الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 10:45 م - آخر تحديث: 10:34 م (34: 07) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
كتب ودراسات
إعداد: نزار خضير العبادي -
المؤتمر الشعبي .. وتطور تجارب العمل السياسي (دراسة تحليلية) ج 2-3
** (( المؤتمر ..السلام والأمن والاستقرار))

لا شيء قد يفي المؤتمر الشعبي العام استحقاقاته التاريخية غير أن يقترن اسمه بمستقبل الوطن اليمني، وبأفق عريض تحتشد عليه غايات البناء الإنساني والحضاري، ويرتسم في محيطه غد الأجيال الزاخر بالأمل في حياة حرة كريمة..
فالمؤتمر الشعبي العام كان مخاض أعوام الثورة المثخنة بالأوجاع والنزيف السياسي الذي كاد أن ينسف كل التضحيات ويغتال الجهد الثوري الجماهيري العظيم، لولا أن ألهم الله ابن اليمن البار الرئيس علي عبد الله صالح بفكر ثاقب وتجربة عميقة، وخبرة نضالية غزيرة، وإرادة لا تثنيها التحديات لتكون كلها قاعدة الانطلاق الصلبة التي يرتفع عليها طود المؤتمر الشعبي العام في 24-29 أغسطس 1982م .
لقد انبثق المؤتمر الشعبي العام في تلك الفترة بالذات ليداوي جراحات الثورة، ويأخذ بيد أهدافها الستة إلى واقع عملي يحررها من السكون، وأقبية الشعارات الخاوية، وإرث المجد الثوري القديم، وينقلها إلى ديناميكية نابضة بالفعل التحولي والإنمائي..
لكن المؤتمر لم يكن كغيره من الحركات التي تفتح فوهات المدافع ،وترفع ألوية الاغتيالات والعنف السياسي سبيلاً لبلوغ الغايات وإثبات الذات، بل- على العكس من ذلك تماماً- وجد المؤتمر الشعبي العام أن السلام والاستقرار أداة فاعلة في التغيير والتحول الثوري، وهما الخيار الأكثر صواباً لشعب أدمته الحروب والفتن والاضطرابات السياسية التي أثقلت كاهله بعبء مضاف إلى ما كبدته إياه العهود الملكية الظالمة أو قوى الاحتلال الأجنبي في فصول عدة من تاريخه .
لقد تبلورت هذه الأبجديات التنظيرية لأولويات السلام الوطني في بناء الدولة وتحديد خياراتها السلطوية بفعل حي على امتداد السنوات الإحدى والعشرين من مسيرة المؤتمر الشعبي العام، وامتلكت من مناهج عمله السياسي ما جعل السلام جزءً متأصلاً في أسباب ديمومة المؤتمر ومميزاً لصفته الحركية في ساحة العمل الوطني..
وهو الأمر الذي يتجلى بوضوح في المقدمة المقتضبة التي كتبها رئيس الجمهورية لاستهلال "الميثاق الوطني" والتي يولي فيها عناية فائقة لمسألة السلام والاستقرار وأثرهما في نهوض الأمم ونمائها..
إذ اعتبر المؤتمر ذلك شرطاً أساسياً لإنجاح أي مشروع سياسي ولتحقيق أيا من أهداف الثورة السبتمبرية، ولرفع عماد أي قاعدة صلبة على طريقة إعادة تحيق الوحدة اليمنية. وهو الأمر الذي يجر الوصف على قيام المؤتمر الشعبي العام بأنه بداية الطريق إلى سلام يمني حقيقي مع الذات الوطنية أولاً، ثم مع الآخر ،الذي لطالما كان أمره مثيرا للجدل، وبالتالي فإنه مشروع لسلام شامل وبقدر عظيم من الإحساس بالمسئولية.
كان قيام المؤتمر الشعبي العام في تلك الفترة العصيبة ليس إلا نقطة الانطلاق الأولى لقطع دابر الفتن الداخلية، وتوحيد الصف الوطني بمختلف قواه السياسية التي كانت من قبل تعمل في الخفاء وبكثير من الحذر في ضوء تحريم الدستور الدائم للعمل الحزبي وفقاً للمادة (37) منه.. والتي باتت في وضع يمكنها من الظهور والكشف عن وجودها بصيغ متعددة بعد اكتسابها قدراً معقولاً من الحريات والحقوق الديمقراطية التي أقرها "الميثاق الوطني".. مما أسهم – لا حقاً- في وضع حدٍ للفوضى السياسية والاغتيالات والسباق المشحون بالعنف.
ومن جهة أخرى – كان قيام المؤتمر الشعبي العام بداية النهاية لحالة العنف الدموي على الحدود بين شطري الوطن اليمني، والتي كانت تشعل فتيلها العصابات الماركسية المتطرفة، ومليشيات ما كان يسمى بـ(الجبهة الوطنية) وغيرها من القوى المتمرسة على حروب العصابات في مدارس (باذيب) و(النجمة الحمراء)و (البدو الرّحل) ذات التوجه الإرهابي المتطرف..
إلا إن الفترة التي شهدت صياغة مشروع الميثاق الوطني والتحضير للمؤتمر الشعبي العام قد اقترنت بجهد سياسي كثيف على صعيد تقريب الرؤى واختصار المسافات بين قيادتي شطري البلاد، وكان ذلك مبعثه رغبة وطنية جامحة للسلام والاستقرار وإعادة الساحة إلى نصابها الأمني القديم الذي أزهرت فيه الحياة وامتلك الوطن عمقه الحضاري العظيم، ومجده التاريخي المعروف..
وقد حظي ذلك المفهوم من الأهمية ما جعلته يتصدر أولى الحقائق الخمس المتبلورة على أفق التجارب التاريخية اليمنية برؤى تنص على: (إن شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلاّ في ظل الاستقرار والأمن والاستقرار والسلام.. ولم يتحقق له ذلك إلاّ وحدة الأرض والشعب والحكم).
وعلى هذا الأساس كان بمقدورنا الوقوف على وضع سياسي متحرك بين الشطرين، تتفاعل في أفقه العديد من الاتفاقيات واللقاءات المشتركة، فضلاً عن استئناف اجتماعات لجان الوحدة، والتخطيط لكثير من المؤسسات والمشاريع الاستثمارية المشتركة التي ما لبثت أن بددت القلق وكسرت حواجز القطيعة والنفوذ.
أن المؤتمر كان يرى في مشابكة المصالح وتكثيف جهد البحث عن المزيد من الجسور والقنوات بين الشطرين سبيلاً معززاً لفرص الأمن والسلام والاستقرار التي هي مناخ كل تفاهم إيجابي، ومشروع سياسي أو تنموي..
وهو المعنى الذي أكده الرئيس علي عبد الله صالح في الكلمة الافتتاحية لجلسات المؤتمر العام الأولى للمؤتمر الشعبي العام، بقوله : ( إذا كنا نريد تنمية فلا بد أن نسعى جميعاً مسئول وقائد ومواطن وشيخ وعالم وشاب إلى تحقيق الأمن والاستقرار..).
وعلى كل حال، فإن السلام في الأبجديات السياسية للمؤتمر الشعبي العام لم يكن ضيقاً في أفقه، أو محدوداً في أدواته ليبقى محاصراً بحدوده الجغرافية.. بل هو اللغة العصرية التي كانت تحمل الدولة اليمنية إلى مساحة واسعة خارج حدودها الإقليمية انطلاقاً من مبدأ سياسي نبيل يرى فيه المؤتمر الشعبي العام أن ما يحققه من أمن واستقرار في نطاق الساحة الوطنية الداخلية هو شرط أساسي من شروط صناعة الاستقرار الإقليمي- الذي سيشكل بدوره عاملاً أساسياً في نهوض الدولة اليمنية، وأحد أسباب تقريبها من غاياتها الثورية الطموحة.
ومن هنا كانت أدبيات المؤتمر الشعبي العام تعطي الكثير من الأولويات في سياستها الخارجية للعلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية، وتحرص على تأطير السياسة الخارجية للدولة اليمنية بالوضوح، والثوابت الاستراتيجية، والاستقلالية، واعتماد الحوار الإيجابي صيغة ثابتة لا لبس فيها لحل الخلافات مع دول الجوار أو بين الأشقاء داخل البيت العربي..
وهي السياسة التي نجح من خلالها المؤتمر الشعبي العام في الانفتاح على العالم الخارجي ، مولياً اهتماماً خاصاً للاعتبارات القومية والتاريخية والجغرافية في تفصيل أولويات الانفتاح واتجاهاته.
إن ذلك التوجه كان محكوماً بأسس محددة لافق السياسية الخارجية اليمنية، فيما تضمنته نصوص الميثاق الوطني في بعض أفكارها، إذ أقرت:
· (بحكم موقعنا وواقعنا لا بد أن تكون لنا علاقات متميزة بالأشقاء في دول شبه الجزيرة العربية والخليج.. تقوم على الوضوح والتعامل المتكافئ والاحترام المتبادل..).
· ( أن يستمر التزامنا بسياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز في الصراعات الدولية، وأن نواصل دعم مبادئ التعايش السلمي بين الأمم والإسهام في قيام تضامن عربي إسلامي، وأن يكون لنا وجود فاعل في لقاءات وجهود دول العالم الثالث، ودول عدم الانحياز، وفي نطاق الأمم المتحدة، والمنظمات التابعة لها..).
وهكذا وجدت المناهج السلمية في سياسة المؤتمر الشعبي العام إمكانية غير محدودة لتمثيل نفسها في واقع حي ومترجم على عدة أصعدة، منها حل الخلافات الحدودية مع سلطنة عمان 1992م بالطرق السلمية، ثم الأمر ذاته مع المملكة العربية السعودية عام 2000م.
وربما كان من أعظم ما يمكن أن يقف شاهدا للمؤتمر الشعبي العام بهذا الخصوص هو قدرته الملفتة للنظر التي قادته إلى تنقية الأجواء مع الأشقاء في دول الخليج العربي عقب الجفوة والقطيعة التي تسببت بها ملابسات فهم الموقف اليمني أثناء أزمة الخليج الثانية عام 1990م.. بل أنه تجاوزها إلى الانضمام (الجزئي) لمجلس التعاون الخليجي، وفي زمن قياسي ما كان بمقدور أحد غيره الحذو على ذلك النحو.
أن فلسفة البناء السلمي في فكر المؤتمر الشعبي العام ظلت تفتح نفسها على المزيد من الخيارات الإستراتيجية التي تعزز من أهمية الكيان اليمني المستقل في بلورة مفاهيم ناضجة..
فالمؤتمر الشعبي العام- وعلى امتداد الأعوام الواحدة والعشرين من مسيرته النضالية- كان المبادر الأول للعب أدوار خارجية كبيرة من أجل إقرار أمن وسلام واستقرار المنطقة الشرق أوسطية, ومنطقة دول ساحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
فقد ذهب المؤتمر الشعبي العام إلى دعم النضال الإرتيري من أجل الاستقلال، وبذل جهودا مضنية في الوساطة بين الفصائل الصومالية ومحاولة إيصالها إلى وفاق وطني يحافظ على استقلالها ويحمي سيادتها الوطنية..فاحتضنت صنعاء قمة ثلاثية في يناير 2000م ضمت الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الجيبوتي عمر جيله بجانب الرئيس علي عبد الله صالح ، لتنسيق جهود السلام الإقليمية من اجل الصومال . فكان أن أثمرت عن نجاح الانتخابات الصومالية في 27/8/2000م، وفوز الرئيس قاسم صلاد .
علاوة على تبني دورا جيدا في السودان الشقيق لتهدئة الخلافات القائمة بين السلطة الحاكمة وبين فصائل الجنوب السوداني..
لكن التأكيد الأعظم لطبيعة التوجه السلمي في سياسة المؤتمر الشعبي العام هو تلك الطريقة الحضارية التي تعامل بها مع إرتريا أبان احتلالها لجزر (أرخبيل حنيش)في 15 ديسمبر 1995م، بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية لحسم النزاع، والتي قضت في 9 أكتوبر 1998م. بحق الجمهورية اليمنية في السيادة على الجزر محل النزاع وفي مقدمتها جزيرة "حنيش الكبرى".
فيومها أسقط رهان المتربصين، وكسر شوكة المطبلين للفتن والحروب من خلال إصراره وثباته على خيار الحوار السلمي، والطرق القانونية المشروعة, والسعي إلى حسم المشكلة عبر محكمة العدل الدولية..
فكان ذلك خيارا ذكيا للغاية, ولعل النصر الذي تحقق به لاحقا كان رصيدا صرفا للمؤتمر الشعبي العام لا يقاسمه فيه أحد من القوى السياسية اليمنية التي اجتمعت كلها في جبهة واحدة تدق طبول الحرب، وتأجج فتنة داخلية شعبية لزج الوطن في أتون الموت والدمار في حرب كانت ستعجز عن أخذ حق مسلوب بأسرع مما فعل الحوار، وأتى به السلام ولغة المنطق والحكمة للمؤتمر الشعبي العام.
وفي الحقيقة, أننا لو حاولنا سوق الأمثلة عن الأدوار التاريخية التي لعبها المؤتمر الشعبي العام، وأكد من خلالها ضروراته لاحقاق الأمن والسلام وبناء الاستقرار الوطني والإقليمي والدولي لاستغرق منا ذلك وقتا طويلا ، وشرحا مديدا ، قد نزهق فيه عن تفصيل موقفه الحكيم أبان أحداث 13 يناير 1986م في عدن عندما أمتنع عن إقحام أبناء الشعب اليمني في أتون تلك المجزرة الدموية البشعة التي أزهقت أرواح آلاف الأبرياء.. رغم أن الرئيس علي ناصر محمد كان طلب من الرئيس علي عبد الله صالح التدخل في الحرب مقابل إعلان الوحدة الفورية، لكن الرئيس آثر الرفض ، لأنه كان مقتنعا بكون القوة والعنف والإكراه ليست بالأدوات المناسبة في حل الخلافات أو تحقيق المنجزات والمكاسب المشرفة.
وهو سلوك ليس بالجديد على الرئيس صالح الذي سبق أن أكد فلسفته الوطنية في الحكم من خلال ما أفصح عنه في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الأول للمؤتمر الشعبي العام:
( إن الشعوب تختار الحكام وتختار من يحكمها، ولا يوجد لدينا مفهوم حكم القوى بالمدفع والرشاش، ولا أن تحكم الشعوب بالقمع والإرهاب،وإنما تحكم بالديمقراطية.. هذه قناعة راسخة في أعماق قلوبنا نمارسها بالقول والعمل..).
وإذا ما شحذ أحدنا ذاكرته لاستذكار يوميات الأزمة السياسية بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي أثناء المرحلة الانتقالية (1990-1993م) لوقف مذهولا أمام تلك الشفافية التي تعامل بها المؤتمر مع الأزمة ، وكيف داومت قيادة المؤتمر على تقديم التنازلات تلو التنازلات في سبيل درء وبال الحرب الانفصالية وتجنيب الشعب اليمني والمنطقة بأسرها عواقب ما قد يترتب عن وضع كهذا من آثار سلبية ومخاطر جمة لا تحمد عقباها..
ولكن رغم اشتعال الحرب وخروج القادة الانفصاليين على إرادة الشعب والوطن ظل الرئيس يبسط كف السلام للجميع ويعفو من موضع مقتدر فيه على العقاب, وكان أخيرا يدعو الجميع- ممن فر إلى الخارج- للعودة إلى أحضان الوطن والمشاركة في بنائه ومسيرة تقدمه، منطلقا من قناعته بأنهم مازالوا يحملون حقوقا تاريخية ترفعهم الى منصة ما يوصف بـ " شركاء الوحدة ".
أن رؤى المؤتمر الشعبي العام لقضية السلام مبنية أصلا على قناعات فكرية مبدئية وبأفق استراتيجي ينظر إلى العالم على أنه كيان موحد يتأثر ببعضه البعض، ولا تنفصل أحداثه عن دوائر التأثير الأخرى .
وبذلك المنظور يعتبر الرئيس علي عبد الله صالح- رئيس المؤتمر الشعبي العام - أن السلام الشرق- أوسطي لا يمكن أن يتحقق بوجود الكيان الصهيوني كقوة متطفلة على المنطقة، وتحدد فرصة ديمومة وجودها في الظرف الذي يتغيب فيه السلام وينعدم الاستقرار.
ولعله الموقف الذي لا ينفك المؤتمر الشعبي العام من ترجمته إزاء قضايا الصراع العربي المماثلة، مثل الوضع في الجنوب اللبناني أو الوضع الأمريكي والبريطاني الحالي من العراق، علاوة على وضع القوات والقواعد الأجنبية في الأراضي والمياه العربية وما تشكله من خطورة وتهديد للأمن القومي العربي وللمنطقة بأسرها..
وعلى أثرها كثفت القيادة السياسية اليمنية من جهودها الداعية إلى توثيق علاقات دول المنطقة مع بعضها البعض ومضاعفة التشابك في المصالح ، وتفعيل مستويات التعاون على أمل ردم الفجوات وإغلاق الثغرات التي كانت على الدوام مصدرا لزعزعة الأمن والاستقرار وتهديد السلام في العالم، كخيار بديل للإرهاب، وكمسار إجباري للشعوب المتطلعة لبناء ذاتها الإنسانية وتجديد نهضتها الحضارية.
ومن المؤكد كان وقوف المؤتمر الشعبي العام بوجه الأساليب والسياسات الإرهابية التي سادت معاملات العصر مبني على قاعدة الفهم الواعي لضرورات الصناعة السلمية في السياسات الدولية.. فالسلام هو طريق الأمم المتحضرة، ولغة الإنسانية الناطقة بحقوقها الشرعية الكريمة.
يقينا أن الوقوف على أبعاد ومدلولات قيام المؤتمر الشعبي العام بعد أثنين وعشرين عاماً من مسيرته لا يعني تقليدا احتفاليا عابرا، بقدر ما يعني استذكارا واستحضارا للمعاني الفكرية والإنسانية الخلاقة للتجربة، واستلهاما لأسرارها ومقومات انتصارها في اليمن .. وحتما هو الموقف الذي يجد فيه البعض إجابات وافية لسؤالهم : لماذا منحت الجماهير شرف الأغلبية البرلمانية الكاسحة للمؤتمر الشعبي العام لا ؟


