المزيد من إستطلاعات وتقارير
|
|
صحفيو العراق بين حكومة تتوعدهم ومسلحين يطاردونهم
الأحد, 23-أبريل-2006المؤتمرنت -
لم تعد مهنتنا هي مهنة البحث عن المتاعب، لقد تحولت إلى مهنة البحث عن الموت"، هكذا يصف أحد مراسلي القنوات الفضائية، المشهد الإعلامي والصحافي في العراق، بعد أن بات الخطف والموت يحصد عشرات من زملاء مهنته يوميا.
ويقول صحفي عراقي آخر: "قررت أن أترك قسم الشؤون السياسية في الصحيفة، وألجأ إلى القسم الرياضي، حفاظا على حياتي!"، ما يعكس درجة الاحتقان التي وصلت إليه الأوضاع في داخل البلاد.
وتؤكد تقارير آخر المنظمات المعنية بشؤون الصحافيين في العراق، أن عدد الذين قتلوا خلال السنوات الثلاث الماضية، قد وصل إلى 65 إعلاميا من العراق فقط، وتشير إلى أن "طغيان المد الديني والطائفي والقومي في الإعلام العراقي، فتح مجال العمل لمراسلين وصحفيين وإعلاميين، ذوي ميول عرقية وطائفية، عملوا على تكريس مصطلحات ومسميات طغت على الخيارات الوطنية، ووحدة العراق"، كما توضح ذلك منظمة "كتاب بلا حدود".
يقول أحد الصحافيين، الذي فضل الحديث معنا باسم أحمد البغدادي، خوفا من اختطافه، "إنه يتلقى هو وعشرات من زملائه، تهديدات عبر رسائل الجوال تقول: "حضرنا لك مكانا في الرستمية استعد"، والرستمية هي مكان إلقاء الجثث، وهي عبارة عن موقع طمر صحي في جنوب شرق بغداد، غالبا ما يتم رمي الجثث فيه. ويؤكد أحمد، أن هناك وزارات اليوم فيها ميليشيات، تقوم بعمليات تصفية لكل صحافي ينتقد أو يحاول رصد حقيقة ما يجري.
الصحفيون العاملون في العراق من الأجانب، لم يعد لهم وجود يذكر، على ساحة الحدث، بعد عمليات الاختطاف والقتل، التي نفذت ضد زملائهم، من قبل مسلحين في المقاومة، متهمين بعض هؤلاء الصحفيين بأنهم عملاء وجواسيس.
وبينما اكتفى آخرون منهم بإعداد تقاريرهم، خلف الجدران الأسمنتية, في فندق بابل، والمحمي من قبل القوات الأمريكية، وسط بغداد، أو في المنطقة الخضراء، معتمدين على معلومات ينقلها لهم صحفيون عراقيون من المبتدئين، مقابل أجور يتم الاتفاق عليها، مما ضعف من ثقل المهمة على الصحافي العراقي.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع للصحف ووسائل الإعلام المحلية، عقب سقوط النظام، إلا انه انتشار يمكن وصفه بـ "الزبد"، كما يقول الصحافي محمد عدنان، الذي يؤكد: "أغلب تلك الصحف تعتمد على الإنترنت في نقل الأخبار، وإذا كان بها إعلاميون فإنهم في الغالب مبتدئون، أو أنهم ينحازون لهذا الطرف أو ذاك، بسبب انتماءات طائفية أو عرقية أو سياسية، كما إن أغلب تلك الصحف الموجودة حاليا، تمثل جهات حزبية ودينية وطائفية، مما يعني أن نقل الحقيقة سيكون متأثرا بالجهة الممولة".
مصادر في المقاومة العراقية، تنفي الاتهامات التي توجه إليها باستهداف الصحافيين العراقيين، وتؤكد أن عملياتها تقتصر على الصحافيين الأجانب فقط، لقناعتها بأنهم "جواسيس"، حسب رأيها.
وكانت جيل كارول، الصحفية الأمريكية المختطفة، التي أطلق سراحها مؤخرا، بعد وساطات كبيرة بذلت، آخر الصحافيين الأجانب الذين تم اختطافهم.
ويتهم المسلحون العراقيون، جماعات مرتبطة بميليشيات، يقولون إنها تابعة لأحزاب حكومية، بتنفيذ عمليات تصفية ضد الصحفيين المعارضين للوجود الأمريكي والحكومة، ويقولون إن من أشهر تلك العمليات التي نفذتها تلك الميليشيات، هي اغتيال مراسلة قناة /العربية/، أطوار بهجت وزميليها.
كما إن عملية اغتيال الإعلامي البارز والأستاذ في كلية الإعلام بجامعة بغداد، عبد الرزاق النعاس، مازالت تثير الشكوك حول الجهة المنفذة، خاصة وأن النعاس معروف بمواقفه المتشددة حيال الوجود الأمريكي، وانتقاداته المتكررة للحكومة.
وتعرضت قناة /بغداد/ الفضائية، التابعة للحزب الإسلامي العراقي، مؤخرا، إلى هجوم بقذائف صاروخية، عقب تسليطها الضوء على عمليات حرق وتدمير المساجد السنية، عقب تفجيرات سامراء، كما أن نقيب الصحفيين العراقيين شهاب التميمي تلقى قبل فترة قصيرة تهديدا من قبل مجهولين يطالبونه بترك المنصب وإلا لقي حتفه، كما أن شبهات كثيرة لا تزال تحوم حول الجهات التي قتلت مدير قناة /العراقية/ الممولة حكوميا.
يقول أحد الصحفيين العراقيين، "باتت الكتابة عن الأوضاع الراهنة في العراق، أمرا في غاية الخطورة، أنت لا تعرف من يمكن أن يستهدفك".
ويضيف: "إذا ما حصل انفجار سيارة مفخخة، واستهدفت قوات أمريكية، فأنت تكون حائرا ماذا ستكتب؟ إذا كتبت إن الذي يقود السيارة استشهادي، فأنت تكون متهما، وفق قانون مكافحة الإرهاب، ودعم المتمردين والإرهابيين، وإذا ما كتبت انتحاري، فان المسلحين قد يغضبون، وفي الحالتين فإن حياتك فقط هي الثمن!" يقول مستهزئاً.
عدد من الصحفيين العراقيين، قرروا ترك المهنة كليا، أو التوجه إلى الأقسام التي لا تفقدهم حياتهم، كالصفحة الاجتماعية، أو صفحة الرياضة، أو الصحة، أو شؤون المرأة من مكياج وطبخ.. الخ، فيما قرر آخرون مغادرة البلاد.
يقول أحد المراقبين للشأن الإعلامي في العراق، إن حجم "الإرهاب" الذي يتعرض له الصحافيون بشكل عام، والعراقيون منهم على وحجه الخصوص، فوت فرصة تغطية 75 في المائة من الحقيقة، واقتصرت تغطياتهم على إعلانات وبيانات الحكومة، أو بيانات المسلحين، وهي في غالبها تفتقد إلى الاستقلالية والنظرة الموضوعية، مما يجعل غالب المادة الإعلامية موجهة وذات أحكام مسبقة، غير مبنية على ما يجري في الواقع
خدمة/قدس برس