المؤتمرنت – صلاح حسن - قبل أيام قرأت خبرًا في جريدة البيان الإماراتية يقول:إن اليونسكو تفكر بأن تجعل بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2009 ! ولولا إني اعرف جيدا إن الذي صرح بهذا الخبر من الجانب العراقي وهو الدكتور المخرج المسرحي المعروف شفيق المهدي لقلت إن هذه واحدة من طرائف العراقيين الجديدة ، بعد أن أصبحت بغداد حقًّا مقبرة كبيرة ومثقفوها وصحفيوها هم من يملأ قبورها .
لو كان هذا الخبر من طرف اليونسكو وحدها لما كان يحتاج إلى أي تعليق ، لكن المدهش في الأمر إن العراقيين وبالتحديد الصديق شفيق المهدي المسؤول عن دار ثقافة الأطفال هو الذي صرح بذلك وهذا ما يحتاج في اعتقادي إلى أكثر من تعليق . الأول : قد يكون شفيق المهدي يعرف أن هناك معجزة ستنزل من السماء وتنهي مأساة العراق بطرفة عين ( القضاء على الإرهاب ،و طرد المحتلين ،و توحيد العراق ، وتنظيف المدن ورفع الحواجز الكون كريتية .. الخ ) وبالتالي يمكن أن تكون بغداد مهيأة لهذا الحدث الكبير " عاصمة للثقافة العربية ".
وبما أن زمن المعجزات قد ولى فأننا لن نناقش هذا الجانب وسوف ننتقل إلى تعليق آخر .
الثاني : قد يكون الصديق شفيق المهدي حاله حال جميع العراقيين قد سئم من هذا الموت الذي تجاوز كل حدوده المعقولة والسريالية ويحلم أن تقوم الحكومة أو قوات الاحتلال بوقف الحرب الأهلية الدائرة منذ ثلاث سنوات فورا والقضاء على الميليشيات و فرق الموت وبالتالي يمكن الإعلان عن بغداد عاصمة للثقافة العربية . لكن بما أن الحكومة عاجزة وقوات الاحتلال لا تريد الرحيل والميليشيات والإرهابيين أقوى من الحكومة والاحتلال معا فإن فوضى الموت ستظل هي سيدة الموقف إلى إشعار أخر .
التعليق الثالث : قد يكون وزير الثقافة الجديد الذي جاء إلى الوزارة بسبب المحاصصة الطائفية البغيضة هو صاحب هذه الفكرة بعد ان يكون قد اتفق مع خاله المشهداني رئيس البرلمان العراقي الذي يتعامل " بالقندرة " وزعيم احد اكبر الحركات السنية على وقف العنف لمدة سنة من اجل عيون بغداد وجعلها عاصمة للثقافة العربية . ولكن هذا الأمر مستبعد أيضا لان وزارة الثقافة تافهة كما عبر عن ذلك إخوتنا السنة حينما خصصت هذه الوزارة لهم واعتبروها وزارة غير " سيادية " !!!
التعليق الأخير وهو اقرب شيء إلى المنطق من أي شيء آخر : ان المخرج المبدع شفيق المهدي يستعد لإخراج مسرحية جديدة اسمها " بغداد عاصمة للثقافة العربية 2009 " ؟! وأنا هنا لا أتندر لأنني احترم شفيق المهدي كما يعرف هو صديقا ومبدعا ، وإلا فإن الأمر لا يعدو كونه مزحة سمجة من جانب اليونسكو التي نشرت الخبر ؟؟ هل هناك منطق آخر يمكن ان نحتكم له من اجل تفسير ذلك ؟؟
لقد رأيت بأم عيني عندما كنت في بغداد في العام الماضي ووقتها كان الوضع الأمني أفضل بكثير جدا من ألان ان الوصول إلى المسرح الوطني الذي تجرى فيه اغلب الفعاليات الثقافية يعد معجزة . والخروج منه والوصول إلى البيت يعد معجزة أكبر، فأين ستقام يا ترى الفعاليات الثقافية بمناسبة بغداد عاصمة للثقافة العربية 2009 ؟؟ هل ستأتي الوفود العربية المشاركة ( اذا جاءت حقا ) عن طريق مطار بغداد الذي تحتله القوات الأمريكية أم عن طريق سوريا والأردن الذي تسيطر عليه عصابات الذبح على الهوية والإرهابيون القادمون من خارج الحدود ؟؟ هل سيسمحون بمشاركة المرأة أم سيعتبرونها ( رجال الدين الجدد ) عورة كما حصل في مهرجان المربد الأخير ؟؟ ثم من سيقوم بحماية الوفود المشاركة ؟ هل سيحلون ضيوفا على المنطقة الخضراء التي تتساقط عليها يوميا قذائف الموتور ؟؟
في النهاية أريد أن أقول إن بغداد أصبحت عاصمة للثقافة العربية منذ ثلاث سنوات حين قامت الدول العربية بإرسال وفودها المزنرين بأحزمتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة ووجوههم المقنعة باللثام الأسود . بغداد أصبحت عاصمة للثقافة العربية منذ أن طرد وفد اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين من مؤتمر الجزائر وتعليق عضوية هذا الاتحاد العريق حتى إشعار آخر . الأجدر والأصح إن تكون بغداد وهذا ما هو حاصل بالفعل عاصمة للجثث المفقودة الهوية .. عاصمة لثقافة الموت بامتياز.
عن (كيكا)