** ((المؤتمر..ضرورات تاريخية للبناء الوطني))

أن مسيرة الأعوام التي حمل لواءها المؤتمر الشعبي العام لا يمكن أن نفهمها على أنها محض ولادة مجردة لتنظيم سياسي يمني اقتضت وجوده قيادة الرئيس علي عبد الله صالح لتجاوز مرحلة صراع سياسي من نوع ما, أو لتثبيت دعائم سلطة بعينها.
فكل الشواهد والاختبارات التي تخللت مسرة المؤتمر الشعبي العام تؤكد بما لا يقبل الشك أن ما حدث في 24-29 أغسطس 1982م كان تصويبا حكيما لمناهج عمل الحركة الوطنية اليمنية, أسفرت بمخرجاتها النهائية عن انبثاق حقبة تاريخية فريدة من نوعها, كانت بمثابة منعطف مهم وتحول استراتيجي ليس ضمن حدود الوطن اليمني وحسب بل على النطاق الإقليمي والدولي أيضا, ووفقا لما اقتضته الثوابت الميثاقية من علاقات ، وارتباطات ، ومصالح مع دول المنطقة ، وما شكلته من نفوذ على الخارطة السياسية العالمية .

* الضرورات الوطنية
يمكننا القول – جزما- إن تأسيس المؤتمر الشعبي العام كان ضرورة حتمية أملتها الظروف التي آلت إليها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وأهدافها الستة . فالفترة التي أعقبت الثورة شهدت موجات صاخبة من الصراعات والانشقاقات السياسية، وغلبت صفة عدم الاستقرار على الوضع العام في اليمن .
حيث تعثرت المفاهيم في بعض مراحلها ولم تتضح رؤاها الوطنية، وتغيبت تراجمها الواقعية عن الساحة السياسية.. ولعل الفراغ السياسي وغياب المؤسسات الدستورية دفع بالوضع الداخلي إلى حالة حرجة ومعقدة للغاية، دخلت فيها الثورة مأزقاً مصيرياً مع قوى فكرية معاكسة كادت أن تطيح بكل أرصدتها الفكرية والثورية والنضالية..
وهو ما نجم عنه جر الحالة الثورية إلى وضع أدنى بكثير مما كانت تتطلع إليه الجماهير اليمنية، أو مما يتفق وحجم التضحيات المبذولة في تفجيرها وحمايتها والذود عن مستقبلها.
لقد تصدر ذلك الواقع أفكار الرئيس علي عبد الله صالح وهو يسطرها في مقدمة وثائق المؤتمر العام الأول، إذ جاء فيها:
( وفي الوقت الذي برزت فيه تلك الآلام في شكل نتوءات في صميم تطور مسيرة الثورة وسقط من جرائها الشهداء من أبناء الشعب، في الوقت الذي لم يتم القضاء على كل تلك التيارات الدخيلة بمجرد الإعلان عن تحريمها، لكنها كانت تعشعش وتستشري في الخفاء، وتحت رماد السرية..).
إذن فمسألة إنقاذ الثورة، وتفعيل أهدافها بصيغ ملموسة، وانتشال الوطن اليمني من واقع الفوضى الثورية والقلق كانت كلها تمثل مهمة نضالية وطنية لا تقل أهمية عن الثورة نفسها، وكانت تنتظر من يضطلع القيام بها وأداء أدوارها الكبيرة بروية ودقة ومسئولية..
فما كان من الرئيس علي عبد الله صالح إلا أن يأخذ على عاتقه هذه المهمة الخطيرة، ويجازف بحياته منعا لانتكاس الوطن، وطمعا بعزة وكرامة ومستقبل أبناء الشعب اليمني ، ولكن عظمة المسئولية وحجم التحديات وما يقابلها من تطلعات جماهيرية لا حدود لها جعلت الحاجة إلى بلورة إرادة الجماهير وأهدافها الثورية في صيغة عملية متفاعلة مع مبادئها وقيمها واحدة من أهم ضرورات المرحلة ، ومن أقوى ركائز الحكم في تلك الفترة، وهو ما تمخض عنه صياغة "الميثاق الوطني" وأداته السياسية القائمة على تنفيذ مبادئه، وتخطيط برامج العمل السياسي على أصوله والتي عرفت بـ"المؤتمر الشعبي العام".
وبناء على ما تقدم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (5) لسنة 1980 بتاريخ 27 مايو 1980م بتشكيل لجنة للحوار الوطني مؤلفة من (50) عضواً برئاسة حسين ا لمقدمي، تتولى مهمة صياغة "ميثاق وطني" والتهيئة للمؤتمر الشعبي العام.. وكما حدد القرار في ديباجته الأهداف التي يتوخاها من تلك الخطوة، وهي على النحو التالي :
1- إدراكاً من القيادة السياسية لخطورة استمرار غياب وجود فكري وطني متكامل، وحرصاً على إيجاد فكر وطني يقوم على أساس من الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
2- إيمان القيادة السياسية بأهمية الوحدة الفكرية كضرورة لتعزيز وتكريس الوحدة الوطنية من خلال توحيد كافة القوى والعناصر الوطنية على أسس وطيدة ووفق تصورات ومفاهيم موحدة.
3-بناء مجتمع تظلله الديموقراطية وتسوده العدالة والمساواة ويعمه الرخاء ولازدهار.
4- لتوجيه مسار العمل الوطني وفقًاً للميثاق الوطني الذي يلبي الغايات والأهداف الوطنية والقومية والإنسانية
5- لتمكين أبناء الشعب من ممارسة حقهم في الإسهام في صياغة فكرهم الوطني، ولأهمية الحوار كوسيلة لتلمس آراء المواطنين ليأتي الميثاق الوطني في النهاية معبراً عن إدارة الشعب ومعتقداته تطلعاته وطموحاته الوطنية .

