محمد علي سعد - جمل أنت ياصاحبي في الصبر والاصطبار.. جمل أنت ياصاحبي في التحمل والاحتمال.. قادر أنت على كتمان الآه ونسيان ضربات حتى الإماتة بين الخاصرة والنحر.
آه ياصاحبي كيف أصبحت جملاً وأنت من برج السرطان؟! فكتب الفلك والنجوم تخبرنا أن أصحاب برج السرطان أرق قلوباً وأكثر حساسية وأنبل مشاعر.. أنت من برج الوداعة والتسامح والحب والجري وراء جمال الله في أرض الله.. فكيف صرت جملاً يمشي على اثنين ويتحمل بكامله رعونة الأبراج!! أدهشتني إجابته حين قال: القدر جعلني أتعامل مع أناس من أبراج عجيبة.. الثور، الحمل، العقرب، ومع من علمهم السحر وهو من برج الأذى المشتق من برج الشيطان!.
وضعني قدري في طريق أصحابه من أبراج الافتراس والاقتتال والملاحقة والخصومة، فبعضهم رضع من ذئبة وأنس لضبع! لذا فإن اصطباري على ما ابتلاني ربي أقبله بطيب خاطر وتعب روح ومشاعر لكنه قدري ما سمعنا أن أحدا أفلح في الهروب من قدره.
فمكتوب علي أن أحاور تيسا وأناقش ثورا وأبحث قضايا مع عقرب وأحاول أن أقنع من لا عقل له، فمن تعبي تعلمت الصبر، ومن قبولي لقدري وخط أقداري تجرعت الاصطبار، مقتنعا أنا من أن البقاء للأفضل لا للأقوى.. البقاء للعقل والتحضر والجمال والحب.. وما هذه البشاعة إلا ظاهرة عابرة ستمضي لحال سبيلها في حديقة الحيوان التي لا تزال تفتقر للكثير من الحيوانات على الرغم من كثرتهم هذه الأيام!!.
جمل أنت ياصاحبي.. قل لي بربك ما تصنع هذه الأيام.. يرد: أتابع الديمقراطية فهي صوت وصورة الحياة اليوم.
الكل ديمقراطي مغرم بها يدافع عنها مطالبا بها، والكل يتظاهر بالآدمية وعندما يحل الليل تطلع أنيابهم ويعودون لسيرتهم الأولى ذئاباً تفترس كل ما يصادفها في الطريق، ولا تعذر حتى غنم الراعي الذي عقدت معه صلحاً.
فرح أنا بالديمقراطية فهي تلزم بعض البشر أن يتعلموا التمثيل ويجيدوه. مهم أن يتعلم الآدمي شيئا ويتقنه حتى لو كان تمثيلا ديمقراطيا.. جمل أنت يا صاحبي.. لم أسمعك تئن من الضربات الموجعة التي سمعناها تسقط على ظهرك العاري وجسدك المتعب الآمن!!
يرد: ضاع صوتي مني بعد أن أعطيته لصاحبي الساكت على ضربي، وضاع مني حقي في الاعتراض عندما مزجت روحي وعقلي وشرف مواقفي مع الذين نسوا مواقف البشر ويذكرون أين وقفوا هم وحدهم!! لكنك بالقطع ستسمع صوتي ورجع الصدى لأنه عندما يكون في الأرض آذان تسمع وقلوب تحن، وبشر تشعر لك وبك.، وعقول تتأمل ما أنت فيه فتعمل على تغييره رفعاً للظلم، ستسمع صوتي إذا أصر الذين آذانهم تملأ الوطن ومزروعة في كل جدران المدينة على ممارسة الصمم معي ومع آدميتي الصارخة قهراً وكمداً.
جمل أنت ياصاحبي ماذا بقي لك؟ بقي أن أقول لك أنك تورطني في البوح، وتورطني في الكلام وللجدران آذان، وللأزقة عيون، لكن وأسفي أن كل تلك الآذان والعيون والألسن تفتقر لعقول تفرق بين الحق والباطل، وتنصف المظلوم من الظلم، وتكافئ الذين يستحقون من مال الذين لا حق لهم، ولا تجتهد بالإضافة عند كتابة التقارير.
حسن .. جمل أنا، وحمار أنا، ورعوي أنا، ومواطن أنا، فمالك أنت بي، كفى توريطاً فأنا بانتظار البراءة وبانتظار قرر الحياة وبانتظار رضا الناس.. أما رضا الرب فإنه معي بفضل دعوات أسرتي، أطال الله في عمرها، أسكت فأنا جمل وحمار وأي شيء آخر المهم ألا يزعل جماعة برج الأذى من مخلوق هو من برج السرطان.
