصه الله بموهبة الرسم. في هذا المعرض الرائع توجعت. لقد رأيت مصائب وخيبات وانتكاسات وطننا العربي مجسدة في الرسوم. أصابع دقيقة ضغطت على جروح الأمة المتقيحة. كشفت الأمراض - المستعصية - والتي ربما ستظل مستعصية. أطلق الفنانان عنواناً لمعرضهما «صرخات صامته». إنها حقاً صرخات لكنها رغم صمتها صرخات عاصفة وموجعة. وقد قامت وزارة الثقافة بعمل كتيب صغير احتوى هذه الرسومات «المضحكة المبكية» وكتب الوزير كلمة رائعة مفتتحاً فيها هذا الكتيب: «نحن إزاء رَسامَين متميزَين، فكرةً، ودقةً، وأفقا، وأحسبُ أن مستقبلاً مشرقاً ينتظرهما عند عتبة بيت الثقافة ! بمعني أن هذا المستقبل قد بدأ للتَّو،.. فهما فنانان مكتملان. ولعل الصحافة الحيَّة - إذا كانت حيَّة ! - أن تفتح بياض قلبها، وحنان ذراعيها للفنانَين الرائعَين. إنهما يشكلان معزوفةً بألوان طيفٍ متناغم،.. نجمان بزغا كبيرَين !.. تأمَّل معي آلامهما وآمالهما بين دفَّتي هذه الصفحات».
هذه المواهب الطالعة من قلب صنعاء. أتمنى لو تجد لها مكانا في الصحافة العربيّة بعد هذا التجوال الموجع رغم جماله. بدأت الأصبوحة التي أردتها أن تكون مثل «السندويتش» خفيفة على السمع. فاخترت القصص القصيرة جداً جداً التي لقيت صدى جيداً لدى الجمهور. لقد سعدت كثيراً في هذه الأصبوحة. وما أضاف لسعادتي أن كان على رأس الحضور وزير الثقافة ووكيلة الوزارة والشاعرين الكبيرين د. المقالح والأستاذ سليمان العيسى. والعديد من أدباء وأديبات اليمن. وسعدت أن من قدمتني الشاعرة الصديقة هدى أبلان التي أحببتها وأحببت شعرها الذي قرأته قبل وبعد أن أعرفها. وكانت سعادتي الأكبر حين قدم لي الوزير الأديب خالد رويشان درع الثقافة، لقد احتشدت روحي بالدموع. ماذا يفعل بي أهل اليمن؟

حفل فني وتكريم
لم يغلق الباب بعد.. فوجئت بعد الأصبوحة أن هناك حفلاً غنائياً يتم فيه تكريم فنان اليمن الكبير محمد محسن عطروش. وبمناسبة - صنعاء عاصمة ثقافية - قرر وزير الثقافة أن يكرّم الفنانين. تقديراً لعطاءاتهم الكبيرة في مجال الأغنية اليمنية واسهاماتهم في تطويرها وتحديثها. ويقام التكريم للفنانين كل أسبوعين. ألقى وزير الثقافة كلمة في بداية الحفل. حفلت باللغة الشعرية: «صباح الخير والفن والشعر والجمال». وأشاد بالفنان وانجازاته. وأجمل ما وصف به الفنان أن استوحى من اسمه أحلى الجُمل: «محمد: يحمد على ما قدم. محسن: «تحسين كل شيء من نغم وكلمة. وعطروش: عطر يُرش ونغم يوزع» وأعلن أن هذه بداية لتكريم كل الفنانين.
أما الفنان. فقد ألقى كلمة - ارتجالية - ذات وقع جميل على السامعين. لغة متميّزة. وتعبير بليغ عن فرحه بهذه المناسبة. وبروح وطنية عالية أشاد بوطنه. وبالفن. وبمبادرة الوزير الشاب.