وتجدر الإشارة الى أن انتقال الظرف السياسي اليمني إلى هذا الخيار التوافقي قد مثل انعطافة تاريخية في مسار الحركة الوطنية، ربما يمكن اعتبارها مؤشراً لأمرين أساسيين: أولهما- أن مؤسسة السلطة قد آلت إلى قيادة - من أهم خصالها أنها تتمتع بإرادة سياسية قوية نجحت في تحرير القرار السياسي للدولة من المؤثرات والضغوط التي كانت تكتنفه وتسيطر على اتجاهاته .
أما الأمر الآخر فهو – أن القوى الوطنية بمختلف مسمياتها بلغت حداً من النضوج مكنها من استيعاب خطورة الظرف الثوري، وألهمها بالكثير من دروس تجاربها السابقة.
فقد خاضت غمار تجربة العمل السياسي عام 1965م بدعوة من مؤتمر "خمر" ثم تجربة 1967م، و1970م، وآخرها ما تمت تهيئته في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي لعقد مؤتمر شعبي إلا أن اغتياله أحال دون استكمال ما بدأه. ولا شك أن العمل على قاعدة العالم "سكنر" بما أسماه "المحاولة والخطأ" يخلص إلى حتمية النجاح الذي برهنته جميع تجارب "سكنر"، كما ثبت ذلك مع الوطنيين في اليمن.
ومن هنا نجد أن المؤتمر الشعبي العام لم يسلك طريقه إلى الساحة السياسية اليمنية إلا من واقع الضرورات التي أقرت أسلوبه السياسي خياراً مصيريا لمستقبل الثورة السبتمبرية ذاتها، ومسارا طبيعيا لتمثيل أهدافها الوطنية العظيمة، وإطارا لالتقاء القوى الوطنية المختلفة على مناهج العمل الديمقراطي الثوري الذي أطلق مصاريعه منذ تلك اللحظة .


* ضرورات البناء الديمقراطي
يعتبر المؤتمر الشعبي العام من أبرز الحركات الوطنية الثورية يمنيا وعربيا في أسلوب البناء المرحلي والتدرج في ممارسة العمل السياسي..
ولعل ما يمكن أن نعترف به للمؤتمر الشعبي العام اليوم هو أنه كان مدرسة حقيقية لتأهيل جميع القوى الوطنية اليمنية المتواجدة في ساحة العمل السياسي في وقتنا الحاضر على الممارسة الديمقراطية والعمل السياسي من خلال الرؤى الثاقبة التي انطلق بها الرئيس علي عبد الله صالح في تحديد معالم الهوية الوطنية لكينونة المؤتمر الشعبي العام والبنى الأساسية التي وضعت صياغاته الأولية، بقصد الوقوف على أرضية صلبة قادرة على حمل قواعد الحركة الثورية للدولة اليمنية الحديثة عبر موائمة الجهد الشعبي تكاملياً مع غايات العمل الوطني والبناء الشامل للدولة .
فالرئيس علي عبد الله صالح لم يحتكر المؤتمر الشعبي العام لفئة محددة أو شريحة دون غيرها، بل أنه رأى فيه ميدانا رحبا لترجمة الهدف الديمقراطي للثورة إلى صيغة عملية تنقل القوى الوطنية إلى موضع مسئول من العمل والمشاركة في صناعة القرار السياسي.
حيث أن الفراغ الذي ألقى بظلاله على الساحة السياسية طوال السنوات المنصرمة من عمر الثورة لم يجعل أمر إطلاق التعددية الحزبية في مقتبل عهد الرئيس صالح أمرا ممكنا ، بسبب انعدام التجربة الجماهيرية في الممارسة الديمقراطية، مما يعني حاجتها للتأهيل والخبرة أولاً.. وهو ما يعبر عنه الرئيس بقوله: " لم يكن ينبغي حرق المراحل بشكل غير مسئول".
إن تأسيس المؤتمر الشعبي العام بالطريقة التي نعرفها جميعا كان قفزة مميزة في أسلوب العمل السياسي وخطوة من أذكى ما سطرته صفحات التاريخ السياسي الحديث، لأنها عبرت عن وعي ، وقراءة موفقة للواقع اليمني، ومن جهة أخرى شخّصت حاجة وطنية وثورية ملحة للغاية، علاوة على كونها أفصحت بطلاقة عن حنكة وحكمة الرئيس علي عبد الله صالح في وقت مبكر من عهده بالقدر الذي أكسبه ثقة الجماهير الكبيرة، وشد من وحدة الصف الوطني اليمني..
وبهذه الطريقة نجح المؤتمر الشعبي العام بقطع المراحل المتتالية, والتحول من إحداها إلى الأخرى بخطى واثقة، فعقد دورته الثانية في أغسطس 1984م والثالثة عام 1986 م والرابعة في الفترة 12-15 نوفمبر 1988م, ثم الخامسة عام 1997م والسادسة بدورتيها ( الأول عام 1999م والثانية عام 2002م ).
وأجرى أيضا انتخابات المجالس المحلية للتطوير التعاوني عام 1985م وتوّج مسيرته الديمقراطية بانتخابات مجلس الشورى في يوليو 1988م ومن ثم تأسيس المجلس الاستشاري عام 1989م وصولا إلى إطلاق التعديد الحزبية بعد الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م.
لقد بدأ المؤتمر الشعبي العام بـ (1000) ألف عضو فقط في أغسطس 1982م ، وقبل أن يكمل العامين من عمره كان المؤتمريون يخططون ، ويضعون البرامج لتوسيع تنظيمهم ، وفتح فروع المحافظات ، وتوسيع دوائر الانتخابات ، علاوة على التفاؤل بأن تكون فروع المحافظات بمثابة الواسطة التي تؤسس للفكر الميثاقي في بقية مديريات وقرى الجمهورية .
وعليه فإن المؤتمر الشعبي العام كان ضرورة ملحة لارتقاء سلم العمل الديمقراطي ، وتطوير التجربة ، والخبرة السياسية للقوى الوطنية المختلفة في مسيرة البناء الديمقراطي ، وتأهيل كوادرها ومناضليها لمرحلة التعددية الحزبية ،واكتساب صفتها الحركية المستقلة بعد الإعداد الكبير الذي حظيت به في مدرسة الرئيس علي عبد الله صالح- المدرسة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام.


** (( المؤتمر.. ضرورات التأسيس الديموقراطي))

على أساس من واقع الأبجديات التاريخية للفلسفة الديمقراطية الناشئة في بقاع مختلفة من العالم، تجمع الغالبية العظمى من الباحثين – عرب وأجانب- على أن الديمقراطية في اليمن هي من بين أبرز الأنماط الفلسفية الديمقراطية الحديثة في العالم ، وهي التجربة العربية الفريدة من نوعها في العالم العربي - من حيث عقائدها الفكرية أولاً ، وحجم تمثيلها لمبادئها في ميدان العمل السياسي ثانيا..
إن هذا الرأي يبني أحكامه على المفردات السياسية لمسيرة الحركة الثورية الوطنية وخلاصة ممارستها الديمقراطية ابتداء من صياغة الثوابت السياسية للدولة ، ثم بلوغ التعددية السياسية عبر المؤتمر الشعبي العام - التي ما لبثت أن توجت خبراتها بالممارسة الديمقراطية بإطلاق التعددية الحزبية والتحول إلى موقع نافذ في مؤسسة الحكم ليصبح الشعب بكل فئاته وتوجهات الفكرية هو مصدر السلطات جميعا والمرجع الوحيد لها.
وفي نفس الإطار ظلت سمة التميز التي حظيت بها الديمقراطية في اليمن محض صناعة فلسفية متفوقة على عصرها .وتحرص جميع الدراسات السياسية على إدارجها في مقدمة الإنجازات الكبيرة للرئيس علي عبد الله صالح واعتبارها الهوية السياسية الطاغية على عهده في السلطة لكونه الرجل الذي نجح في صياغة فلسفتها الواقعية والتعريف بمناهجها الفكرية من خلال صياغة (الميثاق الوطني) ووضع الآليات ، والمؤسسات الدستورية الواضحة التي كفلت للهدف الديمقراطي المناخات المناسبة لترجمة برامجه ، وتطوير الممارسات والخبرات المعرفية بالتجربة عند القوى الوطنية المنضوية تحت منظومة المؤتمر الشعبي العام ، ومن ثم تأهيلها لمباشرة مسئولياتها فعليا في الساحة السياسية اليمنية..
ولعل تلك العناصر كانت من أهم مقومات نجاح المشاريع السياسية للرئيس علي عبد الله صالح في قيادة الدولة اليمنية ، وتحقيق أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر1962م وفقاً لمناهج عمل المؤتمر الشعبي العام.
إن هذا الأمر لم تدركه بدقة القوى السياسية السابقة لعهده وقادها ذلك إلى التعثر في الوصول إلى الممارسة الديمقراطية السليمة أو إنماء مؤسساتها الحقيقية رغم أنها أوردت الهدف الرابع من أهداف الثورة السبتمبرية، وإن جميع دساتير الجمهورية العربية اليمنية تؤكد على أن جميع السلطات مصدرها الشعب – ابتداء من الإعلان الدستوري الأول في أكتوبر 1962م وحتى نشأة الدستور الدائم لعام 1970م.
إلا أنه نتيجة للأوضاع الاستثنائية للجمهورية التي رافقت ولادتها ونشأتها الأولى لم يُطبق أياً من الدساتير والإعلانات الدستورية المعتمدة آنذاك ، وكان هناك قصور واضح في الأساليب المتبعة ووسائل الوصول إلى رأي الشعب وتوجهاته .

* خصوصية التجربة الديمقراطية
إن من أبرز ملامح الفلسفة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام هي أنها ذات خصوصية يمنية بحتة ، وتستمد السمة التوازنية لفكرها الثورية من الإيمان بالحداثة والتجديد مع الحفاظ على العناصر المشرقة في تراثها العربي والإسلامي العريق.. إلى جانب كونها فلسفة واقعية تُخضع جميع أبجدياتها الفكرية وتوقيتات برامجها لظروف بيئتها اليمنية ، وواقع حال ساحتها السياسية ، وعقائد الجماهير اليمنية ، وغاياتها الوطنية في التحول والبناء التنموي.
فحالة التشطير وآثارها التبعية والمنزلق السياسي التي انحدرت إليه السلطة في كلا الشطرين فرض على الرئيس صالح التفكير مليا في وسائل وطنية فعالة تعزز من وحدة القوى اليمنية العاملة في الساحة السياسية ، وتحصن الجماهير والثورة فكريا - بعيداً عن التيارات الدخيلة التي أخذت تستشري في الساحة والتي أبدى الرئيس عزيمته على مواجهتها بقوله : "لا بد من مواجهة التيارات الفكرية الغازية والمتسربة من فكر يمني يواجهها.."
من هنا تجلت إرادة الرئيس علي عبد الله صالح على صياغة فلسفة يمنية ذات خصوصية تترجم واقع المجتمع ، وتطلعات الجماهير، وتتوافق مع إمكانياتها المادية والثقافية والاجتماعية . فكان أن تمخض الجهد الرئاسي عن صياغة "الميثاق الوطني" وميلاد "المؤتمر الشعبي العام" في 24-29 أغسطس 1982م ، وشهد الطريق إليهما أول ، وأوسع ممارسة ديمقراطية عرفها الشعب اليمني منذ ثورته السبتمبرية إلى يومه هذا.
وبالعودة إلى فلسفة الميثاق الوطني يلاحظ أنه كان دقيقاً جداً في توجهاته الديمقراطية . فقد حرص المنظّرون لأفكاره على تأطير حقوق وحريات الفرد المادية والشخصية بضوابط شرعية لا تتعدى على ما يكفله الدين الإسلامي الحنيف للفرد ، أو تلزمه السلوكيات الأخلاقية للمجتمع - وإن اختلفت وسائل تحقيقها بما ينسجم وثقافة العصر .
ومن جهة أخرى ربط الميثاق الوطني الانتماء القومي والعربي جنباً إلى جنب مع العقيدة الإسلامية ، ليكسب من خلالهما حصانة الوطن اليمني - فكريا وحضاريا.. وليعطي المسألة الديمقراطية بُعداً فلسفياً شموليا يوصل النظام السياسي للدولة إلى الركنين الأساسيين للديمقراطية ، وهما (الحرية والعدالة) التي تكفلهما النظم الإسلامية التي استوحى الميثاق الوطني أفكاره منها..
إن الصيغة السابقة التي بنى الميثاق الوطني أصول المنهج الديمقراطي اليمني عليها جعلت من الفلسفة الديمقراطية اليمنية تتفوق على نماذج الديمقراطيات الأخرى – السائدة في العالم آنذاك- وتكسب نفسها استقلالية فكرية ذات طابع يمني مميز .
فمن الثابت لدى المفكرين أن الديمقراطية الاشتراكية نجحت في تحقيق ركن "العدالة" إلا أنها سلبت مجتمعاتها الركن الثاني وهو "الحرية".. أما الديمقراطية الرأسمالية فإنها حققت "الحرية" لجماهيرها لكنها في الوقت نفسه أسقطت "العدالة" وأوجدت حالة من عدم التوازن الاجتماعي بين طبقات ذات ثراء فاحش وأخرى فقيرة..
لعل مثل تلك الرؤى لم تغب عن قراءات القيادة اليمنية لتجارب التاريخ ، وبالتالي كانت حذرة جدا من الوقوع في أخطائها ، وآثرت اختيار مساراتها الخاصة التي تجسد روحها الحضارية والثقافية والاجتماعية..
أكد الرئيس علي عبد الله صالح على حقيقة ما يجب التعامل به مع مفردات التجارب العالمية حين ذهب للقول :
(لا بد لنا أن نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين من خلال دراسة موضوعية لتلك التجارب.. ومعرفة الآثار السلبية لنزيلها ونتجنبها والآثار الإيجابية لنقويها ونطورها، وصولاً إلى بناء الدولة الحديثة ، بناء سليماً شاملاً يجعلها قادرة على تحقيق السعادة والرفاهية والحرية للإنسان ، باعتباره محور القضية كلها..)
إذن فالمسيرة الديمقراطية لم تنطلق من تقليد أعمى لتجارب سابقة وإنما أعقبت مرحلة ساخنة من الاستقراء الدقيق لمفردات الوضع اليمني أولا ، ثم التأمل والتمحيص بالتجارب السابقة ، فضلاً عن محاولات مضنية لبناء علاقة جدلية بين مخرجات العمليات السابقة والإدارة السياسية المناسبة للتحول ، وغايات ذلك التحول وسقفه الزمني .
كان ذلك من أشق المهام التي تبناها الرئيس صالح على عاتقه منذ الباكورة الأولى لعهده في الحكم .. وكان من الشجاعة والثقة بالنفس أن انطلق إلى إرساء تجاربها الأولى في مرحلة حرجة ومبكرة جدا ، نالت إعجاب وتقدير كل الفصائل الوطنية في الداخل ، والمراقبين السياسيين في الخارج ، حين اقدم على إصدار الإعلان الدستوري الثالث في 8 مايو 1979م ، الذي يوسع فيه اختصاصات مجلسي الشعب التأسيسي ، ويرفع عدد أعضائه من 99 عضوا إلى 159 عضوا بهدف إتاحة الفرصة للمزيد من العناصر السياسية للمشاركة في السلطة ، بعد أن كانت مستبعده في العهود السابقة.
ويومئذ توجه إلى اليمنيين ، محاولاً إعادة الثقة إلى نفوسهم بقدراتهم وإرادتهم الوطنية - مخاطبا إياهم بقوله :
( نرى اليوم أنه لابد أن نقفز بهذه الخطوة دفعة واحد للأمام من خلال ممارسة الشعب اليمني الكبير حقه في التعبير عن أرادته في اختيار من يمثله في هذا المجلس عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة النزيهة ، التي لا تخضع لأي تأثيرات - مهما كان نوعها - وأننا على يقين من أن شعبنا قادر على أن يمارس حقه في الديمقراطية على أكمل وجه).
وكما ذكرنا من قبل - أن للتجربة الديمقراطية اليمنية خصوصية مميزة ، وهي لا تتوقف عند مستوى الصياغة الفكرية للاستحقاقات الوطنية والإنسانية للفرد ، وأنما امتدت هذه الخصوصية إلى أسلوب العمل السياسي للمؤتمر الشعبي العام الذي اعتمد التدرّج لبلوغ النموذج اليمني المتكامل والشامل من الممارسة الديمقراطية .
فالساحة اليمنية - التي كانت تعاني من فراغ سياسي وتفتقر إلى أي تجارب ديمقراطية سابقة تستمد منها خبراتها - كانت بأمس الحاجة إلى التدريب ، والتأهيل، والأعداد المرحلي الطويل لتصبح مستعدة لاستقبال التعددية الحزبية بهيأتها المتعارف عليها.
لذا حرص الرئيس علي عبد الله صالح أن يعتمد أسلوب التدريج المنطقي بالعمل السياسي – أي على مراحل متتالية تتعدد خلالها التجارب ، وتنمو المهارات ، وتنضج الخبرات ، فيعبِّر عن فلسفته السياسية لهذه المسألة بالقول :
(كانت إقامة التعددية الحزبية مباشرة في تلك المرحلة خطأ فادحا في بلد لا يوجد فيه تقليد ديمقراطي ، ولم يمارس فيه الانتخاب العام أبدا.. لم يكن ينبغي حرق المراحل بشكل غير مسئول ، وإنما - وقبل كل شيء - تكوين كادارات ، وتجميع مناضلين ، وإرساء أسس حياة عامة عصرية ، واعتماد المراحل المتتالية).
ثم يتحدث الرئيس عن أهمية تأسيس المؤتمر الشعبي العام ، وضروراته في أداء هذا الدور فيقول:( لم يكن أمرا مجديا أن نقترح كما فعل البعض إقامة نظام الأحزاب فورا ، لأن ذلك كان سيؤدي إلى الانقسام والشلل والبلبلة . كان يتوجب على عكس ذلك تجميع القوى الحية اللازمة ، وبخاصة التشكيلات السياسية ، والنقابية داخل حركة واسعة الانفتاح ، تستطيع أن تختبر أول شكل للانتخاب العام ..وهذا ما فعلناه بتأسيس المؤتمر الشعبي العام).
إذن كانت فلسفة التدرج المرحلي في مسيرة البناء الديمقراطي للدولة اليمنية واحدة من أقوى أسباب نجاح تجربة الرئيس علي عبد الله ومنظومته السياسية المؤتمر الشعبي العام .
فهذا التنظيم ، بكل التحضيرات التي أدت إلى كينونته، أصبح بمثابة ميدان تأهيل الممارسة الديمقراطية اليمنية وتنمية سلوكياتها وتجاربها ، ومن ثم غرسها بين أوساط المجتمع كتقليد حضاري للعمل السياسي ، مؤطر بمحددات واضحة ، وملزمة أقرتها نصوص الميثاق الوطني الذي جاء ليمهد الطريق إلى إعلان التعددية السياسية والحزبية عبر الحريات التي أباحها للجماهير كما في النص ( حرية التعبير عن الرأي والفكر بكل وسائل التعبير وتمتع المواطنين بكافة الحقوق السياسية), في الوقت الذي كانت المادة ( 37) من الدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية تؤكد أن الحزبية بجميع أشكالها محظورة .
وبما أن الديمقراطية- وفقا لتعريف المفكرين لها- تقوم على مبدأين أساسيين هما ( الحرية والعدالة) فقد وجهت النصوص الميثاقية فلسفتها بعناية صوب مفاهيم العدل والمساواة بين أبناء المجتمع الواحد، وأوردت نصوصها ( لا لسيادة لنسب ولا لمال ولا لفرد ولا لطائفة أو شلة من الناس ولكن المواطنين جميعا بنية واحدة تستمد حياتها من كل عضو, وتمد كل عضو بحياته ، المواطنون سواسية في حق التصويت وإبداء الرأي وفي كل الحقوق والواجبات وعلى هذا الأساس فإن حق المشاركة في النشاط العام وحق التمتع بكافة الحقوق السياسية والمدنية ، وحق الترشيح والانتخاب، وحقوق أخرى يجب أن تكون مكفولة للأفراد والجماعات على حد سواء ، يمارسونها بالأساليب الديمقراطية جاعلين المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار آخر).
وعليه فإن الفهم اليمني للديمقراطية كان فهما ناضجا وواعيا إلى أقصى الحدود ، وكان أقوى قدرة على تمثيل نفسه واقعياً من خلال المؤتمر الشعبي العام الذي ترجم كل تفاصيل تلك الفلسفة إلى مشروع طموح للنماء والتطور.
ربما كان مفكرو العالم الاشتراكي والعالم الرأسمالي وغيرهم كتبوا لشعوبهم فلسفات ديمقراطية ناقصة ، تجردهم من بعض حقوقهم الإنسانية ، إلاّ أن المفكر اليمني الرئيس علي عبد الله صالح كان الأسبق إلى صناعة الفلسفة الديمقراطية العربية الإسلامية الحديثة بكل برامجها الحضارية والثقافية والسياسية.. وكان الأقوى إلى تمثيلها عمليا في الميدان بين جميع فئات الشعب اليمني وقواه السياسية والوطنية التي نراها اليوم تعمل في الساحة السياسية بكل إيمان وثقة بإرادتها وحقوقها الإنسانية المشروعة .
نحن إذ نتناول فلسفة التجربة الديمقراطية اليمنية للرئيس علي عبد الله صالح ومسيرتها الثورية – فمرادنا الوقوف على الأنموذج الذي يجمع بين أصالة الأمة الحضارية والتاريخية ، وفكرها الإسلامي، وأبجديات العصر ، الذي بات من الأولى لمفكري الأمة دراستها بتمعن ، والاستفادة من معطياتها السياسية ، والإنسانية ، والفكرية لتكون خيار الأنظمة العربية وجماهيرها إلى غاياتها المستقبلية وعزتها وكرامتها الإنسانية .


** (( المؤتمر الشعبي العام .. بلغة الأرقام ))

حين نستحضر لأذهاننا المفردات التأسيسية للمؤتمر الشعبي العام ومسيرة حركته الوطنية ، نجد أنفسنا نتحدث عن مسيرة وطن مترامي الأطراف، ونبض شعب مكافح لا تنطفئ، في عروقه جذوة الآمال والطموحات الكبيرة.. وربما سيكون بوسعنا أن نضع أنفسنا أمام كمٍ هائل من الإنجازات ، والشواهد الحية ، والأرصدة الوطنية العملاقة التي تبعث الإحساس في كوامننا بصعوبة المهمة البحثية التي توليناها على هذا الصعيد .
من المؤكد أن لغة الوصف و السرد القصصي ليست هي اللغة التي ينبغي اليوم على المؤتمر الشعبي العام أن يخاطب بها جماهيره ، لأنه سيكون أقرب شبها بتلك الأحزاب والتنظيمات المعارضة التي لا تجد في جعبتها ما تخاطب به جماهيرها في المناسبات ، غير الوصف والثناء على نفسها وادعاء الأفضلية، دون أن يكون في رصيدها من العمل الوطني حتى غرسة صغيرة تزرعها في (يوم الشجرة).. أما من كان بحجم المؤتمر الشعبي العام – أعتقد – سيغنيه الفعل حديثاً .
يقيناً إن قراءة تطورات أثنين وعشرين عاما من عمر المؤتمر الشعبي العام يعني الوقوف على ناصية حقبة زاخرة بالتحولات والمنجزات التي لا يمكن وصفها بغير الأرقام، إذ هي اللسان الأفصح من أي شيء آخر للحديث عن النهضة اليمنية بقيادة المؤتمر الشعبي العام .لهذا رأينا أن نعرّج بعض الحقائق لنستعرضها بالأرقام – وأنوّه الى أن ما سنورده لا يمثل آخر الإحصائيات في بعضٍ منه :
· ارتفعت الاستثمارات الحكومية من (29) مليار ريال في خطة 82/1986م إلى (1.5) تريليون ريال في خطة 2001-2005م.
· حتى يونيو 2003م بلغت المشروعات التي رخصت لها الهيئة العامة للاستثمار (4508) مشروعاً بقيمة (838) مليار ريال.
· إنشاء المنطقة الحرة في عدن، وبلوغ تكلفة مشاريعها (5.7) مليار دولار وتشمل (110) مشاريع ، بلغت قيمة المنفذة منها في قطاعات البنية التحتية بين عامي 97-2002م حوالي
(844.7) مليار ريال.
· أما لو تابعنا مؤشرات النمو الاقتصادي خلال الفترة التي قاد بها المؤتمر الشعبي العام مشروع الإصلاحات الاقتصادية
(1997-2002م) فبالمقارنة بين معدلات العامين نجد أن الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات غير النفطية قد ارتفع من
(160.360) إلى (197.386) أي بمعدل نمو سنوي 4.2% أما ناتج استخراج النفط فقد ارتفع أيضا من (29.542) إلى
(36.714) بنسبة 4.4%.
· في مجال الزراعة تحقق معدل نمو بلغ حوالي 6%، وارتفع إنتاج المحاصيل بنسبة 32.9% ، وتزايدت المساحات المزروعة بنسبة بلغت 0.7%.
· وفي قطاع الثروة السمكية فقد ارتفع الإنتاج السمكي من
(115654) طن عام 1997م إلى (178605) طن عام 2002م، وارتفعت الصادرات للفترة ذاتها من (28849) طن إلى (44824) طن.
· حقق قطاع النفط في الفترة (97- 2002م) معدل نمو بلغ
(3.8%) وحقق الغاز نسبة نمو (4.2%)، وحققت الصناعات التحويلية معدل نمو (9.3%) سنويا.
· وفي مجال قطاع الطاقة الكهربائية فقد شهد هذا القطاع تطوراً كبيراً في إطار برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي قادها المؤتمر الشعبي العام بدء من العام 1997م.. فقد زادت الطاقة الكهربائية المركبة في الفترة (97/2002م) من (775) ميجاوات إلى (846) ميجاوات بنسبة تغيير 9.2%.
كما زادت الطاقة الكهربائية المولدة من (2853) إلى (3908) ميجاوات/ ساعة، وبنسبة 37%.
· في مجال الطرقات خلال الفترة (97/2002م) ازدادت أطوال الطرق الإسفلتية من (5585) إلى (8689) كيلو متر وبمعدل سنوي (9.2%) وبمعدل تغيير بين الفترتين بزيادة (55.6%). كما زادت أطوال الطرق الحصوية من (2993) إلى(5291 (كيلو متر بمعدل 21.1% سنويا في حين تم صيانة حوالي
(914) كم من الطرق الإسفلتية، و (3405.2) من الطرق الحصوية .
· في مجال النقل- أقيمت العديد من المشاريع منها بناء رصيف جديد في ميناء الصليف بطول (45) متر وعمق (14) متر. كذلك بناء ميناء مناولة الحاويات في ميناء عدن، وإنشاء لسان بحري في سقطرى، وإعادة تأهيل مطار عدن، وإنشاء مبنى الركاب في مطار عتق، وتقوية مهبط الطائرات في مطار تعز، وإنشاء مطار دولي جديد في سقطرى، والبدء في توسيع مطار صنعاء الدولي وتحديث أسطول الخطوط الجوية اليمنية.
· في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية - تم إنشاء مدينة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وإقرار البرنامج الوطني لتقنية المعلومات، وإنشاء البوابة اليمنية للإنترنت وشبكة تراسل المعطيات، وتنفيذ مشروعي تركيب وتشغيل (500) ألف خط هاتفي ثابت و (115) ألف خط هاتفي ريفي.. كما كان لفخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح التفاتة كريمة بتخفيض تعرفة اتصالات الريف، وإصدار قرار مجانية الإنترنت.
· في قطاع التربية والتعليم- فقد تم رفع الطاقة الاستيعابية لبرامج محو الأمية وتعليم الكبار إلى حوالي (311) ألف شخص عام 2002م.. وفي التعليم الفني والمهني ارتفع عدد الملتحقين للفترة (97/2002م) من (238.8) ألف طالب متدرب إلى (105.13) ألف متدرب..
وعلى نطاق التعليم الأساسي فقد ارتفعت أعداد المدارس إلى (14614) مدرسة أساسية وارتفعت أعداد الطلاب إلى نحو (3.7) مليون طالب وطالبة ، وحقق التعليم الأساسي معدل نمو 6.2%. أما التعليم الثانوي فقد ارتفع عدد المدارس إلى نحو (742) مدرسة ثانوية وحقق نسبة نمو 9.7% علاوة على ذلك فإن إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم قد ارتفع إلى (100) مليار ريال.
· في مجال القطاع الصحي- فقد تم توسيع الخدمات الصحية خلال الفترة (97-2002) من 35% إلى 43.3% من إجمالي السكان، وقد قاد ذلك إلى خفض معدلات وفيات الأمهات من
(351) حالة إلى (343) حالة من بين كل مائة ألف ولادة حية.
كما انخفضت معدلات وفيات الأطفال الرضع من (75.2) إلى
(72.3) حالة من بين كل ألف مولود حي. علاوة على ذلك فإن عدد الأطباء ازداد من (1.5%) إلى (2.2%) لكل عشرة آلاف. ورافق ذلك ارتفاع في عدد الفئات التمريضية من (5.6%) إلى (6%)وازدادت أعداد المنشآت الصحية من (1476) إلى (2523) منشأة.
بجانب ما تحدثنا عنه فإن هناك الكثير جداً من التطورات التي شملت القطاعات الأخرى كالشباب والرياضة والأوقاف والثقافة ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها..
وفي الحقيقة أن ذلك كله إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية المؤتمر الشعبي العام في مسيرة الدولة اليمنية ونهضتها التنموية ، باعتباره ضرورة تاريخية وعصرية ، نجحت في رفع قواعد نهضة وطنية شاملة..
إن الشعب اليمني اليوم لا يجني ثمار مسيرة 22 عاماً من البذل والعطاء وحسب، بل ويؤسس لغد مشرق للأجيال من خلال ذلك الرصيد الهائل - وربما يمكننا القول في نهاية الحديث، أن على من يتطلع لاستعراض مسيرة المؤتمر الشعبي خلال 22 عاماً ينبغي عليه النظر أولاً إلى كل ما هو كائن حوله ابتداءً من المسكن ، ثم الشارع ، ثم كل ما يصطف على جانبيه من عمران ومؤسسات ومنشآت وأسواق.. الخ.
تلك جميعاً، وباختلاف ألوانها وأغراضها محض شواهد حية على حجم التطور والنمو في الحياة اليمنية ، ودليل على مقدار التفاعل الحضاري والعصري الذي شهدته ساحة العمل الوطني على يد المؤتمر الشعبي العام الذي كان قائداً ومبرمجاً وأداة لبلوغ هذا المستوى من النهوض على طريق المجد الحضاري للدولة اليمنية الحديثة .