قليل حظ
توطئة:
كثيرون هم الذين يحفظون تواريخ ميلادهم وينتظرونها من عام الى عام للاحتفال بها.. وهناك من يحاولون نسيان ذلك التاريخ وبين الحفظ والنسيان ثمة رحلة دفعت الأول للحفظ وتدفع الآخر للنسيان.
حظي من هذه الدنيا قليل، حتى القليل من الفرح والسعادة والاستقرار الذي نلته جاء بعد عناء وتعب وشقاء، جاء بعد ألم وتأقلم مع الجرح لدرجة صار فيها طعم السعادة مقرونا بشيء من طعم العلقم وكأنه ضريبة دائمة الدفع.
حظي من الدنيا قليل.. فأصدقائي الخلص رحلوا مبكراً وأناسي الطيبون جاءت حظوظهم معي فرقة وابتعاداً.. وحظي من الدنيا قليل، فالمال الذي أجنيه يرحل، والفائدة التي أنالها تصاب بخسارة، والادخار الذي أوفره سريعا ما تمتد يد الحاجة إليه.. لذا فأنا ومنذ سنوات أصرف ما أناله سريعا حتى لا أضطر لصرفه مكرهاً.
حظي من الدنيا قليل.. والذين عملت عملهم أعطيتهم جهداً وإخلاصاً وعملاً متميزاً أكثر مما أعطوني، ومنحتهم أفكاراً وصححت لهم أخطاء وبنيت لهم جسور علاقات، وفتحت لهم أبواباً كانت موصدة في وجوههم.. وبعد أن دخلوها وحصلوا على ما حصلوا عليه أعطوني "شكراً" غير قابلة للصرف، وكأن كثيرين ممن عملت معهم ينتمون لفصيلة الأشجار المتسلقة، لا لبني البشر.
حظي من الدنيا قليل.. فالأشياء التي تكون بيدي تكون عديمة الفائدة، فما أن أعطيها لأحد أو ألقي بها خارجاً صار يصبح وزنها ذهباً وتقفز حاجتي لها بصورة عجيبة.
حظي من الدنيا قليل.. فشهر ميلادي عندما يحل من كل عام تلقى المشاكل في وجهي وكأنها محصلة العام وحصيلته الدائمة، من هنا صرت أخاف قدوم شهر مولدي توجسا من المصائب والمصاعب التي سيحملها إلي وكأنه موعد سنوي مع المتاعب.
حظي من الدنيا قليل..
فأنا المسئول عن اختيار أصحابي وأصدقائي ونكبتهم بي.
وأنا المسئول عن اختيار مهنتي والمشاكل التي أتجرعها من اختيار تلك المهنة.
وأنا المسئول عن اختيار مواقفي السياسية وحجم العداء من الآخر بحقي.
وأنا المسئول عن كل شيء وأي شيء إلا ما خطه قدري!!
ولكني لا أعتقد أني مسئول عن مولدي في شهر يوليو، ومع ذلك كله أتمنى حين يحين موعد موتي أن أموت واقفاً كالأشجار بإذن الله.
همسة حزينة
تضيق بنا المدن لدرجة الاختناق عندما تبنى من آذان تسمع وعيون ترصد وعقول لا تقوى على التفريق.
تضيق بنا الصدور لدرجة الانفجار عندما يموت الحب وتذبح المشاعر ويصبح الغدر والنيل عنوة من الحق هو العملة "سيدة التداول".
تضيق بنا أنفسنا من أنفسنا حتى نكون مكرهين على قول نقيض الحقيقة، ومتمسكين بثوب الشيطان نتبعه ونلبي أوامره دون إمعان لعقل فيما يطلب منا وتصبح حياة الآدمي عبئاً إضافياً وعبثية فارغة من أعماقها.
تلاحقنا اللعنات الى القبور حين نتحول لمرابين وسماسرة مواقف وانتهازيي ظروف وناهبي حقوق.. تلاحقنا اللعنات فلا نقوى على ردها او الارتداد عما نحن فيه فنعود نلعنها لأنها تلاحقنا باللعنة حرصا علينا.
تصبح الحياة شركا همجيا حين نكتشف كل يوم أن العلاقات بين البشر قد تحولت من تكافل ومساندة محترمة لمحاضر تكتب وتقارير ترفع عن نكت أردت قولها على مسامع الحضور!!