المؤتمرنت - الاشرطة التي يصدرها زعيم تنظيم القاعدة الشيخ اسامة بن لادن بين الحين والآخر تنطوي دائما علي درجة كبيرة من الاهمية، لانها تعكس مخططات الرجل، وتطور افكاره، ومواقفه من بعض الاحداث في المنطقة، وفوق هذا وذاك تؤكد انه ما زال حيا، وقادرا علي التواصل مع العالم الخارجي، وتضليل العشرات من اجهزة الاستخبارات العالمية التي تطارده وتحاول الايقاع به، والامريكية منها علي وجه الخصوص.
الشريط الصوتي الاحدث لزعيم تنظيم القاعدة الذي بثته مواقع اليكترونية اسلامية قبل يومين جاء مختلفا عن الاشرطة السابقة، سواء من حيث المضمون او من حيث الدلالات، ويعكس تطورا مهما في التكتيك والاستراتيجية، ويمكن ايجاز كل ذلك في النقاط التالية:
اولا: تضمن الشريط، ولاول مرة، اشارة واضحة الي انه جري تسجيله قبل اسبوعين فقط، وذلك باشادته بعملية الهجوم التي استهدفت القنصلية الامريكية في مدينة جدة من قبل عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في ارض الحرمين . فقد جرت العادة ان يكون موعد تسجيل مثل هذه الاشرطة موضعا للتكهنات لعدم اشارته الي وقائع او احداث محددة زمنيا.
ثانيا: كون الشريط الصوتي حديث العهد وجري تسجيله قبل اسبوعين علي الاكثر، يؤكد ان الرجل في مكان آمن، وقادر علي التواصل مع وسائل الاتصال العالمية بطريقة فاعلة وفي فترة زمنية قصيرة جدا.
ثالثا: المدة الزمنية للشريط تزيد عن ساعة وربع الساعة تقريبا. كانت حافلة بالعديد من التحليلات المدعمة بالارقام والاقتباسات، للشؤون العربية والعالمية، خاصة الاوضاع في العراق والجزيرة العربية، وهذا يعني ان الرجل ليس مختبئاً في كهف او حفرة، وانما في مكان آمن مجهز بكل وسائل الاتصال الحديثة.
رابعا: لوحظ تركيز زعيم القاعدة علي النفط، ومطالبته لانصاره ومريديه بضرب الصناعة النفطية بكل تفرعاتها في السعودية والعراق، لحرمان الامريكان من الاستيلاء علي النفط العربي رخيصا، وتقديمه شرحا مسهبا حول تدني اسعار هذه المادة الناضبة، مقارنة باسعار المواد الاخري المصنعة في الغرب، وهذا يعني تطورا جديدا في استراتيجية تنظيم القاعدة، يتلخص في ضرب المصالح الامريكية في المنطقة بدلا من الذهاب الي الولايات المتحدة نفسها وتنفيذ هجمات فيها مثلما حدث في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).
مطالبة زعيم القاعدة بضرب الاهداف النفطية كان لها مفعول السحر في رفع اسعار النفط بمقدار دولارين للبرميل في اقل من خمس ساعات، وهذا يعني انه اصبح عنصرا حاسما، ويلعب دورا اساسيا في تحديد اسعار النفط في المستقبل.
خامسا: ركز زعيم القاعدة في الشريط علي تكفير النظام الحاكم في الرياض، ودور هذا النظام الاساسي في الحرب علي العراق، وطالب بثورة شعبية لاطاحته. وهذه المطالبة الصريحة الواضحة هي الاولي من نوعها، وربما تشكل ضوءاً اخضر لاستهداف الاسرة الحاكمة او بعض افراد فيها، وتزامنت هذه المطالبة مع دعوة للتظاهر اطلقتها المعارضة الخارجية التي يتزعمها الدكتور سعد الفقيه زعيم حركة الاصلاح الاسلامية من موقعه في لندن.
ما يمكن قوله ان تنظيم القاعدة بات لاعبا مهما في المنطقة، والاحداث السياسية الدائرة فيها، وربما لا نبالغ بانه التنظيم الاكثر استفادة من المغامرات العسكرية الامريكية الدموية في العراق بشكل مباشر، وفلسطين بشكل غير مباشر. وتركيزه علي النفط وصناعته وامداداته هو محاولة لتخريب المخططات الامريكية للاستيلاء عليه او تعطيلها علي الاقل. ومن الواضح ان هجمات المستقبل ستكون هجمات بهدف الحاق اكبر قدر ممكن من الضرر بالاقتصاد الغربي والامريكي بالذات، الي جانب اقتصاديات دول في الخليج العربي. ولهذا يبدو الشريط الاخير هو الاهم من بين الاشرطة الاخري.

(القدس العربي)