** (( المؤتمر وفلسفة البناء الوحدوي))

إن من أهم المحطات التي يجب الوقوف عندها كلما جرى الحديث عن المؤتمر الشعبي العام هي مسألة الوحدة والكيفية التي يبني بها المؤتمر فلسفته السياسية لمسار العمل الوحدوي- وطنياً وقومياً-وطبيعة الرؤى اليمنية الخاصة لسبل بلوغ هذه الغاية وترجمة مفرداتها في واقع حي ومتفاعل مع ما هو مرسوم له من آفاق مستقبلية رحبة.
فمن الثابت تاريخياً أن قيام المؤتمر الشعبي العام (24-29 أغسطس 1982م) لم يكن إلاّ خيار يمني أملته ضرورات وطنية ملحة تتعلق بمصير الدولة اليمنية ومستقبل ثورتها السبتمبرية اللذان أمسيا في ظرف حرج للغاية ينذر بانهيار كامل لمؤسسة الحكم وفكرها الثوري ..
ولعل استقرار رأي الأخ الرئيس علي عبد الله صالح والقوى الوطنية الأخرى على صيغة العمل السياسي عبر المؤتمر الشعبي العام كان يفهم على أنه أول تبني موضوعي وحقيقي لفلسفة منطقية في مسألة البناء الوحدوي للدولة اليمنية والتي يعتبر تنظيم المؤتمر ومنهاج عمله السياسي (الميثاق الوطني) بمثابة الولادة المبكرة لفكر الوحدة، والأساس الأول الذي سترتفع على قاعدته سلسلة كبيرة ومتداخلة من البرامج والمشروعات المختلفة الواعدة بالكثير على المسار المستقبلي للمؤتمر الشعبي العام.
أن الأدبيات السياسية لتنظيم المؤتمر الشعبي العام تؤكد على أن السعي لتحقيق الصيغ الوحدوية الرفيعة لا يجب أن يكون مشتتاً ومتعدد الوجوه والمسارات بقدر ما ينبغي تأطيره ببرامج عمل مرحلية متدرجة في الصعود نحو الصيغ الكبيرة منها، لأن هذا التدرج المنطقي سيجعل كل مرحلة متكئة على الأساس المتين الذي تشكلت به صيغ المرحلة السابقة..
ومن هنا لم يكن متاحاً أمام القوى السياسية الوطنية في اليمن التطلع إلى الوحدة العربية في ظل الظرف المجزأ الذي كان يكتنف ساحتها ويشطرها إلى كيانين منفصلين..
ولم يكن ممكنا أيضا السعي لتوحيد الشطرين وما زالت في كل كيان منهما قوى وفصائل وطنية تتجاذب أطراف الصراع فيما بينها البين وتدور في دوامة لا حدود لها من التناقضات والنفور والخلافات البينية.
لا شك أن الميثاق الوطني والمؤتمر الشعبي العام في تلك الفترة شكل إطاراً أولياً لصيغ عمل البناء الوحدوي لليمن، من خلال ما ذهب إليه من تعميق لفلسفة التفاعل الوطني الموحد ضمن صف واثق ، يتعامل مع المسألة السياسية الوطنية من حيثيات الواقع الذي يعايشه ، ويتحسسه بكل مفرداته اليومية . وعلى هذا الأساس وجد اليمنيون أنفسهم يكسبون رهان الوحدة الوطنية التي طالما ظل تغيبها يؤرقهم على مر أعوام اليمن الجمهوري .
وكان من المفترض أن تكون الوحدة اليمنية (بين الشطرين) هي الخطوة التالية لولا أن الأدبيات السياسية للمؤتمر الشعبي العام تتريث عند هذا الموضع، وتحمل المؤتمر مسئولية تهيئة مناخات الساحة السياسية العامة، وتأهيل الوضع في الشطر الشمالي لاستيعاب متطلبات الوحدة بالعمل على فتح قنوات الحوار الإيجابي، وإذابة الجليد المتراكم على العلاقات بين نظامي الشطرين، ومن ثم إبرام الاتفاقيات، وإقامة المشاريع المشتركة وإنماء صيغ التعاون والتبادل الثنائي، وإزالة الكثير من المعوقات بمختلف أشكالها من طريق خطوط العمل السياسي الوحدوي ليكون ذلك كله عاملاً معززاً للثقة والمصداقية بين الشطرين ، ومرسخا لقيم جديدة تكفل أسباب النجاح لبناء اللبنة التالية من الوحدة.
وعليه اضطلع المؤتمر الشعبي العام بمهام شاقة كان يؤسس خلالها لهدفه الوطني الأسمى وهو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين شمال الوطن وجنوبه..
فلم يتوقف المؤتمر الشعبي العام عند مسألة إشهار قيامه والإعلان عن أد بياته الميثاقية، ورفع الشعارات الوطنية البراقة التي تستهوي قلوب الكادحين فتخرج للهتاف باسم السلطة- على غرار ما كان شائعاً من تقليد عند أنظمة الكثير من البلدان- بل أن المؤتمر باشر بعد الانتهاء من إعلان تأسيسه بوضع الخطط والبرامج اللازمة للقفز بمشاريع التنمية الوطنية إلى أفق عريض جداً من النهوض والتطور والبناء المتواصل الذي شمل مختلف قطاعات الحياة..
وصار أيضاً يعمل على رفع الوعي الثقافي والتعليمي للمجتمع ويعمق فكره السياسي الوطني بين الأوساط الشعبية، ويستنهض فيها همم العمل المخلص والبذل المضاعف في سبيل التسريع في خطوات التنمية والتقدم.
ومن جهة أخرى، كانت فلسفة المؤتمر الشعبي العام للبناء الوحدوي تقتضي أيضاً تأهيل الممارسة الديمقراطية، وإقامة مؤسساتها الدستورية التي تكفل تطوير تجارب العمل السياسي وصناعة كوادر وطنية على قدر جيد من الإدراك بمسؤولياتها الوطنية، والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي للدولة..
وهو الواقع الذي عاشته الساحة الجماهيرية بعد تأسيس المؤتمر سواء من خلال توسيع العضوية في المؤتمر الشعبي العام، أو انتخابات المجالس المحلية عام 1985م، وانتخابات مجلس الشورى عام 1988م، وإنشاء المجلس الاستشاري عام 1989م وغيرها من الممارسات الديمقراطية التي يرى فيها المؤتمر حاجة ماسة لتقويم البناء السياسي للدولة، وكذلك للتحول نحو صيغة اليمن الواحد الذي حانت ساعته المناسبة وظرفه الصحي وبات حقاً على الجميع قطف ثمار الجهد المضني في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م بإعلان قيام الجمهورية اليمنية
وفي الحقيقة كان الانتقال من وحدة الصف الوطني إلى وحدة الشطرين يعني أنه أصبح من حق اليمنيين التطلع إلى مشروع الوحدة العربية وهم يضعون أقدامهم على قاعدة متينة تسمح لهم بالتحرك على نحو أرحب وأقوى ثقة بالنفس على الإنجاز والانتصار.
إلاّ أن مثل ذلك الطموح - المشروع -سرعان ما كان يصطدم بعدد من المفردات السياسية المعقدة والصعبة التي تتضمنها الفلسفة الفكرية للمؤتمر الشعبي العام في آليات البناء الوحدوي القومي.
فأدبيات المؤتمر السياسية تحدد العمل من أجل الوحدة العربية بمجموعة من الضوابط وفقاً لمنهج التدرج في البناء المرحلي التي هي من أقوى السمات المميزة لأسلوب عمل المؤتمر الشعبي العام..
فهو يرى أن العمل من أجل الوحدة العربية يبدأ بالبناء الديمقراطي الصادق في كل بلد من بلدان المنظومة العربية، باعتبار الديمقراطية هي الصيغة الأكثر ضماناً للشعوب في إيصال رموزها الوطنية المخلصة والواعية إلى دفة السلطة، وبالتالي فإن ذلك يعني ضمان السعي الجاد والنية الصادقة للنظام السياسي لهذه الدولة من أجل هدف الوحدة العربية،وعدم انحراف سياساته باتجاه ما قد يسبب اختراقاً للاستراتيجيات القومية العربية، أو يزيد من هوة الفرقة والتجزئة.
إن استكمال مهمة البناء الديمقراطي للدولة سيقود إلى إمكانية التحول نحو الخطوة الأخرى – وفقاً لفلسفة المؤتمر- وهي إحداث نهضة وطنية وتنمية شاملة في الاقتصاد والثقافة والأمن والبنى التحتية وغيرها ليكون ذلك مصدر قوة الدولة وأحد أسباب حماية سيادتها الوطنية واستقلالها الذي قد يتعرضا للتهديد الدائم فيما لو داومت على البقاء في ظرفها التبعي المحكوم بالرساميل الخارجية للدول المتقدمة.
ولعل تحرير الاقتصاد وبناء القوة الاقتصادية للدولة سيهيأ لنظامها السياسي فرصاً وفيرة لمد جسور علاقات تعاون ومصالح مشتركة مع جيرانها من البلدان العربية الواقعة ضمن إقليمها الجغرافي..
وبلا شك أن تشابك المصالح وتوثيق صيغ التعاون وما سيرافق ذلك من نوايا صادقة سيكون مرتكزاً لإقامة تكتلات نوعية - ثنائية أو ثلاثية أو رباعية.. الخ ، تعزز قوة المنطقة العربية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وتضاعف من مكانتها الدولية، وتتحول إلى نفوذ مؤثر في صناعة توجهات السياسة الدولية.
وعليه فإن الوصول إلى البلورة العملية للتكتلات العربية النوعية لا بد أن يتحول لاحقاً إلى مشروع في مراحله النهائية للتكامل العربي ووحدة الأمة العربية.
إذن تلك هي تصورات المؤتمر الشعبي العام للطريق إلى البناء الوحدوي الوطني والقومي.. وهي بطبيعة الحال تصورات منطقية للغاية- وإن كانت تبدو مستحيلة في وضعنا العربي الراهن- لكنها في آخر الأمر يمكن عدها من أنضج مشاريع العمل الوحدوي في الوقت الحاضر.
ومن جهة أخرى، أن اليمن بفضل قيادة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح وحكمته ، وقوة إرادته نجحت في ترجمة جزء كبير من تلك الفلسفة الوحدوية على أرض الواقع ، وبإمكاننا اليوم أن نجد أن حكومة المؤتمر الشعبي العام منكبة على تطوير آلياتها وبرامجها لتسريع التنمية الوطنية ، كما تقدم جهداً عظيماً على صعيد علاقتها الخارجية مع دول الجوار الإقليمي، وتضع في مقدمة أولوياتها في ذلك للعلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية والخليج العربي بناء على اعتبارات تاريخية وجغرافية وقومية فضلا عن إيمانها بالقواسم المشتركة الأخرى التي تجعل هذه الدول في مصير ومستقبل واحد يؤثر في بعضه البعض.
ومن الجدير ذكره في هذا المجال هو أن أي بناء وحدوي ضمن أي صيغة كان يستدعي الكثير جدا من المهارة السياسية والحنكة القيادية وقوة الإرادة بجانب المرونة والشفافية في العمل السياسي والذي بدونها لا يمكن أن يستقيم أمراً لأي جهد أو رغبة للبناء الوحدوي.. ولا شك أن مثل تلك العناصر كانت كلمة السر الوحيدة التي دخل بها المؤتمر الشعبي العام بوابة الوحدة اليمنية الخالدة تحت لواء قيادته التاريخية المحنكة الرئيس علي عبد الله صالح.


** (( المؤتمر والبناء الأخلاقي للممارسة الديمقراطية))

إذا كانت الديمقراطية أبرز عناوين الدول الحديثة، فإن العمل الديمقراطي النزيه والصادق هو أرفع مراتب الوعي السياسي للقوى الوطنية الثورية، وأقصر مسافات حيازة السلطة الشرعية ، وأكثرها أماناً ..
فحريُُّ بنا حين نكون على مسافة غير بعيدة من أي تجربة على صعيد البناء الديمقراطي للدولة أن نتذكر هذه الحقيقة ونستوعب مفاهيمها الأخلاقية، ونحصِّن عملنا الوطني بمحدداتها السلوكية، وممارستها الناضجة، إذا ما طالبنا الجماهير أن تجعلنا خيارها أو أحد خياراتها في تلبية إرادتها للمرحلة المقبلة.
فتلك المفاهيم كانت وظلت بمثابة المنهل الفلسفي العذب الذي تأصلت على موارده الأخلاقية انطلاقة المؤتمر الشعبي العام الأولى في 24-29 أغسطس 1982م، بعد أن أضحى خياره الشعب اليمني بمختلف قواه الوطنية، وبشتى أفكارها وتوجهاتها السياسية.
ففي الفترة التي قررت فيها قيادة الرئيس علي عبد الله صالح التحول بالعمل السياسي الوطني نحو الصيغ الأكثر نضوجاً واكتمالاً، والأنسب توافقاً مع ظرفها اليمني الخاص ومعضلاتها السياسية المعقدة ، لم يكن مجدياً_ آنذاك_ نسخ آليات العمل الديمقراطي لتجارب الغير من دون إعادة هيكلتها وجدولتها وفقاً لما يمليه الوضع اليمني، وما يكفل للتجربة أسباب النجاح ومقومات النمو والبلوغ.. وهو الأمر الذي اجتهد رئيس الجمهورية في إيجاد خياراته الدقيقة ، حين أضفى على أصول التأسيس الديمقراطي للدولة صبغة أخلاقية وبُعداً إنسانياً بالقدر الذي يمنحها تعريفاً موضوعياً وواقعياً مرتبط بقوة بضمير الأمة وعقيدتها وتراثها الحضاري العظيم.
لقد كانت الخطوة الأولى باتجاه المؤتمر الشعبي العام في 27 مايو 1980م حين أصدر رئيس الجمهورية قراره الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م والذي يشكل فيه لجنة الحوار الوطني، والمؤلفة من
(50) عضواً. ولعل المتمعن بتلك اللجنة سرعان ما يدرك ما كان يرمي إليه الأخ رئيس الجمهورية إذْ حرص على تنويع فئاتها الاجتماعية بين علماء ومثقفين وعسكريين ورجال دين ومشائخ وغيرهم..
وسيدرك أيضاً معنى أن تصبح لجنة الحوار الوطني ملتقى يجمع ممثلين عن جميع القوى الوطنية والحركات السياسية اليمنية بما فيها عناصر ماركسية من الجبهة الوطنية التي كانت معارضة لنظام صنعاء وتخوض حرب عصابات ضد أبناء الشطر الشمالي.
فلا شك أن ذلك الواقع وتلك الأرضية التي شهدت وقع الخطوة الأولى في طريق المؤتمر الشعبي العام حملت بين طياتها فلسفة البناء الأخلاقي لهذه التجربة الكبيرة.
فالحرص على عدم التجاهل لأية شريحة أو توجه فكري سياسي هو بحد ذاته اعتراف بأهمية الكينونة الإنسانية لها، واحترام لرأي أصحابها، وتأكيد للشراكة الجماهيرية في قيادة مسئوليات الحكم، والبناء للمرحلة المقبلة، فضلاً عن ترسيخ قيم العمل الجماعي الموحد في أطر تجعل من الحوار الإيجابي، وتبادل وجها النظر أساساً لتوفيق الرؤى المتعددة والتوجهات السياسية المتباينة التي شهدتها تلك الفترة.
ومن هنا تتجلى حقيقة كون اللبنة الأولى في قاعدة المؤتمر هي لبنة القيم الأخلاقية والإنسانية التي تؤهل المشروع السياسي الديمقراطي لإقامة هياكله اللاحقة على أرضيتها الصلبة.
وهو بالفعل ما تمت ترجمته في الصياغات الفكرية لمشروع "الميثاق الوطني" وما رافق ذلك من ممارسات جماهيرية حية ومباشرة عبرت عن إرادتها من خلال استمارات الاستبيان التي تم توزيعها في مختلف مناطق الجمهورية والتي منحتها لجنة الحوار الوطني قسطاً مضنياً من الجهود في الفرز والتبويب والتحليل والتعديل.
ومن جهة أخرى، ربما يجهل البعض أن تقسيم أعضاء المؤتمر الشعبي العام (الألف)إلى حصتين: الأولى 70% يتم انتخابهم جماهيرياً، والثانية 30% يتم تعيينهم بقرار جمهوري..
لم يتخذ ذلك القرار عبثاً ، بل كان مبنياً على قراءة ذكية لواقع الظرف اليمني الذي كان يثير بعض قلق القيادة السياسية من احتمالية أن تبقى بعض القوى الوطنية خارج حلبة المؤتمر من غير أن يسعفها الحظ في الفوز بممثلين عنها ضمن نسبة الـ70% المنتخبة.
وعليه كانت القيادة السياسية ترى أن احتفاظها بنسبة 30% سيمكنها من موازنة ساحلة العمل الوطني والزج: بجميع القوى السياسية والوطنية من دون استثناء في ساحة المؤتمر للإسهام بقيادة وتخطيط برامج المرحلة المقبلة. ولعل هذا اللون من البناء والتأهيل الأخلاقي لمؤسسة الدولة يمثل حالة نادرة في مناهج العمل السياسي التي يمكن لنظام حكم سياسي أن يتبنى خياراتها.
إن من الخطأ بمكان الاعتقاد بأن ما سبق ذكره مجرد ظاهرة سياسية طارئة أو تصور مرحلي لتجاوز ظرف عصيب..لأن مثل ذلك الرأي سيصطدم بحالات لا حصر لها مما يجسد عناصر البناء الأخلاقي في الممارسة الديمقراطية عبر المؤتمر الشعبي العام.
فالمؤتمر الشعبي العام منذ انبثاقه باشر مهمة كبيرة، يدور محورها في تأهيل القوى الوطنية وإنماء تجاربها في العمل السياسي الديمقراطي من أجل تمكينها من التحول من التعددية السياسية في إطار التنظيم الموحد للمؤتمر الشعبي العام إلى التعددية الحزبية التي يصبح المؤتمر في ضوئها واحداً من القوى الوطنية التي تعمل وتنافس وتضع برامج مستقلة لذاتها عن غيرها من الأحزاب والتنظيمات السياسية.
في الوقت الذي كان بالإمكان أن تتبوأ منزلة المظلة الأم التي تمن على بقية القوى الوطنية بفضل حضانتها لها وإنماء كوادرها ومهاراتها. وهذا هو موضع المفاضلة الأخلاقية في تجربة المؤتمر الشعبي العام في البناء الديمقراطي للدولة.
وربما كان حري بنا أن نستذكر الكثير من الصيغ التي عمل المؤتمر على تأسيس مؤسساتها الدستورية وصناعة آلياتها الخاصة بالكثير من المرونة والشفافية التي تنسجم مع انعكاسات الظرف السياسي السابق لعهد الرئيس علي عبد الله صالح الذي عرف بالفراغ السياسي، وانحسار الفرص الديمقراطية في العمل الوطني.
فقد عمل المؤتمر على نقل مفردات العمل السياسي إلى عمق الوسط الجماهيري بحيث تصبح آلياته متاحة لمتناول كل فرد من أبناء الشعب اليمني.. فصار منذ العام 1982م يتوغل في ربوع الوطن لنشر الوعي السياسي الوطني ولتعميق الممارسات الديمقراطية، سواء عبر انتخابات المؤتمر أو المجالس المحلية أو مجلس الشورى بجانب الكثير جداً من الاتحادات والنقابات والجمعيات التي تجاوز عددها
(300) جمعية ونقابة عشية الإعلان عن قيام دولة الوحدة..
فلم تعد الهموم اليمنية مجرد هموم سلطوية، أو ذات خصوصية معينة تتحمل مسئولية البحث عن حلول لها أجهزة النظام الحاكم فحسب بل صار بإمكاننا بعد قيام المؤتمر الشعبي العام أن نقف على هموم وطنية مشتركة يتشاطر مسئولياتها كل من الحاكم والمحكوم كما رأينا ذلك يتجسد واقعاً في مواجهة أعوام الجفاف (82-1983م) وفي مواجهة آثار الزلزال، وكذلك في معارك المد الماركسي في مناطق الأطراف على حدود الشطرين التي لولا التلاحم الجماهيري الشعبي مع القيادة السياسية لما تمكن أحد من إطفاء أوارها.
أضف إلى ذلك جهداً عظيماً وإنجازاً كبيراً كانت تقدمه جمعيات التطوير التعاوني على صعيد المشاريع التنموية والخدمية المختلفة.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الممارسة الديمقراطية التي كان المؤتمر الشعبي العام يحاول إرساءها هي من نوع الديمقراطية البنائية التنموية والتطويرية لأساليب الحياة ومقوماتها الإنسانية الأساسية..
ولم تكن ديمقراطية سباق حزبي إلى مقاليد الحكم أو مراكز الوجاهة الطائفية والقبلية وغيرها.. وهو الأمر الذي تحققت في ظله نهضة سريعة وإنجازات عملاقة أضفت على الفترة صبغة الوصف بعهد الديمقراطية المنتجة، والتي قوامها تلك المثل الأخلاقية الرفيعة التي أسست لعمل وطني مشترك يُدمج الجماهير في مشروع تنموي نهضوي مسئول يجعل غاياته الأولى الارتقاء بكرامة الفرد، وأسباب عزته وازدهار حياته.
وكما ذكرنا -من قبل- أن ذلك لم يكن شأناً مرحلياً بقدر ما كان ثابتاً استراتيجياً يمنياً يتطور بتجدد المراحل، حيث أننا نجد المؤتمر الشعبي العام بعد إعلان الوحدة يجتهد كثيراً في إعطاء هذه المرحلة نفس الاستحقاقات السابقة من المسئوليات الأخلاقية في العمل السياسي الحزبي الذي طالما ظل يؤكده بوضوح كبير في أسلوبه السياسي في التعامل مع معطيات الأزمة التي نشبت خلال المرحلة الانتقالية مع الحزب الاشتراكي.
ويقيناً أن سياسة النفس الطويل بكل ما رافقتها من حوار وتنازلات من جهة المؤتمر، وقبول على مضض بشروط مجحفة كانت جميعها ترسخ الإيمان والثقة بالحوار والمرونة والشفافية في العمل السياسي كخيارات أكيدة في فلسفة المؤتمر الشعبي العام لبناء الدولة.
وعلى كل حال كان الوقوف على هذه النقطة يعني استدعاء أمثلة لا حصر لها من تجربة المؤتمر الشعبي العام في العمل السياسي الوطني التي شأنها إجلاء حقيقة حرص المؤتمر على تأطير تجاربه بصيغ أخلاقية نبيلة قلما نجدها في تجارب سياسية أخرى..
فالعفو عن المشاركين في حرب الانفصال ثم عن قيادتهم السياسية العليا لا بد أن يصب في اتجاه قيم التسامح والحرص على عدم خسران أي جهد وطني، أو عنصر إنساني قد يكون له شأن كبير في خدمة الوطن إذا ما منح فرصة أخرى لإثبات الذات.
إلى جانب هذا كانت علاقة المؤتمر الشعبي العام بأحزاب المعارضة ليست علاقة حاكم ومحكوم بقدر ما هي علاقة شراكه وطنية_ بمنظور المؤتمر على أقل تقدير_ يمتلك على ضوئها الجميع حقوقاً متساوية وفرصاً عادلة في العمل السياسي الوطني..
فالمؤتمر لم يحاول استغلال موقعه في الحكم لإملاء شروط وضوابط على حركة أحزاب، وتنظيمات المعارضة؛ حيث أن حقيقة ما هو كائن، وماثل للعيان تؤكد بأن المؤتمر كان على الدوام يستجيب لكل دعوة حوار أو تفاهم تطلبها المعارضة، وخصوصاً تلك الدعوات التي اعتادت المعارضة على توجيهها قبل كل تجربة انتخابية لوضع أسس وضوابط تكفل نزاهة الانتخابات_ حسب تعريف المعارضة لأهداف تلك الدعوات_ وبطبيعة الحال كان الجميع يخرج باتفاق تنسيق لم يكن نصيب المؤتمر الشعبي من جلسات إقرار بنوده إلا صوتاً واحداً أسوة بأي حزب من تلك الأحزاب..
مع أن لا مجال للمقارنة بين دور المؤتمر وإنجازاته في الساحة الوطنية، وبين عجز غيره عن تقديم شيء للحركة التنموية للدولة اليمنية.
ولاشك أن دعوة المؤتمر الشعبي العام للأحزاب والتنظيمات السياسية للالتقاء على وثيقة اصطفاف وطني هو أمر يصب في رصيد المؤتمر من آليات البناء الأخلاقي للممارسات الديمقراطية، والتي من شأنها أن تعيد القوى الوطنية إلى المنصة الحقيقية والصادقة للعمل الديمقراطي التي يجب أن يعيدوا النظر بمفاهيمهم للعمل الحزبي في الصف المعارض من قاعدتها..
حيث أن الممارسة الديمقراطية لا تبيح لأحد تحويل الساحة الجماهيرية إلى مجرد منصات خطابية لتبادل الاتهامات، والشكوك، والسباب، في الوقت الذي يجب أن يجعل الجميع من ممارسة العمل الديمقراطي منهجاً أخلاقياً نبيلاً يمهد السبل لمزيد من العطاء، والبناء التنموي، وليس لتعقيد الحياة ومغالطة مفاهيم العمل السياسي..
وهو الأمر الذي ربما سنكون فيه بأمس الحاجة للوقوف ثانية متأملين في الدروس الأخلاقية التي ترجمها المؤتمر الشعبي العام في عمله السياسي خلال مسيرة 22 عاماً.