والفنان - عطروش - ابن أسرة فقيرة. ولد في قرية المحل (محافظة أبين) وهو أحد الابناء الاثني عشر بني وبنات الشيخ المقرئ العلامة محسن عبد الله عطروش. اشتغل راعياً للغنم. ثم عاملاً لأزرار الملابس الخاصة بملابس الجيش. يجيد اللغة العربية صرفاً ونحواً. خريج جامعة القاهرة في الأدب الانجليزي وهو من القلائل الذين يجيدون الانجليزية لغة وأدباً. عمل مدرساً للرياضيات واللغة الانجليزية. ثم انتقل إلى وزارة الثقافة بصفته فناناً. عشق الموسيقى. وله العديد من الأشعار والاجتهادات والمفاهيم في الأغنية والتراث والفولكلور. حصل على وسام عيد العلم أيام الرئيس عبد الناصر في مصر. بدأ الحفل الذي عزفت به الفرقة الوطنية للموسيقى والانشاد بقيادة عبد الباسط الحارثي.
وانطلق صوت الفنان الرخيم القوي - رغم السنوات - غنى بداية لصنعاء عاصمة العرب الثقافية». صنعاء يا صرح البنيان.. يا قبلة العرب الثقافية.
«يا إرثنا الباقي المصان. عبر الزمن حرة وعصرية»
وحين غنى: «برع يا استعمار» وهي أغنية وطنية شهيرة. عصفت القاعة بالتصفيق وتريد - اللآزمه - برع يا استعمار برع.. عن أرض الأحرار برّع. برع والاّ الليلة يكويك التيار. برع ". لحنّا وكلمات وصوت. غناء يهز المشاعر والوجدان.
كل الأغاني كانت من شعره وألحانه. أدى بعضها وأدت الفرقة بعضها بصوت جماعي. وأدى إحداها الفنان الشاب بكر عوض أحمد ابن الفنان الكبير عوض أحمد. أدهشني صوت هذا الشاب. صافياً - كالعسل الدوعني - قوياً قوة الجبال معبرا وشجياً. هذا الصوت الذي لا نعرفه ولا تقدمه وسائل إعلامنا العربية التي تقدم لنا الغث من الأصوات. بل لا شيء من الأصوات. ولا الكلمات.
وصار الغناء مجرد أجساد ترقص على ألحانٍ سريعة فجّة. أتمنى أن يسمعه جمهور الكويت. وكبار الملحنين. سوف يجدون ضالتهم في هذا الصوت الجميل.
بعد انتهاء الحفل قام وزير الثقافة بتكريم الفنان - مادياً ومعنوياً - وقدم له درع التكريم: «صنعاء عاصمة ثقافية».
خرجت سعيدة بما رأيت وسمعت. مغمورة بالانتشاء من هذا التكريم والفن الأصيل.
دعوة الغذاء كانت من أعضاء اتحاد الكتاب. ولعلهم قرأوا في مقالاتي الأولى أنني أحببت مطعم - الشيباني - الذي دعانا إليه في المرة الأولى د. المقالح فكانت الدعوة هناك. هذا المطعم البسيط الذي يقدم أشهى المأكولات اليمنية.
وأيضاً كان جاري د. المقالح. ولكم أن تتخيلوا وضعي كالمرات السابقة.
يترك صحنه ويشحن صحني فآكل دون حسيب ولا رقيب من نفسي. وأتصور أنني لو قضيت في اليمن شهراً متواصلاً لخسرت رشاقتي التي حصلت عليها بشق النفس.

في اتحاد الكتاب
في الساعة الرابعة توجهنا إلى مقر الاتحاد. صافحني وجه طفولي يرتدي عمامة بيضاء صغيرة ويرحب بي ترحيباً حاراً. قالوا: هذا عمّ عبده الذي ستشربين من يده أحلى شاي. قلت: أريد قهوة. «يا للقهوة التي تستعمرني» جاءت القهوة متقنة الصنع وبلا سكر كما أحبها. فعدلت مزاجي قبل البدء بالأمسية كما عدلته مشاعر عم عبده الفائضة بالحب إلى الكويت. قدمتني على المنصة الشاعرة الصديقة ناديا العمري. بكلمة شاعرية رقيقة. ثم قرأت ورقتي التي حظيت بحسن استماع كبير. وبعد النقاش. تكرم رئيس الاتحاد الأديب - أحمد قاسم دماج - بتقديم درع اتحاد الكتاب الذي كان أجمل هدية أُضيفت لدرع جامعة عدن ودرع وزارة الثقافة.

الخطوط اليمنية
كان يفترض أن أغادر صنعاء إلى الكويت في الساعة الثامنة مساءً. لكن لقائي باتحاد الكتاب ولضيق الوقت أجل سفري إلى صباح السبت. وقد خجلت من هذا التأخير الذي اضطررت إليه. لكنه على الأقل جعلني أكتشف سلبيّة من السلبيات التي أزعجتني وأرهقتني كما أرهقت الصديق أحمد العواضي والسائق سعد.
فالخطوط اليمنية - مع الأسف - لا تمتاز بخدمة جيدة. ولا تحترم أوقات المسافر ثلاثة أيام ونحن نركض منها و إليها لنحصل على الحجز. يؤكدون. ثم يغيّرون خط السفر. اضطررت أن ألغي تذكرة عودتي المحجوزة من الكويت. وأشتري بطاقة أخرى. ورغم ذلك لم يوفروا لي خط سير يعيدني إلى بلدي. وعليّ أن أنتظر حتى الأربعاء التالي. وهذا ما لا أستطيعه لارتباطي بسفرات أخرى. وفي آخر لحظة توجهت وأحمد إلى - خطوط الامارات - وهناك كانت الخدمة سريعة فألغيت بطاقة - اليمنية - واشتريت بطاقة جديدة ووجدت حجزاً مناسباً. وعليه قررت ألاّ أسافر على الخطوط اليمنية رغم ما يمتاز به طياروها من مهارة. فلا يشعر المسافر بمشقة الإقلاع والهبوط. والخدمة داخل الطائرة ممتازة. المضيفات متيقظات دائماً. ويبقى فقط شيء واحد أود أن أذكره لعلّ وعسى أن يلقى الاهتمام. فالوجبة التي تقدم للركاب متواضعة جداً وغير جيدة. وقد «جعت» في رحلتي في الزيارة الأولى. ولذلك حشوت معدتي في مطار الكويت قبل سفري الثاني.

«تأخيرة. وفيها خيرة»
كنت في الزيارة الأولى قد طلبت أزور - دار رعاية المعوّقين - ولم تتحقق الزيارة بسبب ضيق الوقت. وحين تغير موعد سفري وجدتها مناسبة لأقوم بهذه الزيارة. صباح الخميس. وقد كانت زيارة أثلجت قلبي وأحزنته في ذات الوقت. فحين يرى الإنسان حال هؤلاء الذين حرمتهم ظروفهم الصحيّة نعمة الحركة الكاملة، يتعلم منهم كيف تكون العزيمة وقوّة الإرادة ومعاركة الحياة والتغلب على الإعاقة بالعمل والعلم. أما الحزن فمصدره رؤية المبنى البائس الذي لا تتوفر فيه الامكانات الكاملة لخدمة هؤلاء. خاصة الأطفال. ولأهمية هذا الموضوع سأكتب عنه مفصّلاً في مقال ومقام آخر.

بيت عسلان - العسل
في الساعة الواحدة كان موعدنا على الغذاء بدعوة من وزير الثقافة خالد الرويشان في (بيت عسلان). هذا البيت الذي هو بحق حلوٌ كالعسل اليمني الأصيل. كان يملكه أحد التجار الكبار. وهو الآن مستأجر من قبل المجلس المحلي للمدينة القديمة. أما دوره الأعلى فقد استأجرته وزارة الثقافة لأجل مشروع «تجديد واجهات المدينة وتبييضها» وقد بدأت بهذا المشروع فبدت واجهات البيوت المبيضة كقلوب بيضاء تترامى أمام النظر. ويحرص الوزير الشاب على أن يدعو ضيوف اليمن ليستمتعوا بفن عمارة هذا البيت وما يحيط به من مناظر خلابة. وموقعه المرتفع يسمح للناظر أن يشاهد صنعاء القديمة مستلقية كأنثى متعبة في نهارها المليء بالحركة وضجيج الحياة. ودبيب أقدام أبنائها. وأقدام السائحين الغرباء العاشقين عطور الماضي التي ما تزال أثواب صنعاء تتبخّر بها وتحرص ألاّ يطير منها هذا البخور النادر. أما في المساء حين تغادرها ضفائر الشمس لتختبئ خلف الجبال. تنتفض هذه الأنثى المتعبة وتنثر الغبار عن ضفائرها. تشرع صدرها وجلال أنوارها. تراها عروسة متلألئة وكأن آلاف حبات الكريستال قد شُكّت على ثوبها الأنيق. أجمل ما تفعله صنعاء في مسائها الهادئ أن تعكس لك أضواؤها على زجاج الشبابيك الملون. هكذا فعلت في ذلك المساء ونحن في بيت عسلان الجميل حيث تغدينا وقضينا فترة المقيل. اقتحم الضوء المكان. توزعت الألوان على الجدران فلا حاجة لضوء الثريات ولا حتى ضوء شمعة. تحس الأضواء والزخارف تسقط روحك كلها في أفياء الألوان، تحاط برومانسية عجيبة دافئة تدغدغك وتحلق بك حيث تشتهي أعذب أحلامك الغاربة. تتمنى لو كل الذين تحبهم أن يكونوا معك يشاركونك هذه الليلة النادرة.

مسرح ـ الهواء الطلق
حول بيت عسلان مساحة شاسعة من الأراضي المتروكة للريح والغبار. تفتق ذهن الوزير الشاب عن فكرة ذكيّة لاستغلال هذه المساحات. أن يقيم أهم مشروع ثقافي.إنه انجاز نادر أن يكون في قلب المدينة القديمة - مسرح في لـهواء الطلق - وتحقق هذا المشروع , وصارت صنعاء تسهر في ليالي الثقافة على صوت الموسيقى العالمية. أروع السيمفونيات اهتزت لها الأعمدة والأشجار وآذان الناس هنا. وفي الليالي الثقافية يتعانق بتهوفن وشوبان وباخ وموزارت. وكم تمنيت لو حالفني الحظ خلال رحلتي وقضيت ليلة عالمية في هذا المسرح الذي واجهته حين انشائه رياح المتزمتين المعترضين دائماً على الفن والإبداع. لكنه ظل صامداً في وجه الريح. وليت كل مدننا العربيّة تحرص على بناء مسرحٍ كهذا.
بعد التجوال في هذا المسرح التحفة. صعدنا لبيت عسلان. وفي الصعود مشقة. فهو مرتفع. ويتوجب قطع الدرجات العالية. ستقف إن كنت «ضعيف القلب» مثلي عند كل منعرج لتستعيد أنفاسك. وقد يبعث هذا التعب بعض الضيق إلى نفسك ولكنك ما أن تصل القاعة وتطل من النافذة وترى منظر صنعاء ومسرحها ستنسى التعب ولن تندم أنك تجشمت عناء الصعود. بعد الغداء - وإن فاجأك النعاس - ستجد لك زاوية ناعمة على الوسائد الأرضية ذات الألوان الزاهية الموشاة بخيوط ذهبية وفضية. تظل عيناك سارحتان تخترق الزجاج لتراقب صنعاء بشوق. سطوح البيوت النظيفة التي تتوزع عليها «صحون الدش» وبعض بيوت للحمام الذي يطير ويحط ويهدل، وتحملك أجنحته إلى لحظة نعاسٍ وديع. في الرابعة تبدأ وصلة - المقيل - وقد ظللت خلال الزيارتين أتمنى لو أن - الموسيقى - تصاحب هذه الجلسات. ولا يترك اليمنيون أمنية ألاّ وحققوها.
في هذه الجلسة استمعنا إلى عزف العود وغناء أحد الفنانين. وأضواء المدينة المنعكسة ترقص على الألحان القديمة الشجيّة.
في الليل سيرافقك المشهد واللحن، ستكون أحلامك موشّاة بألق ذلك المساء ستجول في حاراتٍ قديمة، ستشم عطر الدارسين والهيل والحلبة والينسون. ستسمع هديل العود. ونغمات الحمام. وشجو المدينة التي تنام ولا تنام. وتشتهي لو امتد بك الحلم وأناملك - بالكاد - تلامس أنامل - حبيبٍ عصيّ على العاطفة - وتعانق نظرة حزينة تمتلئ بعاطفة تخجل أن تفصح عن نفسها حتى في الحلم.
وتنتهي الرحلة.. كنتُ وأنا أعد حقائبي التي امتلأت بالبن، بالعسل، بالهدايا الكريمة من عقود الفضة. والكتب. كنت أحس بقلبي يجهش بعد أن ودعت الأصدقاء من اقتحموا القلب بجدارة اقتحاماً هادئاً. ومن لا يزالون عند مشارف نوافذه المفتوحة.

وعند الرحيل.. بقيت أمنية
..ويبدأ الحنين قبل الرحيل يعصر القلب والسؤال المعذب: لماذا السفر؟ لماذا يحاصرنا الوقت والمسؤوليات المنتظرة هناك لنرحل سريعاً. لكن وجوه الأبناء الأحباب والشوق إليهم يخفف من وحشة الفراق. والأمل أن لك عودة أخرى يزيح ضجر الحزن. ويجعل دموعك الحزينة لفراق كل الذين أحببتهم تؤملك أنها ستكون دموع فرح حين تلتقي من ينتظرون عودتك سالماً.
لم تبق في نفسي أمنية وأنا أغادر اليمن إلاّ واحدة قد تبدو ساذجة ومضحكة لكنها أمنية على كل حال. لقد تمنيت أن أعتلي ظهر «حمار» وألتقط لي صورة معه.
هذا الحيوان الذي أحبه. وأحترمه فعلاً. لصبره. ودأبه. وصمته. لقد افتقدناه في الكويت بعد أن كان صديق طفولتنا في مزارع الفنطاس. لقد حققت هذه الأمنية مرة واحدة قبل سنوات حين كنت في مدينة «الرقة الرائعة» في سوريا. كان حماراً هادئاً رحب بجلوسي على ظهره. فطلبت من أحدهم أن يلتقط لي صورة للذكرى. فرحت. لكنها «فرحة ما تمت». فقد فوجئت بعد أن عدت إلى الكويت بأن الذي التقط لي الصورة التقط وجه الحمار وقطع وجهي. حزنت وأعطيت الذي صورني العذر. فلعله وجد وجه الحمار أجمل من وجهي. ولهذا أريد أن أحقق أمنيتي في اليمن وأحظى بصورة مع الحمار على أن أختار مصوّراً يحب وجهي.
في زيارتي لأحد المكاتب السياسية. رأيت «بوستراً لطفلة تركب الحمار» فما كان من أحمد العواضي إلاّ أن طلب لي واحداً قدمه لي فقلت: أريد صورة لي مثل هذه الطفلة. ضحك وقال: «تخيلي أنك هذه الطفلة».
هكذا.. ستظل أمنيتي حتى أعود ثانية إلى اليمن. ولن أعود إلاّ بصورتي مع صديقي الحمار. سلاماً يا أهل اليمن السعيد. سلاماً يا من تسعدون ضيوفكم. سلاماً لعيون تستقبلنا محتشدة بالفرح وتودعنا غائمة بالحزن. سلاماً لمن يصرون عليك أن تمدد إقامتك وتبقى. ولمن يسألونك: متى تسافر؟ فتحسبهم قد ضاقوا منك لكنك تكتشف أن السؤال يأتي لأجل أن يرتبوا لك برنامجاً جديداً يفتح لك أبواباً جديدة من أبواب اليمن.. كما فتحوا لك أبواب قلوبهم فتربعت فيها سعيداً.
نقلاً عن القبس الكويتية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024