** (( المؤتمر وأبجديات العمل السياسي الوطني))

لاعتبارات عديدة تعد تجربة المؤتمر الشعبي العام في اليمن واحدة من التجارب السياسية النادرة في المنطقة العربية.. إذ أنها كانت الأولى من نوعها بين صيغ العمل السياسي التي كانت تشهدها البلدان العربية منذ بداية حركات التحرر العربي وحتى انبثاق مؤسسة المؤتمر الشعبي العام..
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت المناهج الفكرية التي استندت إليها هذه التجربة والمتمثلة بالميثاق الوطني ذات صبغة يمنية خاصة، ولا تستمد مفرداتها الفكرية من أي تجارب سابقة غير ما هو كائن في الحقب المنصرمة من عمر الحضارة اليمنية ..
علاوة على كون قيام المؤتمر الشعبي العام كان يمثل تلبية لحاجات وطنية ملحة يمليها واقع ظرف سياسي حرج، وإعدادات سابقة لبناء فكري يقتضي إيجاد كيان تنظيمي نوعي يحتضن مفرداته، ويتبنى فلسفته، ويصبح أداته التي تمثله واقعاً معاشاً في ساحة العمل الوطني.
ولعل مثل تلك الاعتبارات الموضوعية تضفي على تنظيم المؤتمر الشعبي العام صفة الخصوصية اليمنية،ونقاء المنهل الفكري، والتفرد في خيارات العمل الوطني..
وهو الأمر الذي ما لبث أن انعكس على فلسفة المؤتمر الشعبي العام لأبجديات العمل السياسي وآلياتها الوطنية، وبرامجها السلطوية في التخطيط وصناعة القرار السياسي وتحديد الملامح العامة للدولة اليمنية، وما إلى ذلك من صيغ تتأثر بواقع الخلفيات الأساسية التي ينشأ على قواعدها نظام الحكم .
إلا أن – بقاً لظروف قيام المؤتمر الشعبي العام وفصول مسيرته التاريخية- نجد أن قيادة المؤتمر تؤطر عملها السياسي بجملة من الخيارات المنطقية التي شكلت- لاحقا- أهم عوامل نجاح المؤتمر في الساحة اليمنية، ومرتكز رصيده الجماهيري الكبير.. وهو ما يمكن الحديث عنه اليوم من خلال الحقائق التالية:
أولاً: تحديد الأولويات- فالمؤتمر الشعبي العام ينظم برامج عمله السياسي على أساس من الأولويات الوطنية التي تتسلسل عليها الغايات في أسبقيات مدروسة بعناية تجعل ما تقدم منها شرطا لإنجاز ما يليه .. وقد جسد المؤتمر هذه الفلسفة في عدة مواضع من تجاربه السياسية، كما هو الحال مع تقديمه للعمل من أجل الوحدة الوطنية على خيار الوحدة اليمنية، وتقديم الأخيرة على النضال من أجل الوحدة العربية..
والنهج نفسه يتكرر في تحديد أولويات العلاقات اليمنية الخارجية الذي بآت معروفا للجميع أن السبق فيها لصالح العلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية والخليج العربي.. وبالإمكان استقاء أمثلة عديدة على هذا اللون من البناء السياسي للدولة.
ثانياً: بناء المراحل- حيث يرى المؤتمر الشعبي العام أن من أبرز السمات التي تعرف بهويته هو أنه تنظيم برامجي مرحلي ( ولا ينبغي لأحد القفز فوق المراحل لأن ذلك سيكون خطأ كبيرا) وفقا لما تحدث به الأخ علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام عند شرحه لضرورات التدرج المرحلي المنطقي في ممارسة العمل الديمقراطي..
فالمؤتمر يشترط لكل هدف يسعى لتحقيقه المرور بمرحلة إعداد وتأهيل وتهيئة لمقومات نجاحه، لذلك كان من أهم قرارات المؤتمر العام الأول التأسيسي 24-29/8/1982م هو استمرارية عمل المؤتمر الشعبي العام وتحديد أسلوب عمله السياسي بالتدرج المرحلي.. أي أنه لم يطلق عنان التعددية الحزبية قبل تطوير الممارسات الديمقراطية وإقامة مؤسساتها الدستورية وتأهيل الكوادر وإغناء تجاربهم في هذا اللون من العمل غير المطروق من قبل، وهو ماسا عد القوى الوطنية على التحول إلى التعددية بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
وبطبيعة الحال أن أسلوب بناء المراحل لم يكن مختصا بقطاع دون غيره، بل كان نهجا ثابتا تعتمده قيادة المؤتمر الشعبي العام في تخطيط جميع برامجها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
علاوة على ذلك فإن بناء المراحل شمل حتى المؤسسة السياسية للحكم, بحيث بآت أي تغيير وزاري للتشكيلة الحكومية يحمل مواصفات خاصة تواكب متطلبات مرحلتها أو الضرورات التي تمليها المتغيرات.
ثالثا: الواقعية- ربما يمكن اعتبار هذه النقطة من أهم الأسرار التي جعلت المؤتمر أكثر قدرة على تحقيق أهدافه وبرامجه من غيره من القوى السياسية الوطنية – وحتى العربية..
فقيادة المؤتمر الشعبي العام تولي عناية كبيرة للغاية لظروف الواقع المحيط بساحة حركة نشاطها السياسي, ولا تخجل من الاعتراف بالأخطاء التي تعترض مسيرة عملها ، أو الاعتذار عن إطلاق وعد بأمر ما قد يكون خارج المعقول والممكن ، ومن دون حاجة لتسويق شعارات بطولية خارقة على غرار ما يفعل القوميون المنادون بوحدة الأمة، أو الإسلاميون الداعين إلى إصلاحها وإعادتها إلى ما كانت عليه في عهد الصحابة، أو الاشتراكيون الذين يتطلعون لتحقيق حرية وعدالة اجتماعية مثالية.
المؤتمر الشعبي العام ينطلق في بلورة برامجه المختلفة على أساس معطيات الواقع ولغة المنطق السليم، وذلك جعله موضع ثقة الجماهير وعنوان تطلعاتها وآمالها الوطنية المشروعة لأنه كان في كل مرة يؤكد قدرته على بلوغ كل ما كان يرسمه للمرحلة أو يعد به الجماهير.
رابعا: الثوابت الاستراتيجية- وهي مجموعة المبادئ السياسية العامة التي حددها الدستور أو فصلها ( الميثاق الوطني) والتي يعتبرها المؤتمر الشعبي العام أركان مؤسسة الدولة، ويرى أنه متى ما تم اختراقها أو تجاوزها سيؤدي ذلك إلى انهيار نظام الحكم.
وعلى هذا الأساس نرى أن المؤتمر الشعبي العام كان حريصا على الدوام على الانطلاق في سياساته من هذه الاعتبارات فكان أن أصبح من أقدر القوى الوطنية على تمثيل الجماهير وحقوقها الدستورية والشرعية و إرادتها كونه يضع أقدامه على نهجها، ويحدد حركته في العمل الوطني داخل ارتباطاتها الاستراتيجية ورؤاها المنطقية للأمور..
وبطبيعة الحال انعكس ذلك على مدى قدرة المؤتمر على موازنة ساحته السياسية وارتباطاته الخارجية وبرامجه الوطنية بالقدر الذي أعطاه صبغة من الموضوعية ، والتعريف ، وضاعف من حجم الثقة الممنوحة له كتنظيم سياسي أولا وكقيادة حاكمة - ثانياً .
خامساَ: قدرة التجديد- مما هو ملاحظ أن المؤتمر الشعبي العام لا يقيد نفسه بقوالب جاهزة وأفكار جامدة تشل حركته أو تحد من أفقها..
فالمؤتمر يمتاز بالقدرة الفائقة على تطوير الذات التنظيمية وتطوير البرامج السياسية لها أيضا، لتواكب نمو الحياة ومتغيرات العصر من جهة وليجعل نفسه أكثر قدرة على استيعاب الصيغ المتعددة من الغايات والحاجات الوطنية.
بالإضافة إلى كل ذلك فإن قيادة المؤتمر الشعبي العام - منذ البدء -كانت تتطلع إلى التحول نحو اللامركزية في الحكم ، ومثل هذا الهدف لا يمكن أن يحظى بأي قدر من الاهتمام أو التمثيل الواقعي ما لم يمتلك المؤتمر المرونة الكافية للقبول بالتغيير، والتطوير لهياكله التنظيمية ومحددات عملها السياسي ، والصيغ التي تكون قادرة بموجبها على احتواء الظرف الجديد ، والموضع الذي تنتقل إليه من حين لآخر شريطة الحفاظ على مسافة واضحة ومعروفه من الثوابت الإستراتيجية والبنى الأساسية التي يرتكز إليها تنظيمه السياسي.
سادسا: المرونة والشفافية- لقد أثبت المؤتمر قدرة نادرة في العمل السياسي المرن والشفاف من خلال ما كان يعتمده من آليات وأدوات عمل وطني مشترك مع بقية القوى السياسية الوطنية.
فقد أعتمد المؤتمر على أسلوب الحوار الإيجابي وطول النفس في أسلوبه في التعامل مع بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية سواء في حل الخلافات الداخلية أو في الوصول إلى صيغ اتفاق معينة..
وربما كانت تجربته مع الحزب الاشتراكي خلال المرحلة الانتقالية أصدق برهان على حجم المرونة التي يعتنقها، والشفافية التي يتلقى بها الموقف الآخر- مهما كان متطرفا معه..
وهو الأمر ذاته الذي نراه يتجدد بين فترة وأخرى في صيغة الحوارات واللقاءات والاتفاقيات مع أحزاب المعارضة سواء لأمر يتعلق بالانتخابات أم غيرها من شئون البلد.
ومن الثابت أن المؤتمر الشعبي العام من أبعد القوى السياسية في العالم عن الأساليب الدموية أو العنف أو الابتزاز السلطوي للقوى الأخرى العاملة معه في الساحة الوطنية بل أنه يحرص كليا على العمل المشترك، ويجد ذلك خيارا وطنياً أقوى لتحقيق الأهداف الوطنية..
ومما يؤكد تلك الحقيقة هو الدعوات المتكررة التي يوجهها للآخرين من أجل الاصطفاف الوطني ، إضافة إلى دعوته للمعارضة التي في الخارج للعودة إلى البلد والمشاركة بمسيرة البناء بعد أن كان صدر بحقها عفوا رئاسيا.. ومثل هذه القرارات أصبحت مألوفة وجزء من واقع الساحة اليمنية منذ أن تولى فخامة الرئيس علي عبد الله صالح زمام الحكم في اليمن.
ومما سبق يبدو جليا للعيان أن فلسفة المؤتمر الشعبي العام لأبجديات العمل السياسي الوطني مبنية على أسس وغايات نبيلة وسامية تضع المصالح الوطنية العليا في كفة معايير فكرية دقيقة ومتوازنة تؤكد مدى قوة ومتانة الفلسفة السياسية الفكرية لقيادة المؤتمر الشعبي العام ونقاء مناهلها.

( تابع الجزء الثالث في ملف مستقل)










أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "كتب ودراسات